كانت معرفتي بالفطر السحري، أو «المشروم»، في بداية الأمر كسائر أنواع الأدوية الممنوعة والمخدرات، معرفة سطحية من دون وعي حقيقي بماهية الفطر وفوائده وأضراره وكيفية التعامل معه. كل ما كنت أعرفه هو أن المشروم يسبب الهلوسة ويجعل مستخدمه يرى صورًا مجنونة، وبما أنه من المخدرات، فلا بد أنه مسبب للإدمان ومدمر لحياة متعاطيه.
لعل السبب في هذه المعرفة السطحية والأفكار الخاطئة هو حظر الحكومات وسُلطات مكافحة المخدرات أي مادة تؤثر في وعي الإنسان، وبالتالي منع دراسة طُرُق الاستفادة من هذه المواد، ومنع مستخدميها من معرفة كيفية تعاطيها بشكل آمن.
كنت أعاني اكتئابًا شديدًا ولا أشعر بالسعادة في الفترة التي قرأت فيها موضوعًا على الإنترنت يسأل صاحبه: ما أكثر التجارب تأثيرًا في حياتك؟
لفت انتباهي رد قال صاحبه إنه يعتبر تجربة المشروم أحد أهم التجارب الروحانية في حياته، وأكثرها تأثيرًا فيه وفي نظرته للعالم. لاقى هذا الرد تأييدًا من عديد من المستخدمين، الذين ذكروا تجاربهم المشابهة مع الفطر السحري. ومِن هنا اشتعل فضولي لمعرفة ما المشروم بالضبط؟ ولماذا يعتبره متعاطوه من أكثر التجارب الإيجابية تأثيرًا في حياتهم؟
كيف أسهم المشروم في تطور عقولنا؟
فطر السيلوسَيبين، الذي يُعرف كذلك بالفطر السايكديلي أو الشرومز، هو مجموعة من فصائل الفطر والكَمَأ تحتوي على مواد السيلوسَيبين والسيلوسين.
تؤثر هذه المواد مباشرةً على الجهاز العصبي المركزي للإنسان، وتمنح مستخدميها تأثيرات تتضمن الإحساس بالسعادة الغامرة، والهلوسة البصرية والسمعية، وتباطؤ أو تسارع الإحساس بمرور الوقت، والتجارب الدينية والروحانية، بالإضافة إلى شعور بالرضا عن الذات قد يستمر لشهور بعد استخدام الفطر.
قد يهمك أيضًا: من الكولومبيين إلى العرب: هكذا أصبحنا سعداء
تشير الآثار المعمارية والفنية التاريخية إلى أن الإنسان استخدم فطر السيلوسَيبين منذ ما قبل التاريخ، لا سيما الحضارات التي عاشت في أمريكا الشمالية والجنوبية، التي كانت ولا تزال بعض طوائفها تستخدم المشروم في الطقوس الدينية.
يعتقد بعض الباحثين أن التجارب الدينية الناتجة عن تعاطي الفطر السحري هي سبب نشوء فكرة الأديان لدى البشر، ويصل الاعتقاد عند بعضهم، مثل «تيرنس مك-كينا» في كتابه «طعام الآلهة»، إلى أن فطر السيلوسَيبين هو أحد الأسباب الرئيسية لتطور ونمو عقل ووعي الإنسان البدائي إلى وعي الإنسان الحديث، بعد دخول المشروم إلى نظامه الغذائي.
قد يعجبك أيضًا: كيف أسهمت المخدرات في تطور البشرية؟
تبحث بعض الدراسات الحديثة في الإمكانيات الطبية لفطر السيلوسَيبين في علاج أمراض مثل الإدمان والصداع المزمن والقلق والاضطراب النفسي والاكتئاب. وقد دلت عديد من الدراسات في جامعات مثل «Imperial College London» على فعالية المشروم في علاج الاكتئاب على فترات طويلة المدى، عكس مضادات الاكتئاب المتعارف عليها التي لا يستمر مفعولها إلا لفترات قصيرة.
في عام 2014، نفذت جامعة جون هوبكينز في ولاية ميريلاند الأمريكية دراسة أثبتت أن المشروم قادر على مساعدة مدمني التدخين في الإقلاع بنسبة نجاح تصل إلى 80%، وكذلك فعال في علاج إدمان الكحول.
لاحظتُ قلة وعي العرب بوجود المشروم، فاستبعدت أن أجده عند أيٍّ من موزعي الممنوعات.
أثار هذا الفطر فضولي وشغفي بسبب تاريخه العريق والقصص التي يرويها من تعاطوه، إذ بدت أشبه بالقصص الخيالية، وقضيت كثيرًا من الوقت في البحث و القراءة عن المشروم وتأثيره والطريقة السليمة لاستخدامه.
مثلًا، عرفت أن فطر السيلوسَيبين ليس مسببًا للإدمان (مستخدمو المشروم بشكل متكرر يتعاطونه مرة كل عدة أشهر)، وعرفت أيضًا أن استخدام الفطر تصاحبه عادةً اضطرابات في المعدة.
لم أجد إلا قليلًا من المقالات والمواضيع التي تناقش المشروم باللغة العربية، ولاحظت قلة الوعي بوجود الفطر أصلًا عند العرب، لذلك استبعدت أن أجده عند أيٍّ من موزعي الممنوعات في المنطقة (الذين لا أعرف كيف أصل إليهم أصلًا)، فقررت تجربة المشروم في إحدى الدول التي يتوفر فيها ويسمح قانونها بتعاطيه.
اقرأ أيضًا: يوم «فور توينتي».. حشاشو العالم يحتفلون والعرب ينتظرون الفرج
رحلة الهلوسة، حقيقة أم خيال؟
يشرح عالم النفس والكاتب الأمريكي «تيموثي ليري» في كتابه «التجربة السايكديليكية» أهمية الحالة الذهنية والحالة المحيطة (Set وSetting) للحصول على رحلة سايكديليكية إيجابية (الرحلة هي الفترة التي يقضيها المستخدم تحت تأثير المشروم).
الحالة الذهنية يُقصد بها الأفكار والعقلية التي يحضِّرها متعاطي المشروم قبل وخلال استخدامه، فلا بد أن يكون تفكيره هادئًا وإيجابيًّا في أثناء الرحلة. أما الحالة المحيطة فهي المكان والزمان اللذان يحدث التعاطي فيهما، بالإضافة إلى الأشخاص المرافقين (ينصح ليري بمرافقة أشخاص تثق بهم خلال تعاطي الفطر لتجنب الأفكار السيئة).
من الضروري تحضير الحالتين الذهنية والمحيطة قبل استخدام المشروم لتجنب ما يُعرف باسم «Bad Trip» (رحلة سيئة)، وهي الحالة التي تسيطر فيها الأفكار السلبية والهلاوس على متعاطي الفطر.
قد يهمك أيضًا: لماذا تتجه أعداد متزايدة من الناس لتجربة «السايكديليك»؟
لم يبدُ الأمر غريبًا، لكني كنت أرى وجوهًا للأشجار وأشاهد الأرض من تحتي تتنفس.
قررتُ استخدام المشروم في حديقة، إذ ينصح متعاطو الفطر السحري باستخدامه في مكان محاط بالطبيعة، فهو كما يقولون يساعد في التواصل مع الطبيعة والإحساس بجمالها. وجدت مكانًا هادئًا مناسبًا للجلوس، أكلت الفطر وجلست أنتظر مفعوله.
كما توقعت، بعد عدة دقائق شعرت باضطراب وآلام خفيفة في معدتي. لحسن الحظ لم أشعر بالحاجة إلى القيء لأني كنت متحضرًا بتناول الفطر على معدة فارغة.
استلقيت على ظهري وقضيت نصف ساعة تقريبًا أحدق في الأشجار، الغيوم، العصافير، الفِطر، زئير الأسود، صياح القرود، وجوه الأشجار.. لحظة، للأشجار وجوه وهي تنظر إليَّ الآن.
لم يبدُ الأمر غريبًا إلا بعد أن استوعبت أنه غير عادي، فأنا أرى وجوهًا للأشجار وأسمع صراخ الأسود والقرود وكأني في غابة. اعتدلت جالسًا، وبعد دقيقة استوعبت أني أنظر إلى الأرض تتنفس حرفيًّا، الأرض بأكملها كانت ترتفع وتنخفض تماماً كالصدر الذي يتنفس.
قضيت وقت الرحلة أتجول في الحديقة. راحت آلام معدتي، وترددتْ الهلوسات بين الظهور والاختفاء في موجات. العامل المشترك في جميع الهلوسات أنها جميعًا بدت طبيعية، ولم أشعر بغرابتها سوى بعد التفكير في ذلك.
كان كل شيء واضحًا، ولم أواجه أي صعوبة في التفريق بين ما هو حقيقي وما هو مزيف. بدت الهلوسات كحلم أو خيال أكثر ممَّا كانت واقعًا ملموسًا.
خلال تلك الفترة لم تكن الهلوسات هي ما يشغل بالي، بل شعوري بسعادة غامرة ومشاعر إيجابية غير طبيعية، أحسست بجمال الحياة وكيف أننا نعيش على كوكبنا في طبيعة خلابة فائقة الجمال.
في ذروة الرحلة، رأيت العالم بأكمله للحظة، بمبانيه وشوارعه، ملتفًّا بالأشجار والطبيعة. كان منظرًا مثاليًّا ومتكاملًا، ولا يضاهيه أي شيء رأيته قبل ذلك في حياتي. هنا بدأت أفقد عقلي، ومن هَوْل وشدة جمال المنظر بدأت أقتنع أن ما رأيته هو حقيقة تقع في عالم موازٍ، وأن عالمنا ما هو إلا غطاء لذلك العالم المثالي. اعتقدت أن ما رأيته كان الجنة.
استمرت الرحلة لفترة تقارب الخمس ساعات، أحسست فيها بالروحانية وبأني جزء من الطبيعة بطريقة لم أشعر بها من قبل. كنت، ولا أزال، مقتنعًا بأن ذلك اليوم هو أحد أفضل أيام حياتي.
استمرت المشاعر الإيجابية حتى بعد نهاية رحلة المشروم، فقضيت الشهور التي تلت الرحلة في حالة نفسية أفضل، شعرت فيها بإيجابية ورضًا عن النفس كنت مفتقرًا إليهما قبل تجربة الفطر.
هل قضى المشروم على مشكلة اكتئابي؟ ليس كليًّا.
الفطر ليس إكسيرًا يعالج المرض نهائيًّا بعد استخدام واحد. لا زالت نوبات الاكتئاب تتردد عليَّ بعد مرور أكثر من سنة على تعاطيه، وللأسف لا تتوفر لي فرصة استخدام المشروم مرة أخرى، فلا يزال محظورًا في معظم الدول، رغم أن العالم صار أكثر انفتاحًا وتقبلًا للحديث عنه ودراسة فوائده، لكني مستعد تمامًا لإعادة التجربة السحرية التي بالتأكيد قهرت اكتئابي لعدة أشهر.