بعد حادثة انهيار برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر، عرف العالم أن 15 من منفذي الحادث يحملون الجنسية السعودية. عندما بدأ الغرب يبحث عن الأسباب توصل إلى عدة نتائج، منها أن هناك خللًا في المناهج الدراسية في المملكة، وبدأ يمارس ضغوطًا عليها لإصلاح المناهج، واستجابت السعودية وعدلت مناهجها الدراسية سِتِّ مرات على الأقل منذ سبتمبر 2001.
لكن في الوقت الذي كان الأمير تركي الفيصل، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة آنذاك، يمارس دورًا لإقناع الغرب بأن التغيير مستمر لإصلاح المناهج، أظهرت المحطات التليفزيونية عكس ذلك.
قردة وخنازير
زارت قناة «بي بي سي» البريطانية أكاديمية الملك فهد في لندن، التي تدرِّس المناهج السعودية بنسخة عام 2005، واستفسر مذيعو القناة من مسؤولة هناك عمَّا إذا كانت الأكاديمية تعلِّم الطلاب أن المسيحيين واليهود قردة وخنازير وسيذهبون إلى النار، فنفت ذلك وأشارت إلى أن المناهج تدرِّس التسامح، وربما تكون بعض محتوياتها قد فُهمت بشكل خاطئ. ورغم مواجهتها بالنصوص التي تنشر الكراهية بالفعل، أصرت المسؤولة على الإنكار.
تقسم المناهج السعودية العالم إلى كفار في النار ومسلمين في الجنة.
تحقيق آخر نفذته «بي بي سي» توصل إلى أن خمسة آلاف طالب داخل بريطانيا يدرسون هذه المناهج التي تحُض على الكراهية، وقابل صحفيو القناة رئيس مركز شؤون الخليج في واشنطن، علي الأحمد، الذي ذكر أن «هذه الكتب تدِّرس كراهية كل شخص مختلف عنهم، وتقسم العالم إلى قسمين: مسلمين وكفار».
بينما علَّق «نيل روبنسون»، المتخصص في الدراسات القرآنية، على المناهج السعودية قائلًا إنه «ليس من الحكمة أن تُدرَّس هذه المناهج في المدارس»، إذ يذكر بعضها عقوبات مثل الإعدام عن طريق الرمي من ارتفاع شاهق والحرق.
عندما سأل مذيعو «بي بي سي» السفارة السعودية عن ما تشير إليه المناهج أنكرتها، رغم أن الكتب تحمل اسم وزارة التعليم السعودية وتوزَّع في المراكز التعليمية التي تشرف عليها السفارة.
لم تُطور المناهج، إذ لا تزال نسخة عام 2015 تركز على خطاب الكراهية فقط، وهو خطاب يظهر بقوة في أغلب المراحل الدراسية، وتقسم العالم إلى كفار يدخلون النار، ومنهم بعض المذاهب الإسلامية، ومسلمين يدخلون الجنة، وهم الفئة التي كتبت هذه المناهج فقط.
هل ما يفعله «داعش» صواب؟
لم تكتفِ المناهج السعودية بذلك التقسيم، بل أضافت أمورًا أخرى منها أحكام العرافة وحكم إتيان الكاهن، ولك أن تتخيل أن هذه الموضوعات يتعلمها أطفال في القرن الواحد والعشرين.
توسعت المناهج كذلك لتتحدث عن حُكم السحر، وتعلِّم الأطفال حُرمة الاستسقاء بالأنواء (جمع نوَّة) أو بالنجوم (التوسُّل للنجوم كي ينزل المطر)، كما أضاف كاتب المنهج ملاحظة عن حُكم تصديق توقعات الأرصاد الجوية، وهل تدخل في المحرمات مثل الاستسقاء بالنجوم أم لا، لكنه ذكر أنها مباحة.
أما التصوير ونحت التماثيل ورسم كل ما فيه روح فهو طريقٌ إلى الشِّرك، فأول شِرك وقع في الأرض كان بسبب التصوير، وبالتالي يكون ما يفعله تنظيم داعش من هدم آثار العراق وسوريا ضمن تعاليم الإسلام، بحسب المناهج الدراسية السعودية المطوَّرة.
مناهج سعودية: التفحيط حرام والرأسمالية كفر
لعلَّ أحدًا لا يعتبر هذا الموضوع خروجًا على الحاكم، لأن الصَّلب هو إحدى عقوبات ذلك في المناهج السعودية.
وعلى الجانب الفكري كانت المناهج موجهة بوضوح، فالشيوعية والعلمانية والرأسمالية إلحاد بحسب المناهج السعودية، مما يدعونا للتساؤل عما إذا كان مدرِّسو تلك المناهج يعلمون معنى هذه الأيديولوجيات الثلاثة أو يدركون اختلافاتها؟ وكيف ستُنتج تلك البيئة التعليمية الأحادية آراءً سويَّة في ظل اتهامها كل مَن يعتنق أي فكر مختلف بالإلحاد وتدعو لتفريقه عن زوجته وعدم الأكل من طعامه لأنه كافر؟
تتحدث تلك الكتب كذلك عن حكم «التفحيط»، وهو اللفظ الذي يستخدمه السعوديون للإشارة إلى الاستعراض بالسيارات، ويتساءل الكتاب: هل التفحيط حرام أم حلال؟ ويقرر حدًّا لعقاب فاعله، في خطوة يبدو أنها تهدف لإصلاح الشباب، كما عرضت الاستخدامات الخاطئة للبلوتوث، وتقيس «الديّة» (التعويض) بعدد الإبل، فديّة المسلم مئة من الإبل وديّة المجوسي والوثني والمسيحي نصف هذا العدد.
إن الهدف من الإشارة إلى مناهج الدين السعودية ليس الإثارة وتوجيه أصابع الاتهام إلى دولة بعينها، فالمناهج الدينية في العديد من الدول العربية تحمل ذات الأفكار البعيدة عن الواقع الذي نعيشه، والتي باتت بحاجة لتحديث يواكب الجيل الذي يَدرُسها لا الأجيال التي تُدَرِّسها.
وقبل أن تنهي الموضوع، إليك هذا النشاط: