«أنا أمي تدخل الدواوين مع الرياييل؟»، هذا ما قاله الفنان عبد الرحمن العقل في مسرحية «انتخبوا أم علي»، مستنكرًا ترشح والدته للانتخابات البرلمانية. ورغم أن المسرحية ركزت على ترشح المرأة لمجلس الأمة الكويتي قبل حصولها على حقوقها السياسية، فإنها لم تتطرق لفكرة الديوانيات كجزء مهم من العمل السياسي بالكويت سوى في هذه العبارة.
لكن ما دلالاتها؟ ولماذا صار اللف «كعب داير» على ديوانيات الناخبين جزءًا مهمًا من الحملة الانتخابية للمرشحين؟ وما الذي تمثله الديوانية للوعي السياسي؟ وكيف يؤثر ذلك على النساء؟
الديوانية كنظام اجتماعي
تتنوع الديوانيات ما بين رسمية للعائلة أو القبيلة أو شخصية ذات مكانة اجتماعية، وديوانيات أخرى شعبية لاجتماعات شبابية عفوية، وغالبًا ما تكون ملحقة بالمنزل.
هذه الديوانيات، والتي تعتبر مركزًا لتجمع الرجال والشبان دونًا عن النساء والفتيات، جزء محوري من التراث الاجتماعي الكويتي، والتاريخ السياسي أيضًا، مثل دواوين الإثنين التي جمعت المعارضة الكويتية عام 1989 للمطالبة بالعودة إلى الدستور، بعد تعليق العمل ببعض مواده بأمر أميري من الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت آنذاك، وهو ما أدى لاجتماعات في ظهيرة كل إثنين بديوانية أحد النواب المعارضين.
الديوان مساحة رسمية يستقبل فيها صاحبها الشخصيات ذات الحيثية في المجتمع وأفراد العائلة والأصدقاء، مساحة مهمة لطرح القضايا السياسية والاجتماعية، ولهذا دافع كبير في زيارة المرشح البرلماني لتلك الدواوين للقاء العوائل المهمة في كل دائرة انتخابية وكسب أصواتهم. لكن ماذا عن الديوانيات المنزلية البسيطة غير الرسمية؟ هل تشكل أي دور في الوعي السياسي؟
اجتماعات الشباب في مكان مخصص للعب ومتابعة المباريات وممارسة الأنشطة المحببة لهم وتبادل الحديث، تعطي مساحة للقاء أشخاص من دوائر مختلفة. لا يعني هذا بالضرورة اتساع الدوائر، ففي أحيان كثيرة تكون الدوائر في الديوانيات مغلقة ومقصورة على مجموعة من الشبان الذين يعرفون بعضهم بعضًا، وبالتالي هناك تقارب كبير في طريقة التفكير، إلا أن لها تأثيرها على اكتساب مهارات التعبير عن النفس.
في الديوانيات تُطرح أفكار مهما كان تنوعها ببساطتها وعمقها، وهذا يشكل جزءًا مهمًا من وعي الشاب الكويتي، فالاحتكاك والتلاقي والاستماع للأفكار وطرحها يساعد على تغير الفكر وقابليته للتطور في بعض الأحيان، خاصة أن الشاب يبدأ بالتردد على الديوانيات في سن صغيرة، وغالبًا ما يداوم عليها من سن المراهقة، الذي يدأب فيه الشاب على الانفصال عن بيئة المنزل.
وجود صغار السن من الأولاد بشكل دوري يخلق الشخصية القيادية، التي تتعلم خلال تلك اللقاءات المحاورة وطرق الحديث ومعرفة الآراء والقضايا التي تشغل بال الكبار، وهذا يؤدي إلى صقل الشخصية عن طريق الاحتكاك، وهو ما ينقص الفتيات. فاللقاءات النسائية في الأفراح والمناسبات التي تؤمّها الفتيات ليست مساحة مناسبة للنقاش وتعلم طرح الرأي والتعرف إلى القضايا والأفكار.
انعزال نسائي ومساحة محدودة
كيف يصل المرشح إلى النساء وسط انعدام وجود مساحة نسائية للقاء والنقاش؟
لن تجد مقابلًا اجتماعيًا للدواوين الرجالية. النساء في الكويت يجرين تجمعات مغلقة مثل «شاي الضحى»، إما في المنازل أو في الأماكن العامة كما في الوقت الحديث، وفي الحالتين لا يفتح هذا مجالًا للاختلاط أو الاحتكاك بأفكار أخرى. زائرات المنزل نساء تعرفهن صاحبة المنزل، فتظل الأفكار منغلقة على بعضها. وإن قارناها بالدواوين الرجالية المغلقة على دوائر معينة، فلا تزال لدى الرجال مساحة للتحرك ودخول شخص غريب أو الانتقال من ديوانية لأخرى، وهي مساحة ضيقة جدًا بالنسبة للنساء.
الأهم أن كونها اجتماعات لا تحصل في أماكن مخصصة يجعلها في بعض الأحيان لا تتسم بالدورية، ولا تسمح بزيارات غير محددة في مواعيد مسبقة كونها تحصل في داخل المنزل، ووجود نساء غريبات يحد من حركة رجال المنزل. وهنا يأتي تأثير الوضع الاجتماعي على الحد من تطور الوعي عند النساء.
لم تحصل المرأة الكويتية على حقها السياسي سوى عام 2005، ما أنتج ارتباكًا لدى المرشحين للبرلمان بشأن كيفية الوصول إلى الناخبات. فالندوات الانتخابية لم تكن يومًا أهم وسائل الوصول إلى الناخبين من الرجال، بل زيارة الدواوين. لكن كيف يصل المرشح إلى النساء وسط انعدام وجود مساحة نسائية للقاء والنقاش؟
المثل حدث مع المرشحات، فمحاولاتهن لاختراق الصفوف الرجالية ودخول الدواوين الرسمية للناخبين الرجال لم تعطهن نفس المساحة لأن الفرصة تكون محدودة ومؤقتة، ولم يصلن للمرأة أيضًا لعدم وجود المساحة الاجتماعية المناسبة. وهذا هو السبب ذاته الذي يحد من قدرة النساء والفتيات على تطوير وعيهن السياسي.
عملت بعض المرشحات على إنشاء دواوين مماثلة لدواوين الرجال، واللقاء مع الناخبين والراغبين في النقاش والمحاورة. لكن لأن التجربة لا تزال في مهدها ولا يزال المجتمع غير معتاد عليها، ظلت محدودة ولم يبدُ لها تأثير كبير في الواقع السياسي. يضاف إلى ذلك أنها أصبحت دواوين سياسية بحتة، على عكس الدواوين الرجالية التي تتسم بالطابع الاجتماعي بشكل أكبر.
التواصل الاجتماعي بالنسبة للمرشحين أكثر أهمية من النقاشات السياسية، إذ أنه من المهم وجود حرج اجتماعي يخلقه المرشح لدى الناخب، وحميمية يشعر بعدها بأن من واجبه التصويت لهذا المرشح الذي يزوره ويصادقه ويواسيه في عزائه ويشاركه في أفراحه، فهل أدت الدواوين النسائية هذا الدور؟
الحل الأسهل: أخبروا نساءكم
بغض النظر عن عوامل عديدة مثل طريقة التربية وثانوية المرأة وحداثة وجودها في الساحة السياسية، والتي تؤدي بالمرشح لصب معظم اهتمامه على كسب تأييد الناخب الرجل، فإن انعدام وجود مساحة للقاء كرست فكرة كسب تأييد الناخب للوصول إلى الناخبة، فالحصول على تأييد رجل العائلة يؤدي لأسباب مجتمعية وسياسية إلى الحصول على تأييد المرأة. عدم وجود وعي نسائي كافٍ، وعدم القدرة على الوصول للناخبات، أسباب أدت إلى اختيار الحل الأسهل.
وبينما تحاول المرشحات الحصول على تأييد النساء بشكل أكبر والبروز كممثلات للمرأة، إلا أنهن فشلن في خلق المساحة المناسبة اجتماعيًا. فالدعوات التي تقدم لحضور الندوات النسائية ليست كافية كما تبين من الواقع العملي، والندوات في النهاية طريقة تقليدية ينطلق فيها الحديث من جانب واحد فقط، وليست مساحة نقاشية حوارية بين عدة أطراف.
نتائج وآمال
إذا ما نظرنا لنتائج العمل السياسي للمرأة ووصولها إلى البرلمان نجد أنها نتائج لا تلبي الطموح، فعدد النساء اللاتي وصلن للمجلس بسيط جدًا، وعدد كبير من الناخبات يصوت لأسباب بعيدة عن القضايا التي تهمهن فعلًا.
ربما شكلت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة جيدة للقاء الأفكار وتطوير الوعي خاصة في ما يتعلق بالنساء، لكن ما مدى كفاية هذه الوسائل؟ وهل تكفي وحدها لخلق قاعدة نسائية واعية بقضاياها وأهمية دورها السياسي؟ ليس هذا تغاضيًا عن أي عوامل أخرى تسهم في رفع الوعي سواء للذكور أو الإناث، لكن العمارة الذكورية لها يد في خلق هذه الحالة كما يتضح.
اليوم، ومع تطور وسائل التواصل وظهور تطبيقات مثل «Clubhouse» الذي يشبه ديوانيات افتراضية، صار وصول النساء إلى مساحات أوسع وتبادل ثقافي وفكري أكبر أسهل كثيرًا. لكن هل هذا يقتصر على الأفكار السياسية والفكر الثقافي العميق؟ أظن أن حتى تبادل الأفكار الاجتماعية العادية والبسيطة يمكنها تطوير العقل والوعي.