الحياة كمعادلة حسابية: مزيد من التفكير.. مزيد من التجارب

الصورة: Getty/Christopher Furlong

مريم ناجي
نشر في 2018/02/13

لأن الحياة معقدة بما فيه الكفاية، يلجأ بعضنا إلى تبسيطها أحيانًا، وتشبيهها بالشطرنج أو الماراثون أو لعبة الفيديو. ورغم أن هذه التشبيهات مسلية، فإنها لا تقدم استراتيجية أو طريقة عملية لبناء نموذج للحياة اعتمادًا عليها.

هناك خطوط عريضة يجب عليك الالتزام بها وأنت تؤسس حياتك المهنية، مثل أن تكون ذكيًّا واستراتيجيًّا، وأن تخطط للمدى البعيد، وكذلك أن تفهم الواقع من حولك بصورة حقيقية كي تصمم خططك بعناية. يلزم كذلك أن تمتلك مهارة تساعدك على التعلم بالسرعة، فتكفل لك حصادًا سريعًا للنتائج، ووسط كل هذا يلزم أن تكون ثابتًا على مبادئك، وتتحرك وفقًا لمجموعة من القواعد الأخلاقية التي تُلزم نفسك بها.

لكن ماذا تفعل إن لم تتحسن الأشياء من حولك رغم كل هذا التخطيط والتفكير؟

يقول ريادي الأعمال والمؤلف «داريوس فوروكس»، في مقال نشره على موقع «Medium»، إنه منذ ثلاث سنوات لم يكن راضيًا عن حياته، ولا عن عمله، لسبب لم يفهمه حينها، شعر فقط بالتيه، وعجز عن معرفة ما يجب عمله.
سبح مع التيار، وفعل ما أملته عليه الحكمة التقليدية، أو ما توقع الآخرون منه أن يفعل. التحق بالجامعة، وحصل على شهادتين، وبدأ مشروعه الخاص.

لكن في لحظة ما فكر في أنه يحتاج أيضًا إلى أن يعمل في شركة متعددة الجنسيات (multinational)، ويعيش في مدينة كبيرة، ويشتري أشياء باهظة الثمن، ويقود سيارة فارهة. شعر بأنه يحاول أن يحصل على مزيد من الشهادات والمناصب والمال، أشياء لا يحتاج إليها على الإطلاق. ورغم أنه كان مثالًا للشخص الناجح في عيون من حوله، فإنه لم يكن كذلك في نظر نفسه.

يقول المؤلف «ريتشارد كوخ» في كتابه «قاعدة 80/20»: «تأتي معظم إخفاقاتنا من سباقات ندخلها في عقولنا مع الآخرين، أما نجاحاتُنا، فتأتي من سباقات دخلناها بإرادتنا الحرة».

بإمكان الجميع أن يفوز في سباق الحياة، يجب عليك فقط أن تختار السباق الصحيح. لو اخترت أن تُنجز أشياء أنت ماهرٌ فيها، سترجح كفة ميزانك.

توجد طريقة دائمًا للحياة

الصورة: maxpixel

كل فيلسوف مر في تاريخ الإنسانية يخبرك أن لا تقلق بخصوص الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها، ركز فقط على ما تتحكم فيه، هذا مفتاح السعادة.

يُكمل الكاتب داريوس فوروكس تجربة إحباطة بأنه عندما شعر بأنه عالق، لام الكون وحظه السيئ والاقتصاد وأناسًا ليس لهم علاقة بإخفاقه أو تعاسته. لكنه سريعًا ما أدرك أن اللوم مجرد شماعة، وأن استراتيجيته ليست ذات نفع. وبسبب افتقاره وحاجاته إلى الإجابات بدأ يقرأ كل ما يقع تحت يده، فقرأ عن التجارة والإنتاج وعلم النفس وريادة الأعمال والتاريخ والأحياء. وبعد قراءته لعشرات من الكتب بدأ يُلاحظ الأساليب المُتّبعة خلال شتى المواضيع.

اقرأ أيضًا: هل ينبغي أن يكون العمل الغاية الأساسيَّة من حياتنا؟

يقول «سكوت آدامز»، عالم الاقتصاد الأمريكي ورسام القصص المصورة، في كتابه «كيف تفشل في كل شيء تقريبًا وتستمر في تحقيق النجاح؟»: «لو وجدت نفسك في حالة مستمرة من الإخفاق، فربما ستلجأ إلى لوم القدر، أو الكارما، أو الغرائز الحيوانية، أو أي نوع من السحر، في حين أن الإجابة هي الرياضيات/الحسابات البسيطة».

الحياة رياضيات، يجب عليك أن تجد الأساليب لما تريد أن تحققه أيًّا كان. لنأخذ السعادة كمثال: كل فيلسوف مر في تاريخ الإنسانية يخبرك أن لا تقلق بخصوص الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها، ركز فقط على ما تتحكم فيه، هذا هو مفتاح السعادة.

«بوذا» و«سنكا» و«ويليام جيمس» وغيرهم من الفلاسفة يؤكدون هذا دائمًا. سنكا في ملاحظاته يؤكد هذه الحقيقة: كل ما يمكن أن يفسد، سيفسد، وكل ما يمكن أن يُخفق، سيُخفق، ولا حل سوى تقبُّل ما يحدث والاستعداد له. فالعاصفة ستدركك دائمًا في الأوقات التي تكون فيها في أقل حالاتك استعدادًا، ولا يوجد حل لهذا سوى أن تأخذ استعدادك، وأن تعيش حياتك بروح لا تُلقي لهذه الحقيقة بالًا. حتى الناس الذين لم يقرؤوا كتابًا، لكنهم مروا بالكثير في حياتهم، سيخبرونك بأن هذا هو مفتاح الوصول إلى السعادة.

كيف؟

بعد سنوات من العيش والتجربة، نتعلم أن ندرك الأساليب بأنفسنا. لكن، يُفضل فوروكس أن يرى الأشياء مُبكرًا، وأن يتعلم من أخطاء الآخرين، وليس من أخطائه. في ما عدا ذلك، سيستغرق الأمر عقودًا لتتعلم ما بإمكانك تعلُّمه من قراءة سيرة ذاتية.

التجربة والخطأ

الصورة: Kaboompics // Karolina

أيًّا كان نوع النجاح الذي تبحث عنه، لا تتوقف إلا بعد أن تفُك شفرته.

سكوت آدامز يقول: «الطريق موجود عادةً، لكنه ربما يكون صعبًا، وربما يكون غير مرئي، وربما مربكًا وغير مستقيم، ويستلزم منك قدرًا كبيرًا من المرونة. لذا لا تتوقف عن البحث لمجرد أنك لا ترى طريقًا في البداية».

المفتاح أن تستمر في البحث، وأن ترتكب أخطاءً وتتعلم منها. لكن تأكد أنك تتعلم أكثر من أخطاء الآخرين، تُفكر في شيء، تبحث عن الأساليب، ثم تجعله يحدث. سيبدو الأمر كالسحر، أن تتحول الأفكار المُبحرة في دماغك إلى واقع.
ما ترغب فيه يمكنك أن تناله، ليس بالسحر، بل بالرياضيات/الحسابات وحدها. وهذه بالذات لا يمكن لأحد أن يعلمك إياها، فهي مهارة خاصة تعتمد على الملاحظة المستمرة، والتجربة والخطأ.

لا سبيل إلى التقدم في الحياة دون ابتكار محاولات للتغلب على المشكلات، والفشل فيها، ثم مراجعة هذه المحاولات مرة أخرى، والمحاولة مرة تلو مرة. لا يجب أن نثق في عواطفنا لحل المشكلات، علينا أن نعتمد عليها كبوصلة، وأن نعتمد على عقولنا في الخطوات التي نخطوها.

مواضيع مشابهة