التنمُّر المدرسي: عن المؤذي، والضحية، والشهود

التصميم: منشور

دينا ظافر
نشر في 2018/09/02

لديَّ اعتقاد، مبني على خبرتي خلال الدراسة ثم كوني أمًّا، بأن الطلاب في الفصول الدراسية ينقسمون إلى ثلاث مجموعات متكررة عبر الزمان والمكان: «الدحاحين» الذين يتركزون في الصفوف الأولى، والطلاب الذين يحبون الظهور فيُمطرون المعلم بالأسئلة، وأولئك من هم هنا في الغالب لاقتناص أوقات طيبة قدر الإمكان.

لم يتبقَّ سوى شخص واحد يستعصي على التصنيف ضمن أيٍّ من المجموعات السابقة، فهو واحد قائم بذاته، رغم أنه قد يتخذ معاونين. تخشاه كخشيتك المعلم، لن يرحمك لسانه إذا أعطيت جوابًا خطأً لسؤال وجهه المعلم، لن يدعك تمر في سلام إذا كنت بدينًا، أو ضعيف البنية، أو لم تكن على القدر الذي يرضيه من جمال الشكل أو انضباط الهيئة. هذا هو «متنمِّر» الفصل.

كيف تتعامل مع هذا الوجود الكريه لهؤلاء المتنمرين في الفصل أو المدرسة؟ كيف تحمي ابنك أو أخاك الأصغر؟ والسؤال الأصعب: ماذا تفعل كي لا يصبح هذا الابن أو الأخ متنمرًا؟ يسعى هذا الموضوع إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها.

«شغَّل مخك»: تنمُّر أم سوء سلوك؟

«ليس التنمر فصلًا حتميًّا في مشوار الطفولة». هذا ما يقوله الخبراء، فلا تراها أمرًا طبيعيًّا في الحياة علينا تَقَبله والتأقلم معه.

تتنوع صور التنمُّر بين التهديد والتوبيخ والإغاظة والشتائم ونشر الشائعات، والاحتكاك الجسماني والإيماءات المؤذية.

ليس التنمر كذلك حادثة فردية يتعرض لها ابنك في مدرسته. إنه، كما يُعرِّفه علماء النفس، أذى جسماني أو لفظي متعمَّد يتكرر بمرور الوقت، ويتضمن اختلالًا في ميزان القوى. بقول آخر: يستخدم التنمر نفوذه الاجتماعي، أو قوته الجسمانية، للسيطرة على آخر بطريقة تجعل هذا الأخير بائسًا، ويتطلب الأمر تكرارًا عبر الزمن.

لا يمكن الحديث عن التنمر إلا في حالة وجود صعوبة في الدفاع عن النفس، فحين ينشأ خلاف بين طالبين متساويين تقريبًا من ناحية القوة الجسدية والطاقة النفسية، لا يسمى هذا تنمُّرًا. أما المزاح الثقيل المتكرر، مع سوء النية والاستمرار رغم ظهور علامات الضيق والاعتراض لدى الطالب الذي يتعرض له، فهو دون شك تنمُّر.

يرى «دان ألويس»، وهو باحث رائد في مجال التنمر المدرسي، أن صور التنمر تتجلى في التهديد والتوبيخ والإغاظة والشتائم ونشر الشائعات، وكذلك الاحتكاك الجسماني كالضرب والدفع والركل، والإيماءات المؤذية، مثل العبوس في الوجه أو الإشارات غير اللائقة بقصد عزل طفل عن مجموعته.

«يا تخينة»: ما حجم المشكلة؟

الصورة: Robert Lawton

إذا كنت تعتقد أن المشكلة يسيرة ومن الممكن تجاهلها، خذ هاتين الواقعتين:

في عام 2016، شنق الصبي ذو الـ13 عامًا «دانييل فيتزباتريك» نفسه بعد تعرضه للتنمر المستمر في المدرسة.  ترك الطفل ورقة لأهله مكتوب فيها: «لقد استسلمت. لم يفعل المعلمون شيئًا».

في عام 2017، شنقت الفتاة ذات الـ13 عامًا «روزالي أفيلا» نفسها بعد أن ظل زملاؤها في المدرسة يلقبونها بالقبيحة ويسخرون من تقويم أسنانها، وصنعوا مقطع فيديو أظهروها فيه مثالًا للفتاة القبيحة. لاحظ أبواها نزوعها إلى الانعزال، واكتشفا أنها تقطع شرايين يدها، فبدءا معها بالعلاج النفسي، لكن الأوان كان قد فات، وانتحرت الفتاة بعدها بأسابيع.

بالطبع هناك حوادث أخرى، لكن هاتين الواقعتين تثيران الانتباه إلى حداثة سن الطفلين، وانتهائهما إلى الانتحار.

هذان الطفلان صغيران جدًّا، فهما أقرب إلى الطفولة منهما إلى المراهقة. فكيف مارس زملاؤهما، وهم أطفال أيضًا، عليهما هذا الضغط الرهيب الذي دفعهما إلى تفضيل الموت على الاستمرار في الحياة؟

الأكثر من ذلك، تقول دراسة سويدية إن 60% من الصبيان الذين يمارسون التنمر يُدانون في قضية جنائية واحدة على الأقل لدى بلوغهم 24 عامًا. النسبة مخيفة، وتستحق التأمل.

تنمُّر: «هات طعامك، وإلا...»

الطفل المتنمر صنيعة ظروف معينة. الغالبية العظمى من الأطفال لا ينخرطون في هذه الممارسة، لا كمعتدين ولا ضحايا. يطور المتنمر سلوكه في سن مبكرة. وكثيرًا ما يكون هؤلاء المتنمرين الصغار أطفالًا سريعي الملل يتسمون بالنشاط والحيوية، أو قد ينقصهم الشعور بالأمان.

يتكرر أن يكون ذلك المتنمر الصغير «كبش فداء» في الأسرة، فهو الطفل «الشقي جدًّا»، الذي ربما التصقت به هذه الصفة، فلم يعد يعرف كيف يزيحها عنه، حتى بات يثبتها لجميع الناس عوضًا عن محاولة التخلص منها.

أسلوب الفتيات في التنمر أكثر نعومة وتعقيدًا من العنف الصريح لدى الأولاد.

المتنمر صاحب تكوين إدراكي مختلف. تُظهر دراسات مهمة أنه يعاني نوعًا من البارانويا، فيشك باستمرار في نوايا الآخرين. والمشكلة أنه يُستَفز من أمور لا تستحق، ما يبرر لديه سلوكه العدواني. إذا اصطدم به طفل آخر، فأوقع كتابه من يده، لن يرى المتنمر هذا حادثة عابرة غير مقصودة، بل سببًا لشن العدوان، فالمتنمر شخص يؤمن بالانتقام.

لدى المتنمر احتياج كبير للسيطرة، وإيذاء الآخرين يعطيه شعورًا بالإشباع. ينقصه ما يسميه علماء النفس «السلوك الاجتماعي الإيجابي»، وهو إصدار سلوك متعمَّد لإفادة الآخرين، فهو لا يفهم مشاعر الآخرين ولا معاناتهم. الغريب أن المتنمر يرى نفسه بشكل إيجابي، ربما لعجزه أيضًا عن رؤية ما يظنه الآخرون فيه.

تبدأ ممارسة التنمر في سنوات ما قبل الدراسة الرسمية، ويكون للمتنمر صديقان أو ثلاثة، عادةً من أطفال آخرين عنيفين أيضًا. أما ما يُعجِب الأطفال الآخرين فيهم، فهو قوتهم الجسمانية. يخبو نجمهم عندما يكبرون، وهم بشكل عام غير محبوبين. قد يبدأ المتنمر ممارسة العنف الجسماني، ثم يستبدل به العنف اللفظي، لتصبح إيماءة كافية لردع ضحيته. وكلما كبر المتنمر الصغير اتخذ أسلوب العنف اللفظي بديلًا عن الضرب.

معظم المتنمرين من الذكور، بينما يتوزع الضحايا بالتساوي بين الأولاد والبنات. أسلوب الفتيات في التنمر أكثر نعومة وتعقيدًا، ويختلف عن العنف الصريح الذي يتبعه الصبيان. والمحزن أن التنمر سلوك طويل المدى، قد يبدأ في الطفولة، لكنه يستمر بعد البلوغ، فهو واحد من أكثر السلوكيات البشرية ثباتًا، وفق ما تخبرنا به الأبحاث.

اقرأ أيضًا: في قاعات الدرس كما في الحياة: الذكور أكثر هشاشةً

«لا مؤاخذة مسيحي»: ضحية التنمر

الصورة: it's me neosiam

الطفل الذي يقضي وقت الاستراحة بين الدروس وحيدًا، يكون صيدًا سهلًا.

لا أحد يحب المتنمر، لكن أحدًا لا يحب ضحيته كذلك.

كثيرًا ما يعاني ضحايا التنمر من شعور بعدم الأمان، وصعوبة في الانفصال عن الأهل، وخوف من اكتشاف البيئة المحيطة. تبالغ عائلاتهم في حمايتهم، أو تستخدم أساليب التربية العنيفة، وهي أمور تنخر في ثقتهم بأنفسهم.

الأطفال الانطوائيون المنقادون أكثر عرضةً للتنمر من غيرهم. يلتقط المتنمر هؤلاء بمهارة، فيختار ضحيته من الأشخاص الأقل ثقة: «الخوَّافين».

المتفوقون في الدراسة أو الرياضة المدرسية يحظون باهتمام كبير من جانب زملائهم والمعلمين. هذا النجاح يجذب إليهم المتنمرين، الذين لا يروقهم تسليط الأضواء على هؤلاء، وكثيرًا ما يطلقون عليهم ألقابًا مثل «الدحاح»/«الدحيح»، أو «بوقليب»، أو «الموس».

قلة الأصدقاء تُعرِّض الطفل للمتنمرين، فالذي يقضي وقت الاستراحة بين الدروس أو المناسبات الاجتماعية المدرسية وحيدًا، يكون صيدًا سهلًا. تقترح الأبحاث أن فرص تعرُّض الطفل للتنمر تقل بصورة ملحوظة لو كان له صديق واحد على الأقل.

تنزع الفتيات اللاتي يمارسن التنمر إلى استهداف الأخريات اللاتي يرين أنهم يحظين بشهرة أكبر في المدرسة، فيروهن تهديدًا لهن.

يشكِّل الطفل المختلف في هيئته، كأن يكون سمينًا أو له أذنان بارزتان أو يرتدي نظارة طبية، ضحية مثالية للتنمر، خصوصًا إذا كان يرى اختلافه سلبيًّا. الأطفال الذين يعانون من إعاقة أو اضطرابات مثل فرط الحركة، يكونون صيدًا سهلًا أيضًا.

تكرار التنمر من أكثر ما يؤذي المتعرضين له، إذ يلازمهم الخوف، فلا يعرفون متى سيتلقون الضربة التالية.

«شعرِك عامِل زي سلك المواعين». جملة ظلت «فيروز»، وهي فتاة مصرية سمراء في المرحلة الابتدائية، تسمعها في مدرستها لأن منظرها يختلف عن غالبية الفتيات الأخريات ذوات البشرة الأفتح. تحكي الأم ذلك لـ«منشور»، وتضيف أنها تعرضت كذلك لنفس «المعايرة» وهي صغيرة، يزيد عليها أن إحدى الفتيات قالت لها إنها «لن تتزوج أبدًا» بسبب شعرها الأجعد.

يعاني أطفال الأقليات الدينية في الفصول المصرية من التنمر كذلك، فقد يُطلَق على بعض الطلبة المسيحيين ألقاب مثل «كُفتِس» و«عَضْمة زرقا».

تخيل لو اجتمعت هذه الصفات، كلها أو أغلبها، في شخص واحد؟ قد تصبح حياته جحيمًا لو ترَّصده متنمر لا يرحم.

«أكره حياتي»: كيف تتأثر نفسية الضحية؟

الصورة: Akela Photography

الآثار النفسية للتنمر قد تستمر لعقود، وقد تلازم الضحية طيلة حياته.

تقول الأبحاث إن الطفل قد يحبس نفسه في دور الضحية في سن الثامنة أو التاسعة، حتى لو دخل فصلًا أو مدرسة جديدة، فسيظل يعطي الانطباع بعدم شعوره بالأمان، ما يجعله هشًّا وعرضة لمزيد من المضايقات.

لعلك استنتجت أن الطفل ضحية التنمر سيعاني كثيرًا، سيشعر بالخوف والغضب وقلة الحيلة والانعزال والخجل، وربما يشعر بالذنب لأنه هو بالذات دون غيره الضحية. ومِن أكثر ما يؤذي مَن يتعرض للتنمر، تكراره، إذ يلازمه الخوف، فهو لا يعرف متى سيتلقى الضربة التالية، أو كيف ستكون شدتها. وهذا يؤثر في ثقة الطفل بنفسه وقدرته على التعلم.

تشير بعض الدراسات إلى أن الطفل ضحية التنمر أكثر عرضة للمشكلات النفسية، مثل الاكتئاب والتوتر وضعف الثقة في النفس، وهي أمور قد تدفع إلى الانتحار إذا استفحلت.

حسنٌ، لماذا يميل ضحايا التنمر إلى إخفاء معاناتهم؟ هذا سؤال يفرض نفسه: لماذا لا يتحدثون؟

لأن المتنمرين يجيدون إخفاء أذاهم عن أعين الكبار، فحوادث التنمر كثيرًا ما تحدث في أروقة المدرسة والحمامات، أو في الحافلة، إضافةً إلى أن الضحية قد يشعر بالخجل مما يتعرض له، فيخفيه عن الكبار القادرين على مساعدته.

خط أحمر: بمَ ننصح أبناءنا؟

دعوة الأبناء إلى ضرب من يضربهم من الأطفال الآخرين نغمة موجودة بقوة في مجموعات الأمهات على فيسبوك. هذا ما تقوله الأمهات صراحةً ودون مواربة لأبنائهن: «اضرب مَن يضربك». تخشى الأمهات أن تتأثر شخصية الطفل لو استسلم للضرب، خصوصًا أنهن يرين أن المدرسة غالبًا ما تفشل في إيقاف هذا السلوك. بل وتقول إحداهن صراحة إنها «تعاقب ابنها لو لم يضرب من يضربه».

هذا التوجه الذي يتبناه عدد من الأمهات، ويحظى بتأييد أخريات على وسائل التواصل الاجتماعي، له سند في رأيهن، فضرب المتنمر «دفاع عن النفس».

تقول إحدى الأمهات إنها تنصح ابنها، بضمير مرتاح، أن يمسك يد من يحاول ضربه أولًا لمنعه، فإن لم يفلح هذا الأسلوب في حمايته، فعليه أن يقاوم ويُظهر قوته. وتؤكد، رغم هذا، أنها تحذر ابنها دائمًا من أن يكون البادئ بالاعتداء. هذا هو الأسلوب العملي الذي يجعله يواجه العالم في رأيها: «لا أريد أن يشتهر ابني بأنه الطفل الذي يتعرض للضرب طوال الوقت».

يؤيد طبيب الأطفال أحمد أمين هذا الرأي، غير أنه يدعو أولًا إلى تحذير المعتدي بصوت عالٍ يسمعه المحيطون.

من المهم أن نوضح لأبنائنا أن يدافعوا عن أنفسهم، وليس أن «يضربوا من يضربهم».

يستطيع الطفل أن يحفظ مجموعة من الجمل التي تمثل ردودًا جاهزة يستدعيها عند تعرضه للتنمر.

خلال واقعة التنمر، كثيرًا ما لا يجد الطفل كلمات مناسبة للرد، لذا يُنصح بأن يحفظ عدة ردود قصيرة ليستخدمها عند الحاجة، ويجب ألا تكون جُملًا تدفع إلى مزيد من العراك. وعلى الطفل أن يستعمل جُملًا تشبه شخصيته حتى يكون مرتاحًا عند استخدامها، ويمكن أن يتدرب عليها لتخرج واثقة عند الحاجة، وهذه أمثلة:

«توقف، ما تفعله ليس لطيفًا».

«لقد تخطيت حدودك».

«لا يهمني ما تقوله مطلقًا».

«لن أسمح لك بضربي أو إهانتي».

يوضح أمين لـ«منشور» أن كثيرًا من حالات التنمر تتوقف بعد التحذير. أما لو استمر المتنمر في الضرب، فعلى الطفل أن يمسك يده ويدفعه بعيدًا، ويعيد عليه نفس الجملة بهدف إيقافه. نادرًا ما يستمر الضرب بعدها، لكن لو استمر، فعلى الطفل أن يدافع عن نفسه.

تشدد الطبيبة النفسية نهى النحاس على أهمية أن نقول لأبنائنا «دافعوا عن أنفسكم»، وليس «اضربوا من يضربكم».

تشير دراسات عدة، تناولت أحوال أطفال في مرحلة ما قبل الدراسة الرسمية والمرحلة الابتدائية، إلى أن عدم الرد على الطفل المعتدي يزيد احتمالات تعرض نفس الطفل للتنمر المستمر.

هل يقف زملاء المعتدَى عليه متفرجين؟ إذا تصادف وجود ابنك في مشهد التنمر، علِّمه أن يكون إيجابيًّا لا متفرجًا، فيمكنه أن يحُول دون تصاعد الواقعة. لا ينبغي أن يقف زملاء الطفل الذي يتعرض للتنمر متفرجين سلبيين، بل يمكنهم المساعدة عن طريق بعض الحيل اليسيرة:

  • تغيير الموضوع

يمكن للأطفال الذين يتصادف حضورهم مشهد التنمر أن يُجهضوا الواقعة عن طريق تشتيت الانتباه في اتجاه آخر، فيمكن أن يسأل أحدهم عن مكان المدرس الفلاني، أو موعد امتحان اللغة العربية، أو نتيجة مباراة كرة القدم.

ربما تكون جملة يقولها أحد الطلاب كافية لفض التجمع الذي يستقي منه المتنمر قوته الاجتماعية، مثل: «علينا أن نذهب إلى الفصل قبل أن يدق الجرس».

  • النكتة

يستطيع أحد الأطفال الحاضرين أن يطلق نكتة، أو يفعل شيئًا مضحكًا، أو يتحدث عن مقع فيديو ساخر، أو يجعل تصرف المتنمر مادة للتسلية، فيقلب سلوكه عليه.

  • الوقوف إلى جانب الضحية

ظهور طفل آخر إلى جانب الطفل المعتدى عليه كفيل بأن يُشعره بالاستقواء، وأن يردع المتنمر، حتى دون أن يتفوه بكلمة.

  • التواصل بعد واقعة التنمر

لو فات الطفل أن يصدَّ المتنمر، بإمكانه أن يتواصل مع زميله ضحية التنمر بعد الواقعة للتعبير عن تعاطفه معه. يمكنه أن يدعوه لتناول الغداء معه، أو يرسل له رسالة مؤازرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ليخبره بأن ما حدث له يؤلمه، وأنه شخص جميل.

  • طلب المساعدة

في إمكان الطلاب الآخرين أن يطلبوا المساعدة لزميلهم، فعادةً ما يخجل ضحية التنمر من التماس العون في تلك المواقف. عليهم حينها أن يلجؤوا إلى أشخاص ثقات يرون أنهم سيتدخلون بالشكل المناسب.

«كن رفيقي»: كيف نؤسس للمحبة بين الأطفال؟

الصورة: Rebecca Zaa

تشترك جميع حوادث التنمر في أمر واحد: غياب التعاطف. لذا، فإن تنمية روح التعاطف جوهر أي تدخل للحد من التنمر.

تقول «إميلي بازيلون»، الباحثة والكاتبة في مجلة «النيويورك تايمز»، إن على الأهل أن يُظهروا تقديرًا كبيرًا للَّفَتات الإنسانية التي يقدمها الأبناء، تمامًا مثلما يحتفون بإنجازاتهم الرياضية والأكاديمية.

التعاطف يجلب التعاطف. يوضح معالج الأطفال «كينيث باريش» أن علينا أن نخصص وقتًا للاستماع إلى أبنائنا، ونحل المشكلات عن طريق الحوار. عندما نُظهِر لهم التعاطف إزاء ما يمرون به من مشكلات، نساعدهم بذلك على تحقيق النضوج العاطفي، وهذا بدوره يفتح الطريق أمام الاهتمام بالآخرين، وينحِّي مشاعر التحدي وفرص الشجار جانبًا، خالقًا فرصة للتوافق.

ينبغي أن نعلم أطفالنا في سن صغيرة أهمية مساعدة الآخرين. يمكن للطفل أن يقرأ لغيره أو يساعده في دروسه، فهذا يعلمهم أن لديهم ما يقدمونه لغيرهم، ويعطيهم الفرصة لاستقبال مشاعر العرفان من الآخرين.

علينا أن نكون نموذجًا وقدوة في التعاطف والتسامح في علاقاتنا. تُظهر الأبحاث أن الأطفال من المحتمل بشكل أكبر أن يتعاطفوا مع غيرهم إذا لاحظوا هذا السلوك في مَن حولهم مِن الكبار.

لا تظنوا بعد انتهائكم من قراءة هذا الموضوع أن المعتدَى عليه وحده مَن يعاني آثار التنمر. من يعاني من التنمر، ربما بصورة أكبر، هو المتنمر نفسه،  رغم أن هذه الآثار قد لا تكون واضحة في البداية، لكنها تزداد بمرور الوقت. يؤثر سلوك المتنمر سلبًا في تعلمه وصداقاته وعمله ودخله وصحته النفسية. وبعد سن البلوغ، ترتفع احتمالات ارتكاب هؤلاء المتنمرين للجرائم وضرب الزوجات والإساءة إلى أطفالهم، لينتجوا جيلًا جديدًا من المتنمرين.

في فيلم «Wonder»، الذي يتتبع حكاية طفل لديه وَجه مختلف ويعاني من صعوبة الاندماج مع زملائه في المدرسة، نجد جملة قالها له أحد المدرسين، وأظنها حكمة يجب أن نزرعها في نفوس أبنائنا: «لو كان عليك الاختيار بين الصواب والرفق، اختر الرفق». وهل يمكن للرفق إلا أن يكون صوابًا؟

مواضيع مشابهة