موت غوغل بلس: عملاق الإنترنت يفشل في صنع موقع تواصل اجتماعي ناجح

الرئيس التنفيذي لغوغل يستعرض منتجات الشركة الأكثر نجاحًا، هل تجد بينها غوغل بلاس؟ - الصورة: Google Developers

محمود سعيد موسى
نشر في 2018/10/17

في صيف 2018، أطلقت غوغل حملة دعائية في الشوارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي بالتزامن مع كأس العالم، لترويج خاصية جديدة لمتابعة المباريات عن طريق محرك البحث. الملاحظ حينها أن ردود الفعل لم تناقش المنتَج قدر ما ناقشت فكرة وجود إعلان لغوغل في الشوارع، وتكررت تعليقات مثل: «لماذا؟ هل قصرنا معهم في شيء؟».

السؤال قد يكون منطقيًّا في ظل النمو الهائل للشركة. إن كنت، بصدفةٍ ما، لم تستخدم أيًّا من خدمات غوغل خلال اليوم السابق فقط، فحولك كثيرون فعلوا. خلال مؤتمر «Google I/O» في 2017، أعلن الرئيس التنفيذي للشركة أن سبعة منتجات لغوغل تخطت المليار مستخدم، من بينها نظام تشغيل آندرويد الذي يعمل على أكثر من ملياري جهاز.

قد تكون غوغل مزدحمة بالنجاح، الشيء الذي دفع مؤسسيها إلى إعادة هيكلة الشركة وخلق كيان إداري أكبر: شركة «ألفابِت» (Alphabet)، التي تضم تحت مظلتها غوغل والشركات الأخرى التي كانت تُدار من خلالها، منها ما خرج من تحت مظلة غوغل، ثمار سياسة منح يوم في الأسبوع للموظفين بهدف التفرغ للتفكير في مشروعات جديدة، ومنها ما استحوذت عليه غوغل، مثل يوتيوب وآندرويد، أو الشركات التي تستثمر فيها عن طريق «غوغل كابيتال» و«غوغل فينتشرز».

هذا العملاق الاقتصادي الضخم، المُقدر بـ739 مليار دولار، واجه فشله الأكبر: أعلن خسارته ونهاية مشروع «غوغل بلس» (+Google)، فكيف بإمكان غوغل أن تخسر؟

إنهم يتواصلون اجتماعيًّا.. لنستثمر هنالك

أحد إعلانات غوغل

لم تغفل غوغل الشعبية المتنامية لمواقع التواصل الاجتماعي بين عامي 2008 و2010. لكنها اختارت أن تدخل السوق بما تجيده، وهو ترتيب المعلومات المتدفقة عبر منصات المواقع الاجتماعي. فكانت الخطوة المنطقية حينها أن تنشئ أداة بحث تُدعى «Google Social Search» تُظهر نتائج بحث مبنية على دوائرك المتصلة ببريدك الإلكتروني. أي إنه كان بإمكانك أن تبحث باستخدامها عن «كرة القدم»، لتجد ما كتبه أصدقاؤك المتصلون ببريد غوغل الخاص بك على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، أو على مدوناتهم.

بناءً على هذه التكنولوجيا، أطلقت غوغل خدمة «غوغل باز»، التي تهدف إلى نقل جزء من تجربة مواقع التواصل الاجتماعي إلى البريد الإلكتروني. أي إنه كان بإمكانك أن تبدأ محادثات مع أصدقائك وتنشر مقاطع فيديو وأخبارًا وصورًا وتكتب ما يحلو لك، كل هذا داخل بريدك الإلكتروني.

بحماسة المنتصرين، أطلقت غوغل بكل ثقلها خدمة «غوغل ويف»، منصة تواصل اجتماعي مستقلة تدمج خدمات غوغل للتواصل تحت منصة واحدة، وكأنهم رغبوا في حبس مستخدمي الإنترنت داخلها. لكن الكمية الهائلة من الخيارات كان أحد الأسباب التي سحقت «غوغل ويف»، إذ امتلأت صفحة المستخدم بزحام ميئوس منه، بل وطارد كذلك.

قد يهمك أيضًا: أنت مخترَق: غوغل تعرف عنك أكثر مما تتخيل

غوغل بلس: مولد الابن المدلل

لم تيأس غوغل، بل قدمت «غوغل بلس» باعتباره استراتيجية اجتماعية، وليس مجرد منصة تواصل اجتماعي.

رغم أن التواصل الاجتماعي حاجة إنسانية أساسية، فإنه وفقًا للنائب الأول لرئيس الشؤون الاجتماعية في غوغل سابقا، «فيك غوندوترا»، تواجه الأدوات الاجتماعية على الإنترنت صعوبة في تحقيق الثراء الذي تحظى به الحياة الحقيقية، ولذلك جاء «غوغل بلس» محاولًا محاكاة الحياة الإنسانية الحقيقية، أي خلق بيئة أكثر تشابكًا عبر الإنترنت، وتحقيق ما فشل فيه باقي منصات التواصل الاجتماعي.

باستثمار أكثر من 500 مليون دولار رغم تشبع صناعة التواصل الاجتماعي، وُلد «غوغل بلس» في منتصف 2011، فتيًّا بين منصات التواصل الاجتماعي المتنافسة، مثل فيسبوك وتويتر ولينكد إن وبينتريست، معتدًّا بالكمية الهائلة من مستخدمي خدمة البريد الإلكتروني، مستفيدًا بخبرة المستخدمين في التواصل اجتماعيًّا، مُضيفًا خاصية أكثر إنسانية في التواصل عبر مكالمات الفيديو: «هانغ أوت» يضم 25 شخصًا.

لضمان أوسع انتشار، سعت غوغل إلى إضفاء شبح خدمة غوغل بلس على باقي خدماتها. لم تعد التعليقات على يوتيوب متاحة إلا باستخدام غوغل بلس.

جاء «غوغل بلس» محبًّا للتواصل أكثر، منافسًا بذلك تخمة الصور في بينتريست، وزحام الوسائط المتعددة في فيسبوك، وإمكانية إدخال أحرف لا حصر لها، عكس تويتر، دون الحاجة إلى إدخال تفاصيل غير قابلة للحصر ولا طائل منها كما في باقي المنصات.

قبيل انطلاقه، أحاط «غوغل بلس» نفسه بحالة من الغموض، أثارت فضول مستخدمي التواصل الاجتماعي، فاتجهوا إليه مدفوعين بغريزة التفرد والريادة والتميز. حينها اكتفى غوغل بتجربة تشغيل مبدئية عبر دعوات محدودة لبعض مستخدمي خدمة البريد الألكتروني، على أن يُسمح لكلٍّ منهم بدعوة 15 شخصًا آخر فقط لاستخدامه. ربما كان الهدف زرع الشغف والفضول عند مَن لم تصلهم الدعوات، ليندفعوا إلى استخدام «غوغل بلس» فور إطلاقه.

تعلقت الآمال بغوغل بلس، فبعد انطلاقه مباشرة، شهد أكبر نمو في تاريخ منصات التواصل الاجتماعي: 10 ملايين مستخدم شهريًّا. استعد الموقع لينافس فيسبوك (المستحوذ على كعكة التواصل الاجتماعي) معتمدًا على ترسانة شركته الأم، التي تضم في ما تضم يوتيوب وبلوغر وآندرويد.

ولضمان أوسع انتشار، سعت غوغل إلى إضفاء شبح خدمة غوغل بلس على باقي خدماتها. لم تعد التعليقات على يوتيوب متاحة إلا باستخدام غوغل بلس. وأضيفت خدمة محادثات الفيديو «هانغ آوت» التابعة لغوغل بلس إلى خرائط غوغل، وأدى ذلك حينها إلى موت مفاجئ لبطارية الهواتف الذكية وانتهاك خصوصيات المستخدمين. لكن سرعان ما أعلنت غوغل فصل التداخل، والحد من الامتيازات التي منحتها لغوغل بلس.

اقرأ أيضًا: مهارات التواصل، وليس التكنولوجيا: غوغل تقرر الأفضل لسوق العمل

هنا غوغل بلس: لماذا لم تسر الأمور على ما يرام؟

في إبريل 2015، وقبل ثلاث سنوات من انتهاء غوغل بلس، كتب «ستيف ديننغ»، مدير إدارة المعلومات في البنك الدولي سابقًا، مقالًا يوضح فيه الأسباب التي يرى على خلفيتها أن «غوغل بلس مات بالفعل، نحن فقط في انتظار جنازته».

  1. كي تدفع موظفيها لتطوير غوغل بلس، ربطت الشركة مكافآتهم بنجاح المنصة، وهو القرار الذي لم يكن صحيحًا، لأنه دفع الموظفين إلى إرضاء الإدارة دون التركيز على العمل الإبداعي الذي تحتاجه المنصة الوليدة لجذب مزيد من الزوار والحفاظ على مستخدميها
  2. لم تتحرَّ غوغل احتياجات مستخدميها، بل استمعت بشكل أكبر لموظفيها، ما جعل المنصة متأثرة بمهمة غوغل الأساسية: تنظيم محتوى الإنترنت، فصار التواصل من وجهة نظر غوغل بلس هو تنظيم مستخدميها لمعلوماتهم، ما قد ينفر الأشخاص العاديين الذين لا يحبون قضاء وقت طويل في مثل هذه المهمات. لم يكن غوغل بلس «مرحًا» بالقدر الكافي، أو بأي قدر
  3. لم تبذل غوغل جهدًا لخلق ما تنافس به فيسبوك. لماذا يكلف مستخدمو فيسبوك أنفسهم عناء مغادرة منصتهم المفضلة، التي تضم تاريخًا طويلًا من المعلومات والتفضيلات، وينتقلون إلى منصة أخرى؟ لا توجد إجابة عن هذا السؤال

في نفس الوقت، كان «مارك زكربرغ» مؤسس فيسبوك، يعلن حربًا حقيقية على غوغل بلس أمام موظفيه، مشجعًا إياهم على العمل لساعات أطول، وسامحًا لأسرهم بزيارتهم في مقر الشركة، لتتاح له فرصة تطوير منتجاته بشكل أسرع، كي يؤكد سيطرته على سوق مواقع التواصل الاجتماعي.

رغم كل العوامل التي ضيَّقت الخناق حول غوغل بلس، استمرت غوغل في إعلان تحديثات لمعالجة الأخطاء واللحاق بمتطلبات المستخدمين، وبذل مجهود أكبر في الاستماع إليهم، والتجاوب مع الآراء التي قد تُحسِّن من الخدمة.

نجح هذا في جذب هواة التصوير بسبب الصور ذات الجودة العالية، وإمكانية استخدام الموقع لتخزين الملفات، وقدرته التي لا مثيل لها على مستوى تعديل الصور.

أكثر حساسيةً من فيسبوك، أكثر هشاشةً أمام الفشل

رحل غوغل بلس كي يثبت أن مصلحة المستخدِم أساس صناعة التواصل الاجتماعي.

بينما كان الصراع دائرًا بين غوغل بلس وفيسبوك على الاستحواذ على أكبر وقت يقضيه المستخدمين على الإنترنت، انتشرت فضيحة تسريب بيانات ما يقرب من 55 مليون مستخدم لفيسبوك في مارس 2018. كان غوغل بلس قد اكتشف تسريبًا شبيهًا في نفس الشهر، بسبب ثغرة أمنية تقنية قد تتيح لأكثر من 348 مطور تطبيقات، الحصول على بيانات نصف مليون مستخدم، لكنه لم يجد دليلًا قاطعًا حتى الآن بشأن نتيجة ذلك الاستغلال المحتمَل.

حينها لم تعلن غوغل ما اكتشفته تجنبًا لإحداث لغط، وتفاديًا لمواجهة تحقيق موسع مثل سيناريو فضيحة فيسبوك. بعدها بسبعة أشهر، أعلنت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن غوغل أخفت الثغرة الأمنية. على الفور، أقرت غوغل بصحة التقرير، وقررت إغلاق غوغل بلس نهائيًّا بعد 10 أشهر، لمنح مستخدميه فرصة لنقل بياناتهم.

اقرأ أيضًا: ما يقدر عليه «اللايك»: لماذا يستجوب الكونغرس زكربرغ؟

نهاية غير سعيدة وغير لائقة لرحلة مُتعَبة قُدِّر لها ألا تُحسب لصالح قدرات غوغل على اجتذاب مستخدمين عبر خدماته. فشلُ غوغل بلس يلحق بكثير من المواقع الراحلة، مثل «Myspace» الذي يتخلى عن طموحاته في التواصل الاجتماعي ويبحث عن فرص جديدة، و«Vine» الذي كان يتيح لمستخدميه تسجيل مقاطع فيديو سريعة مدتها ست ثوانٍ، لكنهم هاجروا جميعًا إلى إنستغرام ويوتيوب، «وFriendster» الذي حصر نفسه كموقع ألعاب.

رحل غوغل بلس كي يثبت أن مصلحة المستخدِم أساس صناعة التواصل الاجتماعي. لم يصمد الموقع، رغم عدم وجود دليل على استغلال البيانات التي كانت عرضة للتسريب. وصمد فيسبوك، بكل تحقيقات الكونغرس واستغلال «كامبريدج أناليتيكا» لبيانات المستخدمين، الذين ربما طُوَّع سلوكهم لانتخاب رئيس آخر يغير مسار التاريخ.

إعلان موت غوغل بلس (الذي قدم نفسه بديلًا عن فيسبوك) بسبب الفضيحة ذاتها، يثير تساؤلات بشأن مصير فيسبوك نفسه. والتوجسات بشأن الفشل المحتمَل لموقع ساوند كلاود، الذي اضطر إلى تسريح 40% من موظفيه ولا يكفيه تمويله أكثر من ثلاثة أشهر، تثير حالة من الذعر على مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى مصيرنا كمستخدمين لتلك المنصات، وعلى مصير بياناتنا إذا فشلت تجارب أخرى: كيف سيصبح العالم إذا استيقظنا غدًا على خبر إغلاق فيسبوك وتويتر؟

مواضيع مشابهة