الحياة في بلد تحكمه تعاليم الإسلام والعادات والقوانين المقيدة، التي تصل إلى حد التحكم في طريقة ملبسك ونوع الموسيقى التي تحبها والأفلام التي ترغب في مشاهدتها، أمر صعب التكيُّف معه، لكن ليس أصعب من كونك ملحدًا في بلد إسلامي مثل إيران.
كيف يعيش الملحدون في إيران؟ وما المخاطر التي يتعرضون لها؟
أنت إيراني ملحد؟ الموت عقوبتك
الجمهورية الاسلامية الإيرانية لا تعترف إلا بالأديان السماوية الثلاثة، وما عدا ذلك غير معترَف به ويتعرض معتنقوه للتنكيل. وتعتبر إيران من ضمن سبع دول إسلامية تعاقب الملحد أو «المرتد» بالإعدام، الذي يختلف تطبيقه في إيران عن باقي الدول ربما باستثناء السعودية، إذ يُنفَّذ علانيةً أمام جموع من الناس بحجة الاتعاظ وأخذ العبرة.
اقرأ أيضًا: رحلة في موجة الإلحاد والثورة الاجتماعية في العالم العربي
يقول دكتور علم الاجتماع الإيراني سعيد مجتبي إن انتشار الإلحاد في إيران لم يعد سرًّا، ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الملحدين، فإن الأمر منتشر للغاية في أوساط الشباب لأسباب عديدة، منها تحكمات النظام في حياتهم باسم الدين، وهو أمر ليس هينًا في عصرنا المنفتح على كل شيء.
يوضح مجتبي لـ«منشور» أنه لا يشجع على الإلحاد، وإنما يرى أن من حق الشباب الحصول على الحد الأدنى من الحرية، لكي لا تصل الأمور إلى حد لا يمكن السيطرة عليه.
إن كنت ملحدًا في إيران، لا تخبر والدتك
ذهب أحد الملحدين إلى والدته وسألها ما فائدة الصلاة؟ امتلأ البيت عويلًا، فأدرك أن عليه أن يكمل طريقه وحيدًا.
التقى «منشور» أمير، وهو الاسم الذي استعاره شاب إيراني ملحد يبلغ من العمر 25 عامًا.
كان أمير مسلمًا، ويقول إنه الآن يرى نفسه بطلًا يحارب كل يوم من أجل نَيْل حريته. وُلد في أكثر محافظات إيران تشددًا في مدينة «قُم» الدينية، وظل مسلمًا حتى الرابعة عشرة، وتلقى تعليمًا دينيًّا في إحدى الحوزات العلمية (مدارس فقهية).
«بدأ موقفي من الدين يتبدل وعمري 14 عامًا، بدأت أقرأ وأتساءل كثيرًا: هل أحب أداء كل تلك الفروض التي يوجبها الدين الإسلامي؟ أم أنني أخشى عقاب أهلي ومعلميَّ؟ خصوصًا وأنا منذ صغري لا أحب أن أصلي، وأُجبر على أداء الفروض خمس مرات يوميًّا»، هكذا يحكي أمير.
«في بداية الأمر ذهبت إلى أمي وسألتها: ما فائدة الصلاة ؟»، يكمل ضاحكًا: «فجأة امتلأ البيت بالصراخ والعويل كأني ارتكبت جريمة قتل، فأدركت حينها أن عليَّ أن أكمل طريقي وحيدًا ولا أخبر حتى أمي».
عندما وصل إلى سن العشرين كان قد ترك الدين والدراسة الدينية دون رجعة. صار المنزل كله ينظر إليه نظرات شك، وأحيانا يصل الأمر إلى إهانات لفظية، لأنه في نظرهم «مسلم غير ملتزم لا يطيع الله، فماذا لو وصل إلى علمهم أني لست مسلمًا من الأساس؟ قررت ترك المنزل والسفر إلى العاصمة طهران، فالحياة هناك أقل تعقيدًا».
في البداية كان أمير يعتقد أنه بطل، لكنه يشعر في أغلب الأحيان بخيبة أمل وبأنه شخص ضعيف ومهزوم لا يستطيع البوح بكونه ملحدًا، يعيش بسر كبير ولا يهون عليه سوى صديقته. ليست صديقة أمير ملحدة، فهي تؤمن بوجود إله بينما ترفض قيود الأديان و«الحكم الإسلامي البغيض». لا يعلم الفتى ماذا يفعل، ويضيف: "أبدو كإنسان بائس في أغلب الأحيان، وأكره فكرة التظاهر بأني مسلم».
بمناسبة شهر رمضان، ماذا يفعل الملحدون؟
يشكل رمضان «شهرًا من العذاب» بالنسبة لأمير، رغم ما يراه المؤمنون من أنه شهر خير ورحمة. وبالرغم من كونه ملحدًا متخفيًّا طَوَال الوقت، فإن رمضان أصعب وقت يمر عليه، خصوصًا أن شرطة الأخلاق اعتقلته في رمضان 2016 خلال محاولته تدخين سيجارة خلال وقت الصيام.
قد يعجبك أيضًا: لماذا نتضايق من المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان؟
فكَّر أمير في الهجرة إلى أوروبا كثيرًا ليعيش بسلام، لكن الأمر يتطلب نقودًا كثيرة لا يستطيع تدبيرها الآن، ويحاول التواصل مع عدد من الملحدين الإيرانيين المقيمين في ألمانيا عن طريق تويتر، أملًا في أن يجدوا له حلاًّ.
لكم دينكم ولي دين
في أحد لقاءاته الصحفية عام 2015، ذكر أمين عام مجلس حقوق الإنسان في إيران، محمد جواد لاريجاني، أن أحدًا لا يتعرض للاضطهاد في إيران بسبب معتقداته: «كل إنسان حر في الاختيار، لكم دينكم ولي دين».
سعى «منشور» إلى التواصل مع لاريجاني وسؤاله عن رأيه في ملحدي إيران المضطهَدين، ولماذا يُعاقَب الملحدون بالإعدام شنقًا طالما أنه يرى كل إنسان حر في الاختيار، لكننا توقفنا عند مدير مكتبه الذي رفض أن نتحدث إليه بصورة قاطعة، مؤكدًا أن تصريحاته «لا تحتاج إلى شرح».
اقرأ أيضًا: بين الإعدام الجسدي والمعنوي: عواقب الإلحاد في القوانين العربية
الحياة عبارة عن احتمالات بوجود الله أو عدمه
يعمل «جمشيد» (اسم مستعار)، الذي يبلغ 32 عامًا، في أحد البنوك، وقد ترك الإسلام وصار ملحدًا منذ خمس سنوات. سألناه: كيف تعيش كملحد في بلد إسلامي مثل إيران؟
يصمت جمشيد وتتبدل ملامحه إلى الغضب ثم يقول: «الأمر صعب للغاية ولا يتخيله أي إنسان، الحياة صعبة على المسلمين غير الملتزمين، فما بالك بالملحدين حتى وإن كان إلحادهم هذا سرًّا؟ تلك بلد الجحيم، تتحكم فينا حفنة من رجال الدين، أو من الأفضل أن نقول: حفنة من القتلة واللصوص».
يعود جمشيد بذاكرته إلى أيام دراسته الجامعية، حين كان له جار يعمل إمام مسجد، وكان دائم التطفل والسؤال: «لماذا لا تذهب إلى المسجد؟»، «لماذا تطيل شعرك هكذا؟»، «رأيتك بالأمس تقف بجوار فتاة، هل تعلم أن الاختلاط حرام؟».
عندما ينظر الشاب الإيراني إلى صور الإمام الخميني يراه «رجلًا شريرًا محتالًا نرجسيًّا، ولا أجده قائدًا لإيران وشعبها، إنه يحب السُّلطة فقط، ومِثله طبعًا الخامنئي، وأتساءل: إذا كان هؤلاء رجال الدين وأولياء الإله على الأرض، فما مدى قسوة وبشاعة هذا الدين؟».
كان جمشيد يشعر أن الدين مجرد قيود لا يريد الالتزام بها، حتى نصحه صديق مقرب بأن يتحدث إلى أحد رجال الدين المعتدلين لعله يجد لديه بعض الإجابات. رجل الدين هذا قال له: «الحياة برُمَّتها عبارة عن احتمالات كثيرة ولا شيء منها مؤكد، فوجود إله احتمال، وعدم وجوده احتمال. أنا قررت أن أختار احتمال وجوده وأؤمن به، وعليك أن تختار ما تريد، لأن لا أحد يستطيع مساعدتك في ذلك».
أنت ملحد؟ هل تعيش سعيدًا؟
يعيش الإيرانيون حياتهم محاطين بقائمة ممنوعات تشمل كثيرًا ممَّا يحظى به معظم العرب. فإقامة الحفلات الموسيقية للجنسين ممنوعة، والأفلام الأجنبية ممنوعة، ويعكف الناس على تركيب أجهزة الستالايت في الليل وإزالتها من منازلهم بالنهار خوفًا من سلطة «الباسيج» التابعة للحرس الثوري، التي تمنع القنوات الفضائية الأجنبية. كذلك، يُمنع الرقص بكل أنواعه، وتجبَر النساء على ارتداء الحجاب.
كل ذلك وأكثر لأنك تحيا في الجمهورية الإيرانية الإسلامية، فلا غرابة في أن يعيش الملحدون في الخفاء خوفًا من الملاحقة.
يقول جمشيد: «لدي أصدقاء مسلمون ويعرفون أني ملحد، ويتقبلوني تمامًا ويحترمون اختياري، فنحن شعب على درجة كبيرة من الوعي والثقافة، خصوصًا الشباب، لكن يجب علينا أن نتخلص من رجال الدين كي نعيش في سلام».
يضيف: «أنا سعيد إلى حد ما باختياري ترك الإسلام، لكن سعادتي غير مكتملة بالعيش خائفًا في إيران، أريد أن أغادر تلك البقعة الحزينة في أقرب وقت».
يحلم جمشيد بأن تتغير إيران وينتهي الحكم الديني، فالشعب الإيراني متفتح ومحب للحياة والحرية بحسب قوله، ويستحق أن يحيا حياة أفضل من تلك التي يسيطر عليها رجال الدين، لكنه يعلم أن احتمالات حدوث ذلك شبه مستحيلة، لذلك «أفضل أن أترك إيران في أقرب فرصة».
ليس تشجيعًا على الإلحاد، بل دفاعًا عن الحرية
في 2015، كتب الصحفي الإيراني علي مهدي مقالًا في جريدة «شرق» عن انتشار ظاهرة الإلحاد وأسبابها، وسرد جزءًا من معاناة بعض الملحدين، ووضَّح أنه ليس بصدد الدفاع عنهم، لكنه يطالب بأن يتعامل النظام الإيراني مع تلك الأمور بمرونة وانفتاح، فالحل ليس الإعدام فقط، لأن الملحدين ليسوا قتلة أو لصوصًا، لكن المقال حُذف من موقع الجريدة بعد أقل من خمس ساعات.
يقول مهدي إن رئيس تحرير الجريدة تعرض لضغط هائل من قِبَل جهات أمنية بسبب المقال، فهم «لا يريدون أي شيء يعكر صفو تلك الهالة المقدسة التي يحيطون بها أنفسهم».
ليس ملحدو إيران فقط من يعاني، ففي مصر يقاسي الملحدون من التنكيل والاضطهاد المجتمعي، لكن الأمر لا يصل إلى الجَلد مثل ما حدث في السعودية مع المدون رائف بدوي.
السؤال هنا: هل يمكن أن نرى إيران غير تلك الخاضعة لسيطرة الحكم الديني؟ هل سيأتي يوم على أمير وجمشيد وأمثالهما، يتمكنوا فيه من إعلان إلحادهم والعيش في سلام داخل إيران؟