منذ فترة طويلة كانت العلاقات جيدة بين إيران وحركة حماس الفلسطينية، غير أن تأييد الأخيرة للحراك السوري في فبراير 2012 تسبب في توتر هذه العلاقات، لذا يرى «ماهان عبدين»، المحلل السياسي المختص في الشأن الإيراني، في مقال له على موقع «ميدل إيست مونيتور»، أن إيران اعتبرت هذا التأييد ضربة كبيرة لها، لأنه تسبب في تقويض مصداقية «محور المقاومة» عن طريق تقليصه إلى كتلة طائفية شيعية.
في السنوات التي تلت ذلك، ورغم ظهور تقارير موثوقة عن تقارب جزئي، فشل الجانبان في توطيد علاقاتهما مجددًا.
في رأي الكاتب، يمكن أن تؤدي وثيقة حماس الجديدة إلى تأزُّم العلاقات بينها وبين إيران، إذ أشارت في مادتها العشرين إلى «إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967»، ممَّا قد يصور موقف إيران إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه متشدد.
آراء الخبراء الإيرانيين في وثيقة حماس
لم تُصدر جمهورية إيران الإسلامية ردًّا رسميًّا على وثيقة حماس الجديدة، وبدلًا من ذلك، ربما كتمويه، هنَّأ محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إسماعيل هنية على صعوده لرئاسة المكتب السياسي لحماس.
غير أن الخبراء الإيرانيين لم يضيعوا وقتًا طويلًا قبل بدء دراسة الآثار الكاملة للوثيقة السياسية الجديدة، وهو ما حاول أن يفعله «صابر غولانباري»، خبير شؤون إيران والشرق الأوسط، في مقال له على موقع «Iranian Diplomacy».
انتقد غولانباري التحليل الانتقائي واستنتاجات المحللين الآخرين، مشيرًا إلى تحليل دبلوماسي إيراني سابق اتهم حماس باسترضاء الدول العربية، إلا أن غولانباري يرى في الوثيقة منهجًا يسمح لحماس بأن تحتفظ بمبادئها الأيديولوجية، وتحتفظ في الوقت نفسه بممارسة مرنة تجاه مختلف القضايا.
تعتبر الوثيقة، التي حظيت بترحيب دولي، خطوة نحو قبول شرعية حماس، إذ تعالت الأصوات سابقًا بحاجة حماس إلى الخروج من عزلتها والانخراط في دبلوماسية دولية أوسع، والوثيقة المنقحة الجديدة (التي لا يمكن حصرها في مجرد «عداء للسامية» بحسب الكاتب)، قد تمكِّن الحركة الإسلامية من فعل ذلك.
وفقًا للكاتب، ومن وجهة نظر سياسية، لا شيء من ذلك يُعدُّ مطمئنًا لإيران، التي يتوجب عليها إبقاء حماس ضمن محور المقاومة، على الأقل صوريًّا، لذا حاول القادة والمسؤولون الإيرانيون ضبط النفس تجاه خلاف حماس مع دمشق، وما زالت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية تعطي الانطباع بأن حماس حليف قوي لإيران، ومتماشٍ تمامًا مع مبادئ المقاومة.
اقرأ أيضًا: حسن روحاني يفوز من جديد: ماذا يريد الإيرانيون من رئيسهم؟
تحوّل موقف حماس قد يؤثر على إيران
قد تضطر طهران للتخلي عن موقفها كي لا تفقد تأثيرها الدبلوماسي والسياسي على الفصائل الفلسطينية الرئيسية.
رغم عدم اعتراف حماس بإسرائيل، فإن القبول العملي لحدود 1967 يشكل تحديًا للسياسة الإيرانية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فطهران لا تعترف بأي حدود من هذا القبيل، وهي ملتزمة رسميًّا بتأكيد السيادة الفلسطينية على جميع الأراضي التي تضم إسرائيل.
يرى الكاتب أن بعض المحللين يلومون إيران على ما يضيع حرصًا على فلسطين أكثر ممَّا يحرص الفلسطينيون أنفسهم، ويرى كذلك أن السياسة الإيرانية عليها معالجة هذا الوضع في الوقت المناسب، خاصة إذا كانت وثيقة حماس الجديدة تولد قبولًا دوليًّا أكثر ممَّا كان متوقعًا، وهو ما قد يشجع الجماعة الإسلامية على التحكم في مجريات الأحداث.
بهذه الطريقة قد يغدو تحول السياسة الإيرانية (التي لا تعترف بإسرائيل) حتميًّا، خصوصًا إذا أغلقت حماس الفجوة مع فتح لتقديم جبهة فلسطينية موحدة. وفي هذا السيناريو، ستتخلى طهران عن موقفها التقليدي، الذي يراه بعضهم متشددًا، كي لا تفقد تأثيرها الدبلوماسي والسياسي على الفصائل الفلسطينية الرئيسية.
هل تعادي إيران إسرائيل من أجل فلسطين؟
تكمُن الصعوبة بالنسبة لإيران في حقيقة أن موقفها إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يندرج تحت صراع أكثر شمولًا ضد إسرائيل، إذ تحاول طهران لعب دور كبير في الشرق الأوسط، عن طريق تحالفها الاستراتيجي مع سوريا بالإضافة إلى دعم حزب الله وحركات أخرى في لبنان، وتشكل هذه التحالفات «محور المقاومة»، الذي يعتبر بدوره معاديًا للسياسات الإقليمية الإسرائيلية والأمريكية.
يشير ماهان إلى أن قضية إيران مع إسرائيل ربما تكون أعمق من ذلك، فقد اشتبك الجانبان مباشرة، ويستمر نزاعهما كذلك في مجال الاستخبارات، إذ اتُّهمت إسرائيل باغتيال علماء نوويين إيرانيين، وأُشيع أن إيران حاولت الانتقام عن طريق محاولة اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين.
في الوقت الذي تحاول فيه الجمهورية الإسلامية تصوير هذا الصراع على أنه أيديولوجي، من خلال خطاب معاداة الصهيونية، فهو من الناحية العملية صراع استراتيجي تحفزه مجموعة واسعة من المصالح والمواقف المتصارعة، لذا فإن إيران لا يمكن أن تعلن موقفها بمصداقية إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون تحديد أسباب صراعها مع إسرائيل على الأقل.