يلعب النشاط الجنسي دورًا محوريًّا في حياة الناس في كل مكان، فهو دافع رئيسي لضمان بقاء الجنس البشري، كما أنه تعبير عن الحميمية ومشاعر الحب.
تختلف الضوابط التي تحكم العلاقات الجنسية بين ثقافة وأخرى، وتتخذ أشكالًا متنوعة حسب ما هو سائد في كل مجتمع، فبعض المجتمعات مرن يشيع فيه أن يمارس الأفراد الجنس قبل الزواج ومع أكثر من شريك، وبعضها محافظ يسري عليه العكس.
في المجتمعات التي تُعْلِي من قيمة العلاقات الجنسية، تصبح الممارسة الجنسية الأولى هاجسًا يراود الأفراد منذ سن مبكرة، وغالبًا ما يتخلل هذه التجربة شعور بالاضطراب وعدم الأمان سرعان ما يتلاشى بتكرارها.
لكن بعض الناس يتأخر في دخول علاقة جنسية حتى العشرينيات من عمرهم، وقد يمارسونه مع شريك واحد لا غير، وهو ما يخلق لديهم إحساسًا بأنهم قد تخلَّفوا عن أقرانهم وفي أَمَسِّ الحاجة إلى اللحاق بالركب في أقرب فرصة، عن طريق ممارسة أكبر عدد ممكن من العلاقات الجنسية العابرة.
يحاول مقال على موقع «Vice» استكشاف بعض تداعيات التأخر في ممارسة الجنس وتكاليفه المادية والمعنوية والصحية.
أن تأتي متأخرًا.. أن يفوتك الكثير
يعتبر نمو الدافع الجنسي جزءًا مهمًّا في التنمية الشخصية للفرد وتشكيل هويته الذاتية، لذلك، إذا أحسَّ الشخص بأنه لم يستفد من المرحلة التي كان يفترض أن يمارس فيها علاقات جنسية كثيرة، فسيشعر حتمًا بأن هناك شيئًا ناقصًا في حياته، وفق ما صرح به المعالج النفسي الأمريكي «مايكل آرون».
في بعض الأحيان، تكون الرغبة الجامحة في تعويض الفرص التي ضيعها الفرد لممارسة الجنس تعبيرًا عن رغبة أكبر في الشعور بأن حياته متكاملة ومثالية.
قد يؤثر تأخر ممارسة الجنس على قدرات عاطفية ضرورية لتحقيق أداء جنسي مُرْضٍ.
يعرض المقال حالة امرأة مارست الجنس لأول مرة حين كان عمرها 26 عامًا، وتقول إن تأخرها ولَّد ضغطًا شديدًا عليها، وجعلها تشعر بأنها أهدرت فترة شبابها في الشعور بالخجل والقلق حيال مسألة عادية لا تحتمل كل ذلك، عِوَضَ الاستمتاع بها وتقبلها.
اقرأ أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
بعض الأفراد الذين يعيشون هذه الحالة يتجهون نحو قراءة الأدبيات الشائعة عن العلاقات الجنسية، مثل كتاب «الأوغاد يَصِلون أولًا»، أو ينفقون أموالًا طائلة للخروج في مواعيد غرامية لا حصر لها، بقصد الحصول على فرص أكثر لإقامة أكبر عدد ممكن من العلاقات الجنسية، ولتغطية شعورهم المستمر بالنقص.
إلا أن تأثير التأخر في ممارسة العلاقات الجنسية لا يقتصر على التكاليف المادية فحسب، بل يتعداها إلى الحالة الصحية للأفراد، حسب الدراسة التي نشرتها المجلة الأمريكية للصحة العامة، والتي بينت أن تأخُّر النشاط الجنسي يمكن أن يعيق تنمية القدرات العاطفية والمعرفية والاجتماعية، التي تعتبر عنصرًا حاسمًا لتحقيق أداء جنسي مُرْضٍ، ممَّا يعني أنه كلما بدأ المرء مبكرًا كان ذلك أفضل.
قد يهمك أيضًا: «التانترا» الهندية ستغير مفهومنا عن الجنس
هل «الكثير» مهم فعلًا؟
حتى الذين مارسوا الجنس في سن مبكرة نسبيًّا يمرُّون بتلك الأحاسيس التي يشعر بها مَن تأخروا، لكن الفارق أنهم يدركون في وقت أبكر أن الهوس بالأرقام، أي عدد العلاقات الجنسية، يخلق نوعًا من الفراغ داخلهم، كما يُفقِد الجنس الجاذبية التي كانت له في السابق.
هذا رد فعل طبيعي وفقًا للمعالجة النفسية الأمريكية «ساري كوبر»، التي ترى أن تفكير الفرد في أنه ينبغي عليه ممارسة علاقات جنسية أكثر من التي مارسها لا يكون أمرًا مَرَضِيًّا بالدرجة التي يتصورها.
إن اعتبار النشاط الجنسي لعبة أرقام يتعين على الفرد أن يتفوق فيها يُفقد هذه الممارسة الحميمية قيمتها، إذ ينتقل التركيز من تحقيق الاكتفاء الجسدي والعاطفي لكلا الطرفين إلى التمركز حول الذات والرغبة في التفوق على الآخرين.
لذلك، عند البدء في محاولة خلق جوٍّ وديٍّ وحميميٍّ مع الطرف الآخر في العلاقة وتحديد الاحتياجات الشخصية لكل طرف، تتخذ العلاقة منحًى آخر، ويصبح الاستمتاع بالجنس هو القاعدة لا الاستثناء.
ورغم الأهمية التي يحتلها الجنس في عقولنا، لا توجد دراسات كثيرة حول التأثير المباشر للتأخر في ممارسة العلاقات الجنسية على الفرد، وليس لدينا سوى عدد من النقاشات على مواقع الإنترنت، تحاول جَلْبَ هذه القضية إلى الواجهة لتدخل نطاق النقاش العلمي الرصين.