كلما سمعت اسم جماعة تنتمي إليها يراودك إحساس ما، وكأن مَن يخاطب تلك الجماعة يوجه كلامه إليك بصفة شخصية. ينتبه عقلك فورًا عندما تُنطق كلمة «العرب» أو «الليبراليون» أو ربما «الثوار»، إذا كنت تنتمي إلى أيٍّ من هؤلاء.
هذا ما يحدث لكاتبة المقال المنشور على موقع «سي إن إن»، لكنها تشذ عن القاعدة في حالة واحدة، إذ عندما يخاطب شخص ما «جيل الألفية» فإنها لا تشعر بالانتماء إليه، رغم ولادتها في الفترة نفسها التي تضم أفراد هذا الجيل.
كذلك يشعر كثير من الناس الذين تتراوح أعمارهم بين أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، فما السبب؟
جيل الألفية «العجوز»
وُلد أفراد جيل الألفية العجوز، حسب ما تطلق عليه كاتبة المقال، في ثمانينيات القرن العشرين، ممَّا يعني أنهم في أواخر عشرينياتهم حاليًّا على أقل تقدير أو أكبر قليلًا، وعاش هذا الجيل حيوات مختلفة عن أبناء جيل الألفية الأصغر سنًّا، خصوصًا هؤلاء الذين ولدوا في التسعينيات.
لا يسمح جيل الألفية العجوز لفيسبوك بعزلهم عن الحياة، فيشعرون بالسوء كلما انقضى وقت على سماع صوت أصدقائهم في مكالمة هاتفية.
عاصر جيل الألفية بفئتيه حدثين مهمين هزا العالم: الأزمة الاقتصادية وانتشار الهواتف الذكية، وشهد الجيل العجوز هذه التغيرات خلال مرحلة شبابهم، أما شباب جيل الألفية فكانوا مراهقين في ذلك الوقت.
تؤكد أستاذة علم النفس الاجتماعي «جين توينجي» وجود دلائل كثيرة تثبت اختلاف فئتي جيل الألفية عن بعض، حتى أنهما قد يمثلان جيلين مستقلين لا علاقة قوية تجمع بينهما.
نسمع مرارًا عن شغف جيل الألفية بالتكنولوجيا، وقضائه حياته الاجتماعية كاملةً محدقًا في شاشات الهواتف الذكية، أما الجيل العجوز فإن علاقة أفراده بمواقع السوشيال ميديا ليست بهذا العمق، وإذا كانوا يستخدمون تويتر بكثافة، فإنهم يتكاسلون عادةً عن تعلم سناب شات، حسبما تذكر الكاتبة.
لا يسمح أفراد الجيل العجوز لفيسبوك بعزلهم عن الحياة الواقعية، فما زالوا يفضلون قراءة الكتب الورقية، ويشعرون بالسوء كلما انقضى وقت دون سماع أصوات أصدقائهم في مكالمة هاتفية، وهذا فارق كبير بينهم وبين الجيل الأصغر.
اقرأ أيضًا: لماذا يجب عليك التخلص من معظم أصدقائك؟
الحياة الاجتماعية والعملية
لا يتبع أفراد الجيل الأصغر سنًّا التقاليد المتعارف عليها بخصوص العمل والزواج، بناءً على بعض الإحصائيات، إذ يتنقل جيل الألفية الشاب من عمل إلى آخر دون استقرار في وظيفة بعينها لفترة طويلة، عكس أبناء جيل الألفية الأكبر سنًّا الذين يشبهون الأجيال السابقة عليهم، فيفضلون الزواج وتكوين أُسَرهم الخاصة.
ينبع هذا الاختلاف الذي تلاحظه الكاتبة بين قسمي جيل الألفية من الطريقة التي تُصنَّف بها الأجيال في المقام الأول، فكل من وُلد في نطاق معين من السنوات ينضم إلى الجيل نفسه بغض النظر عن أي اختلافات أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن جيل «طفرة المواليد» يشمل كل المولودين في الفترة بين 1946 و1964.
إذا تأملت جيل طفرة المواليد عن كثب، ستجد أن أبناء الجيل المولودين في 1946 وما أعقبه من أعوام قليلة عاصروا الفترة التي تلت انتصار الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، في حين شاهد الأفراد الأصغر من أبناء الجيل نفسه، الذين قضوا طفولتهم في بداية فترة الستينيات، الاضطرابات السياسية والاجتماعية الأمريكية، وعاش كلٌّ منهما بالتالي في عالم مختلف، أثر في تكوينهم الشخصي والمعرفي بطرق مختلفة.
ينطبق الأمر نفسه على جيل الألفية الذي تأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، واختراع الهواتف الذكية في الوقت ذاته تقريبًا، إذ ظهر الآيفون في عام 2007.
يجب الانتباه إلى التوقيت الذي حدثت فيه هذه الطفرات، السيئة منها والجيدة، لأنها سبب في الاختلاف الذي قد تلاحظه بين شباب جيل الألفية وجيل الألفية العجوز.
الأزمة الاقتصادية العالمية
كان جيل الألفية العجوز ضمن القوة العاملة في أثناء اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، أو على أقل تقدير، كان أفراده يوشكون على الالتحاق بسوق العمل قبل تفشي الأزمة، وهكذا تربى الجيل العجوز وتعلم في الفترة التي تسبق الأزمة الاقتصادية، ورُدِّدت على مسامع أبنائه وعود بالحصول على وظيفة مربحة في العشرينيات من عمرهم إذا اتبعوا القواعد التي درسوها.
شباب جيل الألفية أكثر عملية وينجذبون إلى الوظائف الثابتة، بينما يتميز الجيل العجوز بالمثالية في الحياة العملية.
لا ينطبق الحال نفسه على الشباب من أبناء الجيل نفسه، الذين غيرت الأزمة العالمية شكل حيواتهم بصورة جذرية، فرغم سماعهم الوعود ذاتها التي رُدِّدت على مسامع الجيل العجوز، فإنهم لم يحظوا بفرص مماثلة وتعرضوا لاضطرابات عنيفة خلال فترة حساسة من حيواتهم.
أثرت الأزمة الاقتصادية بدرجة كبيرة في شباب جيل الألفية، إذ ليس من السهل أن تُنتَهك خططك المستقبلية دون سابق إنذار.
تتحدث توينجي عن التأثير الذي لحق بفئتي جيل الألفية قائلةً: «كبر جيل الألفية العجوز في وقت تفاؤلي، ومن ثَمَّ صدمهم الركود الاقتصادي، في حين تغير منظور شباب الألفية ليصبح أكثر واقعيةً عندما عاصروا هذا الركود في أثناء سنين تكوينهم»، وأدى ذلك إلى ظهور الاختلافات بين الفئتين.
توصلت توينجي إلى بعض النتائج من استطلاعات الرأي، فوجدت أن شباب جيل الألفية أكثر عمليةً، وينجذبون إلى الصناعات التي توفر وظائف ثابتة، وتزداد رغبتهم في العمل لساعات إضافية، مقارنةً بالجيل العجوز الذي يتميز ببعض المثالية في ما يتعلق بالحياة العملية.
قد يعجبك أيضًا: لماذا لا تقل ساعات العمل رغم نمو الاقتصاد؟
الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي
يتساءل بعضنا عن العلاقة بين قضاء شباب الألفية أوقاتًا طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبين الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب.
تقول الكاتبة الأمريكية «جولييت لابيدوس» إنها غير مقبلة على الوسائل الرقمية بقدر إقبال شباب الألفية عليها، فوجود الإنترنت بالنسبة إليها لم يكن حقيقة بديهية من حقائق الحياة، ورغم أنها تعلمت استخدامه، فهي لا تزال تذكر أنها اعتادت في صغرها كتابة الخطابات لأهلها في المعسكرات الصيفية، ولم تشتري هاتفًا محمولًا إلا في سن التاسعة عشرة.
عاش جيل الألفية العجوز فترة دراسته الثانوية وما قبلها دون إنترنت، انبهروا بالتأكيد عند أول ظهور لتطبيقات المراسلة، إلا أنهم لم ينشغلوا بها انشغالًا تامًّا نظرًا لعدم حصول أغلبهم على هواتف ذكية أو حتى هاتف محمول عادي إلا بعد ذلك، حين التحقوا بالجامعة أو بعد تخرجهم، وترك هذا الغياب الرقمي بصمة على تكوين شخصياتهم.
قد يهمك أيضًا: هل حان الوقت لهجر التكنولوجيا؟
لم تقع يد توينجي على أدلة كثيرة تدعم الاختلاف الذي أحدثته الهواتف الذكية بين سمات جيل الألفية العجوز وشباب الألفية، بخلاف ما حدث معها حينما بحثت في تأثير الركود الاقتصادي عليهما، ولكنها لم توقف البحث.
تضع توينجي بعض التساؤلات بشأن قضاء شباب الألفية أوقاتًا طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي: لماذا يستجيب هؤلاء لبعض أنماط الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب بسرعة؟ وتشير إلى أن هذه الملاحظة تستدعي مزيدًا من البحث.
عمومًا، تحثُّ هذه الفروق الواضحة، التي استطاع العلماء رصدها بين قسمي جيل واحد، على وضع منهج أكثر منطقيةً في تقسيم الأجيال، والبعد عن تعميم الخصائص النفسية والاجتماعية على جيل بأكلمه، يشمل المواليد في نحو عقدين من الزمن دون مراعاة الاختلافات بين عناصر هذا «الجيل الواحد».