في هذه السلسلة يكتب لنا كُتَّاب «منشور» وأصدقاؤه رهاناتهم الشخصية في كأس العالم، كلٌّ حسب تفضيلاته. ليست رهانات أو تحليلات فنية، بل تفضيلات وأهواء شخصية منطلِقة من موقعهم كمتفرجين ومشجعين لا أكثر.
عادةً ما يكتب كأس العالم ميلادًا جديدًا للاعبين عظماء، ويسطر إنجازات آخرين. «ميروسلاف كلوزه» لم يكن الأفضل في العالم، لكن كأس العالم خلَّد اسمه كهداف تاريخي. دييغو مارادونا تربع على العرش بعد الفوز بكأس العالم. هذه المرة رهاني على شيء جديد، صبي مختلف ينحدر من أدغال إفريقيا، يملك من السحر والدلال والمراهقة والجمال وكل شيء ما يؤهله ليصبح الحصان الأسود للمونديال كلاعب ومهاجم وصانع وهدَّاف.
المتأمل في الصعود المدوي للاعب الديوك الفرنسية «كيليان مبابي» يجده يملك شيئًا جديدًا، شيئًا فريدًا لم يسبق لفرنسي أن امتلكه، أو حتى لاعب كرة قدم في العموم، هذا الشيء الذي ساعده، رفقة موناكو، على التتويج بلقب الدوري الفرنسي، وهو بعد لم يتجاوز 18 عامًا، والشاب الذي عزز تفوقه في باريس، وخطف الأضواء لصالحه بعد إصابة «نيمار». والشيء الذي حمل لأجله الرقم 10 في منتخب فرنسا.
الفرنسي لا يملك السرعة والخفة والمهارة فحسب، بل يملك ما يجعلني أراهن على أنه سيكون أحد العلامات الفارقة في روسيا بالنسبة إلى منتخب الديوك، طبعًا مع التوليفة الرهيبة التي يتكون منها المنتخب الفرنسي، مع وجود جناح طائر مثل «عثمان ديمبيلي»، الذي أراهن على تميزه كذلك، والأخير «أنطوان غريزمان» الذي كان حديث النصف الأول من فترة انتقالات 2018.
يتميز مبابي بالقدرة على اللعب كجناح، أو مهاجم وهمي، أو حتى مهاجم صريح، مما يجعل السيطرة أو المراقبة اللصيقة له أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.
يمتلك مبابي الكتف التي بوسعها أن تحمل ناديًا وهو بعد في سن الـ19، ويمتلك ما يجعله يقود هجوم أحد أقوى المنتخبات المرشحة لمعانقة الذهب دون رهبة أو خوف، بل يمكنه أيضًا أن يبدع في القيادة وهو الذي لم يخض أي مباراة في كأس العالم قبل مباراة أستراليا.
كذلك يمتلك مبابي الذكاء الذي يتولد من الخبرة، وهو بعد لم يحظ بخبرة كبيرة، ويُحسَد على عدم التسرعِ والمراوغة بشكل سريع خاطف، وعدم التأثر بالضغوط التي قد تسقط على كاهله أو كاهل منتخبه، بل يستطيع التسليم والتسلم في وقت قياسي وكسب المساحات والانطلاق بشكل سريع ومباغت لتلقِّي الكرة بشكل خاطف من أجل الانفراد وصناعة الأهداف أو تسجيلها.
القدرة على اللعب كجناح، أو مهاجم وهمي، أو حتى مهاجم صريح، أمر آخر يميز مبابي ويُكسِبه نقطة إيجابية. فالتحول السريع في المباراة من لاعب جناح إلى الاختراق من الجانب الأيسر أو الأيمن والتسديد يجعلهُ أخطر ما يكون، ويجعل السيطرة أو المراقبة اللصيقة له أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا، ناهيكَ بالتمركز في الخط الأمامي، وختم الهجمات أو كسب المراوغات وتسديد الكرات كمهاجم صندوق.
مبابي يمتلك أيضًا كاريزما عظيمة، تجعله اليوم أو غدًا، وعاجلًا أم آجلًا، نجم الكرة الأول في العالم.
ليس لرهاني على مبابي أي سر سوى أنه، وبغرابة وعظمة شديدتين، لم يخذل أحدًا راهن عليه يومًا. مسؤولوا موناكو راهنوا عليه، والمدرب بدوره خاطر بإشراك لاعب لم يكمل 17 عامًا في أول موسم له في الفريق الأول، وهو الذي من المفترض أن يشارك في فريق الشباب تحت 17، ليكون العامل المؤثر الأكبر في تحقيق فريقه للدوري الفرنسي بعد الغياب عن منصات التتويج لـ16 عامًا، ما جعل باريس سان جيرمان يراهن عليه أيضًا في الوقت الذي دفع لأجله 180 مليون يورو غير آبهين بعامل السنِ ولا بفارقِ الخبرة، ولا بما سيقدمه الشاب بجانب نيمار صاحب الصفقة الأغلى تاريخيًّا.
لكنه فازَ بالرهان، وحقق الثلاثية المحلية، وقاد فريقه في أعقد لحظات الموسم، وفي المباريات التي أصيب فيها نيمار، الجميع راهن على التطور السريع، إضافة إلى ما يمتلكه اللاعب الشاب من عقلية مذهلة لاغتنام الفرص، وتسجيل الأهداف، ما يجعلني أنا أيضًا أثق في أن رِهاني لن يخيب أبدًا.