عام دون شراء: حياتنا تتغير لو توقفنا عن التسوُّق

الصورة: Getty/Edwin Remsberg

دينا ظافر
نشر في 2018/02/06

هل يمكننا أن نقرر التوقف عن الشراء لعام كامل دون أن تضعف إرادتنا، في مجتمعات أصبحت تتسم بطابع استهلاكي طاغٍ؟ هل يمكننا أن نقرر أن لدينا ما يكفينا دون أن تقهر عزيمتنا المنتجات الجديدة؟ هذا ما قررته الكاتبة «آن باتشيت»، بعد أن سبقتها إحدى صديقاتها إلى هذه التجربة ونجحت فيها.

قررت صديقة آن قبل عدة سنوات التوقف عن الشراء لعام، بعد أن شعرت أنها تشتري الكثير من الأغراض خلال أسفارها، فعاهدت نفسها أن تكتفي بما لديها ولا تشتري أحذية أو ملابس أو مجوهرات لمدة عام كامل، ولم يكن القرار صعب التنفيذ.

كيف ساعدت هذه التجربة الفريدة الكاتبة على اكتشاف الكثير عن نفسها وحياتها؟ هذا ما يستعرضه مقال منشور على موقع «The New York Times».

لا شراء: الكاتبة تضع قواعد التجربة

سمحت آن لنفسها بشراء الكتب لأنها تكتب وتمتلك مكتبة، لكنها تعترف بأنه كان يمكنها التخلي عن شراء كتب جديدة والاكتفاء باستئجارها أو قراءة ما تملكه.

تحكي الكاتبة أنها نجحت فعلًا في خوض تجارب مماثلة امتنعت فيها عن الشراء خلال الأعوام الماضية، لكنها كانت لفترات أقصر، فتوقفت عن الشراء خلال فترات الأعياد لعدة سنوات، وكانت دائما تشعر أنها في حالة أفضل بعدها، لكنها لم تتجرأ على اتخاذ قرار التوقف عن الشراء لمدة عام سوى في 2016.

عندما قررت باتشيت التوقف عن الشراء، كان قرارها ينحصر في شراء الملابس مثلما فعلت صديقتها، لكن بعد مرور الأسبوع الأول من العام، اشترت الكاتبة مكبرات صوت وشعرت بعدها بالذنب، فقررت أن الإلكترونيات ينبغي أن تدخل قائمة الممنوعات.

وضعت الكاتبة لنفسها مجموعة من القواعد، أرادتها جادةً وإن لم تكن صارمة إلى الدرجة التي تدفعها إلى الاستسلام سريعًا. قررت أن تمتنع عن شراء الملابس والإلكترونيات، على أن تسمح لنفسها بشراء ما تريده من بقالة وزهور. رأت كذلك أن تسمح بشراء الشامبو، وحبر الطابعة، والبطاريات عندما ينفد ما لديها. وقررت كذلك أن تشتري تذاكر الطيران وأن تذهب إلى المطاعم، وأن تسمح لنفسها بشراء الكتب لأنها تكتب وتمتلك مكتبة، لكنها تعترف بأنه كان يمكنها أن تتخلى عن شراء كتب جديدة وتكتفي باستئجارها أو قراءة ما تملكه.

موضوع شراء الهدايا كان تهديدًا لتجربتها، فهي تحب أن تَهِبَ الهدايا، فكان أن قررت أن تعطي كتبًا كهدايا في المناسبات، غير أنها لم تستطع الالتزام بذلك الشرط على طول الخط، فعندما تزوج زميل لها في العمل، لم تعطه كتابًا، بل اختارت هدية مناسبة، كانت باهظة الثمن بعض الشيء، لكن لا بأس طالما لا يحدث هذا كل يوم.

ترى الكاتبة أن لهاث شراء الهدايا كان يجب أن يتوقف، فلا ينبغي أن تتمثل محبتنا للآخرين في ما نعطيه لهم من هدايا. كانت صديقتها قد قررت أن تعطي الآخرين «وقتًا»، فكانت تعمل جليسة لأطفالهم أو تساعد في التنظيف، وهذا كان الأصعب من وجهة نظرها، فالوقت قيم للغاية.

قد يهمك أيضًا: ﻻ تشترِ السلعة، اشترِ التجربة

لا تشترِ: اكتشافات وهدايا

 

كانت الشهور الأولى من الامتناع عن الشراء حافلة بالاكتشافات، فقد نفد ما لدى باتشيت من ملطِّف الشفاه، وقبل أن تقرر ما إن كان حاجة أساسية تستدعي خروجًا استثنائيًّا على القواعد، بحثت في أرجاء المنزل علها تجد إصبعًا أو اثنين في أحد الأدراج أو جيوب الملابس، فوجدت خمسة. وعندما بحثت عن قطع الصابون ومستحضرات الشعر والبشرة، وجدت منها كمية تكفي لعدة أعوام تحت حوض الحمام، فقد كانت تلقي بما لا يعجبها هناك.

في مارس، أرادت باتشيت اقتناء جهاز «fitbit»، الذي يُلبس كسوار حول الرسغ لقياس الوزن ومعدل النشاط وساعات النوم، وظلت الفكرة تلح عليها لأربعة أيام ثم تبخرت. تذكرت الكاتبة درسًا تعلمته وهي صغيرة على يد والديها، فقد قالا لها إنها لو أرادت شيئًا ثم انتظرت قليلًا قبل أن تقرر شراءه، فمن المحتمل جدًّا أن رغبتها في شرائه ستزول.

سر نجاح تجربة الامتناع عن الشراء، وفق الكاتبة، يكمُن في التوقف عن «التسوق» وليس الشراء، فلا ينبغي تفقُّد صفحات الخصومات على الإنترنت في أوقات الفراغ، وينبغي التخلص من كتيبات عرض البضائع بإلقائها في سلة المهملات دون فتحها، فلو لم نرَ ما فيها، لن نُقدم على الشراء. وبعد مرور نصف العام، كانت الكاتبة تصحب أمها أو أختها في رحلاتهما للتسوق وتعطيهما رأيها، دون أن تشعر هي برغبة في اقتناء ما يقيسانه من ملابس.

تري باتشيت أن التوقف عن التسوق يوفر كمية مدهشة من الوقت. وفي أكتوبر، أجرت لقاءً مع الممثل الأمريكي «توم هانكس» بخصوص مجموعته القصصية التي أصدرها عام 2017، وجرى اللقاء أمام 1700 شخص. في السابق، كان لقاء كهذا يتطلب من وجهة نظرها شراء فستان جديد، وكان شراؤه يتطلب إضاعة يومين من حياتها في التسوق. لكن لا هانكس ولا الجمهور رأوا فساتينها، فاختارت فستانًا من دولابها يناسب الجو ووضعته في حقيبتها، وانتهى الأمر.

تقول الكاتبة إنها ساعدت إحدى صديقاتها في الصيف، فأهدتها صديقتها حذاء تنس في المقابل، فغمرتها السعادة عند تلقيها الهدية. بعد أن توقفت عن الشراء، بدأت تشعر بالامتنان الكبير لكل ما يصلها من هدايا.

لا يكلف التخلص من التوق إلى الشراء وقتا طويلًا، مهما كان ما نشتاق إلى شرائه، ففور أن اعتادت الكاتبة فكرة التوقف عن الشراء، لم يعد الأمر صعبًا. الأصعب هو التعامل مع الوفرة التي تتحقق بمجرد أن تتوقف عن محاولة جمع مزيد من الأشياء. فعندما أدركت الكاتبة كَمّ ما تملكه من أشياء وما تهتم به فعلًا، تملّكها شعور دفعها إلى التساؤل: متى جمعتُ كل هذه الأشياء؟هل يا ترى يحتاج إليها شخص آخر؟

التوقف عن الشراء كشف قِيمًا نبيلة

الصورة: Ed Yourdon

ثَمّة فارق كبير بين اختيارك أن لا تشتري وأنت تملك المال، وعجزك عن الشراء. الامتناع عن الشراء لا يساويك بالفقراء، بل يؤهلك لفهم ما يمكن أن تفعله لتساعد الآخرين.

ترى الكاتبة أنه عندما تتوقف عن التفكير في ما قد تريده، يسهل عليك أن ترى ما ينقص الآخرين. هناك سبب يجعل كل الأديان تعتبر المتعلقات المادية عائقًا أمام السلام النفسي، فلهذا السبب ترك «سيدهارتا» قصره ليصبح بوذا. ولهذا السبب اعتبر المسيح أن الفقراء مباركين. ولهذا كذلك قطعت نينا، راهبة عجوز صديقة الكاتبة، عهدًا بالزهد حين دخلت الدير في الثامنة عشرة من عمرها.

كانت نينا مدرسة القراءة عندما كانت كاتبة المقال في الصف الأول الابتدائي، ومنذ ذلك الحين تعلمت الكاتبة منها الكثير. وعندما كانت تسألها إن كانت تريد شيئًا تشتريه لها، كانت الراهبة تهز رأسها قائلة: «كلها أشياء لا قيمة لها».

الأشياء التي نشتريها ونراكمها تكون مثل طبقة ثقيلة من الفازلين تغطي الزجاج: من ورائها نرى بعض الأشكال المبهمة، ففي خِضَم توقنا إلى ما نريده ولم نحصل عليه، نفقد تفاصيل الحياة الجميلة. تقول الكاتبة إنها توصلت إلى فهم أفضل للمال باعتباره شيئًا نكسبه ثم ننفقه في أشياء ونوفره لأشياء نحتاجها ونريدها فعلًا. وعندما تجاوزتْ مرحلة الخضوع للرغبات وأصبحت أكثر صدقًا بشأن ما تحتاجه، أصبح إعطاء المزيد من أموالها إلى من يحتاجه أكثر سهولة.

ثَمّة فارق كبير بين اختيارك أن لا تشتري وأنت تملك المال، وعجزك عن الشراء. امتناع الكاتبة عن الشراء لا يساويها بالفقراء، بل يؤهلها لفهم ما يمكن أن تفعله كي تساعد الآخرين. الشراء هو العمود الفقري للاقتصاد، وهي تقدِّر من يذهبون لشراء الكتب مثلًا، لكن الامتناع قليلًا عن ممارسة السلوك الاستهلاكي لن يؤدي إلى سقوط الأسواق المالية. تنصح الكاتبة كل من يبحث عن جديد يعاهد به نفسه هذا العام بأن يحاكي تجربتها.

وقعت باتشيت الآن في حيرة بعد انتهاء التجربة: هل تعاود التسوق مجددًا، أم تقلل من مشترياتها؟ عندما سألت صديقتها التي سبقتها إلى تجربة مماثلة، أخبرتها أنها ستعيد التجربة ثانيًا بعدما أدركت أن الامتناع عن الشراء يفرِّغ مساحة كبيرة في المخ تسمح بأداء أمور أخرى غيره. 

مواضيع مشابهة