كيف أكون سعيدًا؟ بحث الإنسان منذ نشأته عن سُبُل السعادة، ووضع المفكرون والباحثون هذا الأمر صوب أعينهم لعقود طويلة، في محاولة للوصول إلى إجابة شافية توفر على البشر عناء دخول تجارب فاشلة سعيًا وراء هذه الغاية المستعصية رغم بساطتها، ولم يندرج الجنس في أيٍّ من إجاباتهم.
عرض مقال منشور على موقع «سايكولوجي توداي» هذه النظريات، وفصَّل لنا أحدث ما توصل إليه العلماء في رحلة استكشافهم سُبُل السعادة الإنسانية، وفاجأهم الموقع الذي احتله الجنس من هذه السُّبُل.
البحث عن السعادة
في وقت ما، وجد بعض العلماء ضالتهم في نظرية «النموذج الثلاثي للسعادة»، التي تحصر حياة البشر في ثلاثة جوانب أساسية: مشاعر الإنسان الإيجابية، وأحاسيسه السلبية، وأحكامه العقلية التي يحكم بها على الحياة.
لم تتطرق هذه النظرية إلى رغبات الفرد وأفعاله، لذلك عُرفت ببساطتها، ولكنها لم ترضِ الباحثين عن السعادة، فاستمر البحث.
دافع علماء آخرون عن نظرية «تحقيق الذات»، لعلها تفتح بابًا إلى فهم السعادة وشروطها، وركزت هذه النظرية على احتياجات الإنسان النفسية التي لا تقل قيمةً عن احتياجاته الجسدية المتمركزة حول الطعام والشراب والمأوى.
بحسب هذه النظرية، يسعى الإنسان إلى الانتماء لمكان ما، مثل وطن أو جماعة أو طائفة، بالإضافة إلى سعيه الدائم للتحكم في الطبيعة من حوله وإخضاعها له، ورغبته في تحقيق الاستقلال الجماعي أو التمتع بحريته الفردية بعيدًا عن أي سُلطة عليا، تجبره على فعل ما لا يرغب وتتحكم في أمور حياته.
يظل الجنس غائبًا عن حسابات المُنظرين في هذا النموذج، بحسب المقال، فهل يمكن أن يعيره الباحثون بعضًا من الاهتمام في ما بعد؟
نظرية «بيرما»، وجهود دون طائل
يفكر الإنسان دومًا في الجنس، ولديه أحلام جنسية يتمنى تحقيقها، لذلك لا بد للعلاقات الجنسية من فرض نفسها على دراسات علم النفس.
في أواخر العقد الماضي، أطل علينا الطبيب النفسي الأمريكي «مارتن سيليغمان»، مؤسس مجال «علم النفس الإيجابي»، بنظرية «بيرما»، لعله يضع نهاية لسعي الإنسان الدائم نحو السعادة والحياة الجيدة، فإلامَ انتهت جهوده؟
تقترح نظرية «بيرما» خمسة عوامل فعالة، إذا نجح الإنسان في تحقيقها مجتمعة سيصل إلى السعادة، وهذه العوامل هي الحرص على المشاعر الإيجابية، والانخراط الدائم في الأنشطة المختلفة، وإقامة علاقات مع الآخرين، وإيجاد هدف نافع لحياته، والنجاح في عمل يجيد أداءه.
رغم محاولات سيليغمان الدؤوبة، يرى كاتب المقال أن نظريته تظل مختزلة وغير كاملة، ويطرح مجددًا السؤال نفسه: لماذا تتجاهل نظريات السعادة المعاصرة الجنس؟
يفكر الإنسان دومًا في الجنس، ولديه أحلام جنسية يتمنى تحقيقها، لذلك فلا بد للعلاقات الجنسية من فرض نفسها على هذه الدراسات، لأنها تمثل جانبًا مهمًّا من حياة البشر.
هل يرتبط الجنس بالسعادة؟
انتبه بعض الباحثين إلى العلاقة بين الجنس والسعادة أخيرًا، فأجروا دراسة على 16 ألف مواطن أمريكي، وتوصلوا إلى أن النشاط الجنسي المنتظم ينتج عنه شعور أكبر بالسعادة، بغض النظر عن عمر الشخص أو جنسه.
أظهرت الدراسة أن إحدى الفئات المشاركة التي ضمت 3600 شخص، وكانت لديها حياة جنسية ثرية، ويصل أفرادها دومًا إلى النشوة ويشبعون احتياجاتهم العاطفية والجسدية في العلاقة الحميمة، كانوا أكثر سعادةً من غيرهم.
لكن هذا لا يعني أن المزيد من الجنس يؤدي لمزيد من السعادة، فقد أشارت دراسة أخرى عن العلاقات العاطفية إلى أن من يمارسون الجنس عدة مرات أسبوعيًّا ليسوا أكثر سعادةً من الذين يمارسونه لمرة واحدة في الأسبوع.
يعتقد معظم الناس أننا نجد معنى الحياة بعد تأملات عميقة وتجارب روحية أو ميتافيزيقية، لكن بعض علماء النفس يرون غير ذلك.
يلفت الكاتب انتباهنا إلى أن هذه الأبحاث تستند إلى استطلاعات رأي يملأها المشاركون معًا وفي الوقت نفسه، دون أخذ بعض العوامل الأخرى في الاعتبار، مثل هل المشارك في مزاج جيد؟ هل سيمارس الجنس غدًا؟ أيمكن أن تكون المرة القادمة أحسن من سابقتها؟ هل من الممكن إذا حصل المشارك على علاقة حميمة رائعة اليوم أن يتحسن مزاجه غدًا؟ هل يرتبط المزاج الجيد بالوصول إلى النشوة؟
تستحق هذه الأسئلة أن تُدرج في أثناء إجراء الأبحاث للخروج بنتائج أقرب إلى الصحة، وهذا ما طُبق في دراسة أخرى يورد المقال نتائجها.
العلم يؤكد: مارس الجنس لتسعد
تؤثر العلاقة الحميمة في سعادة الرجل والمرأة بالدرجة نفسها.
قضت عالمة النفس «لورا كينغ» أكثر من 10 سنوات في البحث لتجد بعض نقاط الضعف في الطريقة التي ننظر بها إلى «الحياة ذات المعنى».
يعتقد معظم الناس أننا لا نجد معنى الحياة إلا بعد تأملات عميقة في الكون والوجود، وتجارب روحية أو ميتافيزيقية نادرة. لكن كينغ ترى، بعكس ذلك، أننا نعثر على معنى الحياة في ممارسة الأنشطة الدنيوية البسيطة التي توفر قدرًا من المتعة، وقد تبدو تافهة في نظر بعض الناس، مثل الاستماع إلى الموسيقى أو فهم الفن المعقد، إذ تفتح هذه الأنشطة المجال لنا لنفهم أنفسنا والعالم، وتمكننا من إيجاد الهدف لحيواتنا.
ربما تجد شعورًا بالمعنى في الحياة إذًا حين تركب سيارة أجرة إلى مقابلة عمل، فتضيء كل الإشارات في طريقك باللون الأخضر، وكأنها إشارة إيجابية تدعو إلى التفاؤل. يشعر الإنسان بمعنى الحياة عندما يحصل على الأمل من الأحداث اليومية البسيطة دون تعقيد، ودون التظاهر بالذكاء والقوة والاستقرار النفسي، ولعل هذا ينطبق كذلك على العلاقات الجنسية.
دار بحث كينغ كالآتي: أبلغ المشاركون الباحثين لمدة 21 يومًا متعاقبًا عمَّا إذا كانوا قد مارسوا الجنس أم لا، وقيَّموا جودة العلاقة التي مروا بها، ومشاعرهم الإيجابية والسلبية، وإحساسهم بقيمة الحياة.
بحسب المقال، وجدت الدراسة أن الجنس يعزز شعور المشاركين بالسعادة في اليوم الذي يلي العلاقة الحميمة مباشرة.
إضافةً إلى ذلك، حملت البيانات بعض النتائج المثيرة التي لا سبيل إلى تجاهلها في ما يخص العلاقة بين السعادة والجنس. فأولًا، لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، إذ تؤثر العلاقة الحميمة في سعادتهما بالدرجة نفسها. وثانيًا، لا فرق بين ممارستك للجنس مع حبيبك أو شخص تحتمله بالكاد، إذ سيؤدي إلى تحسين مزاجك في جميع الحالات.
ماذا يعني كل ذلك إذًا؟
دون جنس جيد لن تصل إلى السعادة، هكذا يرى بعض الباحثين، فنظرية «بيرما» و«تحقيق الذات» و«النموذج الثلاثي لتحقيق السعادة»، كل ذلك لن يساعد الإنسان في إيجاد سعادة حقيقية ومستمرة إذا استمر في إهمال البعد الجنسي من حياته.