الخليج بعيون آسيوية: مغرورون، يعاملوننا كحيوانات.. وبعضهم طيبون

التصميم: منشور

أماني المسقطي
نشر في 2018/01/06

يرى كثير من الخليجيين أن العمالة الآسيوية «شر لا بد منه»، خصوصًا مع تربع الآسيويين على 69.9% من سوق العمل الخليجية، حسب الإحصاءات الواردة في التقرير الصادر عن مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية والمعهد العربي للتخطيط.

بات الخليجيون لا يرون في الآسيويين إلا خطرًا على بيئتهم وثقافتهم وهويتهم، لكن ماذا لو عكسنا الصورة؟ كيف يرى الآسيويون الخليجيين؟ ماذا يقولون عنهم؟

السعودية: ترى أسَفّرَك يا هندي

بعض السعوديين تربُّوا على تحقير العمالة الآسيوية، ويسمعون آباءهم ينادون: يا بنغالي، يا هندي، تَرَى أسفّرك (أعيدك إلى بلدك).

من المملكة العربية السعودية، تحدث إلى «منشور» ثلاثة عمال هنود رفضوا التصريح بأسمائهم. يعمل الثلاثة في محل بقالة، ويحملون نظرة في غاية السلبية تجاه السعوديين، بسبب مواقف سلبية متكررة صادفتهم في أثناء عملهم.

أحدهم، لم تتجاوز فترة عمله في السعودية عامين، يقول إن «طابع التكبُّر والتحقير والنظرة الدونية تجاه الهنود يغلب على كثير من السعوديين»، ويوافقه زميلاه، اللذان قضيا في البلاد 16 عامًا وسبعة أعوام.

يشير آخر إلى أن فئة قليلة تتصرف معهم بآدمية واحترام: «لم أسمع كلمة تقدير أو شكر طوال فترة عملي، وكأنني آلة متحركة قابلة للعطب. العمال الآسيويون هنا يعملون بجهد ومشقة، ثم يغادرون كأنهم لم يكن لهم دور في تطوير أو بناء البلد. إنهم سكان غير مرئيين».

ويؤكد الثالث أن التحقير والعنصرية سمتان أساسيتان في الشعب السعودي، لكنه رغم ذلك لا يلومهم بقدر ما يعتقد أنهم غير مثقفين بما فيه الكفاية في هذا الجانب، لأنهم يعيشون في مجتمع يسير على نمط واحد يفتقر إلى الانفتاح الثقافي أو الديني، بحيث يسمح للجميع بممارسة ثقافاته وعاداته بشكل أوسع وأشمل.

يوضح أن كثيرين تربُّوا منذ الصغر على تحقير العمالة الآسيوية، ويسمعون آبائهم ينادون: «يا بنغالي، يا هندي، ترى أسَفّرك (أعيدك إلى بلدك). كثير من الصغار اليوم يهددون العمالة بالترحيل أو الضرب أو السب أو أي شكل من أشكال الخطاب هذا، الذي عادةً ما ينتهي بعبارة: أنا سعودي. هنا ينتهي النقاش، فأنا ألزم الصمت خشية فقدان عملي».

«لا، ليسوا كرماء»، هكذا يؤكد هندي آخر، يرى كذلك أن فئة محدودة من السعوديين يعملون بجد، هؤلاء يشتغلون في بيع الخضراوات والتمور ورعاية الجِمال والأغنام، إذ يقضون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة «بحثًا عن الرزق».

ليس من طموحات الهنود الحصول على الجنسية السعودية، فما أن تتحسن أوضاعهم المادية، يتمنون مغادرة البلاد، وأقصى ما يرغبون فيه أن يتمكنوا من شراء بيت كي يتنقلوا بحرية دون قيود الكفالة.

لكن الشاب الهندي محمد، الذي يعمل سائقًا لدى إحدى العائلات السعودية، يحمل نظرة مغايرة عن السعوديين، إذ يراهم كرماء وطيبين ويعاملون الآسيويين بطريقة جيدة، ولا يقتصر ذلك على العائلة التي يعمل لديها: «أتحدث عن زملائي الآخرين الذين قضوا أعوام عمل هنا [في السعودية] أكثر مني، فهم مرتاحون مع العائلات التي يعملون لديها. لكن ربما لا ينطبق هذا على عاملات المنازل، أعرف كثيرات منهن لا يبدين ارتياحًا تجاه أسلوب تعامل الأُسَر التي يعملن معها».

الكويت: متكبرون.. لكنهم يبتسمون كثيرًا

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن العمالة الوافدة تعادل ضعف عدد الكويتيين، ومن بينهم 900 ألف هندي.

يقول عامل باكستاني: «قليل من الكويتيين يعاملوننا معاملة جيدة، وأنا بصراحة أبحث عن فرصة أفضل في دولة خليجية أخرى».

التقينا إسلام وفريدة، زوجان من الهند يعملان في سوق شعبية شهيرة في الكويت، وترددا كثيرًا قبل أن يجيبا سؤال: ما رأيك في الكويتيين؟

بعد صمت طويل أجاب إسلام: «إنهم جيدون، لكنهم دائمًا ما يفترضون أننا نسرقهم». تقاطعه زوجته: «متكبرون، يرون أننا أقل منهم مستوًى. صحيح أننا لا نملك المال الكثير الذي لديهم، لكننا في النهاية بشر».

يعاود زوجها التقاط خيط الحديث: «لكن بعضهم طيبون، يدفعون الكثير من الأموال لقاء مشترياتهم من المحل. هناك زبائن معينون يفضلون التعامل معي بسبب أسلوبي الجيد. في الحياة اليومية، الكويتيون طيبون وأفضل من خليجيين آخرين، وهذا ما جعلني أفضل العيش هنا عن العيش في دولة خليجية أخرى»، ثم استدرك: «دائمًا مبتسمون».

أما زميله الباكستاني الذي يعمل بائعًا في محل قريب، فتأكد أولًا إلى أني لست كويتية قبل أن يتحدث لـ«منشور»: «لا أدري ماذا أقول، لكن قريبي الذي كان يعمل منذ سنوات في الكويت أبلغني أن أهلها طيبون، ثم فوجئت بالواقع».

ما «الواقع»؟ يجيب: «لا أريد أن أتحدث في هذا». وبعد إلحاح شديد أكمل: «قليل من الكويتيين يعاملوننا بطريقة جيدة، وأنا بصراحة أبحث عن فرصة عمل أفضل في دولة خليجية أخرى».

«كحيوان»، هكذا رد سائق سيارة الأجرة الباكستاني هداية الله دون تردد على سؤال: كيف يعاملك الكويتيون؟

يوضح هداية الله أن «الإماراتي والعماني وغيرهم من العرب يعاملوننا باحترام، لا أعلم كيف يتعامل الخليجيون الآخرون، لكن زبائني من الدول العربية يعاملونني بطريقة جيدة»، قبل أن يستدرك بلغة عربية مكسرة: «النفرات الكبير في الكويت زين، لكن الشباب مو زين».

إذا كانوا يعاملونك كحيوان، ماذا يجبرك على البقاء في الكويت؟ يجيب: «ليس لديّ خيار آخر، أحتاج إلى العمل هنا كي أعيل أسرتي. كفيلي جيد، لكنه لا يراعي وضعي، ويحمِّلني مسؤولية أي خلل يحدث في سيارة الأجرة».

يواجه الوافدون في الكويت مشاكل قانونية عدة، تعالَ نعرفها

يسترسل الباكستاني هداية الله في حديث طويل عن الكويتيين الذين «يفضلون الراحة على العمل»، والغرور الذي يتعامل به بعض شبابهم، وعن الجدالات الخاسرة دومًا التي لا يجرؤ الآسيويون على دخولها معهم، إذ لا بد أن ينتهي أي جدال لصالح الكويتيين. ورغم ذلك، اختار أن ينهي حديثه بالقول: «سأظل هنا [في الكويت] إلى أن أموت».

البحرين: 

في البحرين، بلغ إجمالي العمالة الأجنبية بنهاية الربع الثاني من 2017 نحو 606 آلاف عامل، بزيادة سنوية قدرها 1.9%.

يقول الهندي فيصل، الذي يعمل في محل لبيع الخضراوات: «البحرينيون جيدون، الحمد لله. لا يضحكون كثيرًا، لكنهم جيدون». سألته إذا كان يتمنى أن يكون بحرينيًّا، فابتسم وردد: «إن شاء الله».

يؤكد فيصل، الذي يقيم في البحرين منذ ثمانية أعوام، أن البحرينيين لا يفتعلون مشكلات مع العمالة الآسيوية، وأنه لذلك يتمنى لو تتوفر له الظروف لجلب عائلته إلى هنا.

أما الهندي الآخر عبد الجليل، الذي قضى 18 عامًا في البحرين ويعمل في محل بقالة، فيرى في البحرين بلدًا يكفل الحرية للعامل الآسيوي، بالإضافة إلى أسلوب تعامل أهل البلد مع الآسيويين، إذ يعتقد أنه الأفضل بين دول الخليج.

رغم ذلك، لن يجلب عبد الجليل عائلته إلى البحرين، لأنه يخشى أن لا يتمكنوا، خصوصًا أبناءه صغار السن، من التأقلم مع المجتمع البحريني، ويرى أن الأفضل أن تستمر علاقته بالبحرينيين كـ«بيزنس فقط».

نظرة البحرينيين إلى العمالة الآسيوية تتحسن، وفقًا للبنغالي مصطفى، الذي يعمل في بيع الخضراوات.

لكنه لا يزال يرى أن البحرينيين ينظرون إلى الآسيويين على أنهم أقل منهم مستوًى، لأنهم يرضون بالعمل في الوظائف المتدنية: «بعضهم يرون أن العامل الآسيوي شخص مجرّد من الأحاسيس، وحتى لو لم يسيؤوا معاملته، فإنهم لا يهتمون به كإنسان».

«أصدقائي يطلبون مني التقدم بطلب الحصول على الجنسية، لأنهم يشعرون أني بحريني أكثر من بعض البحرينيين».

«سانديب غريوال» صحفي هندي لديه وجهة نظر مغايرة: «وُلدت وترعرعت في البحرين، ورأيي في هذه الجزيرة الصغيرة التي تحمل قلبًا كبيرًا، يمكن أن يكون متحيزًا، لكني أجزم بأنك إذا تحدثت في الشارع مع أي شخص فلن تجد إلا الطِّيبة. هناك أكثر من 400 ألف هندي يعيشون ويعملون في البحرين، وهذا دليل على حبهم لهذه البلاد، والعمل جنبًا إلى جنب مع البحرينيين، الذين هم دون شك أفضل شعب في المنطقة. في كل مكان أذهب إليه، من الرفاع إلى رأس رمان أو من البسيتين إلى البديع، أعلم أني سأجد الدفء والضيافة نفسها».

يشير غريوال إلى أن معظم البحرينيين يتحدثون الهندية، وكذلك الهنود يتحدثون العربية، وهكذا تعيش البحرين «كوكتيلًا ثقافيًّا» يشبه الواقع في الهند، حيث يعيش الناس من مختلف الأديان في وئام وتسامح، بحسب تأكيده.

يوضح الصحفي الهندي أن معظم مديري الموارد البشرية والمحاسبين في الشركات الخاصة المملوكة لبحرينيين، يكونون من الهنود، وهذا في رأيه دليل على ثقة البحرينيين وإيمانهم الكامل بالهنود وقدراتهم، إلا أنه يستدرك: «تلك الصورة الإيجابية لا بد أن يكتنفها بعض الاستثناءات، وهو أمر عادي في طبيعة أي مجتمع متعدد الثقافات».

«الهنود مثلي يشعرون هنا كأنهم في موطنهم، وهو شعور لا يمكن أن تجده في عديد من البلدان. وكثير من أصدقائي يطلبون مني التقدم بطلب الحصول على الجنسية البحرينية لأنهم يشعرون، على حد تعبيرهم، أني بحريني أكثر من بعض البحرينيين. لكنني أقول لهم: أنا هنا في بيتي. عدد أصدقائي البحرينيين يفوقون الهنود أو من أي جنسية أخرى. والناس هنا يحبون السمبوسة والدال (أكلات هندية) كما نحب الحمص والمجبوس (أكلات بحرينية)، وطبقي المفضل هو البلاليط».

حسنٌ، كثيرون يسيؤون معاملة العمالة الآسيوية، لكن عليهم أن يتذكروا: لولاهم لما شهدنا «الترف الخليجي» إن صح التعبير، فللعمال الآسيويين دور عظيم في تحقيق التنمية والتطور العمراني، وهم لم يفدوا إلى منطقة الخليج سوى لتأمين لقمة عيش كريمة لأبنائهم.

مواضيع مشابهة