انتهت آخر فصول الحرب الأمريكية في أفغانستان مع انسحاب آخر قواتها من هناك، أما النظام الذي أسسته الولايات المتحدة في أفغانستان فقد كان صرحًا من خيال فهوى. اندهش الكثير منا لسرعة ذلك، فضلًا عن هلع العديد من البديل الطالباني الذي عاد ليسد الفراغ، ولعل هذه المفاجأة تعكس الدور الذي يلعبه الإعلام في التضليل، إذ بقيت طالبان طوال هذه السنوات قوية وفاعلة في الخفاء، بعكس ما أوحت به بعض وسائل الإعلام.
يتطلب ما حدث الكثير من التفكيك، ولكن لن يهتم أحد بفهم ومتابعة أفغانستان إلا بمقدار ارتباط المصالح الدولية بالشأن الأفغاني، فأفغانستان ستُترك وشأنها محليًا على ما يبدو كما حدث بعد الانسحاب السوفييتي في الثمانينيات.
في هذا المقال، نعنى بالدرجة الأولى بدراسة أثر انهيار الحكومة الأفغانية والخروج الأمريكي وعودة طالبان لملء الفراغ، على بعض الدول المجاورة لأفغانستان والمؤثرة في منطقتنا.
إلى أين تذهب أفغانستان والمنطقة؟
ينعدم اليقين لدى الجميع حول مستقبل أفغانستان، فالبعض يرى أن الجيل الجديد من طالبان أكثر انفتاحًا من جيل الملا عمر، كما يوحي مقال القائد في الحركة سراج الدين حقاني في نيويورك تايمز، ويكفيهم أنهم افتتحوا مكتبًا سياسيًا في الدوحة فاوضوا عبره الولايات المتحدة، أي أن هذا الجيل يقبل بعملية سياسية وشيء من التنازل والصفقات السياسية، فيتوقع أو يتمنى المراقبون الذين يحملون هذا الرأي أن يشابه النظام الذي تقوده طالبان جمهورية إيران الإسلامية أو المملكة العربية السعودية في الزمن الوهابي.
يتبنى ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم الحركة خطابا سياسيًا واعدًا عن احتواء جميع الأفغان وإنهاء العنف وبناء أفغانستان التي دمرتها الحروب وغيرها من الشعارات، ثم يتبع كلامه بشرط غامض ألا يتعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية (كما تفهمها طالبان).
أما على أرض الواقع فقد شكلت طالبان حكومة من أعضاء حركتها فقط دون المكونات الأخرى للمجتمع الأفغاني، واستمرت أعمال العنف من تفجيرات انتحارية واستهداف للمدنيين إلى ما قبل سقوط الحكومة الأفغانية السابقة. وحين سؤل أحد مقاتلي الحركة على بي بي سي عن التفجيرات أجاب بأن الضحايا من جميع الأطراف، وأن أفراد حركة طالبان يتعرضون للاضطهاد والقمع كذلك، فضلا عن أن الحكم كان في الأصل لحركة طالبان قبل التدخل الأمريكي.
اللجوء إلى العنف وقمع المعارضين يعد وسيلة لفرض الأمن والسلطة وتثبيت النظام الجديد الذي يسعى لملء الفراغ الأمني، فالتهاون والتسامح في ذلك قد تفهمه القوى الأخرى على الأرض على أنه ضعف من قبل نظام طالبان، علمًا بأن الحديث عن مفاهيم ليبرالية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية ليس له علاقة وثيقة بالواقع الأفغاني، فأفغانستان لا تزال من الأفقر بين بلدان العالم والأقل تحديثًا، والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع هي قيم تقليدية ومحافظة بشكل يصعب على المراقب الأجنبي استيعابه.
فضلًا عن ذلك، فإن دائرة العنف لا تزال هي السائدة في ذلك المجتمع، وأغلب الأطراف في الصراع السياسي إن لم نقل جميع الأطراف ارتكبت جرائم حرب من قتل وتعذيب، وقد وثقت المنظمات الدولية شيئًا من هذه الحالات، بما في ذلك انتهاكات صارخة نفذها بها الجيش الأفغاني (المرتبط بالنظام الذي انهار مؤخرًا) وقوات التحالف وجيش الولايات المتحدة.
بعض العنف الذي تلام عليه طالبان ليس استثناء في السياق الأفغاني، فهو جزء من الصراع الذي لم يتورع أيٌّ من أطرافه عن اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لتحقيق الغايات.
ولحين وضوح المسار المستقبلي لأفغانستان، تُلمس ردود فعل أولية من قبل جيرانها، فيمكن اعتبار الانسحاب هزيمة للمعسكر الغربي بشكل عام، وفرصة لخصوم الغرب لاستثمار الواقع السياسي الأفغاني الجديد، فالجار الإيراني أجاد استثمار الانسحاب الأمريكي وفشله في صنع دعاية مضادة للولايات المتحدة، وبالتالي تركز مرويات الدعاية المضادة لأمريكا في المنطقة (سواء تلك التي تصنعها إيران أو غيرها من خصوم الولايات المتحدة) على أوجه هزيمتها وفشلها بكل جبروتها، الأمر الذي يشبه مرويات القصص القرآنية عن فرعون وجالوت وقارون، وكيف أن هذا العدو يتخلى عن حلفائه في لحظات الشدة، بل ويهينهم، فيفضل إجلاء كلاب الحراسة على البشر الذين تعاونوا معه. وبغض النظر عن مدى المغالطات في هذه المرويات، فإن معاداة الولايات المتحدة قد تتصاعد في المنطقة.
الجار الإيراني: خصيم الأمس وصديق الغد
لطهران تاريخ طويل من التفاعل مع أفغانستان الحديثة بوصفها جارة، فعندما غزا السوفييت أفغانستان دعمت إيران مجموعات شيعية من المجاهدين الأفغان. ويعتبر شيعة الهزارة والقزلباش من الأقليات المؤثرة في السياسة الأفغانية، وقد سهلت طهران في السابق توحيد الحركات السياسية الشيعية الأفغانية المسماة «ثمانية طهران» في «حزب الوحدة الإسلامي»، ثم كادت تدخل في حرب ضد طالبان نهاية التسعينيات بعد أن أعدمت الحركة دبلوماسيين إيرانيين، ثم تعاونت مع التدخل الأمريكي و«تحالف الشمال» في بنجشير لإسقاط طالبان نكاية فيهم.
الحكومة الإيرانية الجديدة رحبت بالانسحاب الأمريكي وتعهدت بالعمل مع حكومة طالبان، التي تبنت خطابًا أكثر تسامحًا اليوم تجاه الشيعة الأفغان والجارة إيران.
وبالرغم من توقفها عن التعاون مع الجهود الأمريكية بعد تصنيف جورج بوش الجمهورية الإسلامية ضمن «محور الشر»، فإن طالبان خدمت أحد أهداف الاستراتيجية الإيرانية التي استفادت من استمرار انشغال الولايات المتحدة في حربها في أفغانستان، وعملت على استمرار شغل طالبان لأمريكا.
في الحين ذاته، عانت إيران من موجة اللاجئين الأفغان الذين نزحوا بالملايين إلى الأراضي الإيرانية، لكن الحرس الثوري أجاد تجنيد الأفغان من اللاجئين في «لواء الفاطميين»، الذي خدم المصالح الإيرانية في الحرب الأهلية السورية.
ونتيجة لهذه الأحداث، لدى إيران لائحة طويلة على أجندتها في أفغانستان اليوم، فالحكومة الإيرانية الجديدة رحبت بالانسحاب الأمريكي وتعهدت بالعمل مع حكومة طالبان، التي تبنت خطابًا أكثر تسامحًا اليوم تجاه الشيعة الأفغان والجارة إيران، وتلتقي طالبان مع إيران وتتفق معها على عدة أسس، فكلا الطرفين خصم للغرب والولايات المتحدة، وكلاهما خصم لتنظيم داعش ممثلًا في ولاية خراسان التي تستقطب المنشقين الأكثر تطرفًا من طالبان، وليس لطالبان مصلحة في استعداء إيران حاليًا، خصوصًا أن طالبان ترغب في توسيع علاقاتها إلى أبعد من باكستان، ولذلك فقد سمحت الحركة بأداء مراسم عاشوراء في مدينة مزار شريف.
لأفغانستان خمسة أنهار، تجري أربعة منها إلى داخل الأراضي الباكستانية والإيرانية، وإيران هي الدولة الوحيدة التي وقعت اتفاقية مياه مع أفغانستان (رغم تجاوز استفادة الحكومة الإيرانية للنسبة المتفق عليها مع أفغانستان من المياه)، بل إن هناك مراكز أبحاث وإدارات داخل وزارة المياه الأفغانية تديرها كوادر إيرانية بحجة افتقار الأفغان إلى الكوادر اللازمة من علماء المياه، لكن بما يهدد المصالح الأفغانية، إذ لا يأتمن الأفغان الخبراء الإيرانيين الذين قد يقدمون مصالح بلادهم على مصالح أفغانستان.
هنالك العديد من الأسئلة المطروحة في العلاقات الأفغانية-الإيرانية اليوم: هل سينزح المزيد من اللاجئين الأفغان إلى إيران؟ وهل باستطاعة الجمهورية الإسلامية استيعابهم؟ هل ستقل استفادة إيران من المياه الأفغانية، أو استفادة أفغانستان من النفط الإيراني؟ وهل سيستمر الحرس الثوري في تجنيد الأفغان ضمن لواء الفاطميين؟ ولعل السؤال الأهم هو: هل ما تفعله طالبان حاليا مجرد تمثيلية وستعود طالبان القديمة الحقيقية إلى الظهور؟
الجار الباكستاني: الأب الراعي الذي حان موعد الخروج من نفوذه
العلاقة مع الجار الباكستاني متعددة الأوجه كذلك، فالمخابرات الباكستانية لعبت دورًا محوريًا في تكوين طالبان، وأصبحت على إثر ذلك من أبرز الأقطاب في السياسة الباكستانية نتيجة لتضخم ميزانيتها مع الدعم الأمريكي خلال سنوات التدخل السوفييتي في أفغانستان.
ولا تزال العلاقات المدنية-العسكرية في باكستان تعاني من عدم التوازن، إذ تتدخل المؤسسات العسكرية والأمنية بشكل دائم في المسار السياسي بما يتناسب مع مصالحها. وبالرغم من ادعاء باكستان أن علاقتها القديمة مع طالبان قد اضمحلت وتحولت إلى قطيعة بعدما أعلن بوش الابن الحرب على الإرهاب، فإن بعض الحوادث أثارت الشكوك حول استمرار هذه العلاقة، كشبهة «إجلاء كندز» الذي حدث بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان.
فقبل دخول القوات الأمريكية وقوات التحالف الشمالي إلى كندز، تمكن الآلاف من قياديي طالبان من الهروب من المدينة رغم محاصرتها برًا. المروية التي تسربت تتحدث عن صفقة لإجلاء كبار قياديي طالبان مع ضباط باكستانيين من المدينة. وقد استمرت خصومة بعض السياسيين الأفغان مع باكستان بسبب علاقة بعض قياديها بطالبان، بل أن الرئيس السابق أشرف غني قد اتهم الباكستانيين علنا بذلك.
تشارك باكستان إيران بعض مخاوفها حول التطورات الأفغانية، فاستمرار الصراع وتصاعد العنف سيدفع بموجة جديدة من اللاجئين نحو باكستان كذلك، ونشوء أو تقوية جماعات متطرفة في أفغانستان سيؤثر على باكستان الجارة، لكن طالبان تطمئن المخاوف الباكستانية في ما يخص الجماعات البشتونية والبلوشية التي تهدد باكستان بالانفصال. وتشير باكستان بأصابع الاتهام بزعزعة حدودها الغربية الشمالية نحو الهند، التي تنكر هذه المخاوف، فخط الحدود الأفغانية الباكستانية محل نزاع بين البلدين، ولم يسبق لأي حكومة أفغانية القبول فعلًا بالحدود التي رسمها الاستعمار البريطاني مع باكستان.
بقية من الجيران: الصين وآسيا الوسطى
للصين كذلك مخاوف من عودة من تصنفهم كجماعات إرهابية إلى أفغانستان. وبالرغم من وعود طالبان بعدم السماح للحزب الإسلامي التركستاني بالتدريب والاستقرار في أفغانستان كما فعل في السابق، فإن بكين لا تزال تتخوف من التطورات.
سينعكس الاستقرار الأفغاني بشكل إيجابي على المصالح الصينية، المرتبطة بشدة بمصالح باكستانية كذلك، على المستوى الأمني عبر ضمان المخاوف الأمنية من الإيغور، وعلى المستوى الاقتصادي عبر إدخال أفغانستان ضمن مشروع طريق الحرير، والحزام، والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يبدأ غرب الصين وينتهي عند ميناء جوادر في بلوشستان باكستان. فانتشار الأمن في أفغانستان سيسمح بتعبيد الطرق التي ستستعمل للتصدير والشحن واستخراج المعادن من أفغانستان ودول آسيا الوسطى، التي تنسق مع روسيا بوصفهم حلفاء وأعضاء في منظمة «معاهدة الأمن الجماعي».
يرتبط القبول الروسي لطالبان بقبول دول مجاورة لأفغانستان مثل طاجيكستان وأوزبكستان. وفي حين أبدت أوزبكستان قبولًا متحفظًا لطالبان، فإن الجار الطاجيكي سبق أن أعلن أنه لن يعترف بحكومة طالبان التي تغلب عليها الصبغة البشتونية، ما لم تحتوِ على بعض التمثيل الشعبي للأطياف الأفغانية التي يمثل الطاجيك نحو الربع منها.
تسعى أوزباكستان إلى أن تكون محايدة دون استعداء طالبان ولا الوقوف خلف الغرب، فقد أنكرت أن المعارضة الطاجيكية والأوزبكية لطالبان تحشد قواتها على أراضيها، بل أن الطيارين الأفغان الذين لجأوا إليها هربًا من طالبان قد غادروها إلى الإمارات.
وفي الوقت الذي تخشى فيه طاجيكستان وأوزبكستان موجة من اللاجئين الأفغان، فإن طاجيكستان الأصغر والأضعف عسكريًا في المنطقة (رغم وجود القاعدة العسكرية الروسية فيها) كانت الأكثر صرامة في التصدي لطالبان ودعم معارضة بنجشير علنًا.
ما الذي يراه المراقبون في اتفاق الدوحة؟
في حديثه مع «منشور»، يذكر سلطان بركات مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة وأحد من حضروا مفاوضات الدوحة بين طالبان والولايات المتحدة، أن الخطوة الأولى بعد وصول طالبان إلى الحكم كانت إيجابية، إذ لم تحدث مجازر بعد السيطرة على كابول، مشيرًا إلى أن طالبان ترغب في الخروج من عباءة باكستان والعودة إلى بلادها بدلًا من العيش في مخيمات اللاجئين، مما يقتضي منهم التركيز على استقرار أفغانستان بعد وصولهم إلى الحكم.
المشكلة تتمثل في انعدام أي أيديولوجية متطورة للحكم لدى الحركة، فقد ارتكزت أيديولوجيتها على الفكر الجهادي ومعاداة أمريكا المحتلة لبلادهم، أما في المرحلة القادمة فستواجه الحركة تحديات جديدة كصعوبة التنمية والمساعدات الإنسانية، ولا يعتقد بركات أنهم جاهزون كما ذكر في التقرير الصادر عن مركزه في الدوحة، فطالبان دخلت بشكل مفاجئ ولم يكن هناك تصور واضح لما بعد السلطة.
أهم ميزتين لطالبان إلى الآن هي فرضهم للأمن وعدم الفساد، مما يجذب حتى الغرب لكن من الممكن أن يتغلغل الفساد في طالبان إن لم تكن الحركة مستعدة لذلك.
يكمل بركات حديثه قائلًا إن هناك ثلاثة شروط أساسية لإكمال مسير أفغانستان بشكل جيد، أولًا: ضرورة إدخال الأطراف السياسية الأخرى، وهو شيء حاصل بطبيعة الحال، فقد انتشرت الحركة بسرعة بسبب اتفاقيات كثيرة مع أطراف مختلفة على مستويات عدة، لكن يجب أن تكون جزءًا من هيكل الدولة لكي تكون جامعة، فطالبان مضطرة للتنازل عن فكرة الإمارة واسمها لأنها تُنفر الجميع بما فيهم الدول المجاورة كالصين وإيران. وثانيًا: تهدئة الأمور محليًا، ومن ذلك دفع رواتب موظفي القطاع العام الذي يوظف 450 ألف موظف وراء كل منهم عائلة كبيرة لم يستلموا رواتبهم منذ سقوط الحكومة، الأمر الذي يحافظ على مأسسة الدولة ويمنعها من الانهيار.
النقطة الأخيرة تتمثل في موضوع حقوق الإنسان والنساء، وهي العقدة أمام المجتمع الدولي، الذي يطالب بالحد الأقصى للحقوق ويسعى إلى تحقيق أقصى مكاسب ممكنة. لكن لا طالبان ولا المجتمع الدولي يرغب في التنازل عن قيَمه. وإذا كانت الحركة قد أبدت لينًا عبر السماح للنساء بالعمل، فهناك في المقابل إصرار على الشرط المبهم الذي تعلنه طالبان وهو «بما تمليه الشريعة الإسلامية»، كما حدثت حالات احتكاك في الشارع الأفغاني.
يرى بركات أن أهم ميزتين لطالبان إلى الآن هي فرضهم للأمن وعدم الفساد، مما يجذب حتى الغرب (قياسًا على فساد وعدم فاعلية الحكومة السابقة)، لكن من الممكن أن يتغلغل الفساد في طالبان إن لم تكن الحركة مستعدة لذلك. وتستطيع طالبان إدارة الدولة، فالفكر الجهادي عندهم يركز على تحرير الأرض مما شاهدوه من احتلال مباشر، أما في التجربة السابقة في التسعينيات فقد جاؤوا إلى الحكم بسبب ثغرة أمنية (تقاتُل المجاهدين)، فجاؤوا ووحدوا البلاد وحكموا بالصدفة، أما الآن فيرى بركات أن طالبان تعلمت الدروس.
انتهى الجهاد بالنسبة إلى طالبان مع انسحاب آخر جندي أمريكي، ولم يكن عندهم أي نظرة عالمية للجهاد، فلا يعتبرون أنفسهم من محاور عالمية للجهاد (كالجهادية العالمية التي تراها داعش)، بحسب بركات، وليس لديهم التطرف الموجود عند داعش تجاه الشيعة مثلًا، فالضربات في السنوات القليلة الماضية كانت من داعش التي تقاتلت مع طالبان، ولا يزال الطرفان في حرب. ومن أولويات طالبان القضاء على داعش، التي لا ترى بدورها مصلحة في وصول طالبان إلى الحكم، التي طمأنت الأقليات كالشيعة والسيخ قبل وصولهم إلى الحكم. وإذا كانت الحركة تتحفظ على بعض ممارسات هذه الأقليات، فهذا التحفظ ليس خاصًا بطالبان كما يقول، بل يراه في دول أخرى ذات أغلبية سنية، فالولايات المتحدة لم تخرج حتى شاهدت ضمانات في ما يخص علاقة طالبان مع القاعدة على سبيل المثال، وإلا فلم يكن الانسحاب ليحدث.
أمام أفغانستان وحكومتها أيًا كانت دروب طويلة في بناء الدولة التي فشلت الولايات المتحدة في بنائها، ويتمثل ذلك في تحديات الفقر المدقع وملء الفراغ الأمني، وبناء الاقتصاد بعيدًا عن المخدرات، ومكافحة الفساد في بلد من الأغنى بالموارد والأفقر في المعدلات الدولية، فضلًا عن عدم وجود بيانات في العديد من القطاعات الأفغانية.
يتطلب الوضع الأفغاني جهادًا حقيقيًا في مجال حل النزاعات وبناء السلام، ويكاد يخلو التاريخ الأفغاني من حكومة موحدة توافق عليها الشعب واستطاعت بسط سلطتها على الأرض الأفغانية، التي تفصل بين مدنها الجبال والصحراء ولا تربطها طرق تصل بين مجتمعاتها المفككة في اقتصاد وسوق موحد. فهل تنجح طالبان في سلوك هذا الطريق، أم تثير المزيد من العنف في بلد عانى من غزو أقوى قوتين عالميتين ومن حربين أهليتين على مدى عقود؟