أصاب الهلع عددًا من الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية حيال رئاسة دونالد ترامب، إذ شهدت الولايات المتحدة فترة متقلبة في الأسابيع الأولى لحكمه؛ لتسرعه في اتخاذ القرارات، واندفاعه في تصريحاته وتعاملاته مع القادة السياسيين وزعماء العالم، وعدم اكتراثه للقوانين التي تحدد سلطات الرئيس، حتى بات يتصرف كـ«ديكتاتور منتَخَب» وفق تعبير البعض.
ومنذ ترشحه لانتخابات الرئاسة، دأب ترامب على إثارة اللغط بشأن العديد من القضايا؛ بسبب آرائه الشعبوية التي طرحها خلال الحملة الانتخابية، إلى الحد الذي دفع كثيرين للاعتقاد، إلى درجة اليقين، بأنه لن ينجح في السباق، وفي أضعف الأحوال إن أصبح رئيسًا فسيصعب عليه تطبيق الآراء التي كان يعرضها.
يحق لمجلس النواب التصويت لمساءَلة الرئيس وتوجيه الاتهام له، وكذلك التصويت على عزله من منصبه.
أَمَا وقد صار ترامب رئيسًا لأقوى دولة في العالم، فقد تبين أنه لم يتغير؛ بل عمل منذ بلوغه الرئاسة على تطبيق الوعود التي طرحها في حملته الانتخابية، مثيرًا المزيد من اللغط والذعر في أوساط السياسة الأمريكية والعالم، إلى درجة دعت معلقين سياسيين للتنبؤ بأنه لن يكمل فترته الرئاسية، فهل يمكن إزاحة الرئيس الأمريكي عن موقعه؟ وما سبل تحقيق ذلك؟
المُساءَلة والاتهام
بحسب الدستور الأمريكي، يحق لمجلس النواب التصويت لمساءَلة الرئيس وتوجيه الاتهام له في حالات الخيانة أو الرشوة أو الجرائم الكبرى والجنح، وإن صوَّت ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ (67 من أصل 100 عضو) بإدانة الرئيس؛ يُعزل من منصبه.
ولا يتطلب الأمر وجود أدلة لجريمة محددة للمُضِيِّ في إجراءات الاتهام، فبإمكان الكونغرس تقرير ما يرى أنه «جريمة كبرى أو جنحة»، وهو ما سعى إليه بالفعل في حادثتين سابقتين؛ كانت الأولى عام 1868 ضد الرئيس الأسبق «آندرو جونسون» (Andrew Johnson)، الذي اتُّهم بعد الحرب الأهلية الأمريكية بالانحياز للجنوب و«الرجل الأبيض»، ومخالفة القانون بإبعاد المسؤولين التنفيذيين المناهضين لسياسته.
الاتهام قدَّمه مجلس النواب، إلا أن مجلس الشيوخ لم يصادق على الإدانة.
وفي الحادثة الثانية والأقرب تاريخيًّا، أقدم مجلس النواب على اتهام الرئيس الأسبق بيل كلينتون بالكذب بشأن علاقته الجنسية مع «مونيكا لوينسكي» (Monica Lewinsky)، لكن مجلس الشيوخ رفض إدانته.
كما كانت هناك واقعة أخرى لم تصل إلى حد المساءلة الرسمية، ففي أعقاب حادثة «ووترغيت» عام 1972، التي كشفت دفع الرئيس الأمريكي المنتمي للحزب الجمهوري «ريتشارد نيكسون» (Richard Nixon) جهات حكومية عديدة؛ كوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة العدل والبيت الأبيض، للتجسس على الحزب الديمقراطي الأمريكي، أعدَّ مجلس النواب مسودَّة اتهام للرئيس وشرع في إجراءات المساءلة.
طلب قادة الحزب الجمهوري من «نيكسون» بعدها تفادي المساءلة والتنحي من منصبه لمصلحة الوطن، وهو ما فعله.
أطلق بعض النشطاء موقعًا يدعو الأمريكيين للتوقيع على عريضة تطالب بعزل ترامب.
لكن من حظ ترامب، الذي يمثل الجمهوريين، أن حزبه يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، وهو ما يصعِّب مساءلته سياسيًّا إلا إذا سيطر الحزب الديمقراطي على الكونغرس، وهذا غير وارد حتى انتخابات مجلسي النواب والشيوخ المقبلة في 2018.
الجدير بالذكر أن عددًا من النشطاء أطلقوا موقعًا يدعو الأمريكيين للتوقيع على عريضة تطالب بعزل ترامب من خلال مساءلته واتهامه، ووصل عدد الموقعين عليها بنهاية الأسبوع الأول لحُكم ترامب إلى 400 ألف، ويقترب الآن من 900 ألف أمريكي. أعدَّ الموقع طلبًا رسميًّا للمساءلة يعين المشرعين لتبنيه، كما حدد الأسباب التي توجب هذه المساءلة.
ورغم ذلك، فإن هذا الجهد يأتي كعنصر ضغط لا أكثر، وقد لا يؤدي بالضرورة إلى نتيجة ملموسة، رغم إشارة البعض إلى إتاحة جميع الأدلة الكفيلة بمساءلة ترامب وإدانته إذا ما توافرت الإرادة لذلك.
اقرأ أيضًا: كيف أفزعت الأمريكيين قرارات ترامب الأخيرة؟
الطريق الأقصر: الانقلاب
هناك طريق آخر يعتمد على التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، الذي صدر في فبراير 1967، ويعطي لنائب الرئيس وغالبية الأعضاء الأساسيين في الجهاز التنفيذي حق «إعلان عدم قدرة الرئيس على الاضطلاع بالسلطات والمهام الموكلة لمنصبه»، وبموجبه يحق لنائب الرئيس تولي السلطات والمهام الرئاسية بالوكالة، وعلى الكونغرس الإذعان لذلك.
لكن بعض المحللين يرى أن هذا غير وارد الحدوث، إذ إن ترامب هو من اختار نائب الرئيس وأعضاء الحكومة (الجهاز التنفيذي)، ومن المرجَّح أن يدينوا له بالولاء.
هل تنتظر الولايات المتحدة، وربما العالم، كارثة رئاسية قبل أن تقرر إزاحة ترامب؟
وفي تقرير لها بخصوص سُبُل إزاحة الرئيس، طرحت مجلة «فورين بوليسي» فرضية إضافية تقضي بوقوع انقلاب عسكري ضد الرئيس الأمريكي، أو على الأقل رفض القادة العسكريين الانصياع لأوامره.
وترى المجلة أنه من المستحيل تخيُّل حدوث ذلك، لكنها تلفت الانتباه إلى أنه من الصعب كذلك تخيُّل انصياع القادة العسكريين لأوامر ترامب الجنونية، ففي نهاية الأمر يُقسِم العسكر في أمريكا على احترام دستور الولايات المتحدة وحمايته، وليس الرئيس.
قد يعجبك أيضًا: أنا عربي، والكثير مِنَّا سعداء بفوز ترامب
الخيارات المحتملة
يرى بعض المحللين أن مساءلة ترامب وعزله واردان في أي لحظة خلال ولايته لأنه رئيس غير متوقَّع، إلا أن التخوُّف أن تتكبد الولايات المتحدة كارثة حتى يتحرك البعض لعزله، إذ يصعب على الجمهوريين الذين يسيطرون على جميع مقاليد الحكم في الكونغرس هجر قائدهم الجديد والتفريط في الرئاسة.
فهل تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية، وربما العالم، كارثة رئاسية قبل أن تقرر إزاحة ترامب؟ وبأي طريقة يمكن إزاحته؟
الأكيد أن ترامب منحنا جميعًا ما كنا نتوقعه؛ رئاسة غير متوقعة.