لم يكن علاء الديب قد تجاوز الثالثة عشرة عندما سأل شقيقه الأكبر، الروائي بدر الديب، عن معنى كلمة أيديولوجيا التي كان يطالعها في كثير من الكتب اليسارية.
كان علاء يبحث عن «معنى محدد وشرح قاموسي». لم يجب بدر عن سؤال الأخ الأصغر، أحاله إلى ثلاثة كتب في مكتبته. لم يقرأ علاء الكتب الثلاثة التي نصحه بها شقيقه وقتها، لكنه استوعب الدرس جيدًا، كان الشقيق يريده أن يبحث بنفسه عن تعريفه الخاص، أن يفكر مستقلًّا لكي يصل إلى فهمه الخاص للأشياء والأفكار.
وعى علاء الدرس مبكرًا، الحياة واسعة وعريضة، ولكن الكتب تمنحنا حيوات فوق حيواتنا. لذا عندما التحق بكلية الحقوق، كانت مكتبة جامعة القاهرة له بمثابة «البيت والملاذ.. كان الدخول إلى هناك يعني أنني سوف أعيش ساعات جديرة بالبشر»، هناك قرأ تشيخوف، ودوستويفسكي، وتولستوي. غامر مع كتب الفلسفة والكتب الماركسية، حاول مع شكسبير والمسرح اليوناني، وقرأ بنهم ودون نظام.
بعد هزيمة 67 الصادمة، كان الكتاب أيضًا ملاذه، وسيلته للنجاة من «معمعان المعارك الصغيرة».
قد يهمك أيضًا: لأننا نحتاج إلى قراءة حرب 67 وما تلاها
في ذلك الوقت كان على الجميع أن يحسموا مواقفهم: أن تكتب مع السلطة إذا أردت أن تقدم أوراق اعتمادك إليها. لكن علاء رفض هذه المغريات واختار ركنًا صغيرًا في مجلة «صباح الخير» بعنوان «عصير الكتب»، ليقدم للقارئ قدرًا ضئيلًا من الخدمة المستمرة عبر تقديم أحدث ما صدر. ترك الساحة لمن يريد: «أظن أن هذا هو أهم ما خرجت به: النجاة.. النجاة حيث أقمت لنفسي جزيرة واخترت العزلة»، كما قال ذات مرة.
تتوزع مكتبة علاء الديب في كل أركان الفيلا التي كان يسكنها في حي المعادي القاهري، ثَمَّة كتب في الممر الصغير المؤدي إلى المطبخ، وفي بقية الغرف، لكن كتبه الأقرب والأهم في «غرفة المكتب».
ضمت مكتبة علاء الديب لوحات لفنانين عالميين ومصريين: فان غوخ، رينيه ماغريت، بيتر بروغل، حسين بيكار، جميل شفيق، تحية حليم، آدم حنين، وآخرين.
غرفة المكتب واسعة، بحجم ما فيها من كتب تحوي عوالمه الأثيرة، أول ما يستقبلك في المكتبة مجموعة من صور شهداء ثورة 25 يناير، تحديدًا الشيخ عماد عفت ومينا دانيال ومصطفى الصاوي وعلاء عبد الهادي. كان علاء يستيقظ كل فجر ويقرأ وِردًا خاصًّا لشهداء الثورة المغدورة. في المكتبة أيضًا لافتة شارع بلونها الأزرق المميز، كتب عليها «25 يناير - ميدان التحرير».
كان علاء معتزًّا بما جرى، اعتبر سنوات حكم مبارك «مستنقع الرخاوة، في تلك الفترة كادت رؤوسنا تتعطن من الغباء، إلى أن بدأ الحلم يبزغ من جديد مع شباب ميدان التحرير»، وكان حريصًا، رغم حالته الصحية في تلك الأيام، أن يتابع ما يجري أولًا بأول، وحرص أن يذهب مرة وحيدة إلى الميدان بصحبة زوجته عصمت قنديل، وصديقه الناشر سيف سلماوي.
بجوار المكتبة وضعت الأسرة مقعدًا مريحًا، ليكون قريبًا من الكتب التي يريد أن يتصفحها بين الحين والآخر، أو ما يسميه كتبه الأَحَب. كتب الفن التشكيلي هي الأقرب إلى قلبه، يبدأ يومه بها، يتصفح كتابًا ما، أو يقف أمام إحدى اللوحات التي يضمها الكتاب تفصيليًّا.
تضم مكتبته لوحات لفنانين عالميين ومصريين: فان غوخ، رينيه ماغريت، بيتر بروغل، حسين بيكار، جميل شفيق، تحية حليم، آدم حنين، وآخرين. وتتجاور في الغرفة اللوحات التي يرتبط بها ارتباطًا خاصًّا، لوحة أصلية للفنان نبيل تاج، وأخرى لهنري ماتيس، صور لابنيه سارة وأحمد.
كان علاء الديب غاضبًا من منظر «ستارة» شباك غرفة المستشفى في رحلة مرضه، فاستنسخ ابنه أحمد لوحة بروغل «لعب الأطفال» وعلقها ليراها علاء عندما يفتح عينيه.
خلف المكتب الذي يجلس للكتابة إليه لوحة «لعب الأطفال» لفنانه الأثير، بروغل، وهي اللوحة التي يعتبرها النقاد من أكثر الأعمال الفنية في التاريخ غموضًا وقابليةً للتأويل والتحليلات المختلفة. اللوحة، حسبما وصفها علاء في كتابه «وقفة قبل المنحدر»: «ساحة مدينة صغيرة بها آلاف البشر، فيها الميلاد والموت، الرقص والبكاء، اليد المقطوعة، وخد العذراء، البيت والحقل والتراب والبهلوان والتاجر والمشنوق، وفي خلفيتها غروب وشروق يحيطان بمشاهد الحياة».
كانت أوروبا عندما رسم بروغل لوحته مجرد مدن « قوية قاسية، مليئة بالطاعون، والأمراض، والفقر، ومحاكم التفتيش، وظلام الجهل والسحر والشعوذة وسطوة المال. بروغل رسم تلك المدن بعقل يقظ، وعين لا تجفل أو تخاف».
لكن لماذا ارتبط علاء بهذا الفنان وتلك اللوحة تحديدًا؟
يوضح الأمر في كتابه «وقفة قبل المنحدر»: «رسم الرسام بيتر بروغل الكبير صورًا أراها تطاردني وتصبح جزءًا من واقعي.. أرى لوحة بروغل في زحام حياتي، في يومي الضائع، في ضياع حياتي، ضياع.. ولكنه غني بالملاحم. أقول لنفسي دائمًا: كل هذا التفتت يسعى إلى واحد. إنه ميلاد حركة. ضياعى أنا.. ليس ضياعًا أوروبيًّا».
يضيف:« أرى الأشياء تتفتت، أراها تفقد حقيقتها ومعناها. أراها وأعيشها وأسلك في دروبها، وآكل في أطباقها البلاستيك القذرة. تطاردني دائمًا فكرة القرون الوسطى، حيث المتناقضات متجاورة لم تتصارع بعد، ولم تتحد بعد، أو تختلف. متجاورة في قسوة وفجاجة. أراها غنية شيقة، حبلى بالأمل والطين».
في رحلة مرضه الأخير، كان علاء غاضبًا ومتوترًا من منظر «ستارة» شباك غرفة المستشفى، فاستنسخ ابنه أحمد اللوحة وعلقها أمام السرير مباشرة ليراها عندما يفتح عينيه. لم تكن اللوحة وحدها رفيقته في رحلته الأخيرة، حمل معه إلى المستشفى ثلاثة كتب هي آخر ما قرأ: «سيرة مصورة لنجاة الصغيرة»، و«عن الذي يربي حجرًا في بيته» للطاهر الشرقاوي، والديوان المخطوط لياسر عبد اللطيف «قصائد من سيبيريا الغرب».
كان علاء الديب يصف فان غوخ بـ«حبيبي المجنون»، كما تخبرنا «نصفه الآخر» عصمت قنديل.
طلب علاء مجموعة اسطوانات باخ، وكان يستمع إليها في غرفة العناية المركزة. باخ هو الموسيقي المفضل لعلاء الديب، لم يكن يستمع إليه فقط بغرض المتعة الموسيقية الخالصة، ولكن أيضًا من أجل الكتابة.
كتب في بابه «عصير الكتب»: «تعلمت من الموسيقى الكلاسيك وخاصة من باخ، أن أروع ما في العمل الموسيقي الثواني التي تنتهي فيها الجملة الموسيقية أو اللحن، وتبدأ فيها جملة جديدة أو لحن جديد. في هذه الثواني يتركز كل تركيب العمل، يضع فيها المؤلف أسرار الكمال الفني القائم في ذهنه دون إفصاح أو مباشرة».
المدهش أن علاء طبق هذه النظرية على أعمال إبراهيم أصلان، بل وجيل الستينيات كله: «إنه جيل استطاع صياغة هذه الحالة في كلمات، بإدراكهم للجملة القصيرة التي تشبه الطلقة الصائبة». كما طلب علاء خلال إقامته في المستشفى كتابًا يضم لوحات فان غوخ، الذي كان يصفه دائمًا بـ«حبيبي المجنون»، كما تخبرنا «نصفه الآخر» عصمت قنديل. وكان علاء قد ترجم كتابًا عن حياة غوخ في مجلة «صباح الخير»، ونشر منه عشر حلقات لكنه لم يستكمله.
قصة علاء مع الترجمة أيضًا مثيرة، فبعد أن أصدر السادات في منتصف السبعينيات قرارًا بفصله من مجلة «صباح الخير» مع عشرات آخرين من كبار صحفيي مصر، نُقل علاء إلى الهيئة العامة للاستعلامات، أصبح صحفيًّا دون عمل، لم يذهب إلى عمله الجديد، ومثله فعل آخرون، لكن مجلة «صباح الخير» لم تستسلم لقرارات السادات، وأصرت على الاحتفاظ بأبنائها على أن يكتبوا مقالاتهم لتُنشر بدون توقيعاتهم.
اتصل لويس جريس، وكان مديرًا لتحرير المجلة، بعلاء وأخبره أنه حجز له صفحات ليترجم كتابًا بعنوان «كيسينجر: المفكر.. الإنسان.. العاشق»، وفعل علاء ونشر الكتاب مسلسلًا في المجلة، وطُبع بعد ذلك في سلسلة الكتاب الذهبي في فبراير 1976 برسومات حجازي، دون أن يحمل اسمه كمترجم. لكن تجربة الفصل التعسفي كانت قاسية، نزعت الأمان عن روحه، كما يقول، وجعلت الكتابة دون أهمية، ولا ضرورة، جعلته يشعر أنه «خادم لا أهمية له.. يبقيه السيد في المنزل حتى لا يجوع أو حتى لا يسبب مشاكل».
هناك العديد من الكتب التي كان قد بدأ في ترجمتها لكنه لم يستكملها، من بينها كتاب «The Psychology of Man's Possible Evolution» لـ«بيتر دميانوفيتش أوسبنسكي»، وهناك أيضًا «الحكايات الشعبية لأمريكا اللاتينية»، وكذلك «المصباح السحري» لـ«إنغمار برغمان»، وهو أحد الكبار الذين عشقهم علاء ويحتفظ بمعظم كتاباته في مكتبته، ويعتبر سيناريوهات أفلامه أعمالًا أدبية: «قدرة على الاقتصاد والدقة تبلغ حد الإعجاز».
«هذه الكتب ليست كل المكتبة»، تقولها السيدة عصمت قنديل. كان علاء يفرز المكتبة كل 10 سنوات ويتخلص أولًا بأول من الكتب الرديئة، أو ما لن يحتاجه مرة أخرى، خصوصًا أن تحريره لباب «عصير الكتب» على مدى ما يقرب من 45 عامًا جعل الكتب التي يرسلها إليه الناشرون أو المؤلفون تزحف في كل أركان المنزل، لتكوِّن جبالًا من الصعب التعايش معها.
ورغم أنه يتخلص مما لا يحتاجه، فإنه لم يكن يعير الكتب التي يحبها اهتمامًا خاصًّا، فقط ينصح أصدقاءه بقراءتها، يراها مهمة لكنه لا يعيرهم إياها. في أوراقه «إقرار» كتبه القاص أحمد الخميسي، بأنه استعار كتاب «الدفتر الكبير» وأنه ملتزم بإعادته قريبًا.
المدهش أن صاحب «زهر الليمون»، وفقًا لبلال فضل، كان يتخلص من الكتب الرديئة أولًا بأول، لكن كانت لديه هواية الاحتفاظ بالكتب شديدة الرداءة لأن وجودها له معنى لديه، ومن أبرز الكتب التي احتفظ بها كتاب «قدوتي إبراهيم نافع» لمحمد عبد العال، وكان علاء يعلق غلاف الكتاب من باب السخرية على شباك غرفة المكتب.
أحب علاء كتاب «مديح الظل» لـ«جونيتشيرو تانيزاكي»، وترك داخله ورقة صفراء عليها جملة وحيدة: «حاجة بديعة وتخُضّ».
الاستثناءات التي احتفظ بها علاء بالقرب منه، وكان يلجأ إليها دائمًا، كانت قواميس لغة إنجليزية عديدة، ومعجم «لسان العرب»، و«منتهى الطلب من أشعار العرب»، و«النجوم الزاهرة في حلي حضرة القاهرة».
كذلك، احتفظ بكتب تراثية عديدة صدرت في سلسلة «ذخائر العرب»، منها ديوان المتنبي، و«البيان والتبيين» للجاحظ، و«قصة الحضارة» لـ«ويل ديورانت»، و«المعجم الفلسفي» لإجميل صليبا، و«مواقع الأفلاك»، والكتاب المقدس، والقرآن المجود بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل، فضلًا عن تراث عميد الأدب العربي طه حسين الذي استأثر بمكانة مميزة في مكتبة علاء الديب، تحديدًا أعماله في النقد الأدبي والإسلاميات.
وصف علاء طه حسين ذات مرة بأنه «صوت عربي حر عاقل، لا يستطيع أن يغادر أفق خيالي». وحسب السيدة عصمت قنديل، كتب علاء الديب دراسة طويلة عن كتابه «تجديد ذكرى أبي العلا» لم تُنشر حتى الآن، وكان يكتبها على فترات زمنية متباعدة، والكتابة الطويلة بالنسبة إلى علاء استثناء، وكان قد كتب أيضًا عن هذا الكتاب في «عصير الكتب».
كثير من الكتب التي أحبها علاء الديب لم يكن يكتفي بالكتابة عنها مرة واحدة، بل كان يعاود الكتابة على فترات متقطعة، ربما مع كل قراءة. أحبَّ كتاب «مديح الظل» لـ«جونيتشيرو تانيزاكي» ترجمة حبيب السالمي، وترك داخله ورقة صفراء كتب عليها جملة وحيدة: «حاجة بديعة وتخُضّ». ثم في أوراق منفصلة كتب بعض الملاحظات التي تحولت في ما بعد إلى مقالاته في «عصير الكتب»، واعتبر أن الكتاب «نص فلسفى عذب يناقش علاقة الحضارات ويحاول إنقاذ الروح الإنسانية من براثن التكنولوجيا الحديثة».
وفي ركن بارز من أركان المكتبة، تحتل أعمال الكاتب الأردني الراحل غالب هلسا مكانة متميزة، فهو أحد المعلمين الكبار لعلاء، شقته في الدقي لها نفس الدور الذي لعبته مكتبة جامعة القاهرة في حياته. يرى علاء أنه أحد أصحاب أهم التجارب في الكتابة الروائية قيمةً بعد نجيب محفوظ: «كاتب يكتب باستمرار، وهو يعيش وهو يأكل وهو يتكلم. كاتب لا يشغله شيء آخر سوى الكتابة».
من الكتب التي أحَبَّها أيضًا «الرحلة الأصعب» لفدوى طوقان، وأعمال الشاعر محمد صالح، فضلًا عن عشرات الكتب باللغة الإنجليزية التي كان يجيدها ويترجم منها، من بينها نسخة نادرة من رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، وكذلك بعض أعمال «هنري ميللر»، الذى نجح، حسب تعبير علاء نفسه، في «تخليص الكتابة من ملايين المخاوف والمحاذير، والتحليق بها في عالم أكمل واقعيةً من الواقع الظاهر». وكان علاء قد ترجم في الستينيات بعض قصصه في المجموعة التي حملت عنوان «امرأة في الثلاثين»، وضمت أعمالًا مترجمة لـ«بيتر فايس» و«ترومان كابوت» و«جوزيف أنيلا» و«إنغمار برغمان» وآخرين.
في جولة بين مئات الكتب التي أهداها أصحابها إلى كاتب «أطفال بلا دموع»، نتوقف عند بعض هذه الإهداءات ذات الدلالة، تضم المكتبة معظم أعمال نجيب محفوظ، ومن بينها عشر روايات بإهدائه، وتتنوع الإهداءات بين الجمل الأثيرة لدى الكثيرين: «مع إعجابي وتقديري» أو «مع المحبة والتحية».
لكن ثَمَّة روايتين أهداهما محفوظ إلى الديب بإهدائين مختلفين عن بقية الإهداءات، فكتب على «ثرثرة فوق النيل»: «إلى الأستاذ علاء الديب، تحية إلى فنه وشبابه وثورته»، وعلى مجموعة «صباح الورد» كتب: «إلى علاء الديب ملح الأرض وزهر الليمون، مع المودة والإعجاب».
محفوظ بالنسبة إلى علاء هو «المعلم الأكبر»، «الفنان الصافي» كما وصفه مرات، عشق كتاباته لأن التجريب لديه كان أصيلًا وطبيعيًّا ولا عناء في افتعاله. قبل رحيله، وكنا نتحدث عن الكتابة العربية، قال رأيًا اعتبره كثيرون صادمًا: «الرواية العربية توقفت عند نجيب محفوظ».
اعتبر أن أعلى إنجاز فني في الكتابة خلال السنوات الأخيرة هو «أصداء السيرة الذاتية». وعلى سبيل المداعبة، كان يردد دائمًا لأصدقائه أن الكتابة شعر، ونثر، وقرآن، وأصداء السيرة الذاتية لمحفوظ. هذه الرؤية الخاصة كان صاحب «قمر على المستنقع» يرددها أيضًا على أشعار صلاح عبد الصبور، أن الشعر توقف عند عبد الصبور وفؤاد حداد وحدهما.
من محفوظ إلى يوسف إدريس، الذى كتب لعلاء إهداءً على روايته «نيويورك 80»: «رفيق الفكر الأستاذ علاء الديب، أطلب رأيك بعد إعادة كتابة القصة والمقارنة بينها وبين السيدة فيينا زميلتها في هذا الكتاب - رأيك الشفوى أرجوك، فقد احترت وحيرني الناس. وشكرًا».
أما الأب الروحي لجيل الستينيات، الكاتب عبد الفتاح الجمل، فيهدي علاء روايته «آمون وطواحين الصمت»: «أخى العزيز جدًّا والنابض دائمًا علاء الديب: هذا الآمون الجِعِر والموالس الذي أتانا بالكافية، والطواحين المسعورة التي تبرطع وتدور على الفاضي. إليك هدية والنبي قبل الهدية. عبد الفتاح الجمل»، وهو إهداء دالٌّ وكاشف، بل يكاد يكون رؤية نقدية لهذه الرواية الفاتنة.
ويكتب جمال الغيطاني: «إلى العزيز النبيل علاء الديب، مودة وعرفانًا بفضله»، وهو إهداء يستعيد عبره الغيطاني ما كتبه عنه علاء عندما أصدر أولى مجموعاته القصصية مبشرًا به وبأسلوبه.
بخطه المميز يكتب يحيى الطاهر عبد الله لعلاء على «الطوق والإسورة»: «إلى علاء الديب، الصديق الذى أحبه».
ويكتب إحسان عبد القدوس: «إلى الزميل العزيز علاء الديب، مع تقديري وأطيب تحياتي».
ويكتب نزار قباني: «أخي الغالي الأستاذ علاء الديب، بحب وإعجاب كبيرين»، ويوقعه من لندن. وفي ديوان آخر يكتب نزار: «أخي علاء، في القلب دائمًا»، موقعًا الإهداء في جنيف.
عبد الرحمن الأبنودي: «أستاذنا الرائع، بصيرتنا الحادة الجادة علاء الديب، أطال الله عمره وأكثر من عطائه. عبد رحمان».
ويكتب فاروق عبد القادر على كتابه «من أوراق الرفض والقبول»: «للعزيز علاء، مع التحية والتقدير، داخل النص وخارجه».
أما فتحي غانم فيكتب إهداءً محايدًا على روايته «زينب والعرش»: «إلى أخي علاء الديب، مع حبي».
الشاعر محمد صالح يهديه ديوانه «مثل غربان سود»: «إلى علاء الديب المبدع والقيمة، مع محبتي».
فؤاد قاعود يهديه «قلق الروح»: «إلى أخي علاء الديب، حب لا يتزعزع، ما اعرفش ليه؟».
صبري موسى: «إلى العزيز علاء الديب، زمالة عمر في الحياة والفن عامرة بالتقدير والحب».
ويكتب سعدي يوسف: «إلى علاء الديب، تقديرًا وودًّا عميقًا».
.
ويكتب محمود السعدني على كتابه «رحلات ابن عطوطة»: «الأستاذ الناقد علاء الديب، مع التحية والتقدير».
ويكتب سيد البحراوي: «إلى علاء الديب، جانب آخر مني».
ويكتب علاء الأسواني إهداء روايته «عمارة يعقوبيان»: «إلى صديقي وأستاذي الأعز علاء الديب، مع محبتي الدائمة».
وعلى غلاف «شيكاجو» يكتب: «إلى أستاذي العزيز صاحب الفضل الكبير علاء الديب، تحية محبة من تلميذ يتمنى أن يكون نجيبًا».
أما جميل شفيق فيكتب: «حُبي علاء، السلام عليكم».
تضحك الأستاذة عصمت قنديل عندما تلمح إهداء شفيق، وتتذكر أن «السلام عليكم» كانت كلمة السر بين علاء وجميل. في إحدى الندوات كان الكلام يدور عن فلسطين، ولم يعجب الكلام علاء فقام من مقعده وقال بصوت جهوري: «السلام عليكم»، وانصرف لتنفض الندوة ويفشل منظموها في استعاده الجمهور مرة أخرى.
ويكتب يوسف الشاروني إهداءً على كتاب «الجائزة قراءة فى إبداعات يوسف الشاروني»: «إلى المبدع المتميز أخي علاء الديب، يُسعد هذا السفر أن يضم إحدى قراءاتك لي، مع محبتي لقلمك المبدع وتبنيك لإبداع الأجيال الشابة. تحياتي بدوام الصحة والقلم في يدك، يوسف الشاروني. ملحوظة: إذا رأيت أن تنشر كلمة عن هذا الكتاب في غير الأهرام (المصري اليوم) فأرجو إبلاغي، وشكرًا».
ويكتب الروائي يحيى مختار: «إلى أخي وصديقي الأستاذ علاء الديب، فقط أقول إني أحبك وأحب كل كتاباتك وأحترمك».
على مدى ما يقرب من نصف قرن، كتب علاء الديب آلافًا من مراجعات الكتب، لم يكن يختار إلا ما يحبه، نادرًا ما كان يكتب عن عمل يكرهه، كان يؤمن بأن العمل لا يمكن أن يفتح لك مغاليقه إلا إذا بحثت أولًا عن محاسِنه، وعن الجهد الإنساني المبذول فيه، أما إذا بدأت بالبحث عن العيوب والنواقص فلن تجد شيئًا في النهاية.
على مدى نصف قرن قرأ كتبًا أحبها، وكتبًا لم تكن تستحق، وكتبًا شديدة الرداءة، ما جعله يمتلك رؤية كاملة للمشهد الثقافة العربي والمصري.
في كل كتاب في مكتبته ترك علاء الديب شيئًا منه: ملحوظة، ورقة منسية، كتابة على الهامش.
سألته فى حوار قديم (مارس 2011): من خلال متابعاتك للكتب طَوَال أكثر من نصف قرن والكتابة عنها، كيف ترصد مشروع النهضة المصري ؟
أجاب: «صحة المجتمع بعافية، متردية جدًّا، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وتعليميًّا. هذا يؤدي إلى اختلال فكري، لا يمكن أن نجد فكرًا سليمًا في واقع بهذا الشكل. لم يطرح أحد مشروعًا نقديًّا وفكريًّا يستحق أن نتوقف أمامه، أمين الخولي كان آخر من امتلك مشروعًا حقيقيًّا. وأعتقد أيضًا أن الكتابة الجديدة لم تضف شيئًا أصيلًا، هناك نجاحات فردية، لكن لا يوجد إنجاز حقيقي أصيل، وأظن أن ذلك حدث منذ الستينيات وحتى الآن».
سألته: ألم يحدث تطور في الكتابة الروائية منذ الستينيات؟
فأجاب: «الرواية توقفت عند نجيب محفوظ، أعلى إنجاز فني في الكتابة في السنوات الأخيرة هو أصداء السيرة الذاتية، كما أن الشعر توقف عند صلاح عبد الصبور. محفوظ غيَّر رؤية الناس لواقعها وتعاملهم مع هذا الواقع، جعل إحساسهم بالواقع مختلفًا، وبالآخرين أرق وأصدق وأكثر مسؤولية».
في كل ركن من أركان المكتبة ثَمَّة شيء من العم علاء، «المسافر الأبدي» كما كنا نلقبه أحيانًا، في كل كتاب شيء منه: ملحوظة، ورقة منسية، كتابة على الهامش.
أسئلة علاء الديب القاسية التي طرحها في كتابه الفاتن «وقفة قبل المنحدر» تصلح أيضًا لنستعيدها: «ماذا قدَّمَت لي الكتب سوى الحيرة وتلك الحزمة من الأشجان الرومانتيكية اليابسة؟ هل تقف الكتب ضد الحياة أو بديلًا عنها؟ كلا، هُم أصدقاء. من حسن الحظ أن مهنتي هي هوايتي، هي حياتي، تلك الخطوط السحرية التي تنقل معانيَ وتهز النفوس والجبال وتغير العالم».