في المظاهرات التي انتشرت في غالبية المدن الإيرانية نهاية 2017، رفع عشرات المحتجين شعارات تمدح الشاه محمد رضا بهلوي، الذي حكم إيران 37 عامًا وأطاحت به الثورة الإسلامية. ظهرت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تقارن حال الإيرانيين في عهد الشاه وحالهم بعد الثورة، وتتحسر على تلك الأيام.
في الجهة المقابلة ندد مؤيدو الثورة بتلك الشعارات والحملات، ووصفوها بأنها «الحنين إلى العبودية والاستبداد»، واتهموا مَن وراءها بأنهم مأجورون من حفيد الشاه بهلوي.
لكن هل بالفعل يشعر الإيرانيون بالحنين إلى الشاه، وبخاصة من شاركوا في الثورة عليه والإطاحة به؟
شاه إيران: مشاعر متضاربة
«كان رجلًا ظالمًا ومستبدًّا، لكن عندما أنظر إلى حال الإيرانيين الآن وحالهم في عهده، ينتابني شعور بالذنب لأني كنت واحدًا ممن ثاروا ضده». هكذا يصف «طاهري» (اسم مستعار)، مشاعره المتضاربة تجاه شاه إيران.
طاهري يبلغ من العمر 60 عامًا، يعمل طبيب أطفال، وكان واحدًا من الطلاب الذين خرجوا في مظاهرات ضد الشاه اعتراضًا على سياساته.
يقول طاهري لـ«منشور»: «كان الشاه خاضعًا تمامًا لأمريكا حينها، وكان يمتلك أسوأ جهاز شرطة (السافاك)، ارتكب عددًا من الجرائم ضد معارضيه، وشعرنا وقتها بأنه يجب علينا أن نوقف تلك الأمور لنحمي بلادنا، فأتينا بمن وضعوا نهايتنا».
كان الرجل واحدًا ممن صدقوا وعود الخميني بأن إيران ستصبح جمهورية ديمقراطية يتشارك جميع الطوائف والتيارات السياسية حكمها: «كان من السذاجة أن نطمئن لرجل دين. نحن من سلمنا أنفسنا للظلمة الجدد».
يصف طاهري مشاعره تجاه الثورة والشاه بأنها متضاربة: «إلى الآن لا أستطيع أن أحكم أيهما كان أفضل».
قد يهمك أيضًا: حكايات القادة الذين أشعلوا الثورة الإيرانية، فأكلتهم
نار الشاه أفضل من جنة الخميني
«دعتني صديقتي لحفل عيد ميلادها، ثم اقتحمت الشرطة المنزل واعتقلتنا، لأننا ننظم حفلًا مختلطًا ونستمع لموسيقى الروك».
على عكس مشاعر طاهري المتضاربة، حسم «مهرداد» (اسم مستعار) أمره وقالها صراحة: «ياليتنا تركنا الشاه».
مهرداد كان عمره 15 عامًا عندما اندلعت المظاهرات، لكنه يتذكر حياته جيدًا في عهده: «كنا نسكن في حي كبير في أصفهان، ويمتلك والدي متجرًا كبيرًا للمجوهرات. كنا نستمع إلى خطب الخميني المهرَّبة، وكان أبي سعيدًا به للغاية».
بعد أن أطيح بالشاه وأصبحت مقاليد حكم إيران في يد الخميني، تبدلت حياة مهرداد. كان من المفترَض أن يكمل دراسته الجامعية في أوروبا، لكن الخميني أمر بعدم سفر أي إيراني لاستكمال تعليمه في الخارج. والدته كانت أستاذة جامعية، وفُصِلَت لرفضها ارتداء الحجاب الإجباري.
بعد عام من اندلاع الثورة شن العراق حربه ضد إيران، ولجأت الحكومة حينها إلى التعبئة العامة، وأُجبِرَ مهرداد على الانضمام الى الحرس الثوري وهو في السادسة عشرة: «كنت شابًّا صغيرًا، كل أحلامي أن أكمل تعليمي في مجال الهندسة، فوجدت نفسي في حرب أفقدتني عيني اليسرى».
بعد سنوات من الثورة والحرب اعتقلت شرطة الأخلاق (الباسيج) التابعة للحرس الثوري مهرداد بسبب حضوره حفل عيد ميلاد: «دعتني صديقتي لحضور حفل عيد ميلادها في منزلها مع مجموعة من الأصدقاء، وفجأة وجدنا رجالًا يقتحمون المنزل. اعتقلونا جميعًا لأننا ننظم حفلًا مختلطًا ونستمع إلى موسيقى الروك».
يروي مهرداد مشاعر الغضب التي تملكته حينها، فيقول: «أدركت حينها أن إيران قد انتهت على أيدي مجموعة من كارهي الحياة». والآن يتمنى أن تعود إيران إلى ما كانت عليه في عهد الشاه، ويرى أنها كانت أفضل، وأنه لا مستقبل لها الآن.
اقرأ أيضًا: هل حمت الثورة الإسلامية نساء إيران من التحرش الجنسي؟
إيران الثورة: هل أخطأنا؟
«هل أخطأنا بعد أن أطحنا بالشاه، وجعلنا حفنة من رجال الدين يتحكمون في مصائرنا؟».
«في عهد الشاه كانت لدينا خدمات متطورة وتعليم جيد، فالشاه كان يريد تحويل إيران إلى بلد أوروبي بثقافة فارسية»، هكذا يصف «سيفاش» (اسم مستعار) إيران في عهد الشاه.
سيفاش أيضًا شارك في الثورة، وخرج في المظاهرات الطلابية التي طالبت بالإطاحة بالشاه وإنهاء المَلَكية، ولا يُخفي أنه كان من المعجبين بالخميني وقتها: «لا أستطيع أن أصف محمد رضا بهلوي بأنه كان الرجل الجيد لحكم إيران، لكن في عهده كان الإيرانيون يتمتعون بحياة أفضل مقارنةً بوضعنا الآن».
لم يكتفِ سيفاش بالاحتجاج على الشاه فقط، بل حتى بعد أن سيطر الخميني ورجال الدين على الحكم خرج للتظاهر ضدهم، وكان ينتمي إلى التيار اليساري: «آمن الشاه بأن اليساريين أشد أعدائه، فلم يترك فرصة للتنكيل بهم. وكان يَعِد بأن إيران ستصبح بلدًا آمنًا لكل التيارات السياسية، لكن هذا لم يحدث قط».
قبل الثورة، كانت إيران تتمتع بالحرية الشخصية على الأقل، بحسب سيفاش: «نعم، لم يكن هناك مناخ سياسي جيد، لكن كانت لديَّ حرية ارتداء ما أريد، وسماع الموسيقى التي أحبها، والسفر إلى أي دولة. كانت هويتنا فارسية خالصة، وليست إسلامية كما هي الحال الآن».
يشعر الرجل الآن بالحزن والندم، ويرى أنه كان من الممكن الوصول إلى حال أفضل مما وصلت إليه إيران، ويتساءل: «هل كان من الأفضل أن نكتفي بالضغط على الشاه لإجراء إصلاحات وفتح المجال السياسي للجميع، أم كان لزامًا عليطنا الإطاحة به؟ هل أخطأنا بعد أن أطحنا بالشاه وجعلنا حفنة من رجال الدين يتحكمون في مصائرنا؟».
يُنهي سيفاش حديثه بأن قادة الثورة استغلوا طموحات الشعب الإيراني، مؤكدًا أن حياة الإيرانيين كانت أفضل مما هي عليه الآن: «إن كنت أشعر ببعض الحنين إلى إيران ما قبل الثورة، فهو حنين إلى الحياة الطبيعية وقتها، وليس حنينًا إلى الشاه الذي، رغم كل شيء، قدَّم للإيرانيين كثيرًا من الأشياء الجيدة، لكنه لم يكن ملاكًا».