استيقظت العدالة قبل أيام معدودة على بتر أحد أيادي التنفيذ، وهي يد الضبط والإحضار التي وُئدت مع نفاذ وتطبيق القانون رقم 71 لسنة 2020 بشأن الإفلاس، والمعني بإيقاف الضبط والإحضار في إجراءات التقاضي الخاصة بالمطالبات المالية، وتمكين المدين من متابعة عمله.
هذا الإلغاء طال قانون المرافعات في المواد من 293 إلى 296، والتي من شأنها أن تنظم حبس المدين، وهي من أهم وسائل التنفيذ الجبري للأحكام والسندات التي بحاجة لتنفيذها.
شكل هذا جدلًا واسعًا بين مؤيدي القانون ورافضيه، إذ يرى المؤيدون أنه من غير المقبول ضبط المدين المتعثر وحبسه مع مدانين في جرائم جنائية لمجرد تعثره في الدفع، بينما يرى الرافضون أن هذا يضر الدائنين، خاصة أن الضبط والإحضار يطبق غالبًا في حالة تعنت المدين عن الدفع مع قدرته على الإيفاء بدينه، خصوصًا في قضايا الأسرة والنفقة.
الأسرة والتهرب وتنفيذ الأحكام
لم يكتف الإلغاء بحماية المفلس، فشمل كل حكم له صفة تنفيذية خاصة بالأسرة. فالمشرع حينما شرع القانون غاب عنه أبعاد تطبيقاته، وكان من الأيسر عليه أن يعدل قانون التجارة بما يتناسب مع التاجر، بدلًا من أن يصدر قانونًا جديدًا ينسف الضبط والإحضار من قانون المرافعات.
هذا التعديل امتد ضرره فألغى حبس جميع المدينين، ومنهم المطالَبون في قضايا الأسرة، والمتضررون من الأسر الذين لهم حقوق في النفقات من زوجات وأبناء، وهم أكثر الفئات تضررًا من إلغاء حبس المدين، إذ يبلغ معدل المبالغ التي تحصلها إدارة التنفيذ عن طريق الضبط والإحضار ما يقارب 260 ألف دينار كويتي شهريًا، فيما وصل عدد الأفراد الذين صدرت بحقهم أوامر ضبط وإحضار حتى قبل نفاذ قانون الإفلاس في 25 يوليو 2021 إلى نحو 43 ألفًا.
المستشار صلاح الجري مدير الإدارة العامة للتنفيذ صرح لجريدة القبس بأن «غالبية المتضررين من هذا القانون هم الذين صدرت لهم أحكام بالنفقات من زوجات وأبناء»، وأضاف: «القبض والإحضار هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام الدائن لتحصيل حقوقه، نتيجة إخفاء المدين أمواله وتهريبها».
كل إجراءات التنفيذ ووسائله تفشل غالبًا في تحصيل الدين، للجوء المدين إلى تصرفات تؤدي إلى إخفاء أمواله أو تهريبها، وهذا ما شهدناه في المحاكم، فالناس ليسوا سواسية في تطبيق القانون واحترامه. لذا فحبس المدين شُرّع قبل 40 عامًا لمواجهة المماطلين في أداء الدين رغم قدرتهم، وإلغاؤه دون وجود المزيد من التشديدات على المدين سيجعل القادم فوضى، وستكون لدينا أحكام قضائية نعجز عن تنفيذها. لا بد من إلغاء هذا القانون في رأيي، أو إيجاد البديل حتى لا تضيع حقوق الناس وتضعف الحماية لحقوقهم الثابتة وفقًا للأحكام القضائية، وهذا ما يجافي منطق العدالة و يخل بمبدأ المساواة.
بدائل الضبط والإحضار الحالية هي بقية إجراءات التنفيذ الأخرى بحق المدينين الممتنعين عن تنفيذ الأحكام القضائية، ومنها حجز البنوك، وحجز ما للمدين لدى الغير، ومنع السفر، وضبط المركبات.
ثبت عمليًا أن معظم المدينين لا يعمدون إلى السداد إلا بعد صدور إجراء الضبط والإحضار بحقهم، إضافة إلى قدرتهم على التهرب عن السداد وتحويل ممتلكاتهم وإخفائها.
ولأن القانون الجديد شمل أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يجد مؤيدوه أن هذا تطور إيجابي على المستوى الاقتصادي، وهو ما يتسبب في جدل آخر بين القانونيين.
تجاهل المختصين
أكد المستشار أحمد العجيل رئيس المجلس الأعلى للقضاء لجريدة الجريدة رفض المجلس في اجتماعه القانون الجديد، مشيرًا إلى أنه «كان من الأولى عدم ضبط المدينين التجار وفق قانون الإفلاس، لا أن يأتي التعديل ليلغي حبس جميع المدينين، ومنهم المطالبون في قضايا الأسرة». وأضاف أنه بالنسبة لأحكام الأسرة، «لا يمكن اتخاذ إجراءات فيها ضد المدين إلا بمنع السفر والحجز على الراتب في حدود معينة قد لا تفي بحقوق طالب التنفيذ».
إن كانت هيئات مثل الإدارة العامة للتنفيذ والمجلس الأعلى للقضاء، بحسب تصريحات المستشارين الذين يترأسون هذه الجهات المهمة في سير العدالة في الدولة، تقف ضد هذا القانون وتؤكد أنه يخالف مجرى العدالة وهم أهل الإختصاص، فمن المستفيد من القانون مع وجود كل هذه الآثار الاجتماعية؟ ولماذا لم يأخذ المشرع رأي أصحاب الخبرة من أعلى المراكز الإدارية في الدولة؟
يبدو أن هذا القانون يحتاج إلى الكثير من التعديلات والمناقشات بين المختصين من الاقتصاديين والقانونيين ذوي الخبرة في الواقع العملي، ودراسة آثاره على الحياة الاجتماعية للأفراد.