كيف تجيب الحكومات السؤال ذاته؟
إذا سألت حكومة أي دولة، أيهما تفضِّل توفيره للمواطنين: الخدمات مثل السكن والرعاية الصحية، أم النقود ليشتروا هم ما يفضلونه؟ فغالبًا ستكون الإجابة أن نمنحهم النقود؛ هذا هو الأسهل، ولهذا تفضِّل الحكومة إعطاء الفقراء المنح المالية.
اقرأ أيضًا: من يُصلِح ما فشل فيه مانديلا؟
لسنوات اعتقد الخبراء أن الفقراء يضيِّعون نقود الدعم على السجائر والكحول.
أحيانًا تُحدِّد الحكومات ما يجب أن تُنفق فيه هذه النقود؛ كأن تُمنَح لتعليم الأبناء مثلًا، أو تطعيم الأطفال، لكن في أحيانٍ أخرى لا تكون هناك أي شروط.
أين ينفق الفقراء نقودهم؟
لسنوات طويلة، ظن الخبراء وواضعو القوانين أن الفقراء يضيِّعون النقود التي تأتيهم دعمًا من الدولة على مزاجهم الشخصي، بين السجائر وشرب الكحول. بل إن تقريرًا صدر في كينيا عن الرأي السائد بين المتبرعين بشأن هذا الأمر، قال إن الاعتقاد السائد هو أن الفقراء ينفقون نقودهم على الكحول، أو يُساء استغلالها في أشياء غير جوهرية.
في الحقيقة، العكس هو الصحيح، طبقًا لدراسة حديثة لديفيد إيفانز (David Evans) من البنك الدولي، وآنا بوبوفا (Anna Popova) من جامعة ستانفورد.
ربما يهمك أيضًا: كيف أدت سياسات صندوق النقد لتفاقم الأزمة الاقتصادية في العالم؟
الفقراء يعرفون مصلحتهم جيدًا!
بحث إيفانز وبوبوفا قام على فحص 19 دراسة أخرى، قيَّمت تأثير المنح المالية في الإنفاق على شراء الكحوليات والسجائر. ولا واحدة من هذه الدراسات ذكرت أن المنح نتج عنها زيادة في استهلاك المواد السابقة، بل على العكس؛ بعضها وجد أن ما يحدث فعليًّا هو تقليل الاستهلاك.
بعد استخدام بعض الإحصائيات وتطبيقها على هذه الدراسات، كانت النتيجة النهائية أن المنح المالية تقلل بالفعل من استهلاك السجائر والكحوليات، لكن كيف؟
كيف تسهم الهِبات في تقليل استهلاك السجائر؟
مع استمرار البحث، توصَّل إيفانز وبوبوفا إلى عدة احتمالات قادت إلى النتيجة السابقة، أهمها:
عند إعطاء المنح المالية للمرأة؛ فإنها غالبًا تهتم بالإنفاق على الطعام وصحة الأطفال، عكس الرجل.
- بتوافر المال، أصبح للإنفاق على التعليم معنى لدى الفقراء؛ فقبل أن تُعطَى هذه المنح المالية لهم، كانت فكرة الإنفاق على شيء مثل هذا محكومًا عليها بالفشل؛ إذ إن الدخل لن يكفي بالتأكيد. لكن مع وجود المنح التي تساعد على جعل هذا الخيال حقيقة، فلا مانع من اقتطاع الأسر بعضًا من إنفاقها على الدخان، لتضع المزيد في خانة تعليم أبنائها.
- هناك فرضية لدى الاقتصاديين تسمى The Flypaper Effect أو «تأثير مصيدة الذباب»، تقوم على أنه حال إعطاء الفقراء النقود لإنفاقها في غرض محدد؛ الصحة أو التعليم مثلًا، فإن الأفراد وحتى المؤسسات تميل إلى إنفاقها في هذا الغرض عينه، حتى إن لم يكن هناك مَن يجبرهم على هذا. وفي حالة المنح المالية، فإنها عادة ما تُمنح لتحسين وضع الأسرة، وبالتالي تُنفق في هذا الغرض بالفعل، طبقًا لهذه الفرضية.
- ربما لن يفضِّل الكثير من الرجال هذه النقطة، لكن الأبحاث تقول إن المنح المالية عادةً ما تُعطى للنساء، وعندما تنظِّم المرأة ميزانية الأسرة؛ فإنها غالبًا تهتم بالإنفاق على الطعام وصحة الأطفال.
وأخيرًا، بعيدًا عن السبب، فإن أهم ما يمكن الوصول إليه هنا هو أن الفكرة التقليدية القائلة بأن الفقراء لا يُحسنِون إنفاق أموالهم أثبتت خطأها. في المرة المقبلة، عندما تعطي نقودًا لشخص فقير، ربما عليك أن تنصحه بالجهة التي يمكن أن ينفقها فيها.