بايدن والشرق الأوسط: تراكم العلاقات أكبر من حجم الخلاف

الصورة: Getty - التصميم: منشور

حسين سنا
نشر في 2022/07/21

درج الرؤساء الأمريكيين منذ عقود على زيارة حلفائهم في الشرق الأوسط. ومع التحول في التحالفات الغربية في المنطقة، تنامى الدور الإقليمي للمملكة العربية السعودية كحليف للغرب والولايات المتحدة، فقد تبدلت ميول إيران بعد الثورة ونهاية زمن الشاه، كما أدى وصول عبد الناصر للسلطة إلى ابتعاد مصر عن الغرب في فترة رئاسته، فأصبح من عادة الرؤساء الأمريكيين زيارة المملكة كمحطة إقليمية للتباحث وتجديد التحالف عبر اتفاقيات في مختلف المجالات، فضلًا عن زيارات القيادات السعودية إلى الولايات المتحدة أو اللقاء بالقيادات الأمريكية على هامش اجتماعات الدول. ولم تنقطع زيارات رؤساء الولايات المتحدة للسعودية منذ زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1974، باستثناء رونالد ريغان الذي لم يزر المملكة.

نناقش هنا مدى نجاح زيارة بايدن الأخيرة إلى المنطقة كخلف لترامب، كما نتطرق إلى الأجندة التي جاء بها من قضايا نقص إمدادات الغاز والطاقة تأثرًا بالحرب الروسية الأوكرانية، والدفع بحملة التطبيع أو ما وصفه بـ«زيادة تكامل المنطقة وتعاون دولها». وبينما تهيمن كتابات الأماني والرغبات والتنفيس عن كره الولايات المتحدة أو روسيا الآن، يحاول هذا المقال أن يقرأ ويحلل ويراقب المتغيرات والثوابت، بعيدًا عن تعابير الاستحسان والاستهجان أو كتابة الأماني على أنها تحاليل.

إلى من يتحدث الرئيس الأمريكي؟

الصورة: Getty

تساعد معرفة السياق الذي يتحدث فيه بايدن، والوعي بالجمهور الذي يخاطبه في تصريحاته، على فهم وتفسير سلوكيات مثل إصراره على الامتناع عن مصافحة ولي العهد السعودي بشكل محرج ولا داع له. يتحدث الرئيس الأمريكي في تصريحاته على أكثر من جبهة وإلى أكثر من جمهور، فمن جهة يخاطب الشعب الأمريكي، ومن جهة أخرى يخاطب السياسيين الأمريكان من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن جهة ثالثة يخاطب المنطقة بدولها محاولًا كسب موافقتها على الأجندة التي يعرضها.

ففي مخاطبته للجمهور الأمريكي يؤكد أن وجود شرق أوسط أكثر تكاملًا عبر الدبلوماسية والتعاون سيعالج قضية التطرف، مما ينعكس على الجيش الأمريكي والتزاماته وحضوره في المنطقة وعلى عوائل الجنود بالتبعية. أما في مخاطبته للحزبين الجمهوري والديموقراطي فيحرص على أن نهجه الدبلوماسي وخطابه غير الشعبوي الذي يختلف عن خطاب ترامب أكثر فعالية ونجاحًا في تحقيق النتائج، بما في ذلك مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبرنامجها النووي.

كان الالتزام بعدم المصافحة وسيلة لمراضاة الإعلام الأمريكي وجمهوره ونواب الكونغرس، الذين أصروا على اتخاذ موقف ينفر عن السعودية كرسالة للتمسك بحقوق الإنسان والمبادئ الغربية. أما بايدن بعد وصوله للسلطة فهو أكثر إدراكًا لضرورة التنازل أحيانًا والتراجع عن تصريحاته السابقة، وأهمية التوافق مع الحلفاء رغم الاختلاف معهم في القيم والمبادئ السياسية. 

«شرق أوسط أكثر تكاملًا وأمنًا»

تحدث الرئيس الأمريكي عن عمله على دفع الشرق الأوسط نحو حالة أكثر أمنًا وتكاملًا بين دول المنطقة، ويمكن ترجمة ما يعنيه بالأمن على أنه تصعيد جديد ضد إيران، عبر استقطاب القوى الإقليمية المخاصمة لها في معسكر واحد للمواجهة في المعركة الدبلوماسية التي يخوضها الطرفان حول عودة الاتفاق النووي، وكذلك في قضايا برنامج إيران لتطوير الصواريخ ودعم المنظمات المسلحة في بعض دول المنطقة، أما التكامل الذي يتحدث عنه بايدن فيترجم إلى مزيد من التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.

يسري الحديث في التحليلات والإعلام عن هذا التطبيع عبر المجالات الأمنية، متمثلة في إنشاء تحالف عسكري شبيه بالناتو يضم بعض بلاد المنطقة كدول الخليج ومصر والأردن وتقوده إسرائيل، لكن معظم هذه التحليلات الإعلامية تطغى عليها المبالغة على أكثر من صعيد.

أولًا: ليس الحديث عن الناتو العربي بالأمر الجديد، فقد أثيرت الفكرة منذ فترة حكم أوباما دون أن يتحقق شيء. ثانيًا: في حالة غياب المصلحة المشتركة أو الخطر المشترك الذي يوحد أعضاء هذا الحلف العسكري، وفي حالة غياب الجغرافيا السياسية المشتركة أو أي عنصر مشترك آخر، فإن مدى فعالية هذا التحالف وكفاءته (بفرض أنه في طور التشكيل فعلًا) ستبقى محل تساؤل. فما مدى فعالية هذا الحلف لعُمان مثلًا؟ ولماذا تسهم فيه إن لم يكن له مردود عليها من ناحية الأمن الوطني والجغرافيا السياسية والاقتصاد؟ كما تتمتع بعض الدول العربية الأخرى كالكويت وكقطر بعلاقة متوازنة مع طهران منذ موقفها خلال أزمة الخلاف الخليجية، ولا مصلحة لهذه الدول في استعداء إيران دون سبب.

ولنا في تاريخ الأحلاف العسكرية عبرة، إذ لم يستمر حلف بغداد الذي تأسس في منتصف القرن الماضي طويلًا، فضلًا عن أنه لم يكن «حلفًا إسرائيليًا» على الإطلاق، بل كان حلفًا إقليميًا يصب في المعسكر الغربي. أما مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق والأردن ومصر واليمن فلم يكن فاعلًا هو الآخر، ولم تكتب له الاستمرارية في ظل الخلافات وغياب الخطر المشترك وتباعد الجغرافيا والاقتصاد السياسي بين دوله الأعضاء.

الصورة: Getty

ضمرت معظم صور ومقترحات «الناتو العربي» خلال العقد الأخير، فلم نعد نسمع عن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب لأن أعضاء مثل تركيا والمغرب مثلًا يرون الإرهاب بأعين مختلفة، فتركيا ترى الأكراد مصدر تهديد وخطر، أما المغرب الذي لا علاقة له بالأكراد فالإرهاب في تصوره قادم من قضية الصحراء الغربية، فضلًا عن تصورات الخطر والإرهاب لعشرات الأعضاء الآخرين في هذا التحالف.

كما لم نعد نسمع بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (ميسا)، ولا بالتحالف الدولي الذي حاول ترامب فرضه في مؤتمر وارسو عام 2019، والذي حضرته معظم الدول العربية بتمثيل أقل من وزاري احتجاجًا على الإكراه الأمريكي (حضرته الكويت ممثلة بنائب وزير الخارجية). 

الدرس المستفاد من محاولة إنشاء مثل هذا الناتو العربي أن أعضاءه لن يكونوا جادين إن طُلب منهم إنشاء التحالف تحت ضغط خارجي.

تتمتع الدول بالسيادة والاستقلالية بشكل أكبر مما تصوره نظريات المؤامرة والإجبار، وقد تؤسس قوى خارجية تحالفًا مع دولتين خصيمتين في بقعة جغرافية ما، لكن هذا لا يعني أن إحدى هذه الدولتين عميلة للقوى الخارجية أو حليفة في السر لخصمها الإقليمي، فمن الممكن أن تتخذ العلاقات الدولية شكلًا مثلثًا أحيانًا. لقد تمتعت القوى الغربية بعلاقات متينة مع كل من الدول العربية وإسرائيل على مدى عقود، دون أن يكون هناك تواصل مباشر بين إسرائيل والدول العربية، وكذلك الأمر مع روسيا التي تعد حليفة لإيران ولها علاقة مميزة مع إسرائيل في الوقت ذاته، دون أن يكون هناك تواصل مباشر بين إيران وإسرائيل. ولعل هذه الحالة ستستمر في انطباقها على العلاقات بين الأنظمة العربية وإسرائيل خلال المدى المنظور. 

ربما يتخذ تكامل المنطقة شكلًا أكثر فعالية من التكامل الذي تتمناه الولايات المتحدة متمثلة في بايدن، فعودة العلاقات التركية مع السعودية والإمارات، وزيارة الرئيس السوري للإمارات (أول زيارة لبلد عربي منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية)، وعودة العلاقات الإماراتية الإيرانية، ومحادثات إيران والسعودية بوساطة العراق، كلها تعد أكثر منفعة لدول المنطقة وشعوبها، أما التكامل الذي يتحدث عنه الرئيس الأمريكي فلا ينظر لمصالح دول المنطقة ومكتسباتها بقدر ما ينظر للمصالح الأمريكية ومصالح الكيان الصهيوني.

الأمن في منظور دول المنطقة وشعوبها أكثر تركيبًا وعمقًا من إيران، فالصراعات التي قد تتفجر قريبًا ربما لا تكون ذات علاقة بالشأن الإيراني المباشر. فالخلاف بين إسرائيل ولبنان حول حقل كاريش للغاز، أو التصعيد بين تركيا وسوريا في إدلب، أو بين السعودية وبعض الأحزاب اليمنية، لا علاقة لها بإيران مباشرة بقدر ما ترتبط بعوامل داخلية وبينية، وإن كانت تنعكس على طهران عبر مساسها بالنفوذ الإيراني في المنطقة. الأمن في المنطقة يتجاوز ما يتحدث عنه الرئيس بايدن ليشمل الأمن الغذائي والاقتصادي، وإعادة بناء الدول الفاشلة التي نتجت عن إسقاط الأنظمة دون تبلور البديل أو تقديم الدعم الخارجي بالطريقة والكمية المطلوبة لإعادة البناء، أي بنفس الطريقة التي قدمها الحلفاء لألمانيا واليابان وكوريا بعد الحرب العالمية الثانية مثلًا، وهو ما يفوق الدعم المقدم لدول المنطقة بمراحل.

الصورة: Getty

النزعة نحو التطرف ناتجة عن غياب التنمية والبطالة والقمع، فضلًا عن الدعم الغربي اللامحدود للكيان الصهيوني اللاعادل. التطبيع مع دول المنطقة لن يحل مشكلة الصراع مع الكيان الصهيوني ما لم يشمل صلب القضية المتمثل في فلسطين وشعبها، فقد قدمت السعودية المبادرة العربية للسلام منذ ما يقرب من 20 عامًا، وهي تمثل الحد الأدنى من المطالب العربية في مقابل تطبيع شامل مع الغالبية العظمى من الدول العربية والإسلامية، أي حتى باكستان وأفغانستان، وهذا كفيل بصنع نظام إقليمي جديد وتحقيق مستوى عال جدًا من الاستقرار.

لكن الأحزاب الإسرائيلية التي تصل إلى السلطة ترفض هذه المبادرة بسبب ادعائها أن إسرائيل تستطيع تحقيق أكثر من ذلك بشروط أقل، وهو ما تبينت صحته بعد التطبيع مع الإمارات والبحرين. قد يكون المزيد من التطبيع محرجًا دون منفعة، فكما أُلزمت إسرائيل بعدم المشاركة في حلف بغداد وحروب الخليج، ربما لا يكون المزيد من التطبيع نافعًا، خصوصًا إن أمكن تصريف الأعمال عبر السفارات الإسرائيلية في الخليج دون فتح المزيد من السفارات. أما الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل والذي عبر عنه بايدن في تصريحاته من الكيان الصهيوني فليس جديدًا، فأوباما كان من أكثر الرؤساء الذين يُنتظر منهم فرض حل الدولتين، ومع ذلك مرر أكبر معونة أمريكية لإسرائيل قبل انتهاء ولايته بقليل، بكرم وسخاء أشبه ما يكون بالكرم العربي الذي يضرب به المثل، ويا للمفارقة.

مصادر طاقة بديلة عن روسيا 

تهدف زيارة بايدن كذلك لتخفيف وطأة الحرب الروسية الأوكرانية على إمدادات الطاقة وأسعار النفط والغاز، عبر حث دول المنطقة المنتجة للطاقة على زيادة إنتاجها لتخفيض الأسعار أو إبقائها دون المزيد من التصاعد، الأمر الذي لم ينجح فيه بعد زيارته للسعودية، إذ وصلت الدول المنتجة للطاقة إلى أقصى قدرتها الإنتاجية حاليًا. لكن الحديث عن هزيمة أوروبية وأمريكية في أوكرانيا لا يزال سابقًا لأوانه، وهو أقرب إلى كونه رغبة تعبر عنها بعض وسائل الإعلام العربي نكاية في الغرب وكرهًا له.

الفضاء المفتوح للنقد في الإعلام الغربي وتداول أسئلة الهزيمة لا يعكس تحققها على أرض الواقع، بقدر عكسه لقيم التعددية وحرية التعبير والفضاء الإعلامي شبه المفتوح، وكذلك الأمر مع الحالة الشبيهة بالهلع التي تسود الإعلام الغربي حول شتاء الطاقة القادم. أما الدول الشمولية فتلجأ إلى التعتيم وهيمنة الرواية الرسمية السائدة، الأمر الذي يحجب النظر عن مدى الضرر ولكنه لا ينفي وقوعه. الكل يتضرر من الحروب التي تكون على نمط الحرب الروسية الأوكرانية، ويشمل ذلك القوى العظمى والمحيطة بمنطقة النزاع ناهيك بأطراف النزاع نفسها، كما تؤدي العقوبات المتبادلة بين القوى العظمى إلى تفكك نظام العولمة وترابط الاقتصاد العالمي.

هذا الأمر قد يُنتج الفراغ والمساحة المطلوبة لخلق نظام جديد تأخذ فيه القوى غير الغربية كالصين وروسيا حيزًا أكبر، لكنه لا يضمن ذلك بالضرورة، على الأقل لم يحدث ذلك بعد. الهيمنة الغربية ونظام القطب الواحد الذي قادته الولايات المتحدة كان الاستثناء في تاريخ الأنظمة العالمية لا القاعدة، فصعود أمريكا وهيمنتها نتج بسبب تدمر أوروبا خلال الحربين ومعاناة الاتحاد السوفييتي في كمية الخسائر البشرية والمادية. ومع وجود القوى البشرية والطاقات الهائلة الكامنة في دول مثل الصين والهند، فإن صعودها لشغل مكانة أرفع في النظام العالمي يبقى مسألة وقت.

تتلاقى كل من قضية الطاقة والصراع الأمريكي مع إيران والتطبيع في المنطقة في حقل الغاز اللبناني كاريش الذي تحتله إسرائيل، فبدء إسرائيل استخراج الغاز منه وتصديره إلى أوروبا قد يكون سببًا لاندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله. إلا أنه من المبالغة الاعتقاد بأن حقل كاريش للغاز سيكون قادرًا على سد حاجات الطاقة في أوروبا الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات على روسيا، في الوقت الذي عجزت فيه دول مستقرة وذات بنية إنتاجية متينة كقطر عن إنتاج المزيد من الطاقة وتصديرها. تأسيس البنية التحتية الصناعية القادرة على إنتاج الطاقة وتصديرها من حقل كاريش المكتشف حديثًا يحتاج إلى المزيد من الوقت.

الأرجح أن استمرار نقص الإمداد سيولد أزمة طاقة ثالثة شبيهة باللتين حدثتا بعد حرب أكتوبر وقطع الدول العربية النفط عن بعض الدول الغربية، وبعد الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية حين انقطع النفط الإيراني عن الغرب. ويسهم في بلورة أزمة الطاقة الجديدة وجود روسيا على الأراضي البديلة لمصادر الغاز، مثل ليبيا وسوريا، وتحكمها في شيء من إمدادات الطاقة منهما، فضلًا عن توازن الجزائر في انحيازها لأي من المعسكرين. ربما يؤثر اندلاع حرب بين لبنان وإسرائيل على توازن القوى الإقليمية في المنطقة، وعلى مستقبل النفوذ الإيراني في تناميه أو تراجعه، وينعكس كذلك على قضية الطاقة، لكنه لا يسد نقص إمداد الغاز للاحتياج العالمي بالشكل الكافي، فالحرب لا تغير خريطة الطاقة الدولية ولا تتجاوز كونها حربًا إقليمية.

حقوق الإنسان والقيم الليبرالية في السياسة 

يستند الرئيس الأمريكي في استراتيجيته إلى القيم الغربية كالليبرالية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ويرى فيها نقطة قوة الغرب في مواجهة خصومه كروسيا والصين. ولعل التحدي الأكثر جدية وعمقًا الذي يمثله صعود الصين وعودة روسيا إلى الساحة الدولية بين القوى العظمى في العقد الأخير هو مدى التحدي الذي يمثله نموذجيهما السياسيين للحكم في مقابل نظرية التحديث الغربية. وليست الدول الأصغر حجمًا مضطرة أن تلتزم بنموذج ما بقدر ما تستطيع أن تلتزم بالحياد الإيجابي أو بأخذ ما يناسبها من كل نموذج، فالسعودية تستطيع أن تلتزم بالتحالفات الغربية مع استمرارها في السياسات الشمولية بوصفها أكثر ملاءمة للمجتمع والواقع، خصوصًا إذا أثبت النموذج الصيني السياسي كفاءته وفعاليته في صناعة القرار والإنجاز.

صعوبات فرض التغيير الديموقراطي من الأعلى أو من الخارج اتضحت في حربي أفغانستان والعراق، واتضح كذلك مدى عواقب التغييرات الجذرية المفاجئة في ثورات الربيع العربي، الأمر الذي يضع التوصيات الغربية لدول المنطقة محل تساؤل. كل نموذج سياسي يحاول فرض نظام أخلاقي ما وتحقيق أهداف أخلاقية يتجاوز الإطار السياسي إلى كونه يستهدف قيمًا أيديولوجية وأخلاقية خاصة ليست من وظائف الدولة، وينتهي به الأمر إلى نظام حكم شمولي. وإذا أمكن إسقاط هذا على الجمهورية الإسلامية في إيران لكونها تحاول أن تفرض الفضيلة والقيم الإسلامية، فلماذا لا يكون الأمر مختلفًا مع الولايات المتحدة التي تحاول فرض الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات السياسية بالقوة؟

الصورة: Getty

يستوعب الأمير محمد بن سلمان هذه القضايا جيدًا، ويدرك مدى هامشية الليبرالية الغربية في العلاقات الدولية وقيم حقوق الإنسان والحريات إذا ما قوبلت بالمصالح والمنفعة والواقعية السياسية. قارن مدى تطرق الولايات المتحدة لقضية اغتيال خاشقجي مع التحقيق الذي أجري في اغتيال القوات الإسرائيلية للصحفية شيرين أبو عاقلة، وسترى بوضوح أن الولايات المتحدة تقدم مصالحها مع الكيان الصهيوني على الالتزام بخطاب العدالة وحقوق الإنسان.

يدرك جو بايدن هو الآخر أهمية الواقعية السياسية والمصالح وأولويتها على القيم الإنسانية، ففي ردوده على اعتراضات نواب الكونغرس وعلى الصحفيين الأمريكيين الذي طالبوا بمحاسبة السعودية على الحادث، تطرق الرئيس الأمريكي إلى أهمية التوافق مع السعودية لبلوغ حل سياسي في اليمن، وعدم التخلي عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، دون الانزلاق إلى التدخل في السياسة الداخلية السعودية ودعم أمير على حساب آخر، كما حدث مع ترامب الذي دعم صعود بن سلمان إلى السلطة، الأمر الذي انعكس على السياسة الأمريكية الداخلية عبر تقارب السعودية مع الحزب الجمهوري على حساب الحزب الديموقراطي.

أراد بايدن إيصال رسالة في نهاية الأمر لمنع تكرر استدراج واغتيال الصحفيين في المستقبل عبر عقوبات رمزية وشكلية، لكن يبقى تراكم العلاقات أكبر من حجم الخلاف، فضلًا عن المصالح التي تفرضها ظروف الحرب الروسية الأوكرانية. لا تبدو الزيارة الرئاسية الأمريكية للمنطقة ناجحة في تحقيق أهدافها، ولعل أمام بايدن المزيد من المعارك التي يحتاج إلى خوضها والنجاح فيها إذا أراد الفوز بالانتخابات الأمريكية القادمة.

مواضيع مشابهة