لو استخدمنا محركات البحث للعثور على حوارات مع الفنان يحيى الفخراني فربما لن نجد الكثير منها، سواءً الصحفية أو التليفزيونية، لكن الذاكرة وحدها ستسعفنا بخمسة مسلسلات درامية له على الأقل، وغالبًا أكثر من هذا.
الفخراني، الذي تخطى عامه السبعين بقليل، صار اسمه علامة جودة على أي عمل فني.
بجانب قدرته الاستثنائية على تجسيد شخصيات مختلفة، فإن اللافت للنظر في مسيرته هو تمكُّنه خلال سنوات عمله الاحترافية، التي امتدت منذ منتصف السبعينيات تقريبًا حتى الآن، على الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى ومن عمل لآخر مختلف تمامًا، محافظًا على أَلَقه وجودة اختياراته، سوى في فترة شهدت تراجعًا كبيرًا لمسلسلاته، لكنه عاد بعدها بأعمال ربما فاقت في جودتها بعض أعماله الأولى.
حاضر: كم مسلسلًا يمكننا تذكره ليحيى الفخراني؟
«المؤلفين متورطين معايا لأني عملت حاجات كتير أوي، والمؤلف بيبقى عاوز يخليني مبسوط من العمل، فيحط لي حاجات من اللي عملتها، ودي أكتر حاجة تبعدني (عن العمل)».
(من حوار للفخراني مع موقع «اليوم السابع»).
هذه العبارة هي المادة الأهم في دستور يحيى الفخراني لاختيار أعماله. في حوار قديم مع الإعلامي محمود سعد، قال الفنان الكبير إنه يفضل عدم تكرار العمل مع الفريق الذي نجح معه سابقًا، لأنه يريد تجربة فريق جديد يُخرج منه مساحات تمثيلية لم يقدمها من قبل. من هذا المبدأ يمكننا العودة إلى السؤال السابق: كم مسلسلًا يمكننا تذكره ليحيى الفخراني؟
سيتذكر من قضوا طفولتهم أو شبابهم في السبعينيات دوره في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكرًا»، الذي شكَّل أول ظهور لافت له جماهيريًّا، ثم الملحمة التليفزيونية الخالدة «ليالي الحلمية» في الثمانينيات، وهي التي سنقف عندها لاحقًا، وبعد ذلك تتوالى الأعمال: «لا»، و«نصف ربيع الآخر»، و«أوبرا عايدة»، و«عباس الأبيض في اليوم الأسود»، حتى «الخواجة عبد القادر» وما تلاه.
لو كررنا السؤال نفسه مع ممثلين كبار آخرين مثل محمود عبد العزيز أو نور الشريف، ففي الأغلب سنحصل على مسلسلين أو ثلاثة، أو ربما خمسة على أقصى تقدير.
المُلاحَظ في الأعمال السابقة هو التنوع الكبير على مستوى فريق العمل من مخرجين ومؤلفين، ولا مانع بعد التغيير من العودة إلى فريق قديم، وهكذا نعود إلى «ليالي الحلمية».
من المعروف عن الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة قدرته الفائقة على كتابة شخصياته بشكل مليء بالتفاصيل ليعطي الشخصية أكبر بعدٍ واقعي، لهذا عادةً ما يرتبط المُشاهد بشخصيات عكاشة، كما حدث مع «سليم البدري» (يحيى الفخراني) و«سليمان غانم» (صلاح السعدني) من «ليالي الحلمية»، لكن بقدر ما يجذب هذا المشاهد، بقدر ما يكون بمثابة فخ يقع فيه بعض الممثلين، وهو صعوبة الخروج من أدوار أسامة أنور عكاشة.
لهذا، ورغم تقديم الفنان صلاح السعدني كثيرًا من الأدوار، إلا أن دوره الأشهر هو «سليمان غانم» ثم «حسن أرابيسك» من مسلسل «أرابيسك: أيام حسن النعماني» مع عكاشة.
ثابت: والأسماء في التترات تتنوَّع
- يمكن إنت مش نجم شباك؟
- آه
(من حوار للفخراني في برنامج «هنا العاصمة» 2014).
انتظر يحيى الفخراني أن ينتهي ارتباطه بـ«ليالي الحلمية» بانتهاء الجزء الرابع عام 1992 (ظهر في الخامس ضيف شرف)، ثم في العام التالي كان آخر أدواره السينمائية في فيلم «أرض الأحلام» (لم يعُد سوى في 1998 في «مبروك وبلبل»)، ليقرر دخول مرحلة أخرى من الأدوار.
بذكاء عرف الفخراني أنه ليس من نجوم «الشبَّاك»، ليس الممثل الذي يحقق إيرادات سينمائية ضخمة حين يكون البطل الأول، وفي الوقت نفسه كانت السينما في تلك الفترة تشهد تراجعًا بانتشار الأفلام ضعيفة المستوى التي أُطلق عليها أفلام المقاولات، فكان خياره الأفضل الابتعاد عن السينما التي لا تتيح له تجربة مزيد من الأدوار، والبقاء على الشاشة الصغيرة حيث صار اسمه معروفًا بالفعل، وحيث يمكن أن يتصدر اسمه تترات المسلسلات ويكون كافيًا لمتابعة العمل.
في تلك المرحلة انتقل الفخراني بين كثير من الأعمال وجرب كل شيء، فكانت البداية بالدراما السياسية «لا» عن قصة الكاتب الكبير مصطفى أمين، وكتب له السيناريو عاطف بشاي، وهو العمل الذي لا يفقد طزاجته وقتما عُرِض. قدم شخصية المواطن الواقع تحت ظلم السلطة، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يستسلم أو يترك حقه، وجمع أداؤه بين الانكسار ممَّا حدث له، وفي ذات الوقت القوة لمحاولة تغيير ما يحدث.
ثم كان المسلسل الذي أوقع في حبه جيلًا جديدًا من المشاهدين لم يعرفوا «ليالي الحلمية» وربما لم يستسيغوا «لا»، وهو «ألف ليلة وليلة: علي بابا والأربعين حرامي». ويذكر أبناء التسعينيات بالطبع الانتظار السنوي للمسلسل كل عام.
وعن طريق المعالجة المختلفة التي قدمها الكاتب يسري الجندي للقصة الشهيرة، دخل الفخراني إلى عالم الفانتازيا وسيطر على الشاشة لمدة 33 يومًا هي عدد حلقات المسلسل، وامتد تأثيره إلى ما بعد ذلك بسبب الأغاني التي حفظها ورددها كثيرون.
عاد الرجل بعد ذلك إلى الأعمال السياسية والاجتماعية، فقدم «الخروج من المأزق»، الذي تناول قضية توظيف الأموال في وقت لم تكن دماء هذه القضية في مصر قد جفَّت بعد، وهو من المسلسلات النادرة التي قدم فيها الفخراني شخصية شريرة، وكذلك من المسلسلات التي يندُر إعادة عرضها.
تلى ذلك مسلسل آخر يُعد من علاماته هو «نصف ربيع الآخر»، الذي قدم الصراع الداخلي لشخصية المحامي «ربيع» على أكثر من مستوى، فهو المثالي الذي تناديه إغراءات المادة، وهو الزوج الذي تغازله حبيبته الأولى، وهو في كل هذا حائر ومتردد.
كان أهم ما ميَّز شخصية «ربيع» التي كتبها المؤلف محمد جلال عبد القوي هو أن الصراع داخلها منطقي ومقبول، وتجسيد الفخراني للشخصية وسقوطها في مرحلةٍ ما جاء متزنًا، فلا هو المثالي الذي لا يمكن أن يكون موجودًا في الحقيقة، ولا هو يتحول في لحظات سقوطه إلى شخصية شريرة.
بتقديم «نصف ربيع الآخر» كان الفخراني قد أدرك من النجاح والجماهيرية الكثير، وسار بقطار أعماله بين عدد من المؤلفين والمخرجين، بحيث أصبح على استعداد كامل للانتقال إلى المرحلة التالية.
ناجح: كم عملًا كلاسيكيًّا يرتبط اسمه بالفخراني؟
«أنا السؤال والجواب، أنا مفتاح السر وحل اللغز. أنا.. بشر عامر عبد الظاهر».
(من مقدمة مسلسل «زيزينيا: الوَلي والخواجة»).
يقدم يحيى الفخراني عملًا جديدًا يختلف عن سابقه كل مرة بحيث تصبح المقارنة صعبة.
بارتياحه لاستقرار اسمه بعيدًا عن مؤلف أو مخرج واحد، كان القرار سهلًا بالعودة للعمل مع أسامة أنور عكاشة مرة جديدة، ليقدم الفخراني شخصيته التي من الصعب نسيانها في «زيزينيا»: «بشر عامر عبد الظاهر»، أو «بوتشي» كما كانوا ينادونه في الجانب الإيطالي.
مرة أخرى ينجح عكاشة في كتابة شخصية جذابة التفاصيل. في الحقيقة نحن أمام شخصيتين هنا، المصري والإيطالي، المثالي في عمله والماجن في حياته الشخصية، الحبيب المخلص لـ«عايدة» (آثار الحكيم) والذي يقضي وقته بعيدًا عنها في مغازلة النساء. شخصيتين قدمهما الفخراني دون أن يُغفل أنهما في النهاية واحد، فلا تطغى أيٌّ منهما على الأخرى، ودون أن يشعر المُشاهد بانفصال بين الشخصيتين، بل تكون كل واحدة ظاهرة في الأخرى.
المُلاحَظ في هذه المرحلة هو وقوف الفخراني أمام فريق عمل ضخم مليء بالنجوم دون أن يفقد بريقه، وبعلمه التام أن اسمه وحده غير كافٍ لنجاح المسلسل، وإن كان هذا لا يمنع من بدء كل حلقة بلقطة له وحده يتحدث قبل ظهور التترات.
بعد «زيزينيا»، أخذ الفخراني يتنقل بين عدة مسلسلات ويضع بكلٍّ منها علامة في تاريخه، تاركًا سؤالًا في أذهان المشاهدين: هل ينجح في تقديم عمل يتخطى نجاح سابقه؟
يقدم الرجل عملًا جديدًا يختلف عن سابقه كل مرة بحيث تصبح المقارنة صعبة، فكان «للعدالة وجوه كثيرة» ثم «الليل وآخره»، وقبلهما «أوبرا عايدة» الذي قدم فيه الفخراني واحدة من أكثر الشخصيات التي لعبها تطوُّرًا.
الطريف أن الشخصية تمثل نقيضًا لدوره في «نصف ربيع الآخر»، فـ«سيد أوبرا» محامٍ لكنه فاسد، يستخدم ذكاءه في التلاعب بالقوانين لنصرة من يدفع أكثر، ثم يتحول في الثلث الثاني من المسلسل إلى رجل زاهد في الحياة ومكسور، وبعد ذلك يسخِّر قدراته لنصرة شخصية «عايدة» التي يؤمن ببراءتها.
أسهم السيناريو بالطبع في تمهيد كل تحوُّل للشخصية، بأن أظهر ملامح كل التحولات مغروسة في الشخصية منذ البداية، لكن قدرة الفخراني تجلَّت في توريط المُشاهد في حب شخصية يُدرك فسادها، وينتظر كيف سينجح في حل القضية القادمة، وهي من الأشياء التي يعرف أي ممثل مدى صعوبتها. أن يكره المُشاهد الشخصية السيئة فهذا نجاح للممثل، لكن أن يحبها كذلك فهذا نجاح أكبر.
لم تلقَ بعض أعماله النجاح المعتاد، مثل الجزء الثاني من «زيزينيا» بسبب التغيير الكبير الذي طرأ على الأبطال الرئيسيين، وبسبب عرض «أوبرا عايدة» في التوقيت نفسه، وكذلك «جحا المصري» و«لما التعلب فات»، لكن هذا لم يمنع الفخراني من مواصلة طريقه والعودة بأعمال أقوى في الأعوام التالية، حتى وصل إلى واحد من أنجح مسلسلاته جماهيريًّا: «عباس الأبيض في اليوم الأسود».
احتوى المسلسل على قدر كبير من الكوميديا داخل إطار اجتماعي، يمثل فيه الفخراني شخصية «عباس» المثالي الذي لا يتخلى عن مبادئه بينما يعاكسه حظه دائمًا، ليكون بمثابة عمل إنساني يضم شخصيات قريبة من الجمهور وكوميديا لا يمكن مقاومتها، وانتهى المسلسل والمشاهدون يرددون عبارة «أصل وأنا ماشي في العراق لاقيت جثة» التي رددها البطل دومًا.
هنا تجدر الإشارة إلى أن شخصية «عباس» ليست أفضل ما قدمه الفخراني، إذ كانت مثالية بصورة زائدة عن الحد وحظها سيئ بشكل يبتعد تمامًا عمَّا يمكن تخيُّل حدوثه لشخصٍ واحد، لكن المسلسل بأكمله احتوى على كثير من عناصر النجاح.
بعد هذا انتظر جمهور الفخراني مسلسله القادم، لكن اختياره التالي لم يكن على المستوى المطلوب. ليس إخفاقًا استثنائيًّا كما سبق، ولكنه دخل به في مرحلة هي الأضعف في تاريخه.
مغامر: يخفُت.. يبرُق زائفًا.. يكتشف سرًّا للبريق
«أنا مسؤول عن إنه مانجحش».
(من حوار للفخراني عن مسلسل «المَرسَى والبحَّار» في برنامج «هنا العاصمة» 2014).
بدايةً من مسلسل «المَرسَى والبحَّار» حتى «شيخ العرب همام (آخر ملوك الصعيد)»، لم يقدم يحيى الفخراني أعمالًا تبقى في ذاكرة المُشاهدين، وجميع هذه المسلسلات لم تضِف أي جديد له، ولا وجود لها على خريطة إعادة العرض.
قدم الفخراني مسلسل «المَرسَى والبحَّار» في عام 2005 ليكون أكبر سقوط لمسلسلاته، ليس على مستوى الجمهور فقط بل من جهة النقاد كذلك، إذ احتوى على كثير من المبالغات غير المقبولة أو المنطقية في حبكته، بالإضافة إلى تجسيد الفخراني دور شاب وهو في الستين من عمره، فكان غير مقنع في أداء الشخصية، لينتهي الأمر بالمسلسل للنسيان، وكأن أحدًا لا يريد أن يضعه في قائمة أعمال الفخراني.
سريعًا حاول الرجل التعافي من صدمة «المَرسَى والبحَّار»، فقدم مسلسلًا جيدًا هو «سكِّة الهلالي»، وإن كان لم يرجع فيه بقوة إلى سابق تميزه. والمسلسل نفسه، نظرًا لارتباطه بمرحلة الانتخابات البرلمانية في مصر آنذاك، كان عملًا مرحليًّا يمكن الاستمتاع به وقت الانتخابات، لكنه يفقد الكثير من جاذبيته بعيدًا عنها.
كرر الفخراني التعاون مع السيناريست يوسف معاطي في العام التالي في «يتربى في عزو»، الذي أعاد الجماهير إلى الفخراني عبر شخصية «حماده عزو»، وعلاقته الفريدة والكوميدية مع والدته «ماما نونة» (كريمة مختار)، لكن الارتباط بالشخصيتين لم يقابله ارتباط بأحداث المسلسل نفسها، فمن الصعب تذكُّر مشهد منه باستثناء موت الأم، أما بقية الشخصيات والأحداث فلم ينجح منها شيء في البقاء، وهكذا صار المسلسل مجرد بريق زائف لا أكثر.
هناك مشكلة واضحة في الأعمال التي يكتبها يوسف معاطي هي اهتمامه بترك علامة مميزة للشخصية الرئيسية بحيث تبقى في ذهن المشاهد، دون الاهتمام بمنطقية الأحداث والشخصيات الثانوية بالقدر نفسه، بل تكون عادةً شخصيات أحادية البُعد، واختيار الفخراني للعملين الأخيرين كان كسرًا واضحًا في ما قدمه خلال المرحلة السابقة من مسلسلات اهتمت بكل أبطال العمل.
قد يهمك أيضًا: الشيخوخة تنخر عرش الزعيم عادل إمام
لم يكن «ابن الأرندلي» عودة موفقة إلى الكوميديا، وربما لا يتذكره أحد من المشاهدين أصلًا.
لم ينجح الفخراني بمسلسليه التاليين «شرف فتح الباب» و«ابن الأرندلي» في تحويل البريق الزائف إلى بريق حقيقي لمسلسل قوي مثلما كان الحال سابقًا.
كان سيناريو «شرف فتح الباب» أفضل من سابقه وتاليه، إذ قدم الفخراني شخصية جديدة عليه، شخصية قريبة من الواقع: الموظف الذي يجد نفسه فجأةً دون عمل، فيكون أمامه إما قبول رشوة أو التمسك بمبادئه والبقاء عاطلًا.
البُعد الجديد هنا هو إضافة مسحة قوية من التدين على الشخصية تجعل قبولها الرشوة أمرًا يتخطى كسر المبادئ إلى كسر قواعد الدين، إلا أن التطويل أضرَّ بفكرة المسلسل التي لم تكن تحتاج إلى 30 حلقة، بجانب الدفع بالبطل في قصة حب دون المستوى.
لم يكن «ابن الأرندلي» عودة موفقة إلى الكوميديا، وهو من المسلسلات التي ربما لا يذكر أحد أن الفخراني قدمها من الأساس، فكانت أحداثه وحبكته، وحتى الشخصية التي قدمها الفخراني، خالية من أي مميزات.
كل هذه المحاولات قدمها يحيى الفخراني خلال رحلة تفتيشه عن اسم لم يتعامل معه من قبل، وموضوع جديد عليه يكون سبيله إلى العودة لمكانته التي اعتادها، وهكذا ظهر المؤلف عبد الرحيم كمال وظهر «شيخ العرب همام»، لتكون المرة الأولى خلال مشوار الفخراني التي يقدم فيها دراما تدور بالكامل داخل صعيد مصر.
استعاد الرجل توازنه نسبيًّا، فلا يمكن القول إن المسلسل عاد به لأعلى نِسَب مشاهدة، لكنه على الأقل كان أفضل من سابقيه على المستوى الفني، إلا أن الفائدة الكبرى أنه التقى عبد الرحيم كمال، الذي سيكتب أعماله التالية.
نتيجةً لثورة 25 يناير، وربما لإعادة ترتيب الأوراق، جاء العام 2011 دون مسلسلات جديدة للفخراني للمرة الأولى منذ 1998، ليبدأ بعدها مرحلة شديدة الخصوصية تليق بممثل كبير مثله.
ناضج: الأسماء في التترات تثبت
«مش فيه حد يقدر يهد مجام..
مجام بتاع خواجة مش معمول من طوب وزلط ورمل وكده..
مجام خواجة معمول من حُب».
(من مسلسل «الخواجة عبد القادر»).
أهم ما توصل إليه يحيى الفخراني بعد هذه الرحلة الطويلة، وبعد المرحلة الأخيرة تحديدًا، أن اختلافه سر تميزه. ليس قدراته التمثيلية فقط، وليس محاولاته المباشرة لصناعة عمل يسهل على الجمهور تقبله مثل «يتربى في عزو»، بل يأتي نجاحه من إقدامه على تجربة شيء جديد في كل عمل واختيار دراما غير مألوفة.
عودة سريعة إلى مسلسل «جحا المصري» وسنعلم أنه حين عُرض لمدة 30 حلقة في رمضان للمرة الأولى لم يحقق النجاح المطلوب، ولكن بإعادة مونتاجه وتقديمه في 16 حلقة لقي نجاحًا أكبر.
من هذه الفكرة الصغيرة عاد الفخراني بـ«الخواجة عبد القادر»، الذي قدم فكرة الحب المجرد بشكل مختلف وجديد، عن طريق شخصية «الخواجة» الذي يأتي إلى مصر ويتعلق بحب شقيقة العمدة، في واحدة من أغرب قصص الحب التي ظهرت في الدراما التليفزيونية المصرية مؤخرًا.
لم يكن تلقِّي المسلسل سهلًا على المُشاهدين عند عرضه الأول، إلا أنه نال استحسان كثير من النقاد. لم يكن من اليسير على المُشاهد أن يستمع للفخراني طَوَال حلقات المسلسل يتحدث العربية بلكنة أجنبية، لكن ثراء الشخصية جعل هذه التفصيلة على الهامش.
شهد المسلسل ميلاد المخرج شادي الفخراني، الذي كان له دور كبير في إضافة الكثير من الجمال البصري على مَشاهد العمل، بالإضافة إلى توظيف والده كممثل. ربما يحمل المسلسل اسم الفخراني الأب، لكن لا يمكن الوقوف عند مشهد واحد فقط أو تذكر شخصية وحيدة، فالعمل متكامل في تفاصيله، وشخصية الخواجة هي الشخصية الرئيسية ضمن عمل كبير.
لم يشغل الفخراني باله بنِسَب المشاهدة هذه المرة، وشق طريق لتنفيذ المسلسل التالي مع فريق العمل نفسه، ليحوِّل مأساة شكسبير الشهيرة «الملك لير» إلى مسلسل «دهشة»، ويحافظ فيه على مستوى الإبداع الفني نفسه، ويزداد شادي الفخراني تألقًا، بالإضافة إلى الرقي والذكاء اللذين عالج بهما عبد الرحيم كمال النص المسرحي، ليحوله إلى البيئة الصعيدية التي يفضل الكتابة عنها.
بعد توقف لعامين، عاد الفخراني ليتوَّج بنِسَب المشاهدة المرتفعة بمسلسل «ونوس» مع فريق العمل نفسه للمرة الثالثة على التوالي، وإن كان المسلسل فنيًّا ليس في قوة سابقيه إلا أنه ضمن التوازن المطلوب للفخراني، نجاح جماهيري، نجاح نقدي، شخصية لم يسبق له تقديمها من قبل: الشيطان.