حملتُ أنفًا يراه الناس كلهمُ: كيف تحولت عمليات التجميل إلى هوس في إيران؟

الصورة: Paul Keller

شيماء محمد
نشر في 2017/05/09

«ذوات الحُسن هُنَّ مَن سلبن قلبي»، هكذا يصف الشاعر الإيرانى حافظ الشيرازي نساء بلاده، فطالما عرف العالم إيران بنسائها الجميلات، لكن بمرور الوقت تحول الجمال إلى هوس لدى الإيرانيات، بل وعند عدد لا بأس به من الرجال كذلك.

كانت عمليات التجميل محرمة في زمن الخميني، لكن في أحد الأيام طلب منه رجل دين السماح لابنته بإجراء عملية تجميل لأنفها بسبب ما تتعرض له من سخرية من أصدقائها، وبعد إلحاح من الأخير وافق الخميني على إصدار فتوى شرعية تجيز إجراء عمليات التجميل، لكن أحدًا لم يتوقع أنه بمجرد إصدار الفتوى ستنتشر عمليات التجميل لتصبح أقرب إلى الإدمان.

الله جميل يحب الجمال

امرأة تظهر على أنفها ضمادة عملية التجميل
الصورة: Paul Keller

عندما تسير في شوارع العاصمة الإيرانية طهران، ستجد عبارة «إن الله جميل يحب الجمال» مكتوبةً على أغلب عيادات التجميل، التي صار عددها بالمئات، كما ستلمح فتيات وسيدات يضعن ضمادات طبية على أنوفهن، وفي الفترة الأخيرة يضع بعض الرجال كذلك تلك الضمادة، التي تشير إلى إجرائهم عملية تجميل للأنف.

رغم أن أنفها عادي، باعت «سيما» سيارتها لتجري تجميلًا لأنفها، لأنها شاهدت نساء عائلتها يفعلن ذلك.

«ماهيتاب» فتاة إيرانية تجاوز عمرها 30 عامًا بقليل، تعمل في أحد البنوك، وتقول لـ«منشور» إنها أجرت عملية لأسباب تجميلية فقط، فهي ترى أن وجهها جميل ولا ينقصه سوى أن يقِلَّ حجم الأنف قليلًا، كما أن أغلب صديقاتها أجروا عمليات مشابهة، وحتى والدتها تفكر جديًّا في أن تجمِّل أنفها.

بعد أنفها، تفكر ماهيتاب في تجربة تكبير بعض أجزاء جسدها، فموضة المرأة «الكيرفي» انتشرت في إيران خلال الفترة الأخيرة، لكنها تنتظر كي تجمع تكاليف العملية.

أما «آزاده»، البالغة 20 عامًا، فخضعت لعملية تجميل للأنف في عام 2016، وتقول إنها قبل دخول الجامعة لم تكن تفكر في إجراء العملية، رغم أن أخاها الأكبر فعلها، لكنها وجدت كل زميلاتها يجمِّلن أنوفهن، بجانب إصرار والدتها على أن أنفها كبير وعليها أن تجري العملية لئلا تقلل فرصها في الزواج، بحسب ما تروي.

تُبدي «سيما»، ربة المنزل صاحبة الـ35 عامًا، رأيًا مخالفًا، إذ أجرت عملية تجميل لأنفها قبل ثلاث سنوات، واضطرت إلى بيع سيارتها كي تدبر تكاليف العملية، رغم أن أنفها كان عاديًّا، لا قبيحًا ولا جميلًا، لكن ما دفعها إلى تجميله أن أغلب نساء عائلتها أجرين العملية بالفعل.

تؤكد سيما أن العملية كانت تجربة بشعة ومتعبة للغاية: «تعبت كثيرًا بعدها، وعانيت صعوبةً في التنفس وحساسيةً في فصل الصيف».

ثقافة أصلية أم تشبُّه بالغرب؟

جنون عمليات التجميل في إيران

في العاصمة طهران، عيادات التجميل أكثر من محلات الطعام.

في حديثه لـ«منشور»، يرى طبيب التجميل «حميد أصفهاني» أن إقبال النساء الإيرانيات على عمليات التجميل، خصوصًا في الأنف، ما هو إلا ترف ورغبة في التشبُّه بنجمات السينما الغربية، لكن الطبيب «سهراب موسوي» يخالفه الرأي، لأن «ثقافة الجمال مترسخة عند الإيرانيين منذ القدم، فعلى جدران المعابد الفارسية تجد نقوشًا لأدوات الزينة ونساءً يضعن مساحيق التجميل، كما في الحضارة الفرعونية».

يصف موسوي الأنف الفارسي بأنه كبير وبه اعوجاج غير محبب للنفس، وهو ما يراه سببًا واضحًا لإقبال الإيرانيين من الرجال والنساء على إجراء العملية،  ويعود ليؤكد أنه «لا عيب في أن يريد شخص أن يرى نفسه جميلًا».

جراحة ﻻ تخلو من مخاطر

امرأة إيرانية تظهر عليها ضمادة تجميل الأنف
الصورة: Paul Keller

يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران، الدكتور «رضا كردي»، إن إقبال مواطني إيران على عمليات التجميل، وبالذات تلك التي تُجرى على الأنف، أصبح أمرًا أشبه بالكارثي وخرج عن السيطرة، فعيادات التجميل أكثر من محلات الطعام، والدراسة التي أجرتها الجامعة في 2016 أكدت وفاة امرأتين يوميًّا خلال إجراء عمليات التجميل.

هناك من يقترضون من البنوك أو يبيعون بعض ممتلكاتهم لإجراء عمليات التجميل.

رغم أن إيران لديها أمهر أطباء التجميل في المنطقة، إلا أن هناك أطباء غير مختصين يزاولون المهنة بسبب عائدها المادي الكبير، ممَّا دفع وزارة العدل إلى تأسيس مكتب لتلقي شكاوى أخطاء عمليات التجميل، وعاقب المكتب 500 طبيب إلى الآن.

اقرأ أيضًا: كيف أصبحت إيران الثانية عالميًّا في عمليات التحول الجنسي؟

ترف أم محاولة للهرب من القيود؟

فتاة تضع ضمادة تجميل الأنف بينما تشير صديقاتها بعلامة النصر
الصورة: Paul Keller

تتراوح تكاليف عملية تجميل الأنف بين 1500 وألفي دولار، بحسب ما يوضحه سهراب موسوي، وهو ما تراه «زينب علي»، الباحثة في علم النفس الاجتماعي، مبلغًا كبيرًا للغاية بالنسبة إلى متوسط الأجور في إيران، وتضيف: «كانت تلك العمليات في البداية رفاهية بين الأوساط الثرية، إلا أنها بمرور الوقت انتشرت في الطبقات المتوسطة والأقل بقليل، لدرجة أن هناك من يقترضون من البنوك أو يبيعون بعض ممتلكاتهم لإجرائها».

يرجع هذا وفقًا لزينب إلى أسباب عديدة، منها الرغبة الطبيعية في أن يصبح الإنسان أجمل، أو الهوس بالكمال، أو محاولة التمرد على بعض القيود، خصوصًا في إيران التي تفرض على الناس زيًّا معينًا وحجابًا إجباريًّا، فتتجه النساء إلى التركيز على مفاتن الوجه، والاهتمام المبالغ فيه بالزينة.

قد يهمك أيضًا: التمرد على التقاليد في إيران.. رجال محجبون ونساء سافرات

الدين في مواجهة جراحات التجميل

أثار انتشار عمليات التجميل حفيظة رجال الدين في إيران، فطالبوا السلطات المختصة بالتصدي لتلك الظاهرة، واعتبروها دخيلة ومحاولة من الغرب لاختراق المجتمع الإيراني وإفساده.

نتيجةً لذلك، بثَّ التليفزيون الإيراني حملة إعلانية يدعو فيها المواطنين للتخلي عن العمليات، وينشر فكرة أن الجمال الداخلي أهم من الخارجي الذي يزول مع مرور الوقت، ووصل الأمر إلى إصدار رئيس الإذاعة والتليفزيون أوامر بمنع تليفزيون الدولة من استضافة أي ممثلة أو ممثل خضع لعملية تجميل.

طهران: عاصمة تجميل الأنوف في العالم

كيف تحولت إيران إلى عاصمة عمليات تجميل الأنف في العالم؟

فى عام 2013، نشرت جريدة «الغارديان» البريطانية تقريرًا تصف فيه طهران بأنها عاصمة تجميل الأنوف الأولى في العالم، وقالت إن عدد العمليات التي تُجرى في طهران أكثر بكثير منها في الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا، إذ يخضع مئتا ألف إيراني لعمليات تجميل الأنف سنويًّا.

وبجانب الإيرانيات، تأتي النساء من معظم دول العالم إلى إيران لتجميل أنوفهن، خصوصًا من البحرين والكويت نظرًا لقرب المسافات، ولأن إيران لديها أمهر أطباء التجميل في المنطقة، كما أن تكاليف العملية تكون أقل من لبنان مثلًا.

بالبحث على شبكة الإنترنت، تصل النساء في الخليج إلى عناوين وأرقام هواتف أطباء التجميل في إيران، ويتواصلن معهم عبر واتساب. ويقدم بعض الأطباء الإيرانيين خدمات مميزة لعملائهم، مثل الاستقبال في المطار أو توفير مترجم أو حجز فندق.

قد يعجبك أيضًا: رغم التناقض الظاهر: 9 تشابهات بين السعودية وإيران

أنقذوا الأنف الفارسي من الاندثار

لوحة إيرانية تظهر الأنف الفارسية
الصورة: Zereshk

فى مقابل الهوس بالتجميل، ظهرت صفحة على فيسبوك تدعو الإيرانيات إلى الاحتفاظ بأنوفهن وإيقاف عمليات التجميل. يؤكد مؤسسو الصفحة أن الأنف الفارسي ليس سيئًا، بل علامة مميزة عن باقي الشعوب، ويشجعن سيدات إيران على التوقف عن إجراء العمليات.

ربما يكون إقبال الإيرانيات على عمليات التجميل مدهشًا، وهُنَّ مَن يُعرفن منذ القدم بجمالهن الفارسي الذي ليس له مثيل، لكن لِمَ لا، وقد وقع البشر في كل بلاد العالم تحت ضغط معايير الجمال التي تفرضها وسائل الإعلام والمتحكمون في عالم الموضة، حتى تحول الأمر إلى إدمان يصعب التخلص منه لدى بعض الناس.

دائمًا كان البشر يتطلعون غريزيًّا للوصول إلى الكمال، فهل من الخطأ أن يسعى الإنسان لتحسين صورته بالاستفادة من الأداوت التي أتاحها التطور له؟

 

مواضيع مشابهة