نصف الكوب الفارغ: جولة في عقول الأشخاص السلبيين

الصورة: minsvyaz.ru

دينا ظافر
نشر في 2017/02/08

هل تساءلت يوما لماذا يصعب عليك أن تظل إيجابيًّا، بينما تتمكن السلبية منك بكل سهولة؟ أو لماذا تتطلب الإيجابية جهدًا كبيرًا، فيما تتغلب علينا السلبية ببساطة؟

تخيل نفسك مقبلًا على تقييم مهم في عملك؛ هل تتراءى لك كل الأخطاء التي ارتكبتها، صغيرة أو كبيرة، بينما تتضاءل في الوقت نفسه إنجازاتك الإيجابية؟ أو تخيلي أنكِ دعوتِ أقاربكِ إلى العشاء، وأثنى الجميع على صنوف الطعام التي طهيتِها وطيب مذاقها، غير أن أحدهم ظل يسكب الملح على طبقه حتى انمحى الانطباع الطيب من ذاكرتك، ولم تبق إلا هذه الصورة، أليست هذه تجربة مألوفة؟

لدى العقل البشري بطبيعته «انحياز للسلبية» (Negative Bias)، أو حساسية أكبر للأحداث السيئة مقارنةً بالإيجابية. ويؤمن حيدر الموسوي، في مقال كتبه لموقع (Medium)، بأن فهم هذا الانحياز يتطلب أولًا فهم الكيفية التي يعمل بها عقل الإنسان.

جهاز كشف الكذب.. في رأسك

شخص يفكر
الصورة: Jacob Bøtter

قد يخطئ البشر أحيانًا في التفرقة بين الصدق والكذب، لكن للعقل وسائل عديدة تساعده في فضح الأكاذيب. وكلما تعلمنا ممارسة التفكير النقدي، تمكنَّا من تحسين قدرة العقل على أداء هذه المهمة.

ومن أجل ممارسة التفكير النقدي، يرى الموسوي ضرورة الإلمام بانحيازاتنا الذهنية، التي تدفعنا لاتخاذ قرارات متسرعة استنادًا إلى معلومات محدودة، وكذلك فهم المغالطات المنطقية التي تتمكن من خداعنا أحيانًا، كما يتوجب عليك معرفة التقاليد الثقافية التي تحكم فهمك للواقع.

وكثيرًا ما يحدثك عقلك بأنه إذا كان شخص ما سيحقق مصلحة من إتمام عملية بعينها، فمن المحتمل جدًّا أن هذه العملية لا تخدم مصلحتك أنت.  يلجأ عقلك لهذا التفكير ليحميك من الاستغلال.

تصوّر مثلًا أنك دخلت متجرًا لشراء سيارة ووجدت البائع متحمسًا للبيع؛ سيحدثك عقلك محذرًا من شراء تلك السيارة «باهظة الثمن»، وهذا لمجرد حصول البائع على عمولة عند إتمامه البيع، ففور أن تدرك أن الطرف الآخر يحقق مكسبًا شخصيًّا من وراء تلك العملية، تشك تلقائيًّا في وجود خدعة ما، وكأن احتمالية وجود «دافع» لدى الطرف الآخر تعد سببًا كافيًا للشك فيه.

ويطبِّق العقل عملية «كشف الكذب» هذه على ما نفكر فيه، بقدر ما يطبقها على ما يقوله الآخرون. وتتضمن هذه العملية معالجة الأفكار للتفرقة بين الصدق والزيف، إذ نتصور وجود خدعة إذا اعتقدنا أننا نحقق مصلحة شخصية، ويلجأ العقل لهذه الآلية كي يجعلنا نظل «صادقين مع أنفسنا».

قد يهمك أيضًا: كيف يفتح الوعي بوابة الرعب؟

ذريعة السلبي: «كن واقعيًّا»

فتاة تفكر
الصورة: Jon Rawlinson

من الصعب أن يقتنع الشخص السلبي بالإيجابية، بل ينبذها سريعًا باعتبارها وهمًا وتفاؤلًا ساذجًا.

لكن ما الذي يبرر السلبية؟ ولماذا يكون التفكير الإيجابي غير مقبول بالنسبة لشخص سلبي؟

إن التعامل بإيجابية مع مُختلف المواقف قد يحقق لنا مصلحة شخصية، بينما لا نحقق أي مصالح من اتخاذ المواقف السلبية، وهكذا يخبرنا الشخص السلبي: «لا أحد يريد أن يكون سلبيًّا، لكن البعض يختارون السلبية بسبب اعتقادهم الراسخ أن الحياة مليئة بالمصاعب والمشاكل، أما الأشخاص الإيجابيون فيرغبون فقط أن تتبدل أحوالهم إلى الأفضل».

ولهذا يُتهَّم الأشخاص الإيجابيون بأنهم واهمون وساذجون ومثاليون، ويوصفون بكل النعوت التي تفيد الانسلاخ عن الواقع. ينساق الأشخاص السلبيون إذًا وراء أوهامهم بسبب هذه المغالطة، ولأنهم لا ينوون تحقيق مكسب من وراء سلبيتهم، تبدو نظرتهم للأمور أكثر إقناعًا وواقعية.

اقرأ أيضًا: لماذا نزداد قلقًا يومًا بعد يوم؟

هل السلبية مرادفة للواقعية؟

يعتقد الشخص السلبي أنه واقعي، وهذا هو نمط التفكير الذي يؤسس للسلبية، بحسب تحليل الموسوي، ولهذا يصعب أن تُفسح الإيجابية لنفسها مكانًا داخل عقله، إذ ينبذها سريعًا باعتبارها وهمًا وتفاؤلًا ساذجًا.

ومع أن الشخص الإيجابي ربما يكون واهمًا ومتجاهلًا للواقع في بعض الأحيان أيضًا، إلا أن هذا لا ينطبق بالضرورة على كل من هو إيجابي.

ما الذي تعنيه «الإيجابية» إذًا؟ وكيف يكون المرء إيجابيًّا دون أن تغادر قدماه أرض الواقع؟

كيف تكون إيجابيًّا وواقعيًّا في آن واحد؟

يعتقد الكاتب أن الشخص الإيجابي والواقعي في الآن نفسه يرى كامل تفاصيل الصورة، ولكن يختار التركيز على الجانب المشرق، وهو يقبل بمحدودية قدراته وإمكانياته، لكنه يسعى إلى استغلالها وتطويرها على النحو الأمثل؛ لأنه يتطلع إلى الأفضل.

ويعرف الشخص الإيجابي جيدًا أن الخيِّرِين يعانون في حيواتهم كما يعاني الخبثاء، وأن العدل والمساواة ربما لا يتحققان في كل المواقف، كما يعرف أن بعض التجار جشعون، وأن النجاح لن يكون حليفه باستمرار، وأن الحياة ليست وردية؛ ولكنه يختار أن يركز على الإيجابيات، وأن يبذل ما في وسعه للتغلب على السلبيات.

اقرأ أيضًا: لماذا تلجأ أعداد متزايدة من الناس لتجربة «السايكديليك»؟

الحياة متعبة.. الحياة جديرة بالتعب

عازف أكورديون تحت الأطلال في البوسنة
الصورة: Mikhail Evstafiev

الإيجابية قوة تدفع الإنسانية نحو مزيد من الرفاهية الفردية والجماعية، وليست وهمًا أو إعراضًا عن الواقع.

يرى الكاتب ضرورة التفريق بين الإيجابية والسلبية من ناحية، وبين المثالية والواقعية من ناحية أخرى؛ لأنهما ليسا وجهين لعملة واحدة. فالفرق بين النظرة السلبية ونقيضتها الإيجابية يتحدد بما نجعله موضع تركيزنا.

وربما يكون الشخص السلبي هاربًا فقط من مسؤوليته في خلق حياة أفضل، وربما يكون مجرد شخص مهزوم يدَّعي ألَّا حول له ولا قوة، وهذا خطأ فادح.

إن العلم والتكنولوجيا والقيم الإنسانية تأخذنا إلى عالم أكثر أمنًا، نستطيع فيه التعامل مع الكوارث الطبيعية والأمراض التي تهدد عالمنا المادي، وكذلك الأيديولوجيات الكارثية التي تهدد عالمنا الفكري، فلا ينبغي لمشاكل اليوم أن تظل مهددةً لمستقبلنا، إذ تقع على أكتافنا مسؤولية تحسين معيشتنا.

لهذه الأسباب، يرى الكاتب أن الإيجابية قوة لدفع الإنسانية نحو مزيد من الرفاهية الفردية والجماعية، لا وهمًا أو إعراضًا عن الواقع.

اختر الإيجابية إذًا وتولَّ زمام أمرك، فالتفكير السلبي يؤدي إلى التردد والتسويف والجمود، وهو ما سيجعلك بدوره تفوِّت الفرص وتفشل في تحقيق أهدافك. تعلَّم متى توقف عمل «جهاز كشف الكذب» القابع في عقلك عند اللزوم؛ فكثيرًا ما تكون السلبية أسوأ من المحاولة والفشل.

مواضيع مشابهة