ترتكز محادثات السلام على تقديم التنازلات والتسويات، وعندما يجلس الناس إلى مائدة المفاوضات متطلعين لتحقيق مكاسب في المفاوضات، فإنهم يطيلون أمد الصراع بدلًا من إنهائه. في المقابل، تتناول قصص السلام المفاهيم التي تغذي الصراع وتهدف إلى استبدالها بروايات حول التعاطف والتراحم والتعاون، وهو ما نحاول تفصيله هنا.
قصصنا، صراعاتنا
القصة هي نسيج من الحقائق والافتراضات والمؤامرات لخلق الرواية التي تجعلنا نبدو أخيارًا و تجعل من الآخرين أشرارًا، فنحن نرى أنفسنا نلعب إمَّا دور الضحية أو البطل، لا توجد خيارات أخرى.
يقوم أي صراع على أن من نراهم أشرارًا في قصصنا يرونها بشكل معكوس، فيكونون في قصصهم أبطالا ونحن أشرار.
معظم القصص الدينية والثقافية تورد حكايات ينتفض فيها الضحية ليصبح بطلًا (ويمكن أيضًا أن يغدو البطل ضحية)، ونحن عادةً ما نختار لأنفسنا دورًا إيجابيًّا، لأننا نرغب في رؤية واقع نمثل فيه دور الأخيار بينما يكون أعداؤنا هم الأشرار، فنصنف أعداءنا على أنهم خونة أو أشرار.
الخونة هم مَن ينتمون إلى عِرقنا أو ثقافتنا أو ديننا لكنهم لا يشاركوننا قناعاتنا وينتقدون أفعالنا، وهؤلاء هم الذين ينادون بالسلام حين نقرع طبول الحرب، أما الأشرار فأولئك الذين يعارضوننا لكنهم لا يشتركون معنا في هويتنا الاجتماعية.
يعتبر بعض الناس جميع عبارات التأييد أو نداءات السلام التي تأتي من «الآخرين» مفتعلة، هدفها خداعنا، وبذلك يستمرون في النظر إليهم كأشرار.
جذور أي صراع، بدءًا من الصراعات العالمية إلى الصراعات الشخصية، تقوم على أن من يلعبون دور الأشرار في قصصنا يرون ما نراه تمامًا لكن بأدوار معكوسة، فيكونون في قصصهم أبطالًا ونكون نحن الأشرار. تلك الحقائق التي ذكروها «هُم» في قصصهم تجعلهم يبدون أخيارًا (أو مضطهَدين) وتجعلنا نظهر كأشرار، وهذا لا يحدث عمدًا بل هي الطريقة التي يفكر بها البشر، ممَّا يجعل القصص أكثر جاذبية.
انظر إلى أي صراع في العالم وستدرك كيف تلعب أدوار الخير والشر محورًا مهمًّا عند المتورطين فيه، ولعل الصراع العربي الإسرائيلي مثال واضح، فالإسرائيليون ينظرون إلى الفلسطينيين كإرهابيين متعطشين للدماء، والفلسطينيون يرون الإسرائيليين كذلك. كل طرف منهما يعتبر أن الإعلام يشوه صورته، وأنه ضحية الحملات الإعلامية التي تتجاهل حقه في الدفاع عن نفسه تجاه «الهجمات الإرهابية على المدنيين والأبرياء».
التمسك بقصصنا
يبدو من الصعوبة بمكان أن نرى الصراع من الجانب الآخر لحدود قصتنا، لأن قصصنا مبنية على حقائق ولدينا صور تثبت صحتها، كما يعترف أعداؤنا بنواياهم في تدميرنا وإبادتنا، والتاريخ حافل بأدلة وبراهين تدعم قضيتنا. لكننا لا نلحظ كم نكون انتقائيين عندما نلجأ إلى الحقائق، وكيف نربط الوقائع ببعضها بطريقة تعزز إيماننا بقصتنا، وكيف نصور أعداءنا باستمرار على أنهم الأكثر تطرفًا.
نتابع حسابات تويتر وفيسبوك للأشخاص الذين تنسجم قناعاتنا معهم، ونعيد تغريد ونشر ما يقولونه على الفور دون تمحيص أو تمعُّن، لكننا ندحض تلك الحجج التي تتحدى وجهة نظرنا، لأنها ببساطة لا تتناسب مع سير الأحداث في روايتنا وملامح شخصياتها.
قصصنا تعكس حقيقتنا، وأي محاولة لتغييرها تبدو نوعًا من التضليل الذاتي أو حلًّا مُذِلًّا لقناعاتنا. ويرى عديد من الناس في الصراعات فرصةً لإظهار البطولة والتضحية، فهم لا يرغبون في الوصول إلى نهاية سلمية للصراع، ويفضلون طريق النضال البطولي المكلل بالنصر في نهايته.
كتابة قصة السلام
هل تقدِّر السلام؟ هل تقدِّر حياة الإنسان؟ هل تهتم بحياة الأشخاص الذين يشاركونك الهوية الاجتماعية؟ هل ترى الآخرين أقلَّ في المرتبة الإنسانية؟ هل تراهم عاجزين عن الحب وإظهار الشفقة وبالتالي لا يستحقون أيًّا منهما؟
يمكننا كتابة قصة السلام إذا اقتنعنا أنه يمكن أن نكون نحن الأشرار الذين يدمرون العالم، وأننا لا نرغب في لعب هذا الدور.
قصة السلام تستوجب أن تكتشف كيف ينظر إليك من تعتبرهم أشرارًا وتتساءل: لماذا يكرهونك؟
قصة السلام لا تصنِّف الأشخاص على أنهم أشرار، لكن معتقدات الأشخاص هي التي تبرر القتل وتشجع على الحرب. ويمكن لهذه القناعات أن تتشكل في أي أمة أو دين، يمكن لهؤلاء الذين يتهمون الإسلام بالعنف أن يحتفلوا بموت المسلمين، تمامًا كما يحتفل المسلمون بموت من يرونهم كفارًا، فكلٌّ يجد مبررًا لقبول العنف بناءً على القصة التي يعيشها.
قصة السلام تتفهم أنك تشترك في أمور كثيرة مع أولئك الذين تعتبرهم أشرارًا، فكلٌّ منكما يقدِّر حياته وازدهار أمته وسعادة الأشخاص الذين يحبهم، ولكن بدلًا من السعي لتحقيق سعادتك ورفاهيتك فقط، تشجعك قصة السلام على العيش وفق القاعدة الذهبية «أن تحب لغيرك ما تحبه لنفسك»، أن تتمنى أن يعيش الجميع في سلام وسعادة.
قصة السلام تستوجب أن تكتشف كيف ينظر إليك من تعتبرهم أشرارًا، وأن تتساءل عن دوافعهم: لماذا يكرهونك؟ لماذا يخافونك؟ كيف تعاملهم؟ ما الطُّرُق التي تهددهم بها؟
إن كنت مسلمًا أو عربيًّا، فكِّر كيف يراك الإسرائيليون ومن يدعمهم، ولماذا يجدون مبررات لقتل الفلسطينيين. إن كنت إسرائيليًّا أو داعمًا لإسرائيل، فكِّر لماذا يكرهك المسلمون والعرب، ما الذي يرونه ولا تراه، كيف يعيش الفلسطينيون وكيف يعامَلون.
لا تبحث عن الدلائل التي تعزز وجهة نظرك فقط، بل ابحث عن الحقيقة وحاول إيجاد الوقائع التي تتحدى آراءك. اسأل أولئك الذين يختلفون معك في الرأي واستمع إلى إجاباتهم، اعرف ما الذي يطالبون به وكيف يسيئون فهمك.
قد يمنحك التشبث بوجهة نظرك والانسحاب نحو قصتك الخاصة بعض الراحة، لكنه يسبب الصراع.
جميع البشر معرضون للتضليل الذاتي. لا يجعلنا هذا أشرارًا، بل علينا أن نكون واعين لهذه النقطة، وأن نراجع أنفسنا باستمرار ونراجع الطريقة التي نرى بها أنفسنا والآخرين، وهكذا لن نبرر أخطاءنا أو نجرِّم الضحايا.
علينا أن نفتح أذهاننا للاحتمالات الجديدة، وأن نكون على استعداد لكتابة قصتنا من جديد، وأن نستبدل بها قصة السلام التي تُسهم في جعل العالم مكانًا أفضل.
لا تنتظر أن يفهم الآخرون وجهة نظرك، ابدأ أنت بفهم وجهة نظرهم، واعمل على إزالة تسميات «بطل» و«شرير» كي تتمكن من توحيد الصفوف تجاه الأشرار الحقيقيين الذين يهددون حياة الإنسان وسعادته: الجهل والحض على كراهية الآخرين.