مرت السياسة الداخلية الإسرائيلية خلال عامين بأربعة انتخابات، لم يتمكن أي طرف سياسي من حسم الكفة لصالحه في أي منها. وقبل فترة، تمكن نفتالي بينيت الذي شغل مناصب وزير الاقتصاد ووزير الخدمات الدينية ووزير القدس والشتات سابقًا من تشكيل حكومة غريبة الأطوار داخل الكيان المحتل، من خلال ميوله اليمينية المتطرفة وإيمانه العلني بالوصول إلى إسرائيل الكبرى.
شكل نفتالي بينيت، المولود في حيفا لوالدين من كاليفورنيا، الحكومة رفقة يائير لابيد اليساري صاحب الـ19 مقعدًا في الكنيست، في مفاجأة مدوية داخل الوسط اليهودي. هذا الصحفي المعروف الذي يخوض الانتخابات للمرة الأولى، وبدعم من شاس الحزب اليميني المتوسط، الذي يطالب بالتفاوض مع الفلسطينيين وفي ذات الوقت يرفض إيقاف الاستيطان، وبدعم وتصويت من القائمة العربية الموحدة المنشقة عن الحركة الإسلامية في الداخل.
تتمثل غرابة الحكومة الحالية في أن الأحزاب المؤتلفة مختلفة في الأيديولوجيات والتوجهات السياسية بشكل كبير، ولا يتشابه أي حزب في أيديولوجيته مع الآخر، إذ كان الهدف الأساسي من هذا الائتلاف إسقاط الحكومة السابقة التي حكمت لمدة 12 عامًا.
الحركة الإسلامية
تأسست الحركة الإسلامية في الداخل المحتل على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، وهو ابن النكبة، إذ ولد في كفر قاسم عام 1948، وشهد وهو ابن ثماني سنوات مجزرة كفر قاسم التي ارتكبها الاحتلال بحق أهالي المدينة عام 1956. في شبابه كان أحد نشطاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكح» في منطقته، واستقال لاحقًا من الحزب بسبب أيديولوجيات الحزب بحسب تعبيره.
الجدير بالذكر بأن «راكح» هو الحزب الأول الذي شارك فيه فلسطينيون من الداخل في انتخابات الكنيست. وبعد حرب عام 1967، انتسب الشيخ درويش إلى المعهد الإسلامي في نابلس. هذا الانتماء، ومعه انتماء العديد من فلسطينيي الداخل إلى مؤسسات دينية في نابلس وغزة، أسس لقيام الحركة الإسلامية في الداخل عام 1979.
شاركت الحركة الإسلامية في الداخل في انتخابات المجالس المحلية عام 1992، وحصلت على أغلبية في معظم البلدات والقرى العربية في الداخل، فبدأت الأصوات ترتفع من أجل المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، والتأثير على صناعة القرار من خلال القانون الإسرائيلي.
لكن بسبب هذه المطالبات، انقسمت الحركة إلى قسم جنوبي (نسبة إلى جنوب البلاد) وقسم شمالي (نسبة إلى شمال البلاد)، فقد رفضت الحركة الاسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح وبدعم من الشيخ كمال خطيب المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية. وفي ذات العام الذي شاركت فيه الحركة الإسلامية للمرة الأولى في انتخابات الكنيست، شارك أيضًا حزب التجمع العربي الديمقراطي بقيادة الدكتور عزمي بشارة للمرة الأولى أيضًا.
في عام 2015، شاركت القائمة العربية الموحدة في انتخابات الكنيست رفقة الأحزاب العربية في الداخل: الجبهة، والتجمع، والعربية للتغيير، والقائمة العربية الموحدة، كلهم في قائمة مشتركة من أجل تشكيل قوة سياسية عربية ضد السياسات الإسرائيلية العنصرية. لاحقًا، وبعد الانتخابات الرابعة والأخيرة في إسرائيل، انفصلت القائمة العربية الموحدة عن القائمة المشتركة وخاضت الانتخابات بشكل منفرد، خاصة بعد محاولات تقرب رئيس الحركة الدكتور منصور عباس من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياساته.
حكومة غريبة بعد أربع انتخابات
كانت موافقة منصور عباس على دعم نفتالي بينيت المتطرف حاسمة من أجل تشكيل حكومة إسرائيلية، فالقائمة العربية الموحدة والتي من المفترض أنها تمثل الفلسطينيين في الداخل، دعمت وللمرة الأولى في تاريخ الفلسطينيين تشكيل حكومة إسرائيلية، مما أثار غضب الجماهير العربية التي تساءلت عن أسباب دعم القائمة لحكومة يمينية كهذه.
بررت القائمة ذلك بأن دعمها جاء من أجل إسقاط نتنياهو، الشعار الذي انطلقت به القائمة المشتركة سابقًا وتبنته الموحدة حاليًا. وبحسب تصريحات منصور عباس، فإنه قد حصل على وعود بإبطال قانون «كامينتس» المعني بهدم المناطق السكنية والزراعية للفلسطينيين، وتوفير ميزانيات للقرى غير المعترف بها في النقب، على الرغم من أنه اتضح لاحقًا أن الحديث يدور عن جمع البدو في النقب داخل مراكز تجميع، وهو ما رفضته الجماهير العربية سابقًا تحت عنوان «هبة برافر».
كل عاقل ومطلع على أوضاع الفلسطينيين في داخل إسرائيل وعلى النهج السياسي الإسرائيلي يرى أنه يتجه بشكل مجنون إلى التطرف، وإلى تشديد الممارسات الاحتلالية.
تقول الباحثة الفلسطينية ابتهال حسن من قرية المشهد بقضاء الناصرة لـ«منشور»، تعليقًا على اشتراك القائمة الموحدة في دعم الحكومة: «لا أعتقد أن وجود القائمة العربية الموحدة في الائتلاف الحكومي يختلف كثيرًا عن مشاركة الأحزاب الأخرى في انتخابات الكنيست، وجلوسها داخل الكنيست الصهيوني الذي يشرعن الاحتلال ويعطيه الصبغة الديمقراطية المقبولة ظاهريًا، ولكنه يقتل ويأسر ويشتت شعبنا الفلسطيني».
وتضيف حسن: «كفلسطينية مقاطعة لانتخابات الكنيست، أرى أن هذا الاندماج في الحكومة والمشاركة في اللعبة السياسية داخل إسرائيل ما هو إلا تطبيع للاحتلال، ومحاولة لإذابة قضيتنا الفلسطينية الوطنية وتحويلها إلى مجرد نزاع على مطالب مدنية، تُظهرنا كأقلية قومية في دولة يهودية ليس لنا حق في هذه البلاد».
وتوضح أنها ترى أن «المشاركة في الانتخابات أو في الائتلاف الحكومي هي محاولات عبثية، وإن كانت النوايا من خلالها تحصيل الحقوق المدنية، إلا أن كل عاقل ومطلع على أوضاع الفلسطينيين في داخل إسرائيل وعلى النهج السياسي الإسرائيلي يرى أنه يتجه بشكل مجنون إلى التطرف، وإلى تشديد الممارسات الاحتلالية في حقنا. لذلك فقد آن لنا تجنيد مجتمعنا وتهيئته نحو المشروع الوطني الذي يرتكز على فكرة المجتمع العصامي، وعلى النضال السياسي خارج الكنيست تحت إطار وطني واحد وجامع لكل الاتجاهات الوطنية للفلسطينيين داخل إسرائيل».
حكومة جديدة بسياسات أكثر عدوانية
يخبرنا أحمد دراوشة، المحامي ومستشار النائب أحمد الطيبي، أن «مشاركة القائمة الموحدة في تشكيل الحكومة سابقة تاريخية، وسيكون لها أبعاد سياسية كثيرة، خاصة في ما يتعلق بالهوية الوطنية لفلسطينيي الداخل».
ويؤكد أن التغيير الحقيقي الوحيد في هذه الحكومة هو الإطاحة بنتنياهو، ولكن «نهج نتنياهو اليميني المتطرف والعداء تجاه الفلسطينيين في الداخل، وتجاه أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة وغزة وتجاه القضية ككل، هو ذات النهج المتجذر في الحكومة الجديدة. القائمة المشتركة لم تدعم، وجميع أعضائها صوتوا ضد هذه الحكومة، لأنه لا يمكن دعم حكومة تعزز الاستيطان في الضفة والقدس وتهدد بحرب أخرى على غزة، وقد رأينا كيف ضرب نفتالي بينيت قطاع غزة بالصواريخ ليثبت أنه لا يقل عداوة ووحشية عن نتنياهو، لذلك أي دخول أو دعم لهذه الحكومة يعتبر دعمًا مباشرًا لسياساتها العدوانية».
ويضيف دراوشة: «الهجمة المسعورة على أهالي القدس ما زالت موجودة، والتهجير القسري في الشيخ جراح وسلوان ما زال قائمًا، وكذلك موقف حكومة بينيت من القضية الفلسطينية متطرف أكثر ممن سبقوها، والتي أيضًا لم تتعهد بإلغاء قانون القومية العنصري تجاه الفلسطينيين في الداخل».
حتى لو نظرنا إلى وجهة نظر القائمة العربية الموحدة بأن هناك ميزانيات وامتيازات حصلت عليها، فهذا غير صحيح من وجهة نظر أحمد، لأنه «ليس هناك أي تعهد وأي شيء غير حبر على ورق، ومن يقايض حقوقه القومية أمام الحقوق المدنية فسيخسر في كلا الجهتين. والهبة الأخيرة أثبتت أن الرهان على نسيان الشباب الفلسطيني لن يحصل. فالهدم في النقب مستمر، والسياسات العنصرية تجاهنا كفلسطينيين ما زالت مستمرة أيضًا. الوضع القائم بقي كما كان، وربما سيزداد سوءًا، والأيام القادمة تُظهر بشكل واضح أن انتزاع الحقوق سيكون عبر الشارع».
باشرت الحكومة الغريبة على الفور عملها، محاولة إثبات جدارتها أمام الشارع الإسرائيلي المعارض بغالبيته لإزاحة نتنياهو عن سدة الحكم، بمناقشات وجدالات واتهامات في البرلمان، وكذلك بسن قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين، أبرزها قوانين لم الشمل، والاستمرار في هدم البيوت في سلوان والشيخ جراح وتهجير أهل الأحياء، والاعتقالات التعسفية للشباب الذين شاركوا في مظاهرات الداخل خلال الهبة، والتصريح لأعضاء الكنيست المتطرفين بالدخول إلى المسجد الأقصى تحت حماية الشرطة. لكن ما يزيد الأمور هذه المرة غرابة بالنسبة للفلسطينيين، هو وجود قائمة عربية مسلمة في هذه القرارات التعسفية.