في مشهد من الفيلم الهندي «Island City»، يخاطب مدير الشركة موظفه المثالي قائلًا: «الأبحاث تقول إن مؤشرات الإنتاج تنخفض، والسبب هو عدم شعور الموظفين بالسعادة، لهذا رتبنا لك برنامجًا ترفيهيًّا طوال هذا اليوم، وآمرك أن تستمتع وتشعر بالسعادة حتى لا تتسبب في التأثير على مبيعاتي».
قد يكون هذا مجرد مشهد في فيلم ساخر، لكن ذلك المفهوم بدأ بشكل أو بآخر في الانتشار على مستوى الأفراد والشركات كذلك، مفهوم «كُن سعيدًا»، لا يهمُّ إن كان هذا يتناسب مع ظروفك الحالية أو لا، لكنه مطلب عام.
انتشرت كتب التنمية البشرية التي تتحدث عن مفهوم السعادة وكيفية الحصول عليها والشعور بها، ولكن في حقيقة الأمر أن اكتساب السعادة بهذا الشكل «الإجباري» له جانب مظلم، حاول الكشف عنه مقال على موقع «Quartz».
ما مشكلة «التنمية البشرية»؟
يرى «سفين برينكمان» (Svend Brinkmann)، أستاذ علم النفس في جامعة «Aalborg» الدنماركية، أن السعادة ليست رد الفعل المناسب لجميع المواقف التي تواجهنا، والأسوأ من ذلك أن التظاهر بالسعادة يمكن أن يجعل عواطفنا هشَّة.
«يجب أن تعكس عواطفنا وأفكارنا ما يحيط بنا»، هكذ يوضح برينكمان، ويضيف: «عند حدوث أمر سيئ يجب أن نعبِّر عن مشاعرنا السلبية تجاهه، لأن هذا هو الطبيعي».
اقرأ أيضًا: سر السعادة والدفء عند الدنماركيين
يختبر كلٌّ منا كثيرًا من المواقف المؤلمة في حياته، أبسطها فقدان شخص عزيز، فإن كنا «مُبرمَجين» على السعادة الدائمة، فكيف سيكون رد فعلنا على هذه الأحداث الصعبة؟ يرى برينكمان أن وقع هذه الأحداث علينا حينها سيكون أقسى من الطبيعي.
يُضاف إلى هذا مشكلة أخرى تسببها فكرة «تعلُّم السعادة» الموجودة في كتب التنمية البشرية. هذه الكتب بذاتها ليست سيئة بالطبع، لكن المشكلة تأتي من باب آخر، إذ يفكر البعض أنه ما دامت الكتب والأدوات اللازمة لنصبح سعداء متوافرة، فلماذا لا نلقي باللوم على هؤلاء الذين لا ينفِّذون ما جاء فيها؟
على الموظف الجيد أن يكون سعيدًا
ستكون مشكلة لو تحوَّلت عواطفنا إلى أدوات تستخدمها الشركات.
ليست المشكلة في من يفضلون الجانب المشرق من الأحداث، أو الذين ينظرون إلى النصف الملآن من الكأس، ولكن في مَن يحوِّلون شعور السعادة مِن اختياري إلى إجباري.
يمكن مشاهدة هذا بوضوح في أماكن العمل، حيث التركيز على الإيجابيات وإهمال العقبات والصعوبات الموجودة بالفعل. ويصف برينكمان إجبار الموظفين على التعبير عن السعادة بأنه أمر «استبدادي»، بل ويتعدى ذلك فيصير محاولةً للسيطرة على عقول هؤلاء الموظفين.
لهذا لم يكُن غريبًا في أمريكا أن يرفع «المجلس القومي للعلاقات العمالية» (NLRB) قضية ضد شركة الاتصالات العملاقة «T-Mobile»، بسبب إجبارها موظفيها على أن يكونوا سعداء وإيجابيين طَوَال الوقت، وهذا لا يختلف عن الاتجاه العامِّ لمعظم الشركات الكبرى، بالتركيز على تحفيز الموظف للحصول على أقصى استفادة من طاقاته البشرية والعاطفية.
كل هذا ربما يبدو جميلًا ومنطقيًّا، لكن المشكلة تختبئ في هذه التفاصيل من وجهة نظر برينكمان، المشكلة هي تَحوُّل عواطفنا إلى مجرد أدوات تستخدمها هذه الشركات، وربما لن تكون لنا سيطرة حقيقية عليها في ما بعد.
قد يهمك أيضًا: لماذا يجب عليك التخلص من معظم أصدقائك؟
هل أنت حقًّا بخير؟
الرد الطبيعي لسؤال «كيف حالك؟» هو «أنا بخير»، ولكن هل أنت حقًّا بخير؟ دائمًا؟
السعادة عظيمة بالطبع، ولكن ليس في كل الأوقات.
في الواقع، ليست المعضلة هنا في الرد على السؤال السابق الذي قد تواجهه عدة مرات في اليوم، بل في الإجابة بـ«أنا بخير»، في ما يتعلق بمشاعرك ناحية العمل أو حياتك الشخصية خلال مرحلة ما. الخطورة في أن تتحول «أنا بخير» إلى قناع زائف يخفي خلفه كثيرًا من المشاعر المضطربة التي لا تستطيع إخراجها إلى السطح.
إن التعامل مع فكرة السعادة والاستقرار أمر جيد بالطبع، خصوصًا في بيئة العمل، لكن الأهم هو القدرة على طرح المشكلات والأزمات فور حدوثها، وعدم كتمانها طمعًا في الحفاظ على حالة السعادة.
قد يهمك أيضًا: حكايات الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
مؤخرًا، صارت المشاعر السلبية تخرج في صورة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تكون هذه خطوة على الطريق الصحيح، وإن كانت لا تزال تحدث في عالم افتراضي. نحتاج إلى مزيد من المجهود لمواجهة العالم الحقيقي، بخاصة في الدول العربية التي تعاني أساسًا انخفاض مؤشرات السعادة.
السعادة عظيمة بالطبع، ولكن ليس في كل الأوقات، ولنا في فيلم «Inside Out» تجربة مهمة، إذ يستعرض حياة مراهقة اعتادت أن تسيطر عليها مشاعر الفرح، ولم تنجح في اجتياز تجربة صعبة إلا بإدخال قليل من الحزن.
قد تكون المشاعر السلبية صحِّية ومهمة في كثير من الأحيان لنتفاعل مع ما يحيط بنا. الشعور بالذنب ضروري لنفهم قيمة الالتزام، والغضب رد فعل طبيعي على الظلم، وحتى الحزن قد يساعد على التعامل مع المأساة.