في الحادي والعشرين من شهر مايو 2017، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابًا بمناسبة القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي احتضنتها الرياض، حث فيه الدول العربية والإسلامية على مكافحة الإرهاب والتطرف.
تميز خطاب ترامب في هذه المناسبة بلهجة تصالحية ومعتدلة مع الإسلام، سائرًا على نهج الرئيس السابق باراك أوباما في زياراته للعالم الإسلامي، الذي انتقده قبل ذلك مرارًا، ومخالفًا أراءه التي كثيرًا ما ربطت بين الإسلام والتطرف، سواء في خطاباته أو تغريداته.
ليس هذا أمرًا مفاجئًا، فهو ليس الرئيس الأول الذي اتجه إلى الدول الإسلامية ليلقي فيها خطابًا عن الإسلام، فقد سبقه إلى ذلك عدد من الرؤساء الأمريكيين، قادة العالم الحر، الذين قرروا على نحو متزايد أن يشرحوا للعالم، وليس فقط للأمريكيين، ما هو الإسلام وأهم ما يميزه.
في هذا الصدد، يستعرض الكاتب ديفيد غراهام في مقال على موقع «ذي أتلانتيك» موجزًا لتاريخ هذه السياسة التي سار في أثرها رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى بعض العواقب التي قد تنجم عنها.
الجذور التاريخية لاهتمام أمريكا بالإسلام
يذكر المقال أن اهتمام القادة الأمريكيين بالإسلام يرجع إلى الأيام الأولى لتأسيس الدولة الأمريكية، إذ إن الرئيس الأمريكي الثالث، توماس جيفرسون، كان يمتلك نسخة من القرآن، وفقًا لما ورد في كتاب أستاذة التاريخ دينيس سبيلبيرغ بعنوان «قرآن توماس جيفرسون: الإسلام والآباء المؤسسون».
لهذا، عندما وجد جيفرسون نفسه في حرب مع قراصنة الساحل البربري، تجنب الخوض في الكيفية التي يجب أن يتصرف بها باشا طرابلس بموجب تعاليم الإسلام، كما تفادى وعظه عن الفهم الصحيح للإسلام.
سيرًا على هذا المنوال، شدد الرئيس السابق جيمي كارتر في أكثر من مناسبة على الجذور والقيم المشتركة بين الإسلام وشعب الولايات المتحدة الأمريكية، أما الرئيس رونالد ريغان، فقد صرّح في عام 1986 بأنه لا وجود لصراع بين الديمقراطيات الغربية والعالم العربي.
أول من بادر بتغيير صورة الإسلام هو جورج بوش الابن، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، برسم صورة من خلال تأويلاته الخاصة عن الإسلام.
كذلك، رفض بيل كلينتون فكرة وجود صراع بين الإسلام والغرب، وأعلن في عام 1994 أن القيم التقليدية للإسلام، من أخلاق حميدة وإيمان متفانٍ، تتفق مع المثل والقيم الأمريكية، وأضاف في خطابه بغزة عام 1998 أنه من الخطأ اعتبار أن الإسلام يحض على الإرهاب أو أن هناك خلافا بين الإسلام والغرب، لأن المسلمين في كل مكان يعلمون أن التسامح ركن من أركان الإيمان وأن الإرهاب صورة زائفة عنه.
قد يعجبك أيضًا: الإسلام الوسطي مجرد أسطورة: الشعرواي نموذجًا
الشيء الجديد الذي جاءت به خطابات كلينتون بخصوص الإسلام هو الإعلان أن الإسلام ليس مرادفًا للإرهاب، في محاولة منه لتجنب الربط غير العادل بين الدين والعنف، لكن هذا، في المقابل، مهد الطريق للرؤساء اللاحقين كي يباشروا شرح الإسلام للمسلمين.
ما الإسلام الصحيح؟
أول من بادر بهذه المهمة هو جورج بوش الابن، وذلك مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ حاول أن يعطي صورة عن الإسلام لغير المسلمين بعيدة عن التشويه الذي طاله، لكن هذا استلزم، من جهة أخرى، الخروج بتأويلاته الخاصة عن الإسلام.
في السابع عشر من سبتمبر 2001، صرح بوش بأن أعمال العنف التي ارتكبها الإرهابيون باسم الإسلام ضد الأبرياء تنتهك المبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية، وأضاف أن الإرهاب ليس هو الوجه الحقيقي للإسلام، بل السلام، كما أكد أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام ولكن الشر والحرب.
بقي بوش على موقفه هذا في السنوات التالية، حتى حين تحدث أعضاء في إدارته عن «حرب مقدسة» ضد الإرهاب، وعندما تبنت الحكومة الأمريكية سياسات تنتهك الحريات المدنية للمسلمين، وفي 2006 قال إن «الإسلام الراديكالي هو انحراف طال دينًا نبيلًا، ليتحول على أيدي ثلة قليلة إلى أيديولوجية للإرهاب والموت».
رأى الرؤساء السابقين الإسلام دين سلام، واعتبره الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب دينًا محرضًا على الحرب.
بمجيء باراك أوباما، وصل هذا التوجه نحو شرح الإسلام للمسلمين إلى أَوْجه، ففي الرابع من يونيو 2009 ألقى خطابًا في القاهرة بشأن العلاقات الأمريكية مع المسلمين، وعلى منوال الرؤساء السابقين، شدد على الوجود الإسلامي طويل الأمد في الولايات المتحدة، وأشار إلى أن معظم ضحايا الإرهابيين المتطرفين هم من المسلمين، كما لم ينسَ الحديث عن الطريقة التي ينبغي للمسلمين أن يتناولوا بها دينهم.
أوباما أكد في خطابه هذا ضرورة الحفاظ على التنوع الديني في العالم الإسلامي، ولزوم جبر الانقسامات بين أتباع الدين نفسه من سنة وشيعة، محاولا في إقناع المسلمين بتعميق البحث في الجذور الحقيقية لمشكلاتهم، وفي مقدمتها مشكلات الحكم، آملًا في أن يؤدي خطابه إلى فتح نقاش إسلامي بشأن بعض التيارات الإسلامية التي تحتاج للإصلاح، وهو ما كان من شأنه، في نظره، أن يساعد الناس في تكييف عقائدهم مع متطلبات العصر الحديث.
في نظره، هناك حاجة ماسة لأن يتحدى الإسلام ككل، بمختلف تياراته، ذلك التفسير الذي يربط بينه وبين العنف، إذ ينبغي للمسلمين فتح حوار نشط داخل مجتمعاتهم حول مكان الإسلام في مجتمع سلمي حديث، ولهذا نراه في عام 2014 يعلن أن تنظيم داعش ليس إسلاميًا.
قد يهمك أيضًا: هل يتكرر سيناريو الأفغان العرب مع مسلحي «الدولة الإسلامية»؟
اختلاف التأويلات
يرفض المسلمين الدعوات المستمرة لضرورة إصلاح الدين، فهم يرون أن النقاش وحده لا يمكن أن يقضي على هذه المشكلة كليًا.
الإسلام، مثل الأديان الأخرى، يعلي من قيمة التفسير الديني، وتاريخيًا، كان يتعيّن على من يود التكلم في شؤون الدين أن يلمّ باللغة العربية والقرآن والحديث والفقه حتى يؤخذ كلامه على محمل الجد.
المشكلة التي تواجه هذه التصريحات أن الإسلام، مثله مثل المسيحية، يتحدى هذه التصنيفات السهلة نظرًا لتعدد التأويلات الممكنة له، فكما أن الرؤساء السابقين عدّوا الإسلام دين سلام، كذلك اعتبره الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في وقت من الأوقات محرضًا على الحرب.
فضلًا عن ذلك، فالدعوات المتكررة إلى إصلاح الإسلام، قياسًا على مسار الإصلاح الديني الذي شهدته أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لا معنى لها من وجهة نظر تاريخية، إذ يمكن للمرء المجادلةَ في أن الإسلام خضع فعلًا لعملية إصلاح، لكنّ النتيجة كانت سقوط الدولة وعزل رجال الدين المعتمدين لديها كدعاة للعقيدة الدينية الصحيحة.
اقرأ أيضًا: تجديد الخطاب الديني؟ لا، جُدِّد قبل 200 عام بدعم غربي
لكن المسلمين المتسامحين المسالمين، يرون هذه الدعوات المستمرة لضرورة الإصلاح مهينة، فهم يدركون أوجه التطرف التي يستغلها الإرهابيون ويرفضونها، مع ذلك فهم يرون أن النقاش وحده لا يمكن أن يقضي على هذه المشكلة كليًا.
بالرغم من النوايا الحسنة التي حملتها تصريحات الرؤساء الأمريكيين السابقين تجاه الإسلام، فقد أثبتت فشلها، ومن الصعب تخيل أن النبرة الوعظية التي ميزت خطاباتهم للعالم الإسلامي في السنوات السابقة ستتغير في الأيام المقبلة أو أنها ستحدث فارقا على الأرض.