انطلق برنامج التواصل الاجتماعي «كلوب هاوس» في أبريل عام 2020، ولاقى رواجًا واسعًا في بعض الدول العربية مؤخرًا ومنها الكويت، وهو عبارة عن تطبيق يمكِّن مستخدمه من فتح غرف يشارك فيها الآخرون بالحوار الصوتي أو الاستماع أو المناقشة وتداول الآراء، بحيث يكون هنالك شخص أو أكثر يقوم على إدارة الغرفة والحوار ويسمى «موديريتر»، ويكون هنالك من يشارك في الحوار، ويكون هنالك أيضًا مستمعون.
سرعان ما طُرح سؤال حول مدى إمكانية تعرض من يستعمل التطبيق للمساءلة القانونية. وفي ما يلي سنتناول بعض الجوانب القانونية ذات الصلة بهذا التطبيق، وطبيعته وفقًا للقانون الكويتي، والسوابق القضائية في المحاكم الكويتية.
أولًا: القانون الواجب تطبيقه على برنامج «كلوب هاوس» والجرائم الممكن ارتكابها
«كلوب هاوس» هو أحد برامج التواصل الاجتماعي التي لا بد لاستخدامها من الولوج إلى شبكة الإنترنت، أي باستعمال وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، وبالتالي يخضع لذات القانون الذي تخضع له سائر مواقع التواصل الاجتماعي المماثلة مثل تويتر وإنستغرام وسناب شات، وهو القانون رقم (63) لسنة 2015 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
يجرِّم هذا القانون العديد من الأفعال إذا مورست من خلال وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: التحريض على قلب نظام الحكم، والمساس بالذات الإلهية والقرآن والأنبياء والصحابة وزوجات النبي وآل البيت، والتعرض لشخص أمير البلاد بالنقد أو نسبة قول له دون إذن من الديوان الأميري، وكذلك إهانة وتحقير رجال القضاء والنيابة العامة، والمساس بنزاهة القضاء وحياديته، وإفشاء ما تقرر المحاكم سريته، وخدش الآداب العامة، والتحريض على مخالفة النظام العام أو مخالفة القوانين، والمساس بمعتقدات الأشخاص وكرامتهم، والحض على الكراهية وازدراء أي فئة من فئات المجتمع، والإضرار بعلاقة الكويت بالدول الأجنبية، سواء كانت عربية أو غيرها، وترويج المخدرات، والإتجار بالبشر، وإنشاء موقع لمنظمة إرهابية أو لشخص إرهابي أو ترويج أفكارها أو تسهيل الاتصال بقياداتها أو تمويلها، ونشر كيفية تصنيع المتفجرات أو أي أدوات تستخدم في الأعمال الإرهابية، وكذلك جريمة تهديد الآخرين أو ابتزازهم، بالإضافة إلى السب والقذف.
ثانيًا: مدى مسؤولية المتحدث عن مخالفة القانون دون قصد خلال حديثه
يتميز برنامج «كلوب هاوس» بأن التواصل فيه يكون من خلال المحادثات والحوارات الصوتية، وذلك بخلاف تويتر مثلًا، الذي يعتمد بشكل أساسي على الكتابة.
قد يحتدم الجدل والنقاش في «كلوب هاوس» فيخرج المتحدث دون قصد عن سياق حدود القانون، ويقع في مغبة ارتكاب جريمة من جرائم تقنية المعلومات، وفي هذه الحالة (بفرض خضوعه للمحاكمة) فإن المحكمة ستفحص مدى توفر القصد الجنائي لديه، بمعنى ما إن كان قاصدًا ارتكاب الجريمة من عدمه، وهذا أمر يجري على كافة مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه يتأكد وتتزايد أهميته في «كلوب هاوس» بحكم طبيعة هذا البرنامج.
من غير اللازم الحصول على إذن من النيابة العامة لمراقبة الغرف المفتوحة للعامة، فمراقبتها والاستماع إلى ما يقال فيها، هو أمر متاح للجميع ولا يتطلب إذنًا.
وقد سبق أن عُرض السيد أحمد الجار الله رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية، في قضية تمييز الجنح المستأنفة (طعن رقم 399 لسنة 2015)، على القضاء بتهمة نشر تغريدات تتضمن سخرية وتحقيرًا وتصغيرًا للنبي. وقضت محكمة التمييز ببراءته، لأنه كتب ما كتبه على تويتر في حوار مستفز مع أحد المغردين، وسرعان ما تدارك ما كتبه ومسحه، فأشارت المحكمة في حيثيات حكمها إلى التفاتة مهمة، كما يلي:
«لا يخفى على أحد أن التغريدات المتبادلة على تويتر تشبه الحديث المتبادل الذي لا روية فيه ولا مراجعة ولا تنقيح، ولا يمكن محاسبة المغرد بذلك الموقع ككاتب صحفي في مقالة، إذ أن ظروف تدوين المقالة تتيح لكاتبها إعادة مراجعتها وتنقيحها وحذف ما لا يصلح والإضافة والتعديل فيها، وانتقاء الكلمات الأصوب والأفضل، وهو ما لا يكون في التغريدات التي ترد بكلمات مختصرة ومحدودة، ... مما ترى معه المحكمة أن ما قام به المتهم لا يعدو إلا أن يكون خطأ في التعبير جاء كردة فعل لاستفزاز خصمه المدعو زجران له، فغاب عنه أن يستعمل لفظًا أقل خشونة وأكثر توقيرًا واحترامًا».
ثالثًا: كيف تثبت جهة التحقيق أن الصوت المسجل يعود إلى المتحدث في حال إنكاره؟
من الوارد أن يسجل أحدهم صوت المتحدث ويقدم شكوى ضده، فينكر هو بدوره أن المقطع الصوتي يعود إليه، وفي تلك الحالة فإن التسجيل الصوتي يحال إلى الإدارة العامة للأدلة الجنائية في وزارة الداخلية، والتي تفحص ما يعرف ببصمة الصوت وتطابقها مع صوت المشكو في حقه، وبناء على مدى التطابق بين الصوتين، يبني القاضي قناعة بشأن نسبة المقطع المسجل إلى المتهم.
ويمكن لجهات التحقيق أن تثبت الاتهام بكل طرق الإثبات التي من شأنها أن تتضافر مع بعضها لإقناع المحكمة، ومنها شهادة الشهود.
رابعًا: هل يشترط الحصول على إذن مسبق من النيابة العامة لمراقبة غرف المحادثة على «كلوب هاوس»؟
الإجابة القانونية الأكيدة على ذلك، هي أنه من غير اللازم الحصول على إذن من النيابة العامة لمراقبة الغرف المفتوحة للعامة، فمراقبتها والاستماع إلى ما يقال فيها، سواء كان ذلك من قبل المباحث أو المخبرين أو أي شخص عادي، هو أمر متاح للجميع ولا يتطلب إذنًا، وذلك طالما كانت مفتوحة للجميع.
وقد صدرت سوابق قضائية (مثل الطعن رقم 163 لسنة 2014) من محكمة التمييز الكويتية، قررت بأن من غير المشترط حصول أعضاء قوة الشرطة على إذن مسبق من النيابة العامة لمراقبة حسابات الأشخاص المفتوحة والمتاحة للجميع على موقع تويتر. وجاء في حيثيات أحد الأحكام القضائية ما يلي:
«كان الواقع في الدعوى أن الطاعن قام بنشر وكتابة تغريداته التي تضمنت العبارات المسيئة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، والتي يتاح للكافة دون تمييز الولوج إليها وقراءة ومشاهدة ما ينشر عليها، ومن ثم فإنه لا ينصرف إلى ما يُنشر على تلك المواقع الحماية التي نص عليها الدستور في المادة 39 منه بشأن سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية الخاصة، كما لا ينصرف إليها كذلك الحماية المنصوص عليها في عجز المادة 78 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية وصيانتها لحرمة ما سبق بيانه إعمالًا لنص الدستور، ذلك أن تلك الأشياء تتمتع بالخصوصية التي لا يجوز لأحد الاطلاع عليها، وهو ما يختلف في حالة الدعوى الراهنة، إذ أن ولوج ضابط الواقعة إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة ما ينشر فيها لا يعد مخالفًا لأحكام الدستور والقانون، لكونها متاحة للجميع، ومن ثم فإن رصده من بعد لما نشره الطاعن على ذلك الموقع لا مخالفة فيه للقانون، كما أنه ليس بحاجة إلى استصدار أمر بذلك من الجهة المختصة».
خامسًا: مسؤولية الموديريتر عن الأقوال التي يتفوه بها الآخرون وتشكل جريمة
قد يكون مدير الغرفة (الموديريتر)، سواء كان شخصًا واحدًا أو أكثر، مسؤولًا عما يقوله الآخرون من المتحدثين في الغرفة التي يديرها من أقوال تشكل جريمة، وذلك في حالات كالحالتين التاليتين:
الحالة الأولى: إذا كان مدير الغرفة مسهمًا إسهامًا جنائيًا مع المتحدث الذي ارتكب الجريمة، بحيث يكون قد اتفق معه اتفاقًا مسبقًا على أن يتفوه بتلك العبارات، أو أنه كان قد حرضه على ذلك، أو ساعده بأي طريقة من طرق المساعدة.
ويعتبر استمرار المتحدث في التفوه بما يشكل جريمة مع عدم اتخاذ مدير الغرفة ثمة إجراء اتجاهه يحول دون استمراره في الحديث إسهامًا جنائيًا، في حال ما إذا كان المدير متعمدًا لذلك وتوفر لديه القصد الجنائي.
الحديث في برنامج «كلوب هاوس» لن يكون استثناء من الحالة العامة الراهنة بتقييد الحريات بنصوص تلك القوانين، وسيجري عليه ما يجري على بقية وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
الحالة الثانية: إذا ارتكب أحد المتحدثين في الغرفة جريمة بالتفوه بما يخالف القانون، وشهد مدير الغرفة أو غيره من الموجودين فيها بذلك وعلموا بوقوع تلك الجريمة لكن لم يبلغوا الشرطة أو جهة التحقيق المختصة، ففي هذه الحالة يعاقَب من امتنع عن التبليغ مؤازرة منه للمتهمين بعقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 500 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويستثنى من هذا الحكم الزوج والأقارب من الأصول والفروع.
ختامًا، فإن مختلف التشريعات التي تقيد حرية الرأي والتعبير في دولة الكويت قد تمادت بفرض عقوبات قاسية على من يرتكب الأفعال المجرمة، وبعض تلك الأفعال المجرمة بموجبها تتنافى وقيم الدول المدنية والديمقراطية، وكذلك مع المبادئ الدستورية. لذلك كثرت المطالبات بتعديل ومراجعة تلك القوانين، ومنها قانون جرائم تقنية المعلومات، لما آلت إليه الأمور من صدور أحكام بحبس العديد من أصحاب الرأي والمغردين.
الحديث في برنامج «كلوب هاوس» لن يكون استثناء من الحالة العامة الراهنة بتقييد الحريات بنصوص تلك القوانين، وسيجري عليه ما يجري على بقية وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. بل إن تطبيق «كلوب هاوس» أكثر خطورة بطبيعته، لعدم قدرة كثيرين على ضبط حديثهم العفوي وضمان عدم انفلات كلمة هنا أو هناك توقعهم في مغبة المخالفة القانونية، لذلك فنحن بحاجة ملحة إلى إعادة النظر في التشريعات نحو مزيد من الحريات.