بعد أن كانت تعتزم تصنيع نحو 900 ألف سيارة خلال شهر سبتمبر، قررت شركة تويوتا تخفيض العدد إلى 540 ألفًا فقط، مقلصة بذلك إنتاجها من السيارات بنحو 40%. وفي خطوة مماثلة، أعلنت شركة فولكسفاغن أنها قد تحتاج إلى خفض إنتاجها من السيارات وإحداث تغييرات جذرية على عملية الإنتاج. وبالمثل، أعلنت شركة فولفو أنها ستوقف الإنتاج في مصنعها بضواحي غوتنبرغ، على أن يستأنف العمل يوم 5 سبتمبر.
السبب: الرقائق الإلكترونية، أو ما يسمى بأشباه الموصلات. فخلال العام الماضي، اضطرت الشركات المصطنعة لأشباه الموصلات إلى تقليص إنتاجها أو وقف أنشطتها كليًا. وتسبب هذا النقص في تأخير نشاط التصنيع، وأجبر كبرى شركات صناعة السيارات على خفض الإنتاج.
في هذا المقال، سنتعرف إلى أهمية أشباه الموصلات وأسباب نقصها، وتبعات هذا النقص.
أشباه الموصلات والمتنافسون على عرشها
أغلب الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها تحتوي على أشباه موصلات، ابتداء من الهواتف والحواسيب والسيارات، وصولًا إلى الغسالات وفرش الأسنان الإلكترونية والثلاجات. لكن إمدادات هذا العنصر الصغير، الذي يدخل في تركيب معظم الأجهزة التي نشغّلها كل يوم، شهدت تراجعًا حادًا في الأشهر الماضية.
أشباه الموصلات هذه بمثابة عقل الأجهزة الإلكترونية التي نستعملها، وتتطلب صناعتها خطوات عدة، وتضافر جهود مجموعة من الخبراء.
مع أن الولايات المتحدة لا تزال تتصدر التصنيف العالمي في مجال تصميم الرقائق، فإن تايوان وكوريا الجنوبية تهيمنان على صناعة أشباه الموصلات، وهما وراء 83% من الإنتاج العالمي لرقائق المعالِجات و70% من رقائق الذاكرة.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة لاختراع أشباه الموصلات، لكن إنتاجها تراجع في السنوات الأخيرة. ففي عام 1990، كانت الشركات الأمريكية مسؤولة عن 37% من الإنتاج العالمي للرقائق، حسب ما قاله جيمس لويس مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى 12% بحلول عام 2020.
وقد أعلنت السعودية مؤخرًا تصنيع أول رقاقة ذكية بأيد محلية، تمهيدًا لتدشين برامج تنفيذية مختصة في الاقتصاد الرقمي، بحسب ما ذكره وزير الاتصالات السعودي عبد الله السواحه.
لماذا تنقص أشباه الموصلات؟
أدى الوباء إلى زيادة هائلة في الطلب على الأجهزة الإلكترونية، مما أخلّ بسلسلة التوريد. بدأت الطلبات تتراكم، وفي غضون ذلك كافح المصنعون لإنتاج الرقائق اللازمة لتلبية الطلبات المتزايدة. وفي الأخير، أفضى هذا إلى تأخّر تسليم الطلبات وتراكمها.
لكن المشكلة لم تكن فقط مشكلة تصنيع هذه الرقائق، إذ أغلقت المواني لشهور بعد أن شق الوباء طريقه عبر القارة الآسيوية. وبمجرد عودتها للعمل، عرقلت الطلبات المتراكمة سلسلة التوريد.
علاوة على ذلك، زادت القرارات السيئة التي اتخذها مصنعو السيارات من حدة هذا النقص. فعندما بدأ فيروس كورونا في الانتشار أكثر فأكثر، ألغت شركات عديدة طلباتها من أشباه الموصلات، لأنها افترضت أن الاقتصاد يوشك أن يتعرض لضربة ستُقعده مدة طويلة. واستجابت شركات الرقائق بأن تحولت إلى إنتاج رقائق الأجهزة الإلكترونية المختلفة، في محاولة لتلبية الطلب الهائل عليها خلال الجائحة. وبما أن هذه المصانع أعادت تجهيز منشآتها بغرض تصنيع رقائق السلع الاستهلاكية بدلًا من رقائق السيارات، فقد أدى ذلك إلى نقص كمياتها.
ومع أن التحولات الجيوسياسية ليست السبب الرئيسي في نقص أشباه الموصلات، فإن العلاقة المتوترة بين تايوان والصين تثير الكثير من القلق، ذلك أن تايوان أكبر مُصنع لأشباه الموصلات في العالم، واحتمال اندلاع حرب بين الصين وتايوان سيضع الولايات المتحدة على كف عفريت.
ما آثار نقص أشباه الموصلات؟
من بين الآثار الناجمة عن نقص أشباه الموصلات:
- ارتفاع الأسعار: سيؤثر نقص أشباه الموصلات بصورة مباشرة على المستهلكين، إذ إن أسعار الأجهزة والسلع الإلكترونية، مثل التلفزيونات والهواتف الذكية، آخذة في الارتفاع بسبب الاضطراب الحاصل في سوق الرقائق.
- تأخر إصدارات بعض السيارات: أعلنت كبرى شركات تصنيع السيارات (فولكسفاغن وفورد ورينو ونيسان وجاغوار ولاند روفر) تقليص إنتاجها في العام المقبل. وفي آخر توقعاتها، تُقدر شركة ألكس بارتنرز للاستشارات أن صناعة السيارات ستخسر 110 مليار دولار من المبيعات، نتيجة اضطرار شركات السيارات إلى وقف الإنتاج أو تقليصه.
- صعوبة الحصول على بعض الأجهزة الإلكترونية: أعلنت شركة آبل مؤخرًا أنه من المتوقع أن يؤخر نقص الرقائق عملية الإنتاج، وأن تبعات هذا النقص بدت من الآن، إذ انخفضت مبيعات أجهزة آيباد وماك بوك. وكذلك انخفضت مبيعات أجهزة إكس بوكس وبلايستيشن للسبب نفسه.
تختلف الآراء حول موعد انتهاء هذه الأزمة، لكن التقديرات تشير إلى أنه من المحتمل أن يستغرق الأمر عامين قبل أن يكافئ العرض الطلب ويصل سوق أشباه الموصلات إلى التوازن. لكن الأمر المؤكد أن هذا النقص لن يُتدارك في أي وقت قريب.