كيف يعيش الفلسطينيون تحت القصف الإسرائيلي؟

الصور: Getty - التصميم: منشور

تغريد علي
نشر في 2022/08/24

حالة من الصدمة والذهول لا يزال يعيشها الشاب الفلسطيني سعيد العسلي (35 عامًا) وأسرته المكونة من أربعة أفراد، بعد أن تعرضت شقته السكنية لتدمير جزئي إثر قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي منزلًا مجاورًا له في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

يقول العسلي لـ«منشور» بعد أن انتهى قبل أسبوعين من بناء شقته الجديدة: «كنت أعتقد أن المنطقة التي أعيش فيها آمنة أكثر من أي منطقة أخرى في القطاع، إلا أن توقعاتي لم تكن في محلها، وقد أثبتت هذه النظرية خطأها، إذ بات كل مكان في غزة مستهدفًا، وغير آمن من الخطر والقصف الإسرائيلي».

كان الجيش الإسرائيلي قد استهدف في 5 أغسطس شققًا سكنية ومراصد للمقاومة خلال عمليته العسكرية التي أطلق عليها «بزوغ الفجر» ضد نشطاء حركة الجهاد الإسلامي، وهو ما أدى لإطلاق الأخيرة عددًا من الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية ردًا على مقتل قياديين ونشطاء لها خلال الضربات الإسرائيلية.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن إجمالي عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي خلال ثلاث أيام من التصعيد بلغ 44 شهيدًا، بينهم 15 طفلًا وأربع سيدات، وإصابة 360 بجروح متفاوتة.

يبلغ عدد سكان قطاع غزة نحو مليوني نسمة، فيما يبلغ طول القطاع 41 كيلومترًا وعرضه 10 كيلومترات، وتعد غزة منطقة شبه محاصرة يحدها البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ومصر.

تخضع غزة لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي طردت القوات الموالية للسلطة الفلسطينية الحاكمة آنذاك بعد خلاف عنيف في عام 2007.

يعتمد نحو 80% من سكان غزة على المساعدات الدولية وفقًا للأمم المتحدة، ويعتمد نحو مليون شخص على المساعدات الغذائية اليومية، في حين تتمتع غزة بواحدة من أعلى الكثافات السكانية في العالم، إذ يعيش فيها ما يقرب من 600 ألف لاجئ في 8 مخيمات مكتظة.

كما يوجد في المتوسط أكثر من 5700 شخص في كل كيلومتر مربع، وهو ما يماثل كثافة السكان في العاصمة البريطانية لندن، لكن هذا الرقم يرتفع إلى أكثر من 9 آلاف شخص في مدينة غزة.

الركض مسرعًا

الصورة: Getty

يكمل العسلي تفاصيل ما جرى معه: «كنت وعائلتي نتناول طعام الغداء، وفجأة بدأ أهالي الحي في الصراخ الذي بات يعلو رويدًا رويدًا، وبعد دقائق معدودة إذ بأحد الجيران يتصل بي ويبلغني بضرورة الخروج من المنزل لنية الاحتلال استهداف بيت أحد الجيران، والذي لا يبعد سوى 30 مترًا فقط عن منزلي».   

يضيف: «صدمت حقًا بهذا الاتصال المفاجئ، وعلى الفور هرعت وزوجتي وأبنائي خارج المنزل حفاة الأقدام، وبالملابس التي علينا فقط، حتى أن زوجتي لم تستطع أن ترتدي اللباس الشرعي الكامل عند خروجها، وسحبت أحد الأغطية القماشية ولفته حولها لتستر نفسها، ثم ركضنا نحو منزل مجاور أكثر أمنًا يبعد مسافة مئة متر عن منزلي».

ويشير إلى أنه «بعد أقل من خمس دقائق على هروبنا خارج البيت، سمعنا صوت انفجار قوى ناجم عن صاروخ تحذيري ألقته إحدى طائرات الاستطلاع على سطح المنزل المستهدف. ولم تمض 10 دقائق على هذا الانفجار حتى شاهدنا صواريخ كبيرة تسوي المنزل المكون من ثلاث طوابق بالأرض».

زلزال أصاب المنزل

«بعد الاستهداف بقليل خرجت لأرى ما حدث وأتفقد الأضرار التي أصابت منزلي، فوجدت الدخان والغبار يملأ المنطقة بكاملها، وبعد أن بدأ يتلاشى وبدأت آثار وملامح القصف تظهر، وجدت منزلي والعديد من منازل الجيران قد تضررت بشكل كبير».

ويؤكد أن «نوافذ المنزل كانت مهشمة، وكذلك الأبواب الخشبية، وتضرر قسم كبير من الأثاث الموجود بالداخل، وكأن زلزالًا أصاب البيت. كان شعورًا صعبًا، وأصبح العيش بداخله مستحيلًا، خصوصًا أنني لم أنته من تسديد الديون المالية التي أرهقتني بعد بنائه، والتي تتطلب سنوات طويلة لسدادها».   

شنت إسرائيل على مدار 13 عامًا خمسة حروب علي قطاع غزة، أولها في 2008 والتي استمرت لمدة 23 يومًا وأسفرت عن استشهاد 1430 فلسطينيًا. وخلال العام 2012 اندلعت حرب ثانية استشهد خلالها 180 فلسطينيًا على مدار ثمانية أيام. وفي 2014 شنت إسرائيل حربًا ثالثة على القطاع استمرت لمدة 51 يومًا، واستشهد خلالها 2322 شخصًا. أما الحرب الرابعة فوقعت خلال العام 2019، وأسفرت عن استشهاد 34 فلسطينيًا غالبيتهم من عناصر حركة الجهاد الإسلامي. بينما كانت الحرب الخامسة في 2021، وأسفرت عن سقوط 250 شهيدًا.

أوضاع نفسية سيئة

«منذ انتهاء الحرب وأطفالي لا يعرفون للنوم طعمًا بفعل الكوابيس التي تراودهم خلال نومهم، وصاروا يرفضون اللعب أو النوم وحدهم، وذلك بفعل شدة القصف الإسرائيلي خلال الحرب الماضية.»

كان للحرب آثارها الصعبة على المواطن إسماعيل أبو سخيلة (43 عامًا)، والذي تحدث مع «منشور» عما تركته الحروب المتتالية وخاصة الأخيرة من أوضاع نفسية سيئة على عائلته.

يعيش أبو سخيلة في مخيم جباليا، وهو رب لأسرة مكونة من سبعة أفراد أكبرهم يبلغ 22 عامًا وأصغرهم ثمانية أعوام، ويقول إن «القصف الإسرائيلي كان شديدًا وغير مسبوق، وضرب كل مكان في القطاع. كنت وأبنائي وزوجتي نقضي أوقاتنا خلال الليل والنهار في غرفة واحدة بالمنزل، لنبق بجوار بعضنا ونحاول توفير بعض الأمان لأطفالي».

ويضيف: «منذ انتهاء الحرب وأطفالي الصغار لا يعرفون للنوم طعمًا بفعل الكوابيس التي تراودهم خلال نومهم، وباتوا أكثر انعزالًا من ذي قبل، وصاروا يرفضون اللعب أو النوم وحدهم، وذلك بفعل شدة القصف الإسرائيلي خلال الحرب الماضية».

ويلفت إلى أنه عاصر كل الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وتعرض منزله لأضرار بالغة خلال الحرب الإسرائيلية قبل الأخيرة عام 2021، إذ تسبب قصف أرض زراعية مجاورة في إصابته ونجله بجروح، وحينها قرر عدم البقاء داخل المنزل لحين انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية، واتخذ من مستشفى الشفاء ملجأ له ولعائلته، لكونه المكان الأكثر أمنًا في غزة بحسب وصفه.

يبدو أن العيش بأمن وسلام في القطاع بات هدفًا بعيد المنال بحسب أبو سخيلة: «بتنا نشهد حروبًا متتالية لا يفصل بينهما سوى أعوام قليلة، وعادت غزة إلى الوراء سنوات كثيرة بفعل تدمير المنازل والبنى التحتية والمنشآت والمصانع وغيرها».

لا ملاجئ أو غرف محصنة في غزة

تصف السيدة خلود أبو عاصي لحظات الرعب التي عاشتها وعائلتها منذ اللحظات الأولى للقصف الإسرائيلي على شقة سكنية في غزة عصر الجمعة 5 أغسطس.

تقطن أبو عاصي (29 عامًا) بجوار برج فلسطين، الذي تعرض للاستهداف المباشر من قبل الطيران الإسرائيلي، وتوضح لـ«منشور» أنه «قبيل موعد صلاة عصر الجمعة، وقبل دقائق على مغادرتي وأبنائي للتوجه إلى شاطئ البحر للهرب من شدة الحرارة بفعل انقطاع التيار الكهربائي، إذا بحجارة متطايرة تنهمر على مسافة قريبة جدًا من منزلي».

وتضيف أن «الانفجار كان عنيفًا، حتى أنني اصطحبت أبنائي وهرعت مسرعة أسفل سلم البيت، والذي يتخذه معظم سكان القطاع مأوى خلال الحروب، باعتباره من أكثر المناطق المحصنة داخل المنازل، خوفًا من تكرار القصف من جديد».

وتقول: «لا يوجد لدينا كما عند الاحتلال ومستوطنيه ملاجئ أو غرف محصنة، ولا حتى صافرات إنذار، ولا يمكن التنبه إلى أن صاروخًا أو شيء ما سيصل وينفجر، ففي القطاع المحاصر يضرب الصاروخ المنزل فوق رؤوس ساكنيه دون سابق إنذار».

تلفت خلود إلى أن «المنطقة التي أعيش فيها بحي الرمال كانت منذ عدة سنوات من أفضل وأكثر المناطق هدوءًا، ولم تشهد لفترات طويلة أي عمليات استهداف من قبل العدو الصهيوني، حتى أن العديد من السكان في غزة كانوا يلجؤون إلى أقاربهم في الحي خلال بعض الحروب للاحتماء عندهم، لكن خلال السنوات الأخيرة بات الحي من أخطر المناطق المستهدفة من قبل الجيش الإسرائيلي في القطاع».

غزة غير صالحة للحياة

الصورة: Getty

يحذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة روبرت بايبر، من أن قطاع غزة في طريقه إلى أن يصبح غير صالح للحياة بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية على جميع الأصعدة جراء الحصار الذي يعاني بسببه مليونا فلسطيني.

يقول بايبر في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية عام 2017، عقب صدور تقرير أممي بعنوان «غزة بعد 10 سنوات»، إن كل المؤشرات تسير في الاتجاه الخاطئ، مشيرًا إلى تردي خدمات الصحة والطاقة والمياه.

ويضيف: «توقعنا قبل عدة سنوات أن يصبح قطاع غزة غير صالح للحياة استنادًا إلى مجموعة من المؤشرات، والموعد النهائي يقترب فعليًا بشكل أسرع مما توقعنا». يشير بايبر في حديثه إلى تقرير أعدته المنظمة الدولية وصدر في 2012، وتضمن تحذيرًا من أن تصبح غزة غير صالحة للحياة بحلول عام 2020 في حال عدم تخفيف الحصار القائم منذ 2006.

يؤكد المسؤول الأممي أنه حين يقتصر التزويد بالكهرباء على ساعتين يوميًا كما حدث الأسبوع الماضي، وعندما تقارب معدلات البطالة بين الشباب 60%، ولا يتمكن المرضى من الوصول إلى الخدمات الصحية، فذلك يعني أن المنطقة تجاوزت الحد الأدنى لمستوى الحياة المقبولة بكثير.

نور أبو شرخ (21 عامًا) طالبة جامعية من حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، تقول لـ«منشور»: «كنا نعيش وكأننا في منطقة زلازل من شدة الاستهدافات الإسرائيلية، والتي كانت تتسبب في اهتزاز البيت يمينًا ويسارًا، حتى أنه يكاد ينهار في أي لحظة».

وتشير إلى أنه «رغم أن الحروب السابقة كانت أكثر صعوبة وإيلامًا، بفعل أعداد الضحايا الكبيرة التي سقطت من الحرب الأخيرة التي استمرت لثلاث أيام فقط، فإن الاحتلال استهدف فيها الأطفال والنساء والشيوخ، ولم يكن أحد في مأمن من القصف الإسرائيلي بعد استهداف بيوت وشوارع بشكل مفاجئ».

إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء بحسب أبو شرخ، بقصفها المدنيين العزل الذين لا يشكلون أي خطر على الاحتلال أثناء سيرهم في الشوارع ومكوثهم داخل منازلهم. «في العموم، الحرب الذي تذهب تأتي بعدها حرب أصعب وأشرس منها، فنحن على مدار 13 عامًا تعرضنا لخمسة حروب، وهو رقم كبير خلال تلك السنوات فقط».

رغم انتهاء الحرب الإسرائيلية، ما زالت القيود الإسرائيلية والحصار يتواصل بعد إغلاق المعابر مع القطاع، ما يضع سكانه أمام أزمة غذائية وإنسانية بمنع وصول المواد الغذائية وسفر المرضى للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس.

مواضيع مشابهة