تقدم لنا الحلقة الثانية من الموسم الثالث لمسلسل «Black Mirror» تصورًا مرعبًا لما يمكن أن يصنعه الواقع الافتراضي بنا في المستقبل.
بطل حلقة «Playset» سائح في حاجة إلى المال، يشارك في تجربة لعبة تعتمد على تقنية الواقع المعزز، تولد هذه التقنية عرضًا مركبًا للمستخدم، يمزج بين المشهد الحقيقي الذي ينظر إليه والمشهد الظاهري الذي أضافه جهاز الكمبيوتر، مثل لعبة «Pokémon Go».
يزرع مبتكرو اللعبة في جسم المتطوع جهازًا صغيرًا، يستخدم رؤيته الخاصة للواقع المحيط به، ويستعين بها كواقع في أثناء اللعب. يستمتع السائح بالتجربة في البداية، لكن سرعان ما تنتقل الأمور إلى مرحلة مرعبة، وتستحضر اللعبة أشد مخاوفه لتواجهه بها.
يبشر هذا التصور بالمستقبل المحتمل للترفيه الذي يعتمد على تقنيات الواقع الافتراضي المختلفة. سنسمح في وقت ما للمبرمجين ومصممي الألعاب بالتحكم في حواسنا والطريقة التي ندرك بها الواقع كيفما شاؤوا، كي يمنحونا بعض المرح.
هذا التحكم قد يتطور إلى ما هو أخطر من ذلك، لعدم وجود معايير أخلاقية عامة تحكم عمل المبرمجين ومصممي هذه التقنيات الحديثة حتى اللحظة، فهل حان الوقت ليُقدم القائمون على صناعات الواقع الافتراضي على وضع قانون أخلاقي للمهنة؟
كثير من الأسئلة، قليل من الإجابات
هل يمكن أن تصبح الأفكار الشريرة التي تدور في عقل الإنسان، دون أن تخرج لقيد التنفيذ، مصدرًا لتهديد الآخرين؟
تزداد ضرورة رسم حدود للتوغل الرقمي في حياتنا يومًا بعد يوم، خصوصًا مع اتجاه العالم نحو مستقبل يحكمه الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلة. ينبغي التفكير جديًّا، بالتزامن مع تطور هذه التقنيات، في ما يمكن للذكاء الصناعي التدخل فيه وما يجرَّم تطرقه إليه، وتحديد الكيفية التي سنعدل بها القوانين واللوائح والسياسات لتلائم طبيعة التكنولوجيا الرقمية، وهذا ليس بالأمر السهل نظرًا لحداثة هذا المجال.
تنبأ الفن بشكل الحياة بعد عدة سنوات تحت سطوة الواقع الافتراضي، فبطل مسرحية «The Nether»، التي عُرضت على مسرح «Woolly Mammoth» في واشنطن، يخلق واقعًا خياليًّا باستخدام برمجة متقدمة، يتيح من خلاله الفرصة لزبائنه للاعتداء على الأطفال وقتلهم.
ناقشت «جنيفر هالي»، كاتبة المسرحية، بعض الأسئلة الشائكة: هل ينبغي فرض رقابة على خيالات الإنسان لما تتضمنه من أفكار خبيثة؟ وهل يجب على المجتمع اختراق خصوصية أفراده بفرض قوانين تحكم هذه الخيالات الشخصية التي تتجلى في عقل الفرد وحده؟
تتعقد العلاقة بين الخيال والواقع. هل يمكن أن تصبح الأفكار الشريرة التي تدور في عقل الإنسان، دون أن تخرج إلى قيد التنفيذ، مصدرًا لتهديد الآخرين؟
على سبيل المثال، ظهرت دلائل على نزعة من يشاهدون المواد الإباحية بصفة متكررة إلى إيذاء النساء، والتعامل مع السلوك العنيف باعتباره شيئًا عاديًّا. تحيلنا هذه النتائج إلى مزيد من التساؤلات المحيرة: هل يدفعنا ذلك إلى القلق حول الظهور المتكرر للعنف ومعاداة المرأة في تطبيقات الواقع الافتراضي؟ وبالتالي، هل تجعل هذه الألعاب الناس أكثر تقبلًا للمشاركة في إيذاء الآخرين على أرض الواقع؟
اقرأ أيضًا: تاريخ ألعاب الفيديو: كيف تطورت وحدات التحكم عبر التاريخ؟
الواقع الافتراضي محمي بقرار المحكمة
يزداد الأمر ارتباكًا في ظل المعارك المستمرة بين المؤسسات الحكومية وشركات استضافة المواقع الإلكترونية ومزودي خدمة الإنترنت حول مسألة الخصوصية، هل يجبَر المشتبه في تورطهم في أنشطة مثيرة للريبة على الإفصاح عن محتويات أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم وأماكنها؟ وما طبيعة الأدلة الواجب توفرها للإقدام على مصادرة هذه الأجهزة؟ وهل ستتعدى الألعاب الافتراضية العنيفة الحدود المسموح بها، لتتحول إلى نشاط يتوجب على الدولة الحد منه مستقبلًا؟
قد يهمك أيضًا: ماذا يخبئ المستقبل للمجتمعات البشرية؟
ألعاب «منظور الشخص الأول»، التي لا يرى فيها اللاعب الشخصيةَ التي يتحكم فيها خلال الحرب أو القتال أو حتى المغامرة أحيانًا، ولا يتعامل إلا مع يديها أو السلاح الذي تمسك به، مثل لعبة «Call of duty Ghosts» وألعاب العالم المفتوح القتالية، أدرجتها المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية عام 2011 ضمن فئات حرية التعبير المكفولة التي يكفلها القانون في إحدى القضايا.
بذلك، أسقطت المحكمة العمل بقانون ولاية كاليفورنيا، الذي يمنع بيع بعض ألعاب الفيديو العنيفة للأطفال إلا بإشراف الوالدين. وضَّح هذا الحكم كيف يتعامل القانون مع ألعاب الواقع الافتراضي بمعيارين مختلفين، يتناقضان في بعض الأحيان.
VR: تأثيرات أخلاقية وعصبية
أطلقت شركة ألعاب يابانية لعبة تتيح لمن يمارسها لمس نساء شبه عاريات يطالبنه بالتوقف باستمرار.
يرسل العقل إشارات تنبيه إلينا حين يستشعر وجود خطر ما، لكنه لا يفرق بين الأخطار المختلفة، فسيان عنده أن يغضب مديرك منك أو ترى نمرًا جائعًا متحفزًا للهجوم عليك، فالعقل سيؤدي وظيفته المحددة في كل الأحوال دون أدنى تغير.
يجعلنا هذا نتساءل عن التأثير الذي ستخلِّفه ألعاب الواقع الافتراضي على عقلك حين تنخرط في معارك افتراضية، وتعلق وسط تبادل لإطلاق النار أو يطاردك مصاص دماء.
طُرح في الأسواق عدد من الألعاب الافتراضية الإباحية بتقنية عالية، فأصبح في الإمكان أن تعيش في عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد، عند استعانتك بأجهزة الواقع الافتراضي المصممة لهذا الغرض. لن يقف الأمر عند هذا الحد، لأنه يجري العمل على ابتكارات أخرى ستمنح الحياة لهذا العالم الخيالي، وتجعل اللاعب يشعر بملمس المواد الافتراضية ورائحتها ومذاقها.
قد يعجبك أيضًا: هكذا تزدهر صناعة الألعاب الجنسية في باكستان
أثارت هذه الألعاب الإباحية موجة من الذعر، لأنها تزيد من سلبيات التكنولوجيا التي تؤثر سلبًا على الأطفال، وكأنه لا يكفي تعرض الصغار للمقاطع الإباحية المنتشرة على الإنترنت في سن مبكرة، وإساءة استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي.
لعبة «Dead or Alive Xtreme 3»، التي أطلقتها شركة الألعاب اليابانية «Tecmo»، تقدم عدة أنشطة مسلية للاعب، لكنها تتيح له كذلك لمس نساء شبه عاريات يطالبنه بالتوقف بصورة متصلة. انتقد موقع «engadget»، المهتم بآخر الأخبار التقنية والتكنولوجية، هذه اللعبة ووصفها بأنها نوع من الاعتداء الجنسي.
يواجه الواقع الافتراضي عدة مشاكل أخلاقية، ولا يقف ذلك عند الترويج للاعتداء الجنسي فحسب، فهناك مخاوف متزايدة حول المحتوى الجنسي المتوقع إدخاله إلى هذا العالم الخيالي، كأن يمارس اللاعب الجنس مع شخصيات افتراضية تشبه المشاهير، أو حتى مع أطفال.
هل ستُعد هذه التصرفات جُرمًا أو مخالفة للقانون؟ وهل سيفضل بعضنا دخول علاقة جنسية افتراضية عن الواقعية؟ نعيش الآن على اعتاب ثورة رقمية مرتقبة في تقنيات الواقع الافتراضي، ولن يمكننا التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل، ربما علينا الانتظار فقط كي نعرف.