بعد عشر سنوات من فقدانهم الأغلبية في مجلس النواب، وبعد سنتين كاملتين من سيطرة الجمهوريين على مراكز السلطة في أمريكا (الرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ)، تمكَّن الديمقراطيون من انتزاع الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت الثلاثاء السادس من نوفمبر 2018. في المقابل احتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ.
انتخابات التجديد النصفي، التي نظر إليها كثيرون كاستفتاء على رئاسة دونالد ترامب نفسه، تعيد نتيجتها تشكيل المشهد السياسي الأمريكي وسياسته في الداخل والخارج. فترامب أخيرًا سيجد سلطة أخرى في مواجهته، بعدما تمتَّع بالحكم المنفرد لمدة عامين.
فاز الحزب الديمقراطي مستعينًا بغضب الناخبين تجاه سياسات ترامب وتصريحاته. وفي مجلس الشيوخ، فاز الحزب الجمهوري بعد استمالة عدد من الوجوه السياسية المحافظة من أجل البقاء على الأغلبية.
هل يرحل ترامب؟
تشير استطلاعات الرأي أنه من 30% إلى 40% فقط من الشعب الأمريكي يرغبون في عزله، ما يعني أن عددًا من الأمريكيين يرفضون الجهود المبذولة لعزله. لذلك، قد يُفضِّل الديمقراطيون انتظار نتائج التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص في وزراة العدل «روبرت مولر»، فإن انتهى إلى إدانة ترامب، يستطيع الديمقراطيون بكل أريحية ضم بعض زملائهم الجمهوريين إلى صفهم.
لكن هذا الحذر المحتمَل للديمقراطيين قد يقلب الطاولة عليهم، فيواجهون ردًّا عنيفًا من المصوتين للحزب. فقد أكدت استطلاعات رأي أن ما يقرب من 77% من أولئك الذين صوتوا للحزب الديمقراطي داخل مجلس النواب يؤيدون عزل ترامب. هذا التضارب بين الاستراتيجيتين يمكن أن يحسمه الديمقراطيون سريعًا، فكل الخيارات أمامهم تمثل مغامرة.
رغم أن استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية واجهت تهم انعدام المصداقية بعد فوز ترامب بالرئاسة عام 2016، ورغم تنبئوها بالعكس، فقد استعادت مصداقيتها هذه المرة بعدما توقعت النتيجة بالفعل.
من سيمتلك حق التشريع في أمريكا؟
نظريًّا، سيتمكن الحزب الديمقراطي من سن التشريعات التي صوَّت عليها الأمريكيون، بهدف وضع نهاية لخفض الضرائب على الأثرياء، وسيتمكنون من الوقوف في وجه قوانين الرعاية الصحية التي شرَّعها الجمهوريون، والتي استهدفت الحد من قانون التأمين الصحي الذي حققه أوباما ورآه أبرز إنجازاته. لكن ثبات الجمهوريين في مجلس الشيوخ قد يوقف ذلك الطموح.
خسارة الجمهوريين مجلس النواب تجعل ترامب أضعف. لقد انهزم مرة، ويمكن أن يُهزم مرة أخرى.
انقسام الكونغرس الأمريكي بين الديمقراطيين والجمهوريين، سيجعل الاصطدام بين النموذج التشريعي الذي يرغب به أغلبية المصوتين للحزب الديمقراطي من جهة، وشيوخ الحزب الجمهوري من جهة أخرى، في حكم الأكيد، والمَخرج الوحيد الذي يُمكِّن الديمقراطيون من تجنب ذلك النوع من الاصطدام، هو العثور على القضايا التي تضع المشرِّعين الجمهوريين ضد الرئيس ترامب نفسه. أي إن القدرة على تمرير تشريع ما تكمن في توحيد الفريق الديمقراطي وتفتيت الصف الجمهوري.
واجه الديمقراطيين عامين من عدم القدرة على وقف تشريعات ترامب، الذي كان يمتلك مجلسي النواب والشيوخ. هذا الأمر انتهى. والديمقراطيون لديهم النية في إجراء تحقيقات ستراتيجية يقولون إنها تصب في المصلحة العامة، مثل تعقُّب الفساد الحكومي أو إهدار أموال الضرائب.
الانتصار الكامل انتهى
خسارة الجمهوريين مجلس النواب تجعل ترامب في وضع أضعف، بعدما كان يبدو غير قابل للهزيمة. لقد انهزم مرة، ويمكن أن يُهزم مرة أخرى. لو كان الجمهوريون قد فازوا بالمجلسين، سيصبح ذلك علامة على أن قوة ترامب لم تُستنفَد بعد، وأنه سيخوض انتخابات الرئاسة عام 2020 بصدر مفتوح. لكن خسارة الجمهوريين قد تدفع قطاعات متزايدة إلى الرهان على الديمقراطيين لهزيمته في الرئاسة كما انهزم في النواب.
بالفعل، ودون قصد، حفَّزت سياسات ترامب جيلًا جديدًا على الانخراط، ليتفاعلوا سياسيًّا متطوعين ومرشحين، بحيث يمكن تسميتهم «المقاومة الليبرالية» التي بادر بها نساء وأشخاص ينتمون للأقليات، فقد فاز منهم كثيرون في النهاية. لأول مرة في تاريخ الكونغرس الأمريكي تفوز 100 امرأة في مجلس النواب، تنتمي 84 منهن إلى الحزب الديمقراطي. وشهدت الانتخابات فوز أول عضوتين مسلمتين في مجلس النواب، وأول عضوتين من السكان الأصليين لأمريكا، وأصغر عضوة مجلس نواب على الإطلاق، وفاز أول مِثلي بمنصب حاكم ولاية في أمريكا.
في مواجهة ترامب، حُشِدت الأقليات الرافضة لسياساته، والنساء اللواتي أدركن نظرته المتدنية للمرأة، وكبار السن المنزعجين من السياسات الجمهورية للرعاية الصحية، والمواطنين المعترضين على سياسات حمل السلاح والإضرار بالبيئة من أجل تحقيق الأغلبية للحزب الديمقراطي.
اتساع التحالف الذي حقق هذا الفوز وتنوعه قد يدفع الحزب الديمقراطي إلى الحفاظ على توحد كل تلك الصفوف، للفوز بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2020.
رحلة الديمقراطيين للبحث عن انتصار
هذه الانتخابات وضعت أسلحة تشريعية في يد الديمقراطيين ليواجهوا بها خصومهم، فيكون الصراع أكثر توازنًا.
في المقابل، اكتفى ترامب، الذي لم يتعوَّد على الإقرار بالهزيمة، بالاحتفاء بنجاح الحزب الجمهوري لاستمراره أغلبية داخل مجلس الشيوخ، رغم خسارته مجلس النواب.
في الغالب، كان ترامب متيقنًا من حدوث ذلك السيناريو، فاستبق الأحداث وأخبر المراسلين بأنه يركز على تحقيق الأغلبية الجمهورية داخل مجلس الشيوخ، أكثر من تركيزه على عشرات الدوائر الانتخابية المتنازَع عليها، حيث لا يتمتع بشعبية، كي لا يُنظَر إلى خسارة حزبه في السيطرة على مجلس النواب باعتبارها رفضًا لرئاسته، مؤكدًا أن نتائج الانتخابات لن ترقى إلى تقييم أدائه الرئاسي.
يبدو أن الرئيس ترامب استعد لذلك السيناريو طويلًا، إذ استغل الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ لإعادة تشكيل المَحاكم، وعيَّن أكثر من مئة قاضٍ، مستخدمًا تأكيدات أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري لتثبيت أقدام القضاة المخلصين له، وعيَّن كذلك ما لا يقل عن 60 قاضيًا في محاكم المقاطعات الاتحادية والاستئناف والمحكمة العليا.
مع الأغلبية الجمهورية داخل مجلس الشيوخ، من المرجح أن يجري ترامب تعيينات إضافية لقضاة، ما قد يعني أن الأغلبية الديمقراطية داخل مجلس النواب لن تقدم ولن تؤخر في ما ترنو إليه من تشريعات.
لكن ما كان يبحث عنه الديمقراطيون في النهاية وجدوه: فوز في مجلس النواب يضمن لهم كرسيًّا على طاولة صنع القرار، وينتهي وضعهم كمعارضة مكتوفة الأيدي أمام رئيس متحفز لتنفيذ كل مخططاته. إضافة إلى أن الجمهوريين ينظرون إلى النتيجة على أنها لا تعني هزيمة كاملة، فهم ما يزالون يحتفظون بمنصب الرئيس ومجلس الشيوخ.
الشيء المختلف الذي خلقته نتيجة الانتخابات، أنها وضعت أسلحة تشريعية في يد الديمقراطيين ليواجهوا بها خصومهم، ليكون الصراع أكثر توازنًا. لكن الصراع نفسه لم يُحسَم بعد.