شتّان بين معارضة اليوم والأمس

نشر في 2024/05/18

للمعارضة في الكويت سجل حافل بالإنجازات المشهودة، من بعد إقرار الدستور والعمل به وحتى قبل إقرار وثيقة 62، منها تأميم النفط والمطالبة بحقوق العاملين والموظفين في قطاعات عدة، فالمعارضة كما قال المرحوم جاسم القطامي "تعتبر مرآة ترى فيها الحكومة نفسها بدون أي مواربة أو تملق".
لكن المتفحص لحال المعارضة اليوم، يبدو له جليًا أنها ليست كما كانت بالأمس من حيث المرئيات والأدبيات والغايات والوسائل، حيث باتت الأدوات الدستورية معاول هدم بدل أن تكون معاول رقابة وتصويب لتحل محلها سجالات العنتريات وعلو الصخب ومفردات الغضب على لغة الحكمة، فتكاثرت المساعي الشعبوية لجني المكاسب الشخصية على حساب الوطن والمواطن وقد بلغت حد التلويح بالاستجوابات للرئيس والوزراء وذلك قبل آدائهم اليمين الدستورية!

في مشهد مشحون بالمزايدات والابتزازات، يحيلنا تاريخ العمل السياسي وتقاليد الاعتراض، إلى المرحوم خالد سليمان العدساني، سكرتير المجلس التشريعي الأول والثاني، فعلى الرغم من خلافه الشديد مع المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، إلا أنه لم يتطاول عليه في يوم من الأيام، حتى إنه لم يشر للمغفور له في مذكراته إلا من خلال لقب "سموه".

كما يستحضر تاريخ الاعتراض في حياتنا البرلمانية، الرمز الأول للمعارضة المطالب دومًا بحقوق الشعب النائب السابق الراحل الدكتور أحمد الخطيب -رحمه الله-، الذي لم يسجل التاريخ أنه تعسف ولا مرة واحدة باستخدام أدواته الدستورية، إلى درجة أنه لم يقدم استجوابًا واحدًا طيلة حياته البرلمانية كمعارض شرس للسلطة التنفيذية، تصدى لها بالمصارحة والمكاشفة دون مواربة ولا مزايدة أو تقويض أو تهديد لهوامش التعاون بين المجلس والحكومة.

يحدثنا التاريخ السياسي في الكويت أيضا عن المرحوم محمد البراك "المدعو "الزعيم"، الذي تعرض لأصعب موقف تعزير نظير دفاعه عن حقوق الشعب ومطالبه والديمقراطية والحريات، لكنه لم يطعن بالأمير ولا بصلاحياته ولا حاول التقليل من هيبته.
ومع الفارق في التشبيه يستوقفنا التاريخ البرلماني القريب أن نائبًا سابقًا وجّه للمغفور له بإذن الله تعالى، سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، كلمات لم يستسغها الشعب الكويتي حين خاطبه بأسلوب فيه اعتداء واضح على صلاحيات الأمير، ناهيك عن المساس بهيبة الأمير ومحاولة التقليل من احترام المقام السامي.

وبالعودة إلى حاضرنا فإن ما يحدث من قبل بعض النواب والناشطين من تطاول على المقام السامي والأسرة الكريمة، يجد اعتراضًا من عامة الكويتيين ويثير قلقهم وفي ذات الوقت استغرابهم من درجة مثيرة للريبة في منسوب وجرأة التطاول على هيبة القانون والدستور وحرمة التجريح بالشخوص لجمع حطام من الأصوات والنشوة بالبطولات المزعومة.

حتى وصل بنا الحال اليوم إلى أنّ البعض يحاول أن يصوّر لنا شخصًا متطاولاً كبطل، وهو في الحقيقة لم يطالب بمزيد من الحريات بل هو متهم بالتجاوز على القانون والدستور، و مع أن الحقيقة تقتضي وضع الأمور في إطارها الصحيح، من خلال الإشارة إلى من يحاول تبرير اعتراضه في ندوة انتخابية، بأن أسلوب التعامل الرسمي معه غير سليم، فإن التساؤل هنا يفرض نفسه، أين كانت هذه الأصوات التي صمتت دون خجل في قضية احتجاز مواطن وتعنيفه!؟

إن بدلات سجن المعارضة التاريخية كانت دفاعًا عن مزيد من الحريات للشعب ومصالحه، بينما بدلات سجن بعض مدّعي المعارضة حاليًا هي تجاوز على الدستور والقانون، وقد آن الأوان لتصحيح مفاهيم ممارسة فنون الاعتراض تشخيصاً وتقويمًا وتصويبًا بقوة اقتراح التشريعات الكفيلة بتحقيق الغاية من ممارسة المعارضة التي تبني ولا تهدم.

دعونا نأخذ وقتًا مستقطعًا لمراجعة ذاتية من أجل إعادة البوصلة إلى اتجاهها الحقيقي، بعدما تاهت برهة من زمن، أجهضت فيه فرص كبيرة لتحقيق الوثبة التنموية التي نصبو إليها جميعًا، فالديمقراطية الكويتية التي أن أردنا لها أن تحلق فلا بد أن نعطيها جناحًا من المعارضة العقلانية الرشيدة يسندها ولا يجنح بها إلى الضياع.. الديمقراطية الكويتية تستحق منا أن نعطيها الفرصة كاملة لالتقاط أنفاسها لتعود أفضل مما كانت عليه، «وإن غداً لناظره قريب».

مواضيع مشابهة