هذا النص مترجم بتصرُّف إلى العربية عن مقال للكاتب والصحافي الجزائري كمال داود*. ترجمه من الفرنسية إلى الإنجليزية (John Cullen)، ونُشر تحت عنوان: The Sexual Misery of The Arab World بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
بعد حوادث التحرش الجنسي في ميدان التحرير، أتت حوادث التحرش في كولونيا الألمانية، بهذه الملاحظة بدأ الكاتب والصحافي الجزائري كمال داود مقاله في النيويورك تايمز حول «المأساة الجنسية في العالم العربي»، مشيراً إلى أن الثورات العربية فشلت في مس الأفكار والثقافة والدين، وحتى الأعراف الاجتماعية، وبالأخص تلك الأعراف المتعلقة بالجنس؛ فالثورة، من وجهة نظر داود، لا تعني الحداثة.
بعد الميادين.. كان الجنس
ما كان من الاعتداءات التي تعرضت لها النساء الغربيات من قبل المهاجرين العرب في مدينة كولونيا بألمانيا ليلة رأس السنة إلا أن أعادت إلى الأذهان حوادث التحرش بالنساء في ميدان التحرير نفسه، خلال عنفوان الأيام الأولى للثورة المصرية. وأدى كل هذا إلى إدراك الغرب أن واحدة من أكبر المآسي التي يُعاني منها كثير من بلدان العالم العربي، والعالم الإسلامي بشكلٍ عام، هي علاقته غير السوية بالنساء؛ ففي بعض الأماكن تتحجب المرأة، وفي أخرى تُرجَم وتُقتَل، أو على أقل تقدير، يقع عليها اللوم في زرع الفوضى في هذا «المجتمع المثالي». وردًّا على ذلك، بدأت بعض الدول الأوروبية في إصدار نماذج لحسن السيرة والسلوك للاجئين والمهاجرين.
يُعدُّ الجنس واحدًا من المحرمات المعقدة الناشئة في أماكن مثل الجزائر وتونس وسوريا واليمن.
ويُعدُّ الجنس واحدًا من المحرمات المعقدة في أماكن مثل الجزائر وتونس وسوريا واليمن، وذلك نتيجة للثقافة الأبوية المحافظة المنتشرة في المنطقة، والقواعد الإسلامية الصارمة، والتزمُّت المتحفظ الذي تتسم به النظم المجتمعية المتعددة في هذه البلدان. كل هذا يخلق مزيجًا مناسبًا لزرع شعورٍ هائل بالذنب داخل كل مَن يُخفي في داخله أي شكلٍ من أشكال الرغبة، فيصل الأمر إلى عرقلتها وتهميش كل مَن أحس بها. وهذا، كما يصفه الكاتب، بعيد كل البُعد عن ذاك الفجور اللذيذ في كتابات العصر الذهبي الإسلامي، مثل كتاب الشيخ النفزاوي «الروض العاطر في نزهة الخاطر»، الذي تناول الإثارة الجنسية والكاماسوترا دون أي تحسس.
ويقول الكاتب إن الجنس اليوم يشكِّل مفارقة كبيرة في العديد من دول العالم العربي؛ فيتصرف الشخص كما لو أن الجنس لا وجود له، إلا إنه يصر، مع ذلك، على وضع حدود له. ولأنه مرفوض تمامًا، لا يزال الجنس يُثقل العقل رغم كل هذا الجهد المبذول في إخفائه. وبالرغم من تحجُّب النساء، إلا إنهن لا يزلن مركز علاقاتنا ونقاشاتنا ومخاوفنا.
لماذا تقلقهم المرأة؟
تُعتبر المرأة موضوعًا متكررًا في الخطاب اليومي، وذلك لضخامة المخاطر التي تُجسدها على الرجولة والشرف والقيم العائلية. في بعض البلدان، يُسمح للنساء بالوصول إلى المجال العام فقط في حال تخلَّين عن أجسادهن؛ فالسماح للمرأة بكشف جسدها أو التعري قد يعني فضح ما يشعر به الإسلاميون والمحافظون والشباب الخامل من رغبة يتمنون لو استطاعوا إنكارها. كما يُنظر إلى المرأة على أنها مصدر لزعزعة الاستقرار (يُقال إن التنانير القصيرة تُسبب الزلازل)، ولا تُحتَرَم المرأة إلا إذا انتسبت إلى علاقةٍ ما، أي عندما تكون زوجة فلان أو ابنة علان.
قد يعجبك أيضًا: انت معلِّم؟ 3 مشاهير احتقروا النساء وعظَّمتهم الجماهير
تُشبه الحرب على النساء والمتحابين محاكمَ التفتيش إلى حدٍّ كبير.
هذه التناقضات تخلق أشكالًا لا تُحتمل من التوتر، ورغبةً لا منفذ لها، لا تثمر ولا تُغني من جوع؛ فـلم تعد العلاقة بين اثنين بمثابة مساحة خاصة للحميمية بينهما، بل أصبحت مصدر قلق المجموعة بأكملها. وما ينتج عن كل هذا البؤس والإحباط الجنسي قد يصل إلى حد الهيستيريا والسخافة. يأمل المرء لو يختبر الحب في عالمنا العربي، ولكن آليات الحب (المواجهة، والإغواء، والمداعبة) ممنوعة ومحرمة. فالنساء مُراقَبَات؛ يصيبنا الهوس بشأن عذريتهن (أو ما نعتبره بمثابة المعيار الأخلاقي هنا)، حتى إن بعضهن قد يبذلن أموالهن للجراحين في سبيل إصلاح غشاء البكارة الممزق.
الحب حرام
في بعض أراضي الله، تُشبه الحرب على النساء والمتحابين محاكمَ التفتيش إلى حدٍّ كبير؛ فخلال فصل الصيف في الجزائر، تخرج فِرَق من السلفيين والشبان المحليين، المتأثرين بخطب الأئمة المتطرفين وواعظي التلفزيون الإسلاميين، لمراقبة أجساد النساء، لا سيما هؤلاء اللاتي تذهبن إلى الشواطئ. تُطارد الشرطة أي اثنين في الأماكن العامة، حتى لو كانا متزوجَيْن؛ فـتنزُّه الأحِبَّة في الحدائق ممنوع، وحتى المقاعد قُسِّمت نصفين لمنع الناس من الجلوس عليها متقاربين.
وإحدى نتائج ذلك، بحسب كمال داود، هي أن الناس يحلمون بملذات عالمٍ آخر، سواء كان الغرب بما يعكسه من بذاءة وشهوة، أو كان نعيم جنة المسلمين وما بها من حور عين.
وتبرز هذه الخيارات بوضوح تام على وسائل الإعلام العربية؛ فرجال الدين هم الصيحة الرائجة حاليًا على شاشات التليفزيون، تمامًا كالمغنيات اللبنانيات وراقصات «وادي السيليكون»، وهن يكشفن عن أجسادهن صعبة المنال، ويعرضن الجنس المستحيل. وقد تُمثل الملابس أيضًا رمزًا للتطرف؛ فنجد من ناحيةٍ البرقع والحجاب السلفي بتغطيتهما الكاملة لجسد المرأة، ونجد من ناحية أخرى الحجاب المتبرج (الذي يصف الجسد)، وهو يجمع بين غطاء الرأس مع الجينز المناسب وحجم الجسم أو السراويل الضيقة. أما على الشاطئ، فنجد البوركيني في مواجهة البكيني.
اقرأ أيضًا: هل هناك حركة نسوية حقيقية في الكويت؟
وبالنسبة للمعالجين الجنسيين، فهم قلة في العالم الإسلامي، ونادرًا ما يتبَّع أحدٌ نصائحهم، فيحتكر الإسلاميون بحكم الأمر الواقع الحديث عن الجسم والجنس والحب. وقد اتخذت بعض خطابات البرامج الدينية على الإنترنت أو التليفزيون أشكالًا وحشية، ما انحدر إلى نوع من الإباحية-الإسلاموية. وقد أصدرت السلطات الدينية فتاوى غريبة، مفادها أن التعري أثناء ممارسة الحب حرام، ولمس المرأة للموز حرام، ولا يحق للرجل أن ينفرد بزميلته، إلا في حالة كانت أمه بالرضاعة واعتنت به وغذَّته.
الجنس في كل مكان.. وبخاصةٍ بعد الموت
يلفت الكاتب إلى أنه لا يحق لأحدهم الاستمتاع بالنشوة الجنسية، باستثناء إما بعد الزواج (عقب خضوعه للإملاءات الدينية التي تؤدي إلى إخماد الرغبة) أو بعد الموت. فالحديث عن الجنة وحور العين هو من الخطابات المألوفة لدى الدعاة، ممن يقدمون مسرَّات الآخرة مكافآتٍ لأولئك المعذبين في أراضي الجنس التعيسة. ما الذي قد يجعل مفجرًا انتحاريًّا يستسلم لمصيره سوى منطق مرعب سيريالي بأن درب النشوة يسلك طريق الموت، لا الحب؟
يكتشف الناس في الغرب، بشيءٍ من القلق والخوف، أن ممارسة الجنس في العالم الإسلامي موبوءة.
وجد الغرب منذ أمدٍ طويل الراحة في الغرائبية التي تُبرئ الاختلافات؛ إذ تمكَّن الاستشراق من إيجاد وسيلة لتطبيع الاختلافات الثقافية وإعفاء أي انتهاكات. على سبيل المثال، نجد أن شهرزاد وحريم السلطان والرقص الشرقي يُعفونَنَّ بعض الغربيين من النظر في محنة النساء المسلمات. ولكن اليوم، مع ما نشهده من تدفق للمهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا، نرى أن العلاقة المَرَضية التي تربط بعض الدول العربية بنسائها بدأت في التكشُّف على الساحة الأوروبية.
فبدأ ما تم اعتباره لفترة طويلة بمثابة وجهة نظر محضة للغرب عن مكان نائٍ (الشرق) في اتخاذ هيئة صراعٍ للثقافات، يمارس ظهوره على الأراضي الغربية بالذات، وأصبحت الخلافات التي نشأت بسبب المسافات والشعور بتفوق الغرب تُعَد تهديدًا وشيكًا. يكتشف الناس في الغرب، بشيءٍ من القلق والخوف، أن ممارسة الجنس في العالم الإسلامي موبوءة، وأن هذا الوباء بدأ في التوغل إلى أراضيهم.
* كمال داود كاتب وصحافي جزائري يكتب باللغة الفرنسية، ويُعد بمثابة عدو مناهض للغة العربية. أثارت آراؤه بشأن الإسلام والعالم العربي ككل الكثير من الجدل، إلى أن أصدرت جبهة الصحوة السلفية بالجزائر فتوى بتكفيره. فاز بجائزة «غونكور» عام 2014 عن روايته «مورسو: تحقيق مضاد». يعمل حاليًا محررًا لصحيفة «يومية وهران» أو (Le quotidien d’Oran)، حيث ينفرد بعمود صحافي تحت عنوان «رأينا رأيكم»، يوجه فيه نقدًا لاذعًا للمجتمع الجزائري بشكلٍ ساخر.