كيف تعامل الخليج مع الأزمة الاقتصادية خلال جائحة كورونا؟

الصورة: كونا - التصميم: منشور

مشعل بن نايف
نشر في 2021/10/06

كانت لجائحة كورونا عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، وأدت تدابير احتواء انتشار الفيروس إلى انخفاضات حادة في النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، لا سيما خلال الربع الثاني من عام 2020. كانت القطاعات الأكثر تضررًا هي تلك التي تتطلب اتصالًا بشريًا مكثفًا، مثل السياحة والنقل والخدمات والبناء، في حين كانت الأنشطة التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات بشكل عام أفضل حالًا. كان الانكماش الاقتصادي هو الأكثر أهمية في الاقتصادات المتقدمة، بينما تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تأثيرًا مزدوجًا من فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.

نفذت سلطات الخليج مجموعة من الإجراءات المناسبة للتخفيف من الأضرار الاقتصادية، بما في ذلك الحزم المالية العامة، وتخفيف السياسات النقدية والاحترازية الكلية، وضخ السيولة في النظام المصرفي. تسبب انخفاض أسعار النفط في تدهور حاد في الميزان الخارجي والمالي، وتبدو الضغوط المالية واضحة في البلدان ذات مستويات الديون المرتفعة.

السعودية: قدرة على المواجهة

الصورة: Getty

دخلت المملكة العربية السعودية جائحة كورونا بنمو متين للقطاع غير النفطي، على الرغم من العجز الحكومي منذ عام 2014، وكانت هناك مساحة للإنفاق الحكومي نتيجة للحجم المهول للأصول الحكومية وتواضع حجم الدين.

اعتمدت المملكة سياسة تحوط نقدية تتكون من نظام مصرفي متين (من حيث الرسملة والسيولة النقدية)، بالإضافة إلى الحجم الكبير للتحوط الخارجي.

الزخم الإيجابي للإصلاح أسهم أيضًا في جعل السعودية قادرة على مواجهة الجائحة، لا سيما في التقدم في تطبيق أهداف رؤية 2030، وتطبيق العديد من توصيات صندوق النقد المقترحة عام 2019.

كان التجاوب الحكومي سريعًا وحازمًا مع تداعيات الجائحة، إذ شُكلت لجنة عليا لإدارة الأزمة وتوجيه السياسة الاقتصادية والصحية للمملكة، وكان أثرها إيجابيًا على إدارة الأزمة.

من الإجراءات النقدية التي نفذتها السعودية برامج قدمتها مؤسسة النقد العربي السعودي لدعم القطاع الخاص، مثل برنامج المدفوعات المؤجلة لتأخير دفع المستحقات للقطاع المالي من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج المرفق المضمون من قبل الدولة، وبرنامج ضمان القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج دعم رسوم خدمات نقاط البيع والتجارة الإلكترونية، وبلغ إجمالي الدعم 130.6 مليار ريال (34 مليار دولار).

بموازاة ذلك، ضخت مؤسسة النقد نحو 66 مليار ريال (17.6 مليار دولار) من خلال ودائع لدعم السيولة المصرفية، علاوة على برامج مؤسسة النقد العربي السعودي، وأتاحت المؤسسات التابعة لصندوق التنمية الوطني 18.5 مليار ريال (4.93 مليار دولار) لتمويل القطاع الخاص.

وخفضت مؤسسة النقد معدلات سياستها المالية مرتين في مارس 2020، إذ خفضت معدلات إعادة الشراء العكسي بمقدار 125 نقطة أساس، و1% لإعادة الشراء.

أما في ما يخص الإجراءات المالية التي نفذتها المملكة، فقد دعمت الميزانية المخصصة لمواجهة جائحة كورونا بـ116.5 مليار ريال (31.06 مليار دولار)، وكان هناك إنفاق إضافي بقيمة 74 مليار ريال (19.7 مليار دولار).

على صعيد الإيرادات، أُجلت مدفوعات ضرائب بقيمة 38.5 مليار ريال (10.26 مليار دولار) بين مارس ويونيو، وسُددت في نهاية عام 2020. في حين أعفيت 4 مليارات ريال (1.06 مليار دولار) من ضرائب المغتربين.

ومن جهة دعم سوق العمل، أذنت الحكومة في إبريل 2020 باستخدام صندوق التأمين ضد البطالة (ساند) لدعم مدفوعات الأجور، وبالتركيز على القطاعات التي لا تزال متأثرة بالجائحة، ثم عملت على تمديد عمل الصندوق حتى يوليو 2021.

قدمت الحكومة السعودية 5.4 مليار ريال (1.4 مليار دولار) من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية لدعم التوظيف والتدريب، وكان عامل الوقت وسرعة اتخاذ القرار ومركزيته مهمًا في احتواء الآثار الاقتصادية للجائحة، علاوة على نظرة صاحب القرار وفهمه لأبعاد الجائحة ومدى تأثيرها.

الكويت: استجابة متواضعة

الصورة: كونا

في الكويت كانت الاستجابة من الناحية المالية متواضعة، إذ تضمنت مخصصات إضافية بما يقارب 483 مليون دينار (1.6 مليار دولار)، وتأجيل مدفوعات التأمينات الاجتماعية على المواطنين، والإعفاء من الرسوم الحكومية المختلفة.

قدم البنك المركزي الكويتي حزمة دعم بقيمة 4.97 دينار (16.5 مليار دولار)، مكنت من سداد مدفوعات القروض المؤجلة للمواطنين، وخفض متطلبات السيولة وكفاية رأس المال، كما أسامت في تخفيف المخاطر التي تواجه أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

قدم البنك المركزي الكويتي محاكاة للإجراءات الأمريكية من ناحية خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وأظهرت بيانات شركة كي نت للمدفوعات زيادة مؤقتة في الإنفاق الاستهلاكي في يونيو نتيجة للطلب المكبوت مسبقًا، وتأجيل سداد القروض مع تخفيف قيود الإغلاق.

وفي حين أن الكويت لديها احتياطيات مالية ضخمة بقيمة 150.75 مليار دينار (نحو 500 مليار دولار) تمكنها من مواجهة الجائحة، إلا أن عمليات السحب المستمرة لتمويل العجز وتحويلات 10% من إيرادات الميزانية إلى صندوق الأجيال القادمة، قللت من الأرصدة في صندوق الاحتياطي العام بمقدار 12% من إجمالي الناتج المحلي للعام المالي 2020/2019، إذ لم تصدر الدولة سندات ديون منذ عام 2017.

قطر: بنية تحتية وبرامج تنموية

الصورة: كونا

كان من المتوقع أن تؤدي جائحة كورونا والانخفاض الحاد في عائدات النفط والغاز في قطر إلى انكماش نمو الناتج المحلي بنسبة 2% في عام 2020، وقد خُفف هذا الانخفاض من خلال الإنفاق المرتبط بالبنية التحتية قبل كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 الذي تستضيفه قطر، والتوسع المستمر في سعة الغاز الطبيعي المسال، وسرعة استجابة الدولة من حيث الإجراءات المالية والنقدية.

كان لمشاريع البنية التحتية والبرامج التنموية دور واضح في تقليل تأثير الجائحة، إذ عمل الإنفاق العام على تحجيم انكماش الناتج المحلي.

دعمت قطر الاقتصاد بحزمة تقدر بنحو 75 مليار ريال قطري (20.6 مليار دولار). وكجزء أساسي من الحزمة، فإن اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) التي يقدمها مصرف قطر المركزي بنسبة 0% سهلت توفير السيولة في النظام المصرفي، جنبًا إلى جنب مع خفض المصرف المركزي معدلات سياسته لدعم القطاع الخاص ائتمانيًا.

قدم بنك قطر للتنمية برنامج ضمان ائتماني يبلغ إجماليه 5 مليارات ريال (1.37 مليار دولار)، كان الهدف منه دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل مباشر، وتأمين الوظائف، إذ سمح للأسر والشركات بتأجيل سداد القروض حتى نهاية العام، والاستفادة من الإعفاء من رسوم الإيجار والمرافق. علمًا بأن هذه الإجراءات تأتي رفقة تدابير أخرى لضمان دفع الرواتب والبدلات الأساسية للعمال وتقليل الرسوم الجمركية على الإمدادات الحيوية بقيمة 2.1 مليار ريال (576 مليون دولار)، والتي ساعدت في الحفاظ على الثقة الاقتصادية وتخفيف تأثير الصدمات على الشركات والأسر.

كان لمشاريع البنية التحتية والبرامج التنموية دور واضح في تقليل تأثير الجائحة، إذ عمل الإنفاق العام على تحجيم انكماش الناتج المحلي.

الإمارات: سرعة وجدية

الصورة: @Net_AD

مع بدء جائحة كورونا، نفذت السلطات الإماراتية بشكل جاد استراتيجية احتواء مع عمليات إغلاق صارمة، وأجلت الأحداث الرئيسية في الدولة مثل معرض إكسبو الدولي 2020، وفرضت التباعد الاجتماعي واختبارات كوفيد-19 على نطاق واسع.

أثرت هذه الإجراءات على السياحة في الإمارات، إذ تراجع عدد نزلاء الفنادق الدوليين في أبو ظبي بنسبة 47% في مارس 2020، وسجلت شركة موانئ دبي العالمية المملوكة للدولة انخفاضًا بنسبة 6.8% في الشحن بمنطقة جبل علي.

كمركز لوجستي عالمي، أثرت اضطرابات سلاسل التوريد بشكل كبير على القطاع غير النفطي الإماراتي، ووافقت الحكومة الاتحادية على حزمة إجراءات بقيمة 16 مليار درهم (4.35 مليار دولار)، وأطلقت دبي حزمة تحفيز بقيمة 1.5 مليار درهم (408 مليون دولار) لدعم أعمال الموانئ، من خلال خفض التكاليف وتبسيط الإجراءات واستهداف السياحة وقطاع التجزئة والخدمات اللوجستية.

كما وافقت أبو ظبي على حزمة بقيمة 9 مليارات درهم (2.45 مليار دولار)، وأعلن البنك المركزي الإماراتي عن حزمة بقيمة 256 مليار درهم (96.7 مليار دولار) للحفاظ على السيولة المصرفية، وخفض نسب الفائدة مرتين في مارس 2020 بما مجموعه 125 نقطة أساس.

كان التعامل مع الجائحة في الإمارات جادًا وسريعًا، ويعكس مكانتها كمركز لوجستي عالمي، ويوضح رؤية أصحاب القرار وفهمهم لأهمية الحفاظ على روافد الناتج المحلي غير النفطي، من قطاع الخدمات والسياحة والدعم اللوجستي.

عمان: الديون وأزمة البطالة

الصورة: ِAlBiladPress.com

كانت الإصلاحات في عمان مثل إدخال ضريبة القيمة المضاف حاضرة، ولكن بشكل متأخر، فرغم هذه الإصلاحات كان العجز الضخم المستمر في المالية العامة والحساب الجاري منذ عام 2014 قد أدى إلى ارتفاع مستويات الديون بنسبة 64% من إجمالي الناتج المحلي 2019، وإلى سلسلة من عمليات تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة.

يشير التأثير المدمر للجائحة إلى أن المالية العامة ستظل تحت ضغط متزايد على المدى القصير، يعززه الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة العالمية.

على الرغم من أن تدابير التقشف التي أُدخلت ستساعد في إبطاء التدهور المالي في عام 2020، فإن الضغط المتكرر على النفقات سيظل مستمرًا، إذ تسعى الحكومة إلى تخفيف تداعيات الجائحة.

على المدى المتوسط إلى الطويل، فإن الإصلاحات التي تهدف إلى معالجة الجمود في فاتورة الأجور وتقليص إنفاق الميزانية المشوه وغير الفعال هي المفتاح لإعادة بناء حيز مالي للسلطنة.

كان للاضطرابات المتعلقة بجائحة كورونا وتدابير احتواء الفيروس تأثير سلبي على التوظيف، في سياق كان فيه الشباب العماني يواجه بالفعل معدلات بطالة عالية، وضمت القطاعات المتضررة عمالة غير عمانية بنسب عالية.

البحرين: إجراءات وإعفاءات

في البحرين كانت التدابير والإجراءات لمواجهة تبعات الجائحة الاقتصادية حاضرة، إذ بلغت 4.3 مليار دينار بحريني (11.43 مليار دولار)، قُدمت في مارس 2020 لمدة ثلاثة أشهر، وتمثلت في:

  • التكفل برواتب البحرينيين المؤمن عليهم في القطاع الخاص لمدة 3 أشهر.
  • مضاعفة حجم صندوق السيولة ليصل إلى 200 مليون دينار (531 مليون دولار).
  • إطلاق برنامج صندوق العمل (تمكين) لدعم استمرارية الأعمال.
  • إعفاء المنشآت والمرافق السياحية من دفع رسوم السياحة.
  • الإعفاء من بعض الرسوم لدى هيئة تنظيم سوق العمل.
  • التكفل بدفع فواتير الكهرباء والماء لكل المشتركين من الأفراد والشركات لمدة 3 أشهر.
  • حزمة من القرارات من مصرف البحرين المركزي تبلغ 7.3 مليار دينار (19.4 مليار دولار) لرفع قدرة الإقراض للبنوك، تتضمن تأجيل القروض لمدة 6 أشهر، مع إلغاء الفوائد والأرباح المترتبة وأي رسوم أخرى.
  • دعم سواق سيارات الأجرة والنقل والباصات والأتوبيسات ومدربي القيادة لمدة 6 أشهر.
  • تأجيل الأقساط الشهرية للخدمات الإسكانية المستحقة على المواطنين لمدة 6 أشهر.
  • إعفاء مستأجري أملاك البلدية من الإيجارات الشهرية لمدة 6 أشهر.
  • الإعفاء من دفع الرسوم البلدية لمدة 3 أشهر.
  • الإعفاء من دفع إيجار الأراضي الصناعية الحكومية لمدة 3 أشهر.
  • دفع رواتب العاملات في رياض الأطفال ودور الحضانة كاملة لمدة 3 أشهر.
  • إيقاف تحصيل الإيجارات الشهرية عن المحلات التجارية المملوكة لبنك الإسكان لمدة 3 أشهر.

وقد مُددت تلك القرارات في يوليو لإعانة مواطني الدولة والقطاع الخاص على مواجهة الآثار الاقتصادية السلبية للوباء، رغم الأثر السلبي لتلك الحزمة على المالية العامة، إذ ارتفع عجز الموازنة خلال عام 2020 إلى 670 مليون دينار (1.78 مليار دولار)، مقابل 665 مليون دينار (1.7 مليار دولار) في عام 2019.

وانخفضت الإيرادات الحكومية من 2.9 مليون دينار (7.7 مليون دولار) في عام 2019 إلى 2.084 مليون دينار (7.5 مليون دولار) عام 2020. ومن جهة أخرى، ارتفعت المصروفات الحكومية من 3.5 مليون دينار (9.3 مليون دولار) عام 2019 إلى 3.7 مليون دينار (9.84 مليون دولار) في 2020.

من الواضح للعيان أن الاقتصاد العالمي شهد أزمة غير مسبوقة منذ بداية عام 2020، تمثلت في انتشار جائحة كورونا التي أطلقت العنان لأزمة صحية واقتصادية خارقة من حيث النطاق والحجم. وقد أدت الجائحة إلى تراجع الطلب نتيجة إغلاق المجالات البرية والجوية والبحرية لمعظم دول العالم، مما أدى إلى تراجع حاد في أسعار النفط والسلع.

تسببت الجائحة في ركود اقتصادي في كل اقتصادات الدول النامية والمتقدمة. وبحسب توقعات الصندوق النقد الدولي، فقد حقق الاقتصاد العالمي في عام 2020 انكماشا بنسبة 3.3%، ما تسبب في خسائر فادحة قد تزيد على 8 تريليونات دولار. وبالرغم من التحسن النسبي في النشاط الاقتصادي العالمي أواخر عام 2020، فإن المستقبل لا يزال محاطًا بقدر كبير من عدم اليقين.

مواضيع مشابهة