نعيش وسط حصار من عشرات الكتب التي نرغب في قراءتها لكن لا نجد الوقت الكافي، وتعلُّم مهارات القراءة السريعة يساعدك على إنجاز قائمة قراءاتك مع توفير الوقت والاحتفاظ بمستوى عالٍ من الاستيعاب.
في كتابه «الانطلاق في القراءة السريعة»، يشرح «بيتر كومب» قواعد وأساليب القراءة السريعة. عمل كومب في وظيفة مدير عام التعليم القومي لدى مؤسسة «إيفيلين وود لديناميكيات القراءة»، وكان ضمن مهامه تعليم أعضاء الإدارة الأمريكية للرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيسكون، وهنا نستعرض أهم طرق القراءة السريعة التي تضمنها الكتاب.
ذوو الخبرة في القراءة يعرفون أن الكتابة في أغلبها تتكون من زوائد لغوية مهمتها الوصل بين المعلومات المهمة، ومن أسرار القارئ السريع أن يحلِّق خلال القراءة فوق حروف الجر والكلمات الافتتاحية، مثل «في الأغلب» و«على سبيل المثال» و«بناءً عليه».
عقل الإنسان لديه القدرة على وضع روابط منطقية دون الحاجة إلى قراءة الكثير مما هو مكتوب بقصد التوضيح، لذا تجاوَز الكلمات الزائدة، وصُب تركيزك على المعلومات التي تريد الخروج بها بعد انتهائك من القراءة. على سبيل المثال: ما أعراض مرض السكر؟ أو: كم تبغ نسبة المواليد في بريطانيا؟
أكبر أسباب بطء معدل القراءة ترديد الكلمات في الذهن، فتضطر للإبطاء حتى تنتهي من ترديد الكلمات.
بتحديد هدفك من القراءة تكون قد قطعت شوطًا طويلًا في التعامل الأمثل مع الكتاب الذي تقرأه، حدد لنفسك ما الذي تريده من قراءة الكتاب، وبذلك يمكنك التحكم في سرعة قراءتك، فتستطيع أن تزيد من سرعتك في المناطق قليلة الأهمية، ثم تخفضها في المناطق الأكثر أهمية.
مثلًا، ربما يكون غرضك من قراءة كتاب عن الحرب العالمية الأولى الاطِّلاع على الحياة اليومية للجنود المحاربين ورسائلهم لأسرهم، لذا عند قراءتك يمكنك القفز على الفقرات المخصصة للمجهود الحربي للأطراف المتصارعة. أو ربما يكون غرضك معرفة وضع المرأة في الحرب، فتبدأ في برمجة عقلك على الاسترخاء في فقرات خطب القادة، ثم عند ذكر لفظ «المرأة» يصعد تركيزك إلى أعلى مستوياته.
يقول المؤلف إن أكبر أسباب بطء معدل القراءة ترديد الكلمات في الذهن كأنك في محادثة مع شخص آخر. أنت تضطر إلى الإبطاء حتى تنتهي من ترديد الكلمات في ذهنك. حاول خلال القراءة أن تمر على الجمل دون تسميعها لنفسك، وكلما وجدت نفسك تلفظ الجمل انطلق إلى الجملة التالية. انتهاؤك من إكمال نطق الجملة في ذهنك غير ضروري، رغم أنك لن تستطيع التخلص من هذه العادة نهائيًّا.
مشكلة العودة إلى ما سبق قراءته
سر القراءة السريعة أن تتعلم كيف تقرأ بتمرير بصرك على أكبر قدر من الجمل، ستكتشف أن توقُّفك عند كل كلمة غير ضروري، فعقلك يمتلك قدرة عظيمة على الفهم.
ينصح الكاتب بعدة طرق لاستخدام اليد، منها الإشارة بإصبع السبابة أو استخدام السبابة والإبهام بشكل دوري في التنقل بين الأسطر، وكذلك تمرير اليد على السطر من الوسط إلى الجانبين ثم النزول إلى أسفل مثل حركة ممسحة زجاج السيارة.
هناك طريقة أخرى هي أن تحرك أصابعك كأنك تضع علامة «/» على الكلمات. قد تبدو هذه الطريقة متعبة أو لا تستحسنها، لكن المؤلف يصر على أنها سر القراءة السريعة، وأن اتباعها أفاد مئات القراء في مضاعفة سرعة قراءتهم. يمكنك، إن وجدت هذه الطريقة عسيرة، أن تمارسها بعينيك: مرِّر عينيك على الكلمات باتباع الطرق السابقة كأنك ترسم خطوطًا عليها أو تلونها بأقلام التلوين.
اقرأ أيضًا: نُبوءَة «نهاية الكتاب المطبوع» تفضح خوفنا من التغيير
كثير من القراء يضطرون للرجوع إلى بداية الفصل أو الفقرة بسبب شعورهم بأنهم فاتهم إدراك الهدف الرئيسي الذي يقصده الكاتب.
من الوسائل التي ستساعدك على المُضي قدمًا مع الاحتفاظ بدرجة عالية من الفهم أن تتنبه جيدًا لعنوان الموضوع وأول جملة في الفقرة، فغالبًا ما تكون الفكرة الرئيسية مذكورة هناك. كذلك، مطالعة فهرس الكتاب قبل البدء في القراءة تساعدك على توقع المواضيع المطروحة، فلا تجد صعوبة في ترتيب أجزاء الكتاب وفهم وظيفة كل جزء على حدة.
مشكلة أخرى هي توقف العين على الحروف من أجل فهم الكلمة، ثم توقف العين على الكلمة من أجل فهم الجملة. يقول بيتر كومب إن سر القراءة السريعة أن تتعلم أن تقرأ بتمرير بصرك على أكبر قدر من الكلمات والجمل في المرة الواحدة، لا تخشَ عدم الفهم، جرب مرة تلو الأخرى، وبعدها ستكشتف أن توقفك عند كل كلمة غير ضروري، عقلك يمتلك قدرة عظيمة على الفهم.
ابحث عن نموذج الكاتب
لكل كاتب نموذج يتبعه لإنشاء رواياته أو مقاله، فلو اكتشفت النموذج الذي يتبعه الكاتب سيصبح الأمر سهلًا عليك لقراءة أعمال هذا الكاتب والاستفادة منها.
الروايات في الغالب تتبع نموذج شخص يقع في مأزق، ثم النتيجة التي يسفر عنها صراعه مع الظروف المحيطة. عندما تقرر بدء رواية، تصفحها مسرعًا للإلمام بالشخصيات الرئيسية وابحث عن الأزمة التي تدور الرواية حولها: هل هي جريمة قتل؟ علاقة عاطفية؟ مواجهة عدو؟ وأيضًا اسأل نفسك: ما الأماكن التي ستُذكر في القصة: مدينة برلين؟ لندن؟ بطرسبرغ؟ وما المدة الزمنية للأحداث: يوم؟ شهر؟ عدد من السنوات؟
في حالة المقالات والكتب، النموذج الغالب أن تكون المقدمة والنهاية الجزءان الأكثر أهميةً، بينما وسط المقال يكون مخصصًا لذكر أمثلة وشروحات الفكرة الرئيسية.
يوزع الكاتب أفكاره على الفقرات، فتذكر هذا جيدًا. ابحث عن الفكرة المتضمنة في الفقرة وعلاقتها بفكرة الفقرة السابقة والتي تليها، كي لا تضطر إلى بدء القراءة من جديد. وبعد الانتهاء من المقال، كوِّن ملخصًا في عقلك عما فعله الكاتب: كيف بدأ المقال؟ ما الأمثلة التي ذكرها؟ ما النهاية التي وضعها؟
عملية التفكير في المقال أو الكتاب الذي قرأته أكثر فائدةً من القراءة ثم الفرار إلى موضوع آخر، فالشيء الذي تستغرق في التفكير فيه مدة أطول يصير الشيء الذي يحظى بفرص أكبر ليبقى عالقًا في ذاكرتك.
ربما تكون معتادًا على الاهتمام باستيعاب كل شيء، وهذا ما يعيق تقدمك في الكتاب، لذا اختر لنفسك كتابًا أو رواية ليست ذات أهمية وقرر الانتهاء منها بأسرع ما يمكن، وحدد لنفسك هدفًا أن يكون هذا أسرع كتاب قرأته في حياتك. لا تهتم بموضوع الكتاب، فقط اهتم بالانتهاء منه. تجربتك في القراءة السريعة لهذا الكتاب ستنتقل لأي شيء تقرأه في ما بعد، وتُكسبك عادة القراءة السريعة لاحقًا.
قد يهمك أيضًا: 7 طرق للدراسة بشكل أفضل
أبرز نصائح القراءة السريعة
حين تقرأ كتابًا طويلًا، خذ استراحة عند انتقال المؤلف من موضوع لآخر، حتى تترك لعقلك الفترة المطلوبة لأرشفة المعلومات.
- اقرأ بسرعة قبل أن يدركك الملل وتترك الكتاب إلى الأبد
- اعرف دومًا عدد صفحات الفصل الذي تقرأه
- اقرأ العنوان بتركيز شديد حتى تتوقع المضمون
- إذا لم تستوعب إحدى الفقرات انتقل للتي تليها، فعادةً ما يقدم الكاتب أمثلة وشروحات بعد أن يذكر الفكرة مجملةً في البداية.
- لو كان الكتاب يستعرض فترة زمنية، اصنع خطة في عقلك لترتيب الأحداث
- ألقِ نظرة عامة على الموضوع ككل: بدايته ووسطه ونهايته، قبل بدء القراءة
- اهتم بكلمات مثل «قبل» و«بعد» و«أولًا» و«ثانيًا» و«أخيرًا»، من أجل سرعة الاستيعاب وهضم الموضوع، وكذلك الكلمات الإشارية مثل «على الناحية الأخرى» و«بالرغم من»، فإنها تنبهك إلى بدء الانتقال إلى مجموعة أخرى من الأفكار
- ارسم أشكالًا لولبية في ذهنك على الجمل كأنك ترسم عليها بقلم أحمر، حتى لا تتداخل في بعضها
- جرب القراءة من أسفل إلى أعلى إذا شعرت بصعوبة أو ثقل الموضوع
- أخبر أصدقاءك أنك تقرأ بسرعة، وأنك تُنهي أكثر من كتاب في الأسبوع
- عند قراءتك رواية أو كتابًا طويلًا، خذ استراحة ولو لعشر ثوانٍ عند انتقال المؤلف من موضوع إلى آخر، حتى تترك لعقلك الفترة المطلوبة لأرشفة المعلومات وتخزينها، ثم جهز نفسك للبدء بحماس في الموضوع أو الفصل الجديد
- تخيل أنك تخبر صديقك عن الكتاب الذي تقرأه بصوت عالٍ، الكاتب قال كذا وكذا، وجعل الشخصية الفلانية التي فعلت كذا يحصل لها كذا وكذا. اصنع مواقف خيالية انفعالية كي يمكنك التذكر واسترجاع المعلومة عندما تحتاجها، فعقلك لديه قدرة على تذكر المواقف الانفعالية أكثر من أي شيء آخر
- أنت مدرس في مدرسة وعليك وضع امتحان للطلبة حول الكتاب الذي تقرأه، ما الأسئلة التي ستضعها؟
- من المحتمل أنك تمر بتجربة صعبة في القراءة لأنك تقرأ في مجال جديد كالفلسفة أو الرياضيات، كل ما عليك أن تقرأ كثيرًا
- عندما تقابل أفكارًا جديدة خفض سرعتك، وارفع معدل السرعة في الفقرات السهلة
- اقرأ في أكثر من كتاب في نفس الوقت، فإذا شعرت أن الكتاب الذي تقرأه ممل وطويل ولن تستطيع الانتهاء منه خلال أسبوع أو ربما شهر، ابدأ في كتاب آخر أو رواية من نوع مختلف، سيعوضك هذا عن المتعة التي تفتقدها في الكتاب الذي بين يديك
- اطّلع على كتب مختلفة حول الموضوع الذي تريد القراءة فيه، فقد يثير واحد منها حماسك أكثر من الكتب الأخرى
- ابحث عما إذا كانت هناك أكثر من طبعة للكتاب، فمن المحتمل أن تكون إحداها أسهل في القراءة من الطبعات الأخرى
- اقرأ مراجعات الكتاب على موقعي «Goodreads» أو «أبجد»، أو المراجعات باللغة الإنجليزية على يوتيوب، ستشعر حينها أنك تشترك في تجربة جماعية، وأن قراءتك للكتاب أمر في غاية الأهمية
- اقرأ بتركيز شديد كأن حياتك في خطر وتتوقف على الكتاب الذي تقرأه، فالقراءة بتركيز منخفض تسبب عودتك أكثر من مرة لقراءة الفقرات التي قرأتها بالفعل
- القراءة السريعة تزيد قدرتك على الفهم والاستيعاب أكثر من القراءة البطيئة المتأنية
- بعد انتهائك من القراءة اسأل نفسك أسئلة من عينة «ما الذي أضافه الكتاب إليّ؟»، «ما الشيء الخاص الذي أدهشني في المعلومات الواردة في الكتاب؟»، «ما الأجزاء التي استمتعت بها أكثر من الأخرى؟»
- مراجعة سريعة للكتاب بعد الانتهاء من قراءته ستفيدك. تصفّح الكتاب سريعًا لتتذكر أهم مواضيعه، ثم حدد ما الذي تريد الاحتفاظ به في ذهنك
- القراءة السريعة تساعدك على إبقاء ذهنك مركزًا في ما تقرأ
- ربما تثير الرواية أفكارًا شخصية عن حياتك، فاترك الكتاب جانبًا حتى تكمل الفكرة التي وُلدت في عقلك
- بقراءتك الكتب، أنت تقدم خدمة لعقلك، وعقلك لن يتأخر عن مساعدتك عندما تحتاجه
- قراءة كتاب ضخم أفضل من مشاهدة مقطع فيديو قصير أو فيلم وثائقي، فمدة القراءة الطويلة تساعدك على استيعاب الموضوع أكثر داخل ذهنك
- استمع إلى الكتب الصوتية المتاحة على موقع يوتيوب (متوفرة بكثرة باللغة الإنجليزية)، وحمِّل الكتاب بصيغة «PDF»، وتابع ما ينطقه قارئ الكتاب الصوتي بعينيك، ويمكنك رفع سرعة القراءة من قائمة الاختيارات في أسفل شريط الفيديو
- اقرأ كتب النقد الأدبي ولا تكتفِ بقراءة الروايات، فالنقد يعلمك كيف يقرأ كبار الكُتاب، وبالتالي ماذا يجب أن تفكر فيه وأنت تقرأ الروايات. استخدامك وسائل النقد الأدبي يجعل القراءة ممتعة ومسلية، بدلًا من التلقِّي السلبي للرواية
- اربط قراءاتك بالأحداث الجارية في العالم لتمنح نفسك الحافز المطلوب للانطلاق في القراءة. على سبيل المثال، عند حدوث أزمة سياسية في لبنان، ربما يكون هذا هو الوقت المناسب لقراءة كتب وروايات عن الحرب الأهلية اللبنانية