كان صوت صافرة مدرعة الشرطة التي تجوب شوارع القاهرة، تأمينًا لاحتفالات أعياد الميلاد في آخر ليلة من 2016، لا يتوقف عن التكرار. بدا صوتها منسجمًا مع لحن موسيقى العام الجديد الشهيرة، بل ربما كان صوتها هو اللحن الوحيد الذي يستقبل العام الجديد في الشارع البارد.
تداركًا لنوبة من الحزن، تذكرت أنه في مطلع عام 2016 أعلن عدد من قادة الدول العربية تقديرًا مشتركًا للشباب، وصل ذروته حين قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يكون «عامًا للشباب»، مؤكدًا أن الحديث عن الأمل واقترانه بالشباب ليس كلمات بلاغية؛ وإنما محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها، ودفع الأمة إلى التقدم والرقي. في الفترة الزمنية نفسها، تكرر الأمر مع ملكي الأردن والسعودية، اللذَيْن أعربا عن أملهما في الشباب كونه «الطاقة الوطنية الحقيقية».
قد يعجبك أيضًا: الوصفة الصينية لترويج القمع
وفي نهاية العام، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا يفيد أن «القتامة والاكتئاب» حال الشباب العربي في منطقة الشرق الأوسط. ويوضح التقرير أن ما يزيد على 105 ملايين شخص في المنطقة العربية تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، مضيفًا: «أن تكون شابًّا عربيًا اليوم معناه أن تصير أكثر حرمانًا وعرضة للعنف من أي وقت آخر في التاريخ الحديث».
دروس في «الصياعة»
في أثناء تذكري الأمر، كان سيد (14 عامًا) يحاول انتزاعي من شرودي. يخبرني، ورأسه يتابع المارة، أنه استطاع الاستيلاء على مطواة قرن غزال من زميله في الصف الدراسي. كانت ذراعه اليمنى سلاحه، ونال في عينه اليسرى لكمة أدت لاحتقان وجهه، إلا إنه تمكن من الحصول على مراده. بفخر يريني المطواة ويخبرني: «ده أنا فشخت أمه».
عَليَّ في بعض الأحيان أن أبدو ناضجًا، وأمارس ما يبدو لي أنه فعلًا ينُمُّ عن ذلك؛ فأنصح سيد، الذي عاش قُرب بيتي، بالالتزام في الدراسة، غير أنه يتغاضى عن هذه النصيحة علنًا، ويسألني إن كنت أعرف طريقًا لأي «مصلحة»، فهو بحاجة للمال كي يتمكن من الحصول على دراجة نارية ينافس بها زملاءه، الذين يتباهون بدراجاتهم أمام المدرسة ويرفعونها «حصانًا» أمامه، ويخرجون له ألسنتهم، وأحيانًا يخرجون أعضاءً أخرى إن اقتضت الضرورة.
4.3 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي، و2.9 مليون طفل في سن الإعدادي، لم يلتحقوا بالمدارس في الشرق الأوسط.
أثار سيد انتباهي لأي شخص لم يكتمل نموه يسير في الشوارع بملابس مدرسية؛ إذ بدا لي أن مجموعة من أطفال مصر والشرق الأوسط مشاريع «مسجلي خطر».
على المرء البحث سريعًا عن أرقام تثبت صحة هذا الطرح، فدون الأرقام لن يبدو دقيقًا. ولكن أرقام تثبت ماذا؟ أن الأجيال المقبلة أصبحت تمتلك شهية مفتوحة للعنف؟ أم أن الأجيال الثائرة فقدت الأمل في ثوراتها؟ أم الاثنين معًا؟
ممنوع «المطاوي» في المدارس
ذكر تقرير لمنظمة «يونيسيف» أن 4.3 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي، و2.9 مليون طفل في سن المدرسة الإعدادية، لم يلتحقوا بالمدارس في الشرق الأوسط، إضافة إلى ظاهرة تجنيد الأطفال، التي أعلنت منظمات حقوقية شتى ارتفاع معدلاتها خلال العامين السابقين، خصوصًا في مناطق النزاعات المسلحة مثل سوريا والعراق واليمن.
معدلات العنف بين الأطفال في مصر والشرق الأوسط في ازدياد تؤكده التقارير الدولية والمحلية إذًا، لكن ما الدافع؟ هل لتعرضهم للعنف الأسري؟ تقول «يونيسيف» إن 60٪ من أطفال مصر يتعرضون للعنف الأسري. أم لأن 535 مليون طفل في العالم يعيشون في البلدان المتضررة من النزاعات والكوارث، كما تخبرنا المنظمة نفسها؟
وصل الأمر إلى إصدار الإدارة المركزية للأمن في وزارة التربية والتعليم المصرية منشورًا يحظر على الطلاب حمل السلاح والهواتف الخلوية في المدارس. محاولة تخيل كيف سيفتَّشُ الطلاب قبل دخولهم الفصول، أو حتى تركيب بوابات أمنية للكشف عن المطاوي، أمر مثير بحق.
«مفيش حد هيتعلم هنا»
بالبحث إلكترونيًّا عما يزيد الطرح مصداقية، وجدتُ أن جملة «مدرس يعتدي على طالب» تعطي نحو 115 ألف نتيجة على محرك البحث جوجل، بينما سجَّلت «طالب يعتدي على معلم» 329 ألف نتيجة.
ودون الخوض في تفاصيل هذه النتائج، فإنها، في مجملها، تتضمن الاعتداء اللفظي والجسدي على المدرسين في أثناء اليوم الدراسي داخل الفصول، واستخدام الطلاب السلاح ضد بعضهم في مشاجرات، اعتدنا أن نشاهد الطلاب ينضمون إليها بعيدًا عن مباني المدارس؛ خشية أن يراهم أحد المدرسين. غير أنه من الملاحظ أن تلك المشاجرات، التي يتبارى فيها الطلاب على إثبات استطاعتهم إحداث أكبر قدر من العنف، أصبحت أكثر صراحة وصارت تقع أمام بوابات المدارس، دون خشية مسميات وظيفية قديمة اعتدنا الحيطة منها، من بينها «الناظر» أو «المدير».
تُدرِّس زينب مادة العلوم في مدرسة تجريبية بالقاهرة منذ سبع سنوات، وتخبرني أن «العنف» عنصر أساسي في العملية التعليمية، فدونه لن يتمكن المعلم من مزاولة عمله. أسألها عما تقصده بـ«العنف»، فتخبرني أنه ضرب يد الطالب، أو «التذنيب» (إجباره على الوقوف مدة طويلة داخل أو خارج الفصل)، أو حتى التعسف ومنع الطالب من حضور الحصة؛ فيرسب في المادة.
أغلب منفذي الهجمات الإرهابية في عشريناتهم، شباب من مواليد الثمانينات والتسعينات.
زينب ترى أن الطلاب أصبحوا أكثر عنفًا في الفترة الأخيرة عن أي فترةٍ مضت، وأن الأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة تؤثر في سلوكهم؛ لأنهم يشاهدون الأخبار وعمليات القتل والتعذيب والاشتباكات في الشوارع، وهذا يؤثر في مشاعرهم وتعاملهم مع بعضهم، إذ أصبحوا أكثر عندًا ورغبةً في الاعتراض، ورفض ما يسمعونه من الأجيال الأكبر سنًّا. أصبح الأمر يتطلب مجهودًا جبارًا كي يتمكن المدرس من احتواء الطلبة في الفصل لشرح الحصة.
أجيال الثمانينات والتسعينات ملوك حروب الهاردكور
من الملاحظ أن الأجيال الأصغر سنًّا أصبحوا ملوك الحرب في العالم الحديث، ويتبين من الأنباء المتواردة عن الحوادث الإرهابية التي طالت أغلب أنحاء العالم أن معظم منفذيها في عشريناتهم؛ من مواليد الثمانينات والتسعينات، بدا لهم أن دولة البغدادي ستكون المحطة الأخيرة لغربتهم الفكرية والاجتماعية.
«مولود ألطنطاش» (Mevlüt Altıntaş)، صاحب الصورة الأبرز في نهاية 2016 خلال قتله السفير الروسي في أنقرة، يبلغ 22 عامًا، أما العقل المدبر وراء هجمات باريس، عبد الحميد أبا عوض، المواطن البلجيكي من أصل مغربي، فمن مواليد عام 1989، أي إنه يبلغ 27 عامًا، ويُعتقد أنه كان زعيم الخلية الإرهابية التي فككتها الاستخبارات البلجيكية في يناير 2016. عمر إسماعيل مصطفى، أحد منفذي هجمات باريس، من مواليد 1985، فيما كان منفذ الهجوم الإرهابي في المسجد النبوي نائر النجيدي يبلغ 26 عامًا، ومنفذو تفجير محافظة القطيف تترواح أعمارهم بين العشرين والستة وعشرين عامًا.
وفي ضاحية ماينانفيل الفرنسية أيضًا، ذبح الشاب العشريني العروسي عبد الله شرطي فرنسي وزوجته داخل منزلهما، بينما كان محمد بوهلال، السائق الفرنسي من أصل تونسي، يبلغ 31 عامًا حين دهس بشاحنة بضائع كبرى حشدًا من الجماهير، خلال احتفالات العيد الوطني الفرنسي «يوم الباستيل»، في نيس جنوب فرنسا، وأسقط 86 قتيلًا.
قد يهمك أيضًا: نظرة إلى جذور العنف في منازلنا ومجتمعاتنا
وأفادت التقارير أن بوهلال كان «يفضل الوحدة دومًا، ويتسم بطابع عنيف، ويحب رفع الأثقال ورقص السالسا، ويعاقر الخمور». وحديثًا، أعلنت منصات إعلامية أن المشتبه به في تنفيذ اعتداء برلين، الذي راح ضحيته 12 شخصًا نهاية 2016، كان لاجئًا باكستانيًّا وصل البلاد قبل عام، ويبلغ 23 عامًا.
احتل جيل الثمانينات والتسعينات مقعده في صراعات العالم الحديث، فالكثير من المشاركين في مقاطع فيديو هاردكور الذبح والقصف واحتلال المدن وإسقاط الأنظمة في العالم العربي لم تتعد أعمارهم الثلاثين، وأغلبهم على ما يبدو لم يكن على درجة عالية من التدين أو التشدق بحلم الخلافة الإسلامية.
ينطبق هذا على حالة حسناء بولحسَن، البالغة 26 عامًا، التي قُتلت في باريس خلال مداهمة الشرطة شقة ابن عمها عبد الحميد أباعود، العقل المدبر لهجمات باريس في 2015، التي أدت لمقتل 129 شخصًا بدم بارد.
الأجيال التي اقتحمت ميدان التحرير منذ 6 سنوات للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بعضها الآن يتماهى مع مجريات ما يحدث في لامبالاة.
شقيقتها الصغرى قالت إن حسناء كانت تعشق الحياة وترتاد إحدى الحانات، كما كانت متمردة على أعراف أسرتها، قبل أن تنقلب بشكل جذري وترتدي النقاب وترغب في الزواج من عبد الحميد، إلا إن هذا الأخير رفض؛ بمبرر أنه متزوج من امرأة في سوريا ولديه منها طفل، حتى إنها في لحظاتها الأخيرة تبادلت عبارات غاضبة مع رجال الشرطة في أثناء حصار الشقة، ثم حين سألها أحد الضباط «أين صديقك؟»، بمعنى «حبيبك» (Boyfriend)، أجابت: «إنه ليس صديقي»، ثم انفجرت قنبلة من الداخل.
كيف تؤثر الأوضاع السياسية في سلوكيات المراهقين؟
وفقًا لبحث نشره مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، فإن مظاهر العنف عند صغار السن تأتي نتيجة عدم شيوع التربية الديمقراطية. ويوضح البحث أن ثمة انسجامًا بين أنظمة الحكم العربية وأسلوب الوعظ والإرشاد الديني وأسلوب التلقين في التربية والتعليم.
علاوة على ذلك، يضيف البحث أن التربية التقليدية تزدهر في ظل الأنظمة غير الديمقراطية، التي تمارس القمع السلطوي على مجموع الشعب والنخب المفكرة والآراء المعارضة، لأنه على الجانب الآخر سنجد ازدهارًا لمظاهر السلطة السيئة عند المسؤولين التربويين؛ بدءًا من المعلم ومدير المدرسة. وبالتالي، بحسب البحث، فإن العنف المتبادل بين أركان المؤسسة التربوية ناتج عن النظام السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل عام، و«السلطة أيًّا كانت تلجأ في المجتمعات غير الديمقراطية إلى الإلزام والإحكام دون نقاش؛ لأنها أصلًا فاقدة للثقة في قيادتها الفكرية للمجتمع، وتخشى الرأي الآخر».
مليون ونصف مصري مصابون بمرض الاكتئاب، و70% منهم لا يذهبون لطبيب نفسي.
تبقى هنا الأجيال الأكبر سنًّا في ريبة مما يحدث حولها، الأجيال التي اقتحمت ميدان التحرير في مصر منذ ست سنوات للمطالبة بـ«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» أصبح بعضها يشكك في واقعية ما يحدث من انتكاس يومي لتلك المطالب، ويظنه بعضهم حلمًا أو كابوسًا، وبعضهم الآخر يتماهى مع مجريات ما يحدث في لامبالاة متقنة، ربما نابعة من حالة اكتئاب عامة.
اقرأ أيضًا: ما الذي يحدد تعاطف العرب السياسي؟
الشباب على الجانب المظلم من القمر
بعد أسبوعين من قرار السيسي بأن يكون 2016 عامًا للشباب، أعلن الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي وأستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن 1.5 مليون مصري مصابون بمرض الاكتئاب، و70% منهم لا يذهبون للطبيب النفسي، ما يعني أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير من الموثقة.
نسبة 30.9% من شباب تونس، أول البلاد التي زارها الربيع العربي، ترحب بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
غير أن الأرقام قد تكون أوضح في حالة عرض نِسَب تعاطي المخدرات، التي يُعدُّ الاكتئاب، المُشار له سابقًا، أحد أبرز دوافعه. فمنذ عدة أشهر أعلن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في مصر ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب دون العشرين عاما إلى 38%، موضحًا أن بيانات المتصلين بالخط الساخن تشير إلى أن نسبة التعاطي أصبحت في سن مبكرة، فنسبة 38% بدأوا المشوار من سن 15 إلى أقل من 20 عامًا، بل إن صندوق الإدمان أعلن أن مصر تفوق المعدلات العالمية في نسبب التعاطي والإدمان.
أتساءل إن كان من المنطقي اعتبار ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات أمرًا سيئًا، أم أنه محاولة عابرة للنجاة من واقع سيئ لا يتوقف عن التكرار؟ فاتجاه نسبة كبيرة من الشباب لتعاطي المخدرات، في بلاد تعاني ارتفاع معدلات البطالة، يعكس حالة مزاجية عامة تسيطر على شريحة كبيرة منهم في دول ما بعد الربيع العربي.
وعلى سبيل المثال، كشفت دراسة حديثة أن 30.9% من شباب تونس، أول البلاد التي زارها الربيع العربي، يرحبون بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، غير عابئين بأنه خلال الستة أشهر الأولى من 2016 لقى 2814 شخصًا حتفهم غرقًا في أثناء تلك الهجرات، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وتؤكد الدراسة، التي نشرها منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتونس، أن سبب استمرار إقبال الشباب على الهجرة غير الشرعية هو البطالة.
ودون شك، لا تبدو الأوضاع في سوريا أقل سوءًا، إذ هناك ما يزيد على 4.8 مليون لاجئ في خمسة بلدان؛ هي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، جرَّاء الحرب التي اشتعلت في البلاد منذ ست سنوات.
وتنحصر إجابات من سألهم «منشور» عن أسباب تحول المخدرات إلى جزء أساسي من حياتهم بين «البطالة» و«تدني الأحوال الاقتصادية»، إذ يقولون إنهم منذ ست سنوات كانوا على استعداد لتلقي الرصاص في صدورهم من أجل مستقبل البلاد، إلا إنهم اليوم يكتفون بمشاهدة ما يحدث حولهم دون شغف حقيقي يدفعهم للمشاركة فيه.
عادل (25 عامًا) يفضل ألا يعكر أحد يومه بحدث ما أو مكالمة هاتفية تدفعه للخروج من عزلته الاختيارية في بيته بالقاهرة: «فقدت وظيفتي منذ سبعة أشهر بسبب إفلاس الشركة التي كنت أعمل لديها، والتي أنشئت قبل أربع سنوات، والآن أبحث عن عمل ثابت وأمارس أعمالًا بالقطعة. قد أتمكن من تحمل مصروفات الشهر أو لا أتمكن، ولذلك أصبح أغلب ما أفعله في يومي ينحصر بين إيجاد فرصة عمل وترشيد استهلاكي حتى لا أُفلس».
قد يعجبك أيضًا: لماذا ينتحر شباب العرب؟ حكايات عن محاولات وأفكار جديَّة في الانتحار
ﻻ أمل ولا عمل
يوافق حديث عادل ما أعلنته منظمة العمل العربية؛ من تعدِّي معدل البطالة في الوطن العربي 17% من حجم القوى العاملة. أُخبره بذلك فيجيب بأن ستة من أصدقائه لا يعملون؛ بينهم من فقد وظيفته بعد القبض عليه بسبب آرائه السياسية، والبعض الآخر رأى من الأنسب البقاء في منزل العائلة؛ ترشيدًا لتكاليف الإيجار والسلع المرتفعة أسعارها يومًا تلو الآخر.
أما مَن هُم مِن خارج العاصمة المصرية، فيدفعهم الاغتراب لتحمل إيجارات وسط المدينة القريبة من أغلب الأعمال والمنشآت التجارية والحكومية، التي تبدأ عادة من 1500 جنيه لشقة استوديو (غرفة وحمام فقط)، وصولًا لأربعة أو خمسة آلاف لشقة كبيرة يتقاسمها أكثر من شخص، وهي أرقام مرتفعة في بلد يعاني أزمة اقتصادية.
يشعل عادل سيجارة حشيش، ثم يقول: «ما يحدث خارج عزلتنا هذه لا يخصنا، فعلًا، لقد صدمت كل الظروف توقعاتنا، إما البطالة والأسعار المرتفعة وإما السجن، لم يكن هذا تخيُّلنا عن الحياة بعد الثورة».
اقرأ أيضًا: لسَّاها ثورة يناير: تركة ست سنواتٍ من الخِذلان
يقول تقرير الأمم المتحدة بشأن التنمية البشرية في العالم العربي إنه بحلول 2020، سيكون على الأنظمة العربية إيجاد 60 مليون فرصة عمل لسد خانات البطالة. ويحذر التقرير من أن العيدان التي أشعلت الربيع العربي أصبحت أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى، مضيفًا أن المنطقة تعاني من 17% من الصراعات العالمية، و45% من الهجمات الإرهابية، و57.5% من السكان النازحين، ما أدى لارتفاع نسب البطالة لتصل إلى 30%، في حين أنه «قبل أن يضرم البوعزيزي النار في نفسه في 2010، كانت قطاعات الصحة والتعليم في المنطقة العربية تبدي تحسنًا ملحوظًا في أدائها».
يخبرني عادل أنه لا يفكر في شيء سوى فرص الهجرة للخارج: «ملأتُ عشرات الطلبات لمنح دراسية في أوروبا وأمريكا، لم يعد لنا مكان هنا، الوضع قبل الثورة كان من الصعب تقبله، أما الوضع الراهن فأصبح من الصعب تحمله من الأساس».