في ظلّ الاحتقان الذي خلّفته الثورات في أرجاء العالمين، العربي والغربي، وفوضى الجموع التي تطالب بتغييرات جذرية واستراتيجيات سريعة لمشاكل مزمنة، تكاد تكون عصيّة على الحل، ابتكر البعض أشكالًا جديدة للاعتراض والاحتجاج المنظّم، الذي يُعرف باسم الثورة السلمية، بحيث يختار المحتجون أن يعبّروا عن الرفض بطريقة مسالمة، تركّز على الابتكار بعيدًا عن الغضب.
ففي إيران، انتشرت أخيرًا ظاهرة جديدة، هي تغطية الرجال رؤوسهم اعتراضًا على الحجاب الإجباري الذي ترتديه الإيرانيات بفرض من الشرطة الدينية أو «الحسبة»، مع التقاط صورهم بمشاركة نساء قريبات لهم، كاشفات رؤوسهن، ونشر الصور الملتقطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لعكس الأدوار التقليدية بين المرأة والرجل في إيران.
وكانت بداية تلك الثورة الاجتماعية، عندما أنشأت الصحفية الإيرانية «مسيح علي نجاد» صفحة على فيسبوك، تحت عنوان My Stealthy Freedom أو «حريتي المسروقة» عام 2014، لإظهار نساء إيرانيات بلا غطاء شعر، تعبيرًا عن رفضها الحجاب الإسلامي الذي ترتديه الإيرانيات، مع أن بعضهن لا يرغبنَ حقًّا فيه. وأرادت نجاد إتاحة فرصة التعبير عن الاستياء لنساء أخريات، يرغبن في تسجيل آرائهن مع نشر صورة لهن بلا غطاء رأس.
وحصدت الصفحة أكثر من مليون إعجاب من المتابعين، ما مكّن نجاد من ابتكار تظاهرة من نوع آخر تحت عنوان MenInHijab# «الرجال بالحجاب» والتي لاقت أصداء إيجابية في الأوساط الإيرانية والعالمية أيضًا.
وتناولت الحدث مجموعة من الصحف العالمية أبرزها «الإندبندنت» البريطانية التي ذكرت أن الرجال باتوا يعرضون صورًا لهم بالحجاب، لإظهار التعاطف مع زوجاتهم والنساء في المجتمع الإيراني. ومن المعروف أن المرأة الإيرانية قد تواجه عقوبات تصل إلى الغرامة أو السجن في بعض الأحيان، إذا تخلّت عن لبس الحجاب في الأماكن العامة.
ويعبّر أحد الإيرانيين المشاركين في الحملة عن رأيه قائلًا:
«المنهج الذي يتبعه النظام الحالي، غير مقبول لأي شخص، رسالتي هي الحرية لكل البشرية، فلأي فرد عاقل الحرية المطلقة في الطريقة التي يرتدي بها ثيابه ويعبّر عن نفسه، وأتمنّى أن تصبح هذه الحرية حقيقة في بلدي يوما ما».
وقال آخر عن سبب مشاركته في الحملة:
«نساؤنا مجبرات على ارتداء الحجاب الشرعي منذ أكثر من 30 سنة، في حين ارتديت حجابي الاحتجاجي لحظات بسيطة فقط. وهذا أقل ما يمكن للرجال فعله لإظهار دعمهم لحرية المرأة، خاصوصا فيما يتعلق بقوانين النظام الإسلامي الذي يحكم إيران، ويشدد على أن شرف الرجل يعتمد على حجاب زوجته».
كما ارتدى البعض ثيابًا نسائية للمساهمة في التعبير عن الاستياء إزاء الحجاب الذي فرضته الحكومة الإيرانية أوّل مرة بشكل صارم، في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.
يشار إلى أن هذه الثورة المسالمة، ما هي إلا نموذج مبسّط من مطالب الشباب الإيرانيين العديدة في مواجهة النظام الإسلامي القائم، وتطوير قوانين الثورة الإسلامية التي ما زالت حيّة منذ 37 سنة، كي تواكب العصر الحديث.