لا يكاد المُعلِّم يشرع في شرح الأجهزة التناسلية، حتى يبدأ همس الطلاب وتورُّد خدود الطالبات خجلًا، ممَّا يدفعه إلى إنهاء الدرس بسرعة، ذلك أن ثقافة الحديث عن الجنس فى مجتمعاتنا العربية منعدمة، فهي منطقة لا يوغل فيها أحد إلا للضرورة، وعلى استحياء.
لكن الأمر يختلف في المجتمعات الغربية، ففي ألمانيا، بحسب «دويتشه فيله»، هناك حصص تدريسية حول موضوع الجنس. وعرضت القناة الثانية الألمانية برنامجًا تحت اسم «Make Love» حول كيفية تحسين العلاقة الجنسية بين الزوجين والمحافظة على الصحة الجنسية. وفي هولندا، تبدأ حصص فهم الجنس منذ سن الرابعة.
أما بريطانيا فقد أقرت منذ أشهر تدريس التربية الجنسية بشكل إجباري في المدارس، وتبدأ الدراسة مع الأطفال من عمر أربع سنوات عن العلاقات الصحية والآمنة، فيما سيتلقى الطلاب في الصف الثانوي دروسًا ملائمة لأعمارهم حول الجنس، إذ إن الإعلان الحكومي يعني أن كل المدارس الإنجليزية ستكون ملزمة بتدريس مناهج تحذر من مخاطر المواد الإباحية الإلكترونية والمحادثات الجنسية والتحرش.
وسط هذا الانفتاح العالمي والإصرار على تعليم التربية الجنسية بطرق فعالة، لماذا نخشى في مجتمعاتنا العربية تدريس الثقافة الجنسية؟
أصوات عربية طالبت بتدريس الجنس
أشار عادل حمودة إلى أن مصر تشهد أكبر معدلات الطلاق بسبب نقص الثقافة الجنسية، لرفض تدريس الجنس في المدارس.
يرى عديد من الأطباء النفسيين أن دراسة التربية الجنسية ضرورة، فيقول الطبيب النفسي المغربي أبو بكر حركات، المتخصص في علوم الاضطرابات الجنسية، في حديث له مع «دويتشه فيله»، أن «محتويات مادة التربية الجنسية ليست دروسًا في البورنوغرافيا، بل تستهدف توعية الشباب حول التغيرات الهرمونية التي تحصل عند البلوغ، إلى جانب توعيتهم بالأمراض الجنسية المعدية ومعلومات حول المثلية».
في عام 2015، أثارت الفنانة المصرية انتصار موجة جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وصل إلى أروقة المحاكم، بعد أن تساءلت في برنامج تليفزيوني على فضائية «القاهرة والناس»، عمَّا قد يفعله الشباب حال عدم قدرتهم على الزواج، معتبرةً أن «الأفلام الإباحية حل مؤقت لحين الزواج».
قالت انتصار إن هذه الأفلام، إضافةً إلى الكتب، تساعد كثيرين في شرح العلاقة الجنسية قبل الزواج، وانتقدت الدول التي تحجب تلك الأفلام، مؤكدةً أنها تشهد معدلات أكبر للمثلية الجنسية.
اقرأ أيضًا: لماذا تشعر المرأة العربية بالعار عند التفكير في الحب أو الجنس؟
دافع الكاتب الصحفي عادل حمودة عن انتصار، مشددًا على ضرورة محاكمة وزارة التعليم قبل محاكمة انتصار، ومشيرًا إلى أن مصر تشهد أكبر معدلات طلاق بسبب نقص الثقافة الجنسية بين الشباب، لرفض وزارة التربية والتعليم تدريس الجنس في المدارس.
من زاوية دينية، أيَّد الداعية الاسلامي محمد وهدان، الأستاذ في جامعة الأزهر، تدريس الثقافة الجنسية عبر الفضائيات، وقال: «الثقافة الجنسية لا تحتاج إلى تدريس أو تعليم، بل تحتاج إلى آداب تتفق مع الدين».
الكاتب الصحفي وطبيب الأمراض الجلدية والتناسلية خالد منتصر دعا عام 2010 إلى تدريس الثقافة الجنسية في المدارس، وذلك عقب صدور كتابه «الجنس تواصل لا تناسل»، الذي ينقسم إلى ثلاثة فصول: الجنس تواصل لا تناسل، الجنس والعلم، الجنس والدين.
يناقش المؤلف عديدًا من القضايا الجنسية، ويدعو إلى تغيير المعتقدات السائدة لدى كثيرين، والتأمل والتفكر من منظور مختلف، مشيرًا إلى أن الجنس ليس غريزة حيوانية ولكنه من أرقى الغرائز الإنسانية، ويؤكد أن تدريسه ليس مسؤولية مدرس العلوم فقط، بل المدرسين كافة.
الثقافة الجنسية وفقًا لمفهوم الغرب
عام 1995، اجتمعت دول العالم بدعوة من الأمم المتحدة لمناقشة قضايا تخص المرأة، وانتهت إلى ما يُعرف بـ«وثيقة بكين»، التي وقعتها عديد من الدول العربية والإسلامية، ونصت على أهمية تدريس مادة تحمل عنوان «الثقافة الجنسية»، لكن محتوى الوثيقة بالنسبة لتعامل الغرب مع الجنس يختلف عنه في المجتمعات الإسلامية، وهو ما ظهر عندما انتقد الأزهر والجماعات الدينية تلك الوثيقة، واعتبروها مخالفة للشريعة الإسلامية.
رأى الأزهر أن وثيقة بكين تسمح للأمم المتحدة بفرض النمط السلوكي الغربي، متناسيةً خصوصية بعض المجتمعات.
تنص تلك الوثيقة على المطالبة بتقديم خدمات الصحة الإنجابية للأطفال والمراهقين عن طريق التعليم والإعلام، وذلك لتعليم المراهقين ما يسمى بالجنس الآمن، أي كيفية ممارسة الجنس مع توقي حدوث الحمل أو انتقال الأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي، وتوفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس، وإباحة الإجهاض بحيث يكون قانونيًّا، والمطالبة بالمساواة بين الجنسين في جميع الحقوق.
تتضمن الوثيقة كذلك السماح بمبدأ حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية من ذكر إلى أنثى ومن أنثى إلى ذكر، أو أن يختار أن يكون بينهما، لأن الوثيقة تقر الاعتراف بالمثليين، والمطالبة بإدراج حقوقهم ضمن حقوق الإنسان، ومنها حقهم في الزواج وتكوين أُسَر، وتبنِّي الأطفال، أو ما يُعرف بـ«تأجير البطون».
لجنة البحوث الفقهية في الأزهر خرجت في 13 مارس 2005 ببيان سعى إلى تفنيد تلك الوثيقة وبيان الاعتراضات عليها، في دراسة أجراها كلٌّ من الدكتور محمد رأفت عثمان، والدكتور جمال الدين محمود، ومفتي مصر في ذلك الوقت الدكتور علي جمعة. وقال البيان إن الأمم المتحدة تحاول فرض النمط السلوكي الغربي على جميع المجتمعات، متناسيةً خصوصية المجتمعات الأخرى.
قد يهمك أيضًا: التفحيط حرام والتصوير شِرك: رحلة في مناهج الدين السعودية
وافق البيان على تعليم الطلاب الأمور المتعلقة بالجنس بشرط عدم الإثارة ومن خلال استخدام الألفاظ الموحية، كما يحدث في معاهد وكليات الأزهر، التي يدرس فيها الطلاب منذ المرحلة الإعدادية مثل هذه الأمور في إطارها الفقهي.
وضَّح البيان أن الشرائع السماوية حرمت الممارسة الجنسية غير المشروعة، وبالتالي يتفادى الإسلام اللجوء إلى وسائل «إباحة الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه، وتوزيع وسائل منع الحمل على الأطفال».
رؤية الإسلام للثقافة الجنسية
بيان لجنة البحوث الفقهية بالأزهر لم يسجل اعتراضاته فقط على الوثيقة، بل كشف رؤية الإسلام لتدريس الثقافة الجنسية، بقوله إن الإسلام يعطي للزوجين الحق في اتخاذ قرار الإنجاب حسب مقتضيات حياتهما الصحية، وليس ذلك للمرأة وحدها بقرار انفرادي تحدد به مصير جنينها.
قد يعجبك أيضًا: العلم والتعليم كأداتي سيطرة على الإنسان
يرى البيان أن العلاقة الجنسية المشروعة بين الأزواج أتت لأغراض سامية، تتمثل في تحقيق عفة الزوجين وتحصينهما من العلاقات الجنسية الآثمة، والرغبة في الإنجاب لبقاء النوع، إذ ليس المقصد الوحيد هو المتعة واللذة كما رأت الوثائق الدولية.
لا يعترف الإسلام كذلك إلا بشكل واحد للأسرة، يجمع بين رجل وامرأة في زواج شرعي صحيح ويجرم ما عدا ذلك.
لماذا الخوف من تدريس الجنس؟
الخوف من مادة الثقافة الجنسية لا يقتصر على العرب في المجتمعات العربية، بل انطلق لأذهان العرب في الغرب.
عبْر موقع «إسلام ويب»، المقرب من خط جماعة الإخوان المسلمين، رأى عدد من المتخصصين في الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر أنه لا يجب تدريس مادة الثقافة الجنسية بشكل منفصل، لأن ذلك سيلفت الانتباه ويتضمن لونًا من الإثارة في العنوان ذاته، ويمكن تدريس الثقافة الجنسية في إطار الثقافة الجسمانية التي تتناول الثقافة الفكرية السمعية والبصرية، حتى لا يتم التركيز على جزئية التمتع والإثارة وإشباع الرغبات وإهمال بقية أجهزة الجسم.
اقترح هؤلاء المتخصصين كذلك أن تُدرَّس الثقافة الجنسية في إطار مادة الثقافة الإسلامية العامة، ويمكن أن تقسَّم إلى جزء يدرَّس ضمن الدين، وهو ما يتصل بفقه الطهارة والغُسل، وجزء يدخل فى مادة العلوم، وهو ما يتصل بوظائف الأعضاء، وجزء في الاقتصاد المنزلي ضمن النظافة العامة وبعض النواحي الصحية، ليتفادوا بذلك فكرة تدريس الثقافة الجنسية بشكل مباشر، ورفض عديد منهم فكرة التثقيف الجنسي في المدارس مخافةَ أن يتحول الأمر إلى «تهريج»، ورفضوا أيضًا تدريس تلك المناهج قبل المرحلة الجامعية.
حالة الخوف من تلك المادة لا تقتصر على العرب الموجودين في المجتمعات العربية، بل انطلقت إلى أذهان العرب في الدول الغربية، إذ استطلعت «دويتشه فيله» آراء عينة من الذكور والإناث العرب في ألمانيا، فقالت إحداهن إن «هذه المادة لا تتناسب مع قواعد الأدب التي نشأت عليها وتربَّت».
اقرأ أيضًا: تحكُّم الوالدين يجعل الأطفال أميل إلى القلق وجلد الذات
يُرجِع كثيرون السبب الأهم لمعاداة الأهل لمادة التربية الجنسية إلى الخوف من أن تؤدي هذه الدروس إلى زيادة الجرأة لدى الشباب للقيام ببعض التجارب الجنسية في سن مبكرة، وهو ما يرون أنه «لا يتناسب مع القيم الأخلاقية في المجتمع العربي».
هذه الخشية من التطرق إلى موضوع موجود في حياتنا اليومية ليس ثمة ما يبررها سوى الخوف من المجهول، أيًّا كان ذلك المجهول. فالعلاقات الجنسية موجودة بين الشباب العرب، ويسعى عديد منهم إلى تثقيف أنفسهم عبر الإنترنت، والأدهى من ذلك هو قضايا الاعتداء الجنسي على القاصرين أو على الفتيات، دون أن يكون هناك وعي بخطورة ذلك وبكيفية دفاع هؤلاء عن أنفسهم.
غير أن بعض الناس يتذرع بذرائع دينية وأحيانًا اجتماعية مثل «التهريج» ليتفادى الخوض في ذلك، لنُبقِي على رؤوسنا في التراب، أو نلتفت إلى مكان آخر بعيدًا عن الواقع الذي نعيشه. وحتى نصل إلى واقع نكون فيه أكثر انسجامًا مع أنفسنا وطبيعتنا البشرية كمجتمعات، تبقى المسؤولية على الأسرة في تثقيف أبنائها جنسيًّا.