إعادة تدوير المخلفات صناعة مهمة للبيئة ومشروع ربحي قوي للدول والأفراد، بل ويُقاس به مدى تحضر الشعوب. وفي معظم الدول العربية، ومصر خصوصًا، ترى تلال القمامة أينما اتجه بصرك، وبالتوازي تدرك الزيادة الكبيرة في ظاهرة عِمالة الأطفال في ذلك المجال.
يضر العمل في سن مبكرة، وبالذات في القمامة، الأطفال ويحرمهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، يدمِّر أحلامهم ويئدها مبكرًا، يخالف قوانين حقوق الطفل العالمية وكذلك المحلية.
ازدهرت تلك الصناعة بشكل واسع في مجموعة من المناطق العشوائية يُطلَق عليها «الزَّرايِب» (المفرد: زريبَة)، تتعامل يوميًّا مع تلال من الشر والرائحة الكريهة التي تملأ الشوارع، لكنها تراها جبالًا من الأموال، إذ تنتج مصر 70 مليون طن من القمامة في العام بحسب تقرير وزارة البيئة.
أشهر مناطق جمع المخلفات في مصر «حي الزبالين» بمنشية ناصر، ومنطقة العزبة في المرج، ومنطقة زرايب حلوان، ومنطقة الزريبة في قرية المعتمدية بالجيزة.



لا يقتصر العمل على الأطفال والمراهقين من الذكور، بل تجتذب المهنة الفتيات كذلك ليساعدن في شراء أجهزة الزواج. وتعمل المراهقات دومًا ملثمات الوجوه خوفًا من أن يعرف أحد هويتهن، لِما للعاملين بتلك المهنة من سمعة سيئة في المجتمع المصري بوصفهم «زبالين»





يعمل صبري (15 عامًا) في المرحلة الثالثة: الفرز، وهي مرحلة دقيقة تحتاج إلى التركيز، إذ يُعزَل الحديد عن الكرتون عن البلاستيك عن الزجاج عن الملابس عن غيرها من المخلفات، قبل تجهيز كل الأصناف للمرحلة الرابعة، التنظيف. صبري منتسب للتعليم النظامي إلى جانب العمل في القمامة، ويرى أن تلك الصناعة صارت تشد المتعلمين ومن يدرسون في الجامعات







في عام 2001، أسست جمعية «روح الشباب لتنمية البيئة» مدرسة «إعادة التدوير» في حي الزبالين، لمساعدة وتعليم أبناء عاملي القمامة المحرومين. لا تخضع المدرسة لوزارة التربية والتعليم، ولا تعمل بالمقررات الدراسية الرسمية، ويمتد اليوم الدراسي فيها منذ التاسعة صباحًا حتى الثامنة مساءً، على أن يأتي الطلاب متى شاؤوا. اعتبرت المدرسة تعليم التلميذ كتابة اسمه كاملًا «إنجازًا حقيقيًّا»، وسريعًا ما أُنشئت أقسام لتعليم الأطفال إعادة تدوير المخلفات، فعملوا مقابل أجر شهري يصل أحيانًا إلى 900 جنيه

بعض الأطفال حصلوا على شهادات تعليمية نظامية بالفعل من المدرسة، لكن نسبتهم قليلة للغاية وفقًا للإحصائيات المنقولة عن مسؤولي المدرسة، وإن كان أغلب الطلاب يحصلون على شهادات محو أمية لاستخراج رخصة قيادة، من أجل مساعدتهم في العمل.
يظل هؤلاء الأطفال محرومين من أقل حقوقهم الطبيعية في الحياة، تستغلهم منظمات محلية ودولية، وتجني عليهم عائلاتهم وظروفهم الاجتماعية وبيئتهم الداخلية، بينما تزدهر صناعة إعادة تدوير المخلفات.