الحب في زمن «واتساب»: كيف تحولت العلاقات في عصر «الشات»

الصورة: Garry Knight

أندرو محسن
نشر في 2017/07/20

كل شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا، يدرك أن هذا الهاتف قد يصبح بسهولة ضده، فمثلما هو أداة مسالمة للتواصل، يمكنه أن يتحول بسهولة إلى «قوقعة» يدخلها صاحبها لينتهي به الأمر معزولًا عن العالم.

يتحول مدمن الهاتف إلى كائن يحركه صوت الإشعارات (Notifications)، لينتقل سريعًا إلى الشاشة مفكرًا في الرد على كل شخص بما يناسبه، أيًا كان الموعد الذي جاءت فيه الرسالة.

ومثلما أصبحت الهواتف وسيلتنا الرئيسية للارتباط بالعالم، أصبحت كذلك الطريقة الأساسية للارتباط العاطفي والتواصل مع من نحبهم، وربما يرى بعض الناس هذا وسيلة سريعة للتواصل، في حين يرى آخرون أن هذا يهدم العلاقات قبل أن تولد ويحولها إلى شيء افتراضي وغير حقيقي.

هذه الرؤية هي جانب مما حاول توضيحه الكاتب والكوميدي الأمريكي «عزيز أنصاري» في كتابه «Modern Romance» (الرومانسية الحديثة) الذي قدمت «نيويورك تايمز» عرضًا له.

لماذا تغيرت ثقافة الحب؟

الممثل «عزيز أنصاري» يناقش كتابه «الرومانسية الحديثة»

يدرك عزيز أنصاري معاناتك، ويعلم جيدًا كم هو صعب أن تظل محدقًا باستسلام كامل في شاشة هاتفك بانتظار رسالة قد لا تأتي أبدًا، وكم هو أمر مهين أن تستعين بالقواميس لمحاولة فك ألغاز رسائل لا تلتزم بأي قواعد، وربما تكون مكتوبة بمزيج من العربية والإنجليزية معًا.

يذكر في كتابه أنه بذل مجهودًا ضخمًا لإرسال رسالة نصية إلى فتاة كان من المحتمل أن تصبح حبيبته، ثم دخل في حالة عنيفة من القلق والحزن والغضب عندما لم ترد عليه. بالتأكيد يذكر القارئ تعرضه لموقف مشابه من قبل، فعادة يصبح انتظارنا للرد على رسالة عابرة مع من نحب، أقوى من انتظارنا لرسالة القبول في وظيفة جديدة.

يتسأل أنصاري: ما الذي أحدثته تطبيقات المراسلة في حياتنا؟ ولماذا أصبح أمرًا تقليديًا أن ترسل بعض الفتيات صورًا عارية لأشخاص يعرفونهن بالكاد؟

هكذا يصف «أنصاري» حالته، وحالتنا، أثناء انتظار الرسالة بدقة.

يمر الوقت ببطء، ونطالع الشاشة كل ثانية، وربما نتفقد توصيلات الإنترنت مرة بعد أخرى، ثم نبدأ في مراجعة الرسالة وتخيل الكثير من السيناريوهات.

«هل كان يجب أن أضيف المزيد من حروف المد في هذه الكلمة لأدلل على حماسي؟»، ثم مرحلة الخطر، «بالتأكيد حدثت كارثة لهاتفها، سُرق أو غرق أو ربما انفجر» وربما يصل الأمر إلى «بالتأكيد حدثت كارثة لها شخصيًا، خُطفت أو غرقت أو ربما انفجرت»، رغم أن الإجابة قد تكون في الواقع أبسط كثيرًا: هي لا تريد أن ترد.

هذا الكتاب هو الأول لـ«أنصاري»، وجاءته الفكرة بعد عرض قصة حبه الفاشلة في عرض كوميدي، إذ رأى أن سيناريو قصة الحب تلك منتشر بالفعل وليس حالة فردية، مما دفعه للتساؤل: لماذا تغيرت ثقافة الارتباط بدرجة كبيرة في العصر الحديث؟

قد يعجبك أيضًا: الثورة التقنية المضادة: هل حان الوقت لهجر التكنولوجيا؟

الحب في عصر «الشات»

المحادثات عن طريق تطبيق الواتساب
الصورة: Anton

يطرح أنصاري عددًا من التساؤلات المهمة في كتابه: ما الذي أحدثته تطبيقات المراسلة في حياتنا؟ ولماذا أصبح أمرًا تقليديًا أن ترسل بعض الفتيات صورًا عارية لأشخاص يعرفونهن بالكاد؟  وكيف أصبح بعض الناس يستغني عن ممارسة الجنس الطبيعي في مقابل استخدام أدوات صناعية؟

نظر أنصاري في الرسائل التي يحاول البعض فيها تقديم أنفسهم بصورة تقليدية، بعبارات تشبه «ممكن نتعرف؟» أو «أنا شاب جاد وأرغب في الارتباط».

ما يميز أنصاري للكتابة في هذا الموضوع، أنه كبير بما يكفي لإدراك ما كانت عليه الحياة قبل عصر الهواتف الذكية، لكنه شاب أيضًا، لذا يدرك مدى تأثير هذه الهواتف بتطبيقاتها المختلفة في العلاقات حاليًا، وحاول استكمال الكتاب بجانب نظري أكاديمي، عن طريق الاستعانة بأستاذ علم الاجتماع «إريك كلايننبرغ».

سعى الكاتبان إلى النقاش مع الكثير من الشباب من عدة دول، وقابلوا عددًا من المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس لمحاولة الإحاطة بكل التفاصيل حول علاقات الحب والمواعدة الحالية.

قد يهمك أيضًا: الرومانسية الحالمة قد تفسد صحتك

نظر أنصاري وكلايننبرغ في الرسائل التي يحاول البعض فيها تقديم أنفسهم بصورة تقليدية، تُقابل عادة بالرفض، وهي الرسائل التي تأتي بعبارات تشبه «ممكن نتعرف؟» أو «أنا شاب جاد وأرغب في الارتباط»، مع عدد من «الإيموجي» المبتسمة.

وجد الكاتبان أن بعض الناس يقطع شوطًا كبيرًا في علاقة على الإنترنت، ليكتشف لاحقًا أن الطرف الآخر متزوج أو مرتبط بالفعل،  وتروي إحدى السيدات في الكتاب عن تجربتها، أنها عندما بحثت على غوغل عن الشخص الذي يواعدها، اكتشفت أنه متزوج، ويخطط بالفعل للخروج مع زوجته في اليوم نفسه، الذي اتفقا على اللقاء فيه.

أسئلة العصر

المحادثات الإلكترونية
الصورة:terimakasih0

كيف يقضي بعض الناس أسابيع في المحادثات الإلكترونية دون أي مقابلة ويسميان هذا ارتباطًا؟ تلك العلاقات تنتهي فجأة دون مقدمات واضحة، كما بدأت فجأة.

يطرح الكتاب كذلك سؤالًا آخر: لماذا يفضل هؤلاء الكتابة ولا يستخدمون مكالمات الهاتف؟ جاءت الإجابة على لسان إحدى الفتيات التي قالت إن المكالمات «تصيبها بالتوتر».

لكن هناك أسبابًا أخرى للتواصل الإلكتروني الافتراضي، فسكان المدن الكبرى يعانون من الزحام، وتُثقلهم دوامات العمل، فيجدون في الإنترنت وسيلة أفضل وأسرع للتواصل، بينما يعاني سكان المجتمعات الصغرى من مشكلة أصعب، وهي أن اختيارات الارتباط قليلة بالفعل، وإن لم تتحرك بسرعة لن تجد من ترتبط به، هكذا يكون التعارف على الإنترنت مخرجًا من هذا الفخ.

وتعاني المجتمعات العربية من هذه المشكلة الأخيرة في صورة أخرى، إذ إن المحاذير المجتمعية في بعض الدول تحول دون التعارف أو اللقاء الطبيعي، فيكون واتساب وفيسبوك هما الحل.

يذكر «أنصاري» أن أهم ما تعلمه خلال بحثه لإعداد الكتاب، أن جميعنا جرب هذه الأمور، لكن أهم ما يقدمه هو محاولة الابتعاد قليلًا عن الشاشة ومحاولات إقامة ارتباط حقيقي يرى كل شخص فيه الآخر على طبيعته، وربما يقلل هذا من فرص الخداع ويرفع من فرص التفاهم، لكن تبقى كل الاحتمالات قائمة في النهاية. 

مواضيع مشابهة