منذ أن قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إجلاء قوات بلاده من العراق وأفغانستان العام الماضي، وتبعته في ذلك بعض الدول الأوروبية كألمانيا، بدأت حركة طالبان زحفها للاستيلاء على عدد من المناطق الأفغانية، الأمر الذي بدأ يشغل العديد من وسائل الإعلام العالمية، خاصة بعد سيطرة طالبان على عدة مناطق ومدن مهمة، منها:
- مدينة أيبك
- مدينة ساريبول
- مدينة زارانجي، عاصمة المنطقة الغربية نيمروز
- مدينة شبرغان، عاصمة منطقة زوزجان الشمالية
- مدينة طالقان، عاصمة منطقة طالقان الشمالية
- مدينة قندوز، خامس أكبر منطقة في أفغانستان
- مدينة جلال أباد
بالإضافة إلى كابول العاصمة، المنطقة الأهم، والتي لا تزال حركة طالبان حتى هذه اللحظة تقف على أبوابها معلنة رغبتها في الانتقال السلمي دون استخدام القوة، على حد زعمها.
فقدان الأمل أم فقدان المصالح؟
ظلت القوات الأوروبية والأمريكية مرابطة في أفغانستان لمدة تقارب 20 عامًا، لكنها لم تقض على طالبان ولا على إرهابها، فماذا كانت أمريكا تفعل كل تلك السنوات؟ بل نجد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يؤكد أن وجود القوات الأمريكية في أفغانستان طيلة هذه السنوات كان دون جدوى، حين قال: «أثبت وجودنا الذي يقارب العشرين عامًا في أفغانستان، أن بقاءنا هناك لعام إضافي آخر ليس سوى إجراء يقر بأننا باقون هناك لأجل غير مسمى».
وفي وقت سابق، قالت لورا ميلر ممثلة الولايات المتحدة لكل من أفغانستان وباكستان حتى عام 2017، إن «كل تبعات قرار الانسحاب من أفغانستان التي نراها اليوم كانت معروفة».
وفي نفس السياق، قال متحدث باسم قوات الناتو: «نحن نواصل سحب قواتنا، فالخيار الحربي لن يحل الصراع في أفغانستان، وعلى طالبان أن تدرك أنها لن تحصل على أي اعتراف دولي بها، لو استمرت في رفض الحل السياسي وواصلت محاولة فرض سيطرتها بالقوة».
وأكد جون كيربي المتحدث باسم البنتاغون أن القوات الأفغانية ليست مؤهلة وليست لديها أي قدرة على كبح قوات طالبان، لكن «هذه قواتهم المسلحة، وهذه محافظاتهم ومناطقهم، وهؤلاء شعبهم الذين يدافعون عنهم، والأمر كله يقع على عاتق السلطة التي تقود البلاد في هذه اللحظة الحرجة». ويبدو من قوله أن أمريكا رفعت يدها عن شؤون أفغانستان، وكأنهم عرفوا الآن فقط أن تلك بلاد الأفغانيين وتلك أراضيهم وذلك شعبهم.
هذا ما أكد أيضًا وزير خارجية باكستان شاه محمود قرشي، الذي أعرب عن استيائه من اللوم المستمر الذي يُلقى على باكستان وكأنها المتسببة في تدهور الأوضاع في أفغانستان، موجهًا كلامه لأمريكا والقوات الدولية التي دفعت أموالًا طائلة لتعزيز القوات الأفغانية: «أين زيادة أعداد القوات الأفغانية؟ أين التدريبات؟ أين المعدات؟»، مضيفًا: «يجب أن يُنظر في أمر انهيار الإدارة الحكومية في أفغانستان، وانهيار قواتها المسلحة، فلا يمكن لباكستان أن تلام على فشل غيرها في هذا الأمر».
ورفضت ألمانيا دعوات العودة إلى مدينة قندوز التي كانت قواتها تسيطر عليها لمدة 10 سنوات، وقالت وزيرة الدفاع الألمانية إن «التقارير التي ترد إلينا من مدينة قندوز وباقي المدن الأفغانية مُرة وموجعة جدًا». وتحظى قندوز بخصوصية وأهمية كبيرة، فهي خامس أكبر المدن الأفغانية، وسقوطها اليوم في يد رجال طالبان يعد مؤشرًا خطيرًا لتدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان.
باكستان تطلب النجدة
تواجه باكستان مخاطر وتحديات أمنية كبيرة بعد سيطرة طالبان على عدة مناطق بأكملها في أفغانستان، بعضها مرتبط بحدود مشتركة مع باكستان. ومما زاد مخاوف باكستان رفض طالبان إعادة فتح حدود منطقة سبين بولدك جنوب شرقي أفغانستان.
معيد يوسف، مستشار الأمن القومي الباكستاني، يؤكد أن «هذه الحرب طويلة الأمد لدى جارتنا أفغانستان هي أسوء كابوس بالنسبة لباكستان»، مضيفًا أن بلاده تحاول جاهدة إعادة طالبان إلى طاولة المفاوضات، ولكن أملها في ذلك يتضاءل كلما زاد تمدد سيطرة الحركة على المناطق الأفغانية. ويوضح أن «على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتولى أمر إعادة السلطة للحكومة الأفغانية، وإعادة طالبان لطاولة التفاوض».
مآسي إنسانية
وصل عدد الأطفال الذي قتلوا خلال ثلاثة أيام فقط إلى 27 طفلًا على الأقل و136 جريحًا.
أعرب مارك لوكوك نائب الأمين العام للشؤون الإنسانية والإغاثة الطارئة بالأمم المتحدة، عن قلقه بشأن تدهور الأوضاع في أفغانستان، في ظل «وجود أكثر من ألف حالة بين قتيل ومصاب في حرب عشوائية لا تستثني أحدًا». وأضاف: «هناك مخاوف كبيرة على حياة النساء وحصولهن على أبسط الحقوق الإنسانية. فالحرب الأفغانية المستمرة منذ أكثر من 40 عامًا، وتشريدها الآلاف منذ ذلك الحين، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، وصولًا إلى فيروس كوفيد-19 الذي عصف بالعالم كما يعصف بأفغانستان، كل هذا جعل أكثر من نصف الشعب الأفغاني بحاجة للإعانة والإسعاف الطارئ».
وتناشد المنظمات الدولية المجتمع للالتفات إلى الوضع الإنساني في أفغانستان، فقد وصل عدد الأطفال الذي قتلوا خلال ثلاثة أيام فقط إلى 27 طفلًا على الأقل و136 جريحًا، وقصف مستشفى مدينة لاشكار جاه ومستشفى هرات زوال. وقد أعلن عارف جلالي مدير المستشفى الأخير أن «عدد القتلى في مدينة هرات خلال 11 يومًا بلغ 36 قتيل، و200 مصاب ... وأكثر من نصف المصابين والقتلى من عامة الناس والنساء والأطفال».
هناك أيضًا مستشفى آخر تابع لمنظمة أطباء بلا حدود، والذي يقول أحد أطباء الطوارئ العاملين به إن «المستشفيات لا يمكن أن تكون نقاط استهداف لأي طرف من الأطراف، وعلى الجميع احترام مؤسسات الرعاية الصحية والحرص على عدم تعرضها لأي خطر».
نزح الكثير من العائلات من المدن التي تهاجمها طالبان، تاركين وراءهم حياتهم وكل ما يملكون، فارين من جحيم طالبان إلى مصير مجهول. فعلى سبيل المثال تجد الفارين من مدينة قندوز يقطعون رحلة مسافتها 315 كيلومترًا في 10 ساعات، ليصلوا إلى أقرب مكان يمكنهم البقاء فيه بأمان. هذه الرحلة الطويلة لا يُستثنى منها أحد، فالنساء الحوامل والأطفال والشباب وكبار السن كلهم تركوا أرواحهم في يد القدر لينعموا بأمان قد يكون مؤقتًا.
ماذا بعد ذلك؟
بعد انهيار الجيش الأفغاني، وإعلان بايدن إجلاء 30 ألف شخص بين دبلوماسيين أمريكيين وعناصر من الجيش وأفغان ساعدوا الجيش الأمريكي، حذر رئيس الولايات المتحدة من أي عرقلة لمهمة الإجلاء من قبل طالبان وإلا «سيكون الرد العسكري الأمريكي سريعًا وقويًا».
أما دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق فأعلن أن ما يحدث فوضى عارمة، منتقدًا قرار بايدن بالانسحاب دون شروط، ومؤكدًا أنه لو كان رئيسًا فلن يكون الانسحاب إلا مشروطًا، وأن بايدن يتحمل مسؤولية تقدم طالبان اليوم واستيلائها على المناطق الأفغانية بشكل كامل.
قد يكون وصف ترامب لما يحدث بالفوضى حقيقيًا، فانهيار الجيش الأفغاني ربما يؤدي إلى استسلام كل المناطق وعودة قوة طالبان بشكل أكبر من السابق، مما يؤثر على المنطقة ويحدث تغيرًا كبيرًا في الأوضاع الإقليمية، ناهيك بموجة ضخمة متوقعة من اللاجئين والمهاجرين، بشكل مقارب لما حدث في سوريا.
ما سيحدث لاحقًا ستحدده الأحداث القادمة، لكن بناء على هذه المعطيات، لا توجد أخبار جيدة في الأفق.