بدأ كل شيء مع تزايد أعداد النساء اللاتي أعلنَّ تعرضهن للاعتداء الجنسي على يد المخرج الأمريكي «هارفي واينستين»، بدأ كل شيء مع انطلاق هاشتاغ #MeToo على وسائل التواصل الاجتماعي.
كتبت الممثلة «أليسا ميلانو» عبر حسابها الشخصي على تويتر أن صديقًا لها اقترح أن تكتب كل النساء عما يتعرضن له من تحرش واغتصاب وعنف جنسي على هاشتاغ #MeToo، لعل هذا يُشعر المجتمع بحجم المشكلة. ولم يكن الهاشتاغ جديدًا، إذ أطلقته عام 2007 واحدة من المدافعات عن حقوق النساء السود والملونين للتنديد بما يتعرضن له من اعتداءات جنسية: «تارنا بوركي».
نجحت الحملة فعلًا في إلقاء الضوء على الانتشار المقلق لظاهرة الاعتداءات الجنسية، واختلفت طرق تعبير المشاركات في الحملة بين تقديم تفاصيل مروعة عن اعتداءات تعرضن لها، أو الاكتفاء بإعادة نشر ما كتبه الآخرون.
عند استخدام حق الاعتراف بأمر ما، يجب أن نفكر ما إذا كان الجميع قادرون على الاعتراف، وإن كان الجواب «لا»، فمَن يستطيع؟ ولماذا؟ وهنا يظهر السؤال الأهم: من سيصغي عندما تتحدث النساء؟
MeToo: النساء مطالَبات دائمًا بالاعتراف
If you’ve been sexually harassed or assaulted write ‘me too’ as a reply to this tweet. pic.twitter.com/k2oeCiUf9n
— Alyssa Milano (@Alyssa_Milano) October 15, 2017
تجيب الصحفية «ميغان نولان»، في مقال منشور على موقع «Vice»، عن هذا السؤال في ضوء التجارب الفاشلة لحملات مشابهة عن قضايا أخرى، مثل حملة «دعونا نتحدث»، أو حملات الصحف عن الأمراض العقلية.
ترى نولان، بكثير من اليأس، أن الأمر لا يتعدى النية الحسنة لرفع عبء شعور كتمان أمر ما من على كاهلنا، ومع مرور الوقت تتحول مثل هذه الحملات إلى بقعة يتجمع فيها من يعانون من مشكلة ما للحديث عنها، دون أخذ خطوات فعلية على أرض الواقع لإنهاء المشكلة.
يفسد الحكي تجربة النساء مع التحرش، فالنساء يعترفن أنهن ضحايا اعتداء جنسي، لكن الرجال لا يقبلون فكرة أنهم معتدون.
قدر المرأة أن تضطر إلى تجسيد آلامها في كثير من الأحيان، وفقًا لميغان نولان، التي تلتمس العذر لمن يجد تخفيفًا لمأساته بحكيها، لكنها كانت تتمنى أن لا يضطر أحد لجعل تجاربه الشخصية مشاعًا أمام الناس، فهذا «يشبه أن تعرض تاريخك الشخصي للمقامرة بين آراء الناس، وتنتظر أن تفوز».
تعرضت الصحفية الأمريكية قبل ذلك للاغتصاب، وترى أنه من الواجب نقد الثقافة لتغييرها، وعدم حصر الأمر في النقد الشخصي عبر قصص يتداولها الناس.
لا يعني هذا في رأيها الصمت عن تجاربنا الشخصية وعدم عرضها، ولكنها تهدف إلى عدم استغلال ضحية الاعتداء الجنسي من أجل الحديث فقط.
قد يهمك أيضًا: كيف أصبحت نسوية نكدية؟
في رأي نولان، الحكاية دائمًا ما تفسد الأمر، فالنساء يعترفن أنهن ضحايا اعتداء جنسي، لكن الرجال لا يقبلون فكرة أنهم معتدون، لهذا تُروَّج قصص النساء في النهاية باعتبارها مآسي بدون متهم، وتقدَّم للتعاطف العام فقط، فالثقافة تعتبر الاعتداء الجنسي شرًّا يجب طرده، لكن المتهمين غائبون معظم الوقت، لهذا فالجميع متواطؤون في الجريمة، لكنهم يجدون دائمًا مبررات لأي اعتداء جنسي.
MeToo: مشكلة ذات جذور عميقة
تقول نولان إن التعريف بحجم الاعتداءات الجنسية وسرد قصصها المروعة لا يعالج مثل هذه المشاكل، لكنها تُكمل: «ليست لدي أي فكرة عن كيفية معالجتها، فهي متجذرة في الأسس العميقة لمجتمعنا بشكل لا يمكن تصوره».
قد يعجبك أيضًا: شبح «كلام الناس» يطارد النساء في العالم العربي
ترى ميغان نولان أن «الاضطهاد الجنسي» مكوِّن رئيسي لوضع المرأة، بسبب الفكر الذكوري الذي يهيمن على الثقافة، ولهذا ليس على المرأة أن تعيش داخل حالة دائمة من الصدمة الناتجة عن أي اعتداء جنسي، وإنما عليها تجاوز هذا والعمل على خلق نظام جديد يحمي ويحترم حقوقها، وهذا يفتح باب ضرورة تفكيك الأنظمة الحالية، التي توقفت عن التطور وفسد نسيجها الاجتماعي، ويلزمه تغيير في آليات السلطة.
حتى يحدث هذا، من الضروري اتخاذ كل الإجراءات القانونية لمنع الاعتداءات الجنسية وتمكين الضحايا من الإبلاغ عنها، وضمان أن يتعرض المعتدي لتدابير عقابية مناسبة، قانونية واجتماعية على حد سواء. هذا وحده ما سيحدث فارقًا ملموسًا في حياة المرأة، أما طقس الاعتراف الجماعي لجلب التعاطف، فلا يبدو أنه يؤدي هذه الوظيفة كما ترى نولان.