دليلك لضمان أفضل اختيار: ليس هناك أفضل اختيار

لقطة من فيلم «The Matrix» - الصورة: Warner Bros. 

ندى رضا
نشر في 2018/08/25

تختلف الطرق التي يستخدمها الآباء لتحفيز أبنائهم. بعض الآباء يحثون أطفالهم على أن يصبحوا جيدين في كل ما يفعلونه. يدفعونهم منذ الصغر ليكونوا الأفضل في كل شيء: أفضل رياضي، أفضل عالم، أفضل موسيقي.

بينما يحث آباء آخرون أطفالهم على متابعة ما يجيدون فعله في المجالات المختلفة، مثل التعليم والرياضة والموسيقى.

يدفع بعض الآباء أطفالهم إلى بذل قصارى جهدهم طوال الوقت. لكن آباء آخرين يحاولون ألا يدفعوا أطفالهم تجاه شيء معين، لأنهم يقلقون من الضرر النفسي الذي قد يسببه هذا الضغط على نفسية الأطفال.

كقاعدة عامة، يتمنى الآباء الأفضل لأبنائهم، لكن تصوراتهم وتطبيقاتهم لهذا الأمر قد تختلف كثيرًا.

يرى «لاري تيمكن»، أستاذ الفلسفة بجامعة روتجرز - نيوجيرسي، في مقال على موقع «Aeon»، أن الآباء في محاولات بحثهم عن الأفضل لأبنائهم، عادة ما يعتنقون الأفكار السائدة حول الخيار العقلاني. وهو التصور القائم على أن التفكير العقلاني الذي تتخذه الآن من شأنه أن يضمن لك الأفضل على مدار حياتك أو حياة طفلك.

أين العقلانية؟

الصورة: kc0uvb

المفهوم السائد للعقلانية يرتبط بافتراضين أساسيين: الأول أن هناك طريقًا نموذجيًّا واحدًا يقودك إلى حياة أفضل. والثاني «مبدأ المفاضلة»، بمعنى أنه عند وجود ثلاثة خيارات، لو كان الخيار الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، فإن الخيار الأول بكل تأكيد أفضل من الثالث. بهذا المنطق يمكننا تحديد الأفضل دائمًا من أي مجموعة عن طريق المقارنة والمفاضلة.

لكن تعبير «الأفضل مِن» أمر مختلف تمامًا. لأن العوامل ذات الصلة التي قد نستخدمها في مقارنة البدائل قد تختلف. ولذلك يمكن أن يكون أحد البدائل أفضل من البديل الثاني، والثاني أفضل من الثالث، بينما البديل الأول قد لا يكون أفضل من الثالث، لأن العوامل ذات الصلة التي استُخدِمت لتحديد الأفضل بينهم، قد تكون مختلفة تمامًا.

من اللافت للنظر أيضًا كيف أن كثيرًا من الناس يشترون شيئًا ما، ثم يندمون على شرائه فور رؤيتهم شيئًا آخر كان يمكنهم شراؤه.

هناك اعتقاد بأن هذا التصرف يعكس قصورًا نفسيًّا لدى من يمارسونه. لكن هناك تفسيرًا آخر يمكن أن يكون السبب في ندم المشتري، وهو أننا غالبًا ما نواجه سلسلة من الخيارات التي يخفق فيها مبدأ المفاضلة في مساعدتنا على الاختيار. في هذه الحالات توجد سلسلة من الخيارات التي يكون فيها الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، والثالث أفضل من الرابع، وهكذا.

هنا نجد أنه لا يوجد خيار أفضل. والأسوأ من ذلك، أنه مهما يكن الخيار الذي استقر عليه المشتري، فإنه سيكون دومًا هناك خيار آخر أفضل. في هذه الحالة، من الطبيعي أن يشعر الناس بالندم بعد رجوعهم إلى المنزل، حينما يقارنون ما اشتروه فعلًا بما كان يمكنهم شراؤه.

قد يهمك أيضًا: فكر مرتين: ترددك في محله

حيلة كلاسيكية

الصورة: Tirachard Kumtanom

الحيلة الكلاسيكية للعرض المغري التي تتبعها الشركات، تسير على النحو الآتي: شركة ما تعلن عن منتج ما بسعر منخفض للغاية، يذهب العميل لشراء هذا المنتج، لكنه لا يجده متاحًا في المتجر (وربما لم يكن موجودًا)، ثم يجد نفسه أمام منتج آخر أكثر تكلفة.

عادة ما يفكر العميل في أنه قد قطع هذا المشوار، ولا يود أن يعود إلى المنزل خالي الوفاض، وقد ينتهي به الأمر إلى شراء المنتج الأكثر تكلفة، والذي كان متاحًا أمامه في كل المرات التي ذهب فيها إلى هذا المتجر. هذا الشخص بعد أن يعود إلى منزله لن يشعر بندم بقدر ما سيشعر بأنه تعرض للتلاعب به والغش على يد تاجر عديم الضمير.

لا يقتصر الأمر على منتجات ذات تكلفة قليلة، وإن زادت. لكن هذه الحيلة تثبت فعاليتها مع سلع أكبر وأهم. فمثلًا، يعلن متجر ما عن سيارة بسعر جيد جدًّا، وعندما يصل العميل إلى شراء تلك السيارة قد تكون متاحة فعلًا، وموجودة بهذا السعر الجيد، لكن يشير مندوب المبيعات إلى أن تلك السيارة ليست رائعة مثل ما يجاورها من سيارات، ويقارنها بأخرى معينة ذات خيارات إضافية، ولا تكلف أكثر بكثير.

قد يتفق العميل على أن الخيارات الإضافية تستحق فعلًا السعر الإضافي، ويقرر شراء السيارة الأغلى. عند هذه النقطة تحديدًا قد يُعرَض على العميل سيارة ثالثة، ذات خيارات أكثر من الثانية، ثم يقتنع العميل مرة أخرى بأن الخيارات الإضافية تستحق السعر الإضافي، ويقرر شراء السيارة الأخيرة. في النهاية، يمكن للعميل أن يسعد بشرائه سيارة أفضل حتى لو كانت أكثر مما يحتاج، لكنه غالبًا سيشعر بأنه أحمق، وقد سقط في إغراءات البائع، وبعد أن يصل إلى بيته بسيارته الفارهة الجميلة ربما يؤمن بأن السيارة الأولى الأقل تكلفة كانت تناسبه أكثر.

هذه الظاهرة شائعة جدًّا. يمكن إرجاع هذا السلوك إلى أنه ضعيف الإرادة، ولم يستطع منع نفسه عندما تعرض إلى اختيارات كثيرة تختلف في مزاياها. لكن الاقتصاديين يقدمون تفسيرًا أكثر قسوة، فوفقًا للافتراض الثاني للعقلانية، والذي يفيد بمبدأ المفاضلة بين الأشياء، فإن هذا الشخص يبدو غير عقلاني تمامًا لأنه يفضل السيارة الثانية على الأولى، ويفضل الثالثة على الثانية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه عندما يعود إلى المنزل يكتشف أنه يفضل الأولى على الثالثة.

تقريبًا، نتفق جميعًا على أن مندوبي المبيعات الذين يستخدمون هذه الحيل لا ضمير عندهم، إذ إنهم يستغلون ضعف الإنسان.

مع ذلك، هناك احتمال آخر يلوح في الأفق. قد لا يكون تطبيق العلاقة المتعدية للمفاضلة بين عدة خيارات أمرًا مضمونة نتائجه. وقد لا يكون مشتري السيارة يعاني من ضعف الإرادة أو غير العقلانية، وربما لم يكن مندوب المبيعات لا ضمير له. يمكن أن تكون السيارة الثانية أفضل من الأولى فعلًا، والثالثة أفضل من الثانية، ومع ذلك، فإن الأولى أفضل من الثالثة. في هذه الحالة، لا يمكن أن ندين مندوب المبيعات بسبب اقتراحه على المشتري بأن السيارة الثانية أفضل من الأولى، وأن الثالثة أفضل من الثانية، والمشتري يستجيب بناءً على أسباب مقنعة.

عودةً إلى الآباء الذين يتمنون الأفضل لأولادهم. ربما، في مرحلة ما يفكر والد طفل في أن يحث ابنه على أن يصبح معلمًا في مدرسة ابتدائية، وهي مهنة نبيلة، ولها مزايا كثيرة. لكن إذا لاحظ أن طفله موهوب، فقد يعتقد بأن حياة أستاذ جامعي ستكون خيارًا أفضل له، لأنها تشمل التدريس أيضًا، لكنها تجلب أموالًا أكثر واحترامًا أكبر.

مع ذلك، فإن مقارنة حياة المحامي بحياة الأستاذ، قد ينتج عنها أن نرى حياة المحامي باعتبارها تضمن مستقبلًا أفضل، إذ إنها ستعود عليه بأموال أكبر، وعدد أقل من السنين الدراسية المطلوبة، وفرص عمل أفضل بكثير. لكن، قد نجد أن حياة المصرفي أفضل عند المقارنة بحياة المحامي، لأن هناك فوائد اجتماعية واقتصادية يحلم المحامون بالحصول عليها. على الرغم من ذلك، فإن حياة معلم في مدرسة ابتدائية قد تبدو، في نهاية المطاف، أفضل من حياة المصرفي، فهناك توتر أقل ووقت أكبر للعائلة، وغير ذلك.

إننا دائمًا محاطون بكل هذه الخيارات. لذلك علينا التفكير بعناية، وتحديد أي حياة ستكون الأفضل لنا. من المفترض أن تكون تلك الحياة ذات الفرص الأفضل والمزايا الأكبر، لكن إذا فكرت بعناية، وحددت الحياة الأفضل لطفلك، فإن تلك المحاولات لضمان أفضل حياة للطفل ستبوء بالفشل.

هذه احتمالية محيرة ومزعجة، ويمكنها أن تجعل الآباء غير قادرين على توجيه النصح لأطفالهم، فأي خيار يفضلونه سيكون هناك خيار آخر أفضل منه بالتأكيد. لكن كي تتعلم العيش مع هذه الاحتمالية، عليك إعادة التفكير في معظم الأشياء، وأن يكون المرء عقلانيًّا ويتخذ قرارات جيدة. الأهم، أن يترك المساحة لأطفاله بالتفكير في خياراتهم.

مواضيع مشابهة