إذا كنت تفكر في اﻻنتحار، توجَّه إلى شخص مُقرَّب واطلب منه المساعدة، أو يمكنك زيارة هذا الموقع.
في أكتوبر 2015 كانت محاولتي الأولى للانتحار، ولم تكن الأخيرة.
يقال إن هناك أغنية مجرية تحث على الانتحار، تسمى «الأحد الموحش»، لم أكن أعرف ذلك وأنا أستمع إليها كثيرًا تلك الأيام، أعلم فقط أنها أغنية حزينة للغاية كما يبدو من كلماتها، لكن اكتشفت أن هناك شائعات عن أنها دفعت الكثير من الأشخاص للانتحار، ومُنع بثها لفترة، ثم عادت من جديد لتنتشر بصوت «بيلي هواليدي»، وقام العديد من المطربين بغنائها. كنت أستمع إليها باستمرار، بينما كانت الحبة الرابعة هي آخر ما تناولته خلال الأيام السابقة، كنت على وشك إكمال الباقي، لكني توقفت. ليس خوفًا من أي شيء، توقفت بسبب صورة أمي لحظة اكتشافها.
سبَقَتْ كل تلك الأشياء ليالٍ قاسية. كانت حِدَّتها تتصاعد في كل ثانية تمر دون أي مبالغة، كمُّ القسوة التي رأيتها في تلك الأيام بيني ونفسي، وبيني وباقي البشر، لم أكن أتوقعها في يوم من الأيام. الاكتئاب أو الغيمة المصاحبة لي رأت أن تلك هي اللحظة المناسبة للإعلان عن نفسها، لكن كيف وصلتُ لتلك النقطة؟ هذا ما سأحاول الحكي عنه؛ لعلك يا صديق تفهم أن الغيمة لا تتكوَّن من تلقاء نفسها، ولا أختارها، أو لعلك تفهم ماذا تفعل حين تبدأ الغيوم في التكون.
«لم تفهمي ما كنت أقوله إنني في غيابك دون كهف أعيش فيه».
1. التفكير المبالغ فيه
عقلك يتحول دون أدنى مبالغة لجحيمٍ لا ينطفئ، وهذا يدفعك بشكل مباشر للنقطة الثانية.
يظن الكثيرون أن التفكير المبالغ فيه هو التفكير المتكرر في أمر ما أغلب الوقت، لا يا صديقي، في تلك الحالة أنت ترى كل تفصيلة بشكل مستقل، ترى كل لقطة في يومك بالتصوير البطيء المقرب بجودة عالية، ترى حركة الأصابع وهي تسلم عليك، وتشعر بالتأكيد أنك أخطأت في السلام عليهم بتلك القوة، جملة مثل «نشط منذ» على فيسبوك، أو العلامة الخضراء التي تدل على اتصالك، أو العلامتان في واتساب، جحيم. كنت أظل أترقب و أسأل نفسي: ماذا فعلت بحق الله؟ لمَ لا يريد الرد عليَّ؟ هل فعلت شيئًا؟ هل أنا ثقيل لتلك الدرجة؟ كنت أتوتر مثل طفل غابت والدته عن نظره فجأة، لم يكن أحد يستوعب هذا الأمر. عقلك يتحول دون أدنى مبالغة لجحيمٍ لا ينطفئ، وهذا يدفعك بشكل مباشر للنقطة الثانية.
«حتى الآن لا أتعرف على نفسي في المرآة، فتجنبتها تمامًا خوفًا من الحقيقة».
2. اضطرابات النوم
سيأتي في بالك الأرق. عزيزي: الأرق هو أقل المخاطر في تلك اللحظة، دورة النوم الطبيعية تتكون من 5 مراحل: الأولى: نوم خفيف وتبدأ وظائف العضلات في السكون. الثانية: بدء خفوت ضربات القلب والتنفس ودرجة الحرارة. الثالثة: نوم أعمق وفيه يبدأ المخ ببث موجات دلتا*. الرابعة: نوم أعمق ووظائف العضلات تصبح محدودة. الخامسة: موجات المخ تتسارع، فينتج عن ذلك حركة العين المتسارعة، والأحلام، وزيادة في معدل ضربات القلب.
الله يغفر لك الذنوب، لكن ليس جهازك العصبي.
في حالتي أنا، لا أصل إلى المرحلة الثالثة، أو منتصفها كحد أقصى. في تلك اللحظات مخك لا يستوعب ما حدث، ولمَ قطعت تلك الدورة؟ لا يكترث جهازك العصبي بحبيبتك، عملك، مشاكلك العامة أو الشخصية. الله يغفر لك الذنوب ولكن ليس جهازك العصبي.
مع محاولتك العبثية المتكررة للنوم، تزداد الحدة، ويزداد الهجوم، جسمك يخسر المعركة تمامًا في صراع تلك الأجهزة، فتظل مستيقظًا لكن في حالة إنهاك شديد، وهي علامة مميِّزة للمصابين بالاكتئاب المتقدم: حالة الوهن الشديدة، الذهاب لتناول الماء، حتى يصبح الأمر مثل رحلة اكتشاف للجبال دون معدات، فقط كل هذا تمهيد للضيف الأثقل ابن العم الأثير للاكتئاب، وهو ما يجعل الأمر كله مرعبًا.
«كنت فقط أرغب في احتضانك.. كنت فقط أريد القول إني لا أحب العالم إلا لوجودك فيه».
3. نوبات الفزع
الأمر يحتاج دعمًا، يحتاج تواجدًا دون ضغط إضافي بـ«مالك؟» و«فيه ايه؟» و«أنت كويس؟».
«أمس كان شيء حقيقي يجثم على صدري، قلبي، روحي، أنفاسي، العرق كان يغرقني، أنفاسي انسحبت حتى لم أقدر على النداء طلبًا للمساعدة. جلست على الأرض عاجزًا عن التقاط أنفاسي، شعرت بكمٍّ من القهر، هناك من يقف على صدري ويتقافز دون أي خوف، أخذت في نشيج مكتوم، فصلتُ الإنترنت كأنه السبب، ظللت على الأرض غير قادر على الحركة، أتصبب عرقًا، أنفاسي غير منتظمة ولا حتى دقات قلبي، كنت أشعر أن تلك هي النهاية. كنت لا أقاوم. كنت مستسلمًا وجاهزًا. وفجأة توقف كل شيء، لم أفهم أي شيء. مؤخرًا لم أعد أفهم أي شيء، ولا حتى أحاول الفهم، فاللعنة على كل تلك الأشياء».
ذلك كان جزءًا من تدوينة كُتبت بعد نوبة فزع تعرضت لها. لم أكن أعلم حتى أنها نوبة فزع. كنت أحسب أن نوبات الفزع تحدث ليلاً فقط. كنت أحسب أني يجب أن أكون متوترًا لكي تحدث لي، لكن الحقيقة ليست كذلك، نوبة الفزع تحدث دون أن تكون في توتر شديد، تحدث فجأة، وفجأة هنا دقيقة للغاية، وتنتهي فجأة. الترجمة الحرفية «هجمات الفزع»، وهي المعنى الحقيقي لما يحدث، هجمة لا ترتيب لها على الإطلاق. من الممكن أن تصيبك وأنت في اجتماع، بمفردك، في أي وقت وأي مناسبة، وفي الغالب لا يستطيع أحد فهمها، فيتم التعامل معها مثل الإرهاق.
الأمر يحتاج دعمًا، يحتاج تواجدًا دون ضغط إضافي بـ«مالك؟» و«فيه ايه؟» و«أنت كويس؟». أول شيء عليك فعله هو محاولة تهدئة من يتعرض لنوبة، ومحاولة مساعدته في تنظيم نَفَسه، والدعم هنا يأتي من مسكة يد، أو عناق دون طلب، أو فقط تواجدك بنظرة عين تقول أنا هنا. يظهر الأمر غير منطقي لك؟ أليس كذلك؟ لكنه منطقي بشدة بالنسبة لي.
«حلمت في يوم أن مشاكلي كلها تنتهي بمجرد احتضانك.. لم أكن أعلم أني أذهب للمصدر الأساسي للمشاكل».
4. القلق
لن يستوعب الجميع كل تلك الخطوات يا صديق، سيرونك تافهًا سطحيًا، اخترت لنفسك البؤس، أنت من تحطم نفسك بيدك، لابتعادك عن الدين أو الأصدقاء أو أي شيء يرونه مهمًا. هم لا يعلمون شيئًا، فقط يجب عليهم التحدث مثل الرسائل المسجلة، بكلام مكرر لا معنى له ولا مناسبة، غير إبداء الرأي فقط.
قد يهمك أيضًا: كيف تجبرنا «التنمية البشرية» على السعادة؟
القلق هنا ليس كما عَهِدتَه، كل الأشياء هنا يا صديق ليس كما عَهِدتها. جمِّع كل تلك المراحل السابقة، اربطها معًا، وانسخ منها عدة نسخ، وزعها بضمير في كل مكان بداخلك، يصبح لديك القلق بصورته الخام. كل فعل، حركة، ذكرى، تفصيلة، يتم تضخيمها بشكل مخيف، تفكر في كل مرة فقط قبل خروجك من باب الغرفة، كل فعل تفكر به ينهشه القلق، يجعلك تسأل أسئلة لا إجابات لها، يحرمك من النوم، من الخروج، من أبسط التعاملات البشرية.
تبكي فجأة دون أي مبرر أو سبب، تبكي حتى ينفطر قلبك، ثم صمت، تتحول من حالتك العادية لتصبح في قمة التوتر، والقلق، والخوف، والغضب، يبتز كل فعل وكل تصرف ليجعله في طوعه وتحت رايته، يساعده في ذلك تصرفات مَن حولك من أفعال متعمدة أو غير متعمدة، من يقرر أن يقسو عليك لتحفيزك هو الأبشع، ربما يأتي بنتيجة لكن في تلك الأجواء النتيجة ستكون كارثية.
لن أخبرك أنك بطل؛ لأنك بالفعل بطل. سأخبرك بأنك غير مدين لأحد بأي شيء، ولا حتى بالشرح ولا بالتبرير.
فجأة يظهر لك الحل البسيط؛ فلترحل وتترك كل شيء لهم، هم لا يهتمون، فاللعنة عليهم، سأرحل. دعني أتوقف هنا لأخبرك أني كنت هناك، في تلك اللحظة، وهي تَتَكَوَّن، بحثت كثيرًا وكثيرًا، وعَبَرت الكثير من العقبات ﻹيجاد مبرر لهذه الفكرة، لكن وجدت الآتي: لقد دفعت ثمن كل شيء فعلته وحتى ما لم أفعله، وفي النهاية أختار أن أثبت للجميع أنهم كانوا على حق! تبًا لهم، ربما يبدو الكلام لمن لم يقترب رخيصًا للغاية، لكن صدقني في تلك اللحظة تلك إحدى أهم وأكبر الأفكار التي تمتلك روح.
لن أنصح أحدًا بشيء، لن أخبرك أنك بطل؛ لأنك بالفعل بطل. سأخبرك بأنك غير مدين لأحد بأي شيء، ولا حتى بالشرح ولا بالتبرير. الحياة قاسية بما فيه الكفاية. سأخبرك الآتي: ركز على نفسك، على أحلامك مهما كانت صغيرة وغير منطقية، إنها خاصة بك أنت فقط، هم لا يهتمون، ولكنك في الطريق ستقابل من يهتم، رفقاء الغيمة والأحد الموحش، ستجدهم، ابحث عنهم قدر المستطاع.
اقرأ أيضًا: لماذا يجب عليك التخلص من معظم أصحابك؟
الانتحار لم يكن في يوم إجابة على سؤال «لِمَ حدث كل ذلك؟» لم ينتحر أحد ممن غنوا «الأحد الموحش». صديقي، مَن اقترب من تلك الحافة، مَن ترافقه الغيمة، اعلم جيدًا أن كل مَن دفعك للحافة وكانوا السبب لن يشعروا بتأنيب ضمير لرحيلك. ارحل عنهم كما رحلوا عنك، واعلم جيدًا أنك جذرك، لا تجعل أحدهم حجر أساسك، كن نفسك، و صادق أشباحك و غيمتك؛ لكي تكمل رحتلك أنت.
*موجات دلتا هي أبطأ الموجات الدماغية من حيث سرعة الانتشار، وهي ذات تردد منخفض جدًا، ويتم توليد هذه الأمواج في الحالات التي تتسم بنشاطٍ عقلي عميق، مثل حالات التأمل الهادئ أو النوم العميق، كما أن موجات دلتا مصدر المشاعر الخاصة بالتعاطف.
هذا الموضوع جزء من ملف منشور عن الانتحار، لقراءة موضوعات أخرى في الملف، اضغط هنا.