مسلسل رشاش الذي لا يتحدث عن رشاش

الصورة: MBC STUDIOS - التصميم: منشور

شيخة البهاويد
نشر في 2021/08/16

ملاحظة: يحتوي المقال على حرق لأحداث المسلسل

****

«أظن أنني شاهدت هذا المسلسل 7 مرات من قبل». هذا ما قلته لنفسي «أثناء» مشاهدة مسلسل رشاش، الذي أنتجته منصة شاهد.

رشاش، قاطع الطريق الأشهر في السعودية في فترة الثمانينيات، يعتبر جزءًا من الذاكرة الشعبية السعودية، إذ لا يزال ضحاياه وأقاربه وبعض ممن شاركه جرائمه أحياء يتذكرون الأحداث ويتحدثون عنها. فهل أوصل لنا العمل شخصية رشاش كما يجب؟

رشاش: نجم من هوليوود

الصورة: MBC STUDIOS

أخرج مسلسل رشاش البريطاني كولين توغ، وكتبه المؤلف البريطاني توني جوردن، بمشاركة للبحرينية سهى آل خليفة وزوجها المخرج والمنتج البريطاني ريتشارد بيلامي. لاحظت ما لاحظته، صحيح؟ ليس من القائمين على العمل سعودي سوى ممثليه المنفذين للعمل، لا الصناع.

الموسيقى الخلفية المستخدمة في المسلسل كاملًا جاءت بعيدة عن الهوية السعودية، واستخدمت موسيقى ذات طابع غربي.

نعم، الإنتاج العالمي الذي أرادته منصة شاهد للمسلسل قاصدة منه رفع مستوى العمل كان واضحًا جدًا، وهو بالفعل خطوة جيدة في سبيل تغيير شكل الدراما الخليجية، لكن حين نطرح شخصية مثل رشاش، لا يجب أن نغفل أهمية الهوية وتاريخ المنطقة، وأهمية وضوحها في العمل، حتى لا نقع في فخ السردية الاستشراقية.

كان يجب أن يظهر رشاش سعوديًا، لا شخصية قادمة من هوليوود. لنأخذ على سبيل المثال مشهدًا من الحلقة الثالثة، حين يقفز رشاش بين السيارات، منتقلًا من سيارة صالون إلى صهريج يتسلقه ليقف أعلاه. ألم نشاهد هذه اللقطة في معظم أفلام الأكشن؟ ومِن كل ممثلي الأكشن الذين يخطرون على بالك؟ مشهد آخر، يقف فيه أحد أفراد العصابة أمام شاشات التلفزيونات من خارج أحد المحلات ليعرف أن الحكومة كلها تلاحقهم وتعرفهم، يبدو أن كل مجرمي العالم يقفون أمام المحلات ليشاهدوا أنفسهم.

لا يمكننا إنكار جماليات الصورة التي قدمها كولين توغ، فطريقة التصوير جديدة على الأعمال الخليجية، لقطات رشاش راكضًا خلف الحصان الأبيض الذي يمثل أحلامه وطموحاته، وتلطيخه بالدم في الحلقة الأخيرة مع إعدامه، ووقفته السعيدة بيد منطلقة للريح فوق الصهريج مع كاميرا من الأعلى، ومشهد جلوسه تحت القمر متأملًا، لقطات جميلة فعلًا، وجاذبة، ووصلت مشاعرها لي كمشاهدة. إلا أن الموسيقى الخلفية المستخدمة في المسلسل كاملًا جاءت أيضًا بعيدة عن الهوية السعودية، واستخدمت موسيقى ذات طابع غربي.

شخصيات نمطية

الصورة: MBC STUDIOS

ارتدى رشاش ملابس سعودية، وتحدث باللهجة المحلية، لكنه تصرف كأي بطل أكشن آخر، سيجارة، ونظرة حادة، ونقطة ضعف كل أبطال الأكشن: امرأة يحبها، والتي في حالة رشاش كانت والدته.

يظهر رشاش خلال ذلك شخصية تقليدية جدًا، رغم أنه لم يكن شخصًا تقليديًا في الحقيقة، فالرجل الذي أثار الرعب في قلوب السعوديين في تلك الفترة، تناوله المسلسل بشكل سطحي، ربما بسبب غربة الهوية بين الكتاب والشخصية، وربما لعدم قدرتهم على التواصل مع عائلته لمعرفة رشاش عن قرب، عائلته التي طالبت بإيقاف العمل بعد الإعلان عنه لكونه يفتح جروحًا بحسب وصف والدته التي لا تزال على قيد الحياة.

قد يكون هذا مبررًا لعدم التعمق في شخصية رشاش، لكن ماذا عن بقية الشخصيات؟

فهد، البطل الطيب في العمل، ضابط الشرطة الذي يحاول جاهدًا القبض على رشاش، كان يحاول أن يقنع رئيسه في العمل بأهمية مشاركته في القضية، بينما يضيق عليه رئيسه ويوقفه عن العمل الميداني. 

فهد شخص أخلاقي ومتمرد على القواعد، يحب عائلته، وتنتظره في بيته زوجته الحامل، وصديقه الذي يخبره بأنه سيتقدم لطلب يد حبيبته ويموت بعدها، أليست هذه قصة كل بطل طيب في أفلام الأكشن الهوليوودية؟ شخصية نمطية تقليدية في هذا النوع من الأفلام لتقابل البطل الشرير، وبطبيعة الحال سنشاهد مشاهد عدة لمواجهتهما في عراك بالأيدي.

شخصيتا فهد ورشاش الرئيسيتان إما خير أو شر، لم تكونا شخصيتين مركبتين تعبران عن واقع إنساني حقيقي، كانت هناك لحظات متعلقة بحب رشاش لوالدته أو رفضه قتل بعض من يسلبهم، شيء كهذا قد يكون قريبًا من التركيب، في مزج بعض الخير في الشخصية التي تمثل الشر، بينما وجدنا في فهد خيرًا صرفًا، ليست له الأبعاد الإنسانية المركبة، شخص ذو بعد واحد.

شخصيات أعضاء العصابة لم تكن أقل تقليدية، الخائف والمجنون والمخلص لعصابته وأصدقائه، وبالتأكيد زعيمهم الهادئ، إلا أن أداء بعض الممثلين لأدوارهم كان جيدًا، خاصة يعقوب الفرحان مؤدي الشخصية الرئيسية رشاش، وهو المتوقع منه بعد الأداء الجيد الذي قدمه في دور جهيمان في مسلسل العاصوف. على النقيض جاء أداء نايف الظفيري في دور الضابط فهد، والذي كان أداء روبوتيًا يمثل النص بالحرف دون إضافة فنية للشخصية، واتضح ذلك بشكل أكبر في مشاهد مواجهته للفرحان الذي فاقه أداء.

أخطاء وثغرات وإيجابيات

الصورة: MBC STUDIOS

في أحد المشاهد، يقرر الضابط المسؤول عن فهد ترقيته بسبب جهده في العمل على القضية، وينفذ ذلك فورًا فيخرج نجمة من الدرج ويقلد إياها فهد وسط زملائه. لم يكن هذا منطقيًا، فهل الترقيات في أجهزة أمنية حساسة بسهولة إخراج نجمة من الدرج؟

أضف إلى ذلك بعض الحوارات في العمل، والتي تبدو مترجمة حرفيًا عن الإنجليزية، فليس من المعقول أن يقولها عربي سعودي عاش في الثمانينيات، بل ظهرت بعض أصوات الممثلين وكأنها مدبلجة.

وقد انتقد بعض المشاهدين السعوديين على السوشيال ميديا موضوع غياب الشِّعر عن هذه الشخصية البدوية، وهو نقد مفهوم من أصحاب الهوية، لشعورهم بالغربة عن الشخصية التي كان يجب أن تكون أكثر شعبية. خاصة مع شهرة القصيدة التي يقال إن صاحبها رشاش، والتي يقول فيها:

«راكبلي وأن سرا بالليل ضلي

يبعد المنحاش ويخيط غتوقه

فوقه اللي لا يصوم ولا يصلي

جمس شكمانين والكافر يسوقه

انحر عتيبة ربوعي ماتذلي

والبلا بالمعترض لاطب سوقه

لا سجا الله عبلة في نجد هلي

محزمي برنون والرشاش فوقه»

ورغم شهرته في الواقع لكونه رشاش العتيبي، تجنب المسلسل ذكر اسم القبيلة واكتفى باسمه الأول، وذلك مفهوم بالطبع لحساسية المسألة القبلية، رغم أن منصة شاهد هوجمت في كل الأحوال بسبب إنتاجها لعملين يتحدثان عن شخصيات من قبيلة عتيبة، هما جيهمان ورشاش، وللمفارقة أداهما نفس الممثل.

يحتوي المسلسل على عدة شخصيات مصرية، وهو ما يعكس بشكل جيد وجودهم في السعودية خلال تلك الفترة، ويلاحَظ أيضًا تغير في طبيعة التمثيل الخليجي الذي يبتعد عن التقارب الجسدي بين الممثل والممثلة، إذ نشاهد قبلة على رأس المؤدية لدور الأم من ابنها، وزوجًا يمسك بطن زوجته الحامل، وهذا تطور جيد في الدراما الخليجية لخلق صورة حقيقية على الشاشة في التعامل بين نساء العائلة ورجالها.

الصورة: MBC STUDIOS

لا يجب أن ننسى ختام العمل الذي كان الأفضل من كل ما احتواه، موت أفراد العصابة وإعدام رشاش كانت مشاهد مثيرة وجذابة، وأداها الممثلون بشكل ممتاز.

ورغم تحذير شاهد بأن العمل يصلح لمن هم فوق 18 عامًا فقط، فإن العديد من المراهقين شاهدوا المسلسل، وبالتأكيد لا تتحمل المنصة مسؤولية ذلك، لكن مشاهدة بطل سعودي هوليوودي أدى لتركيب الشيلات والأغاني على مقاطعه، فالمراهق بطبيعته محب للتمرد، وبهذا تحول رشاش من مجرم إلى بطل، حتى وصل أحد الكافيهات السعودية إلى تزيين جدرانه بصور رشاش، وتسمية بعض مشروباته باسمه وأسماء عصابته.

كان يمكن في رأيي تحويل العمل إلى فيلم بدلًا من مسلسل كامل، لما احتواه من مط لبعض الأحداث والمشاهد، وكان من الأفضل لو كان هذا الإنتاج المبهر وعالي التكلفة قد تناول شخصية لبطل أكشن غير رشاش، الذي يحتاج تقديمه لأن يكون صناعه من المواهب السعودية التي تبهرنا على بقية المنصات.

هذا المسلسل ليس سيئًا، لكنه ليس سعوديًا ولا بطله رشاش.

مواضيع مشابهة