«كتيبة الإعدام»، «تحت الصفر»، «الهجامة»، «دماء على الأسفلت»، «الطُّعم والسنارة»، «الإسكندراني»، هذه أسماء أفلام بعضها معروف وبعضها ربما يمر عليك لأول مرة، لكن المشترك بينها أنها أعمال لـ«رئيس دولة الدراما المصرية والعربية» كما أُطلق عليه: أسامة أنور عكاشة.
كتب عكاشة مسلسلات مثل «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية» و«ضمير أبلة حكمت» و«الراية البيضا» و«أرابيسك» و«زيزينيا»، وهي أعمال ذاع صيتها عربيًّا ولم تكن تُنسَب إلا إليه، فكان يُقال «مسلسل جديد لأسامة أنور عكاشة»، وبذلك تكتسب شعبيتها، لا من المخرج أو الممثل النجم كما جرى العرف، حتى أنه حين اختلف مع الفنان عادل إمام بكل جماهيريته على مسلسل «أرابيسك»، قرر أن يستغنى عنه ويعطي دوره لصلاح السعدني.
قد يهمك أيضًا: الشيخوخة تنخر عرش الزعيم عادل إمام
حوارات عميقة: لا يعيد صياغة ما يكتب
لم يكن عكاشة يعيد صياغة كتاباته، بل كان فقط يفرغ انفعالاته على الورق ولا يراجعها.
كان أسامة أنور عكاشة يحب أن يناديه الناس بالروائي ويُطلق على أعماله المكتوبة «روايات»، إذ كانت بدايته مع الأدب لا التليفزيون، وربما أدى ذلك إلى تميزه في كتابة الحوارات الطويلة.
يرى الناقد الفني نادر عدلي أن أكثر ما ميَّز أعمال عكاشة الدرامية كان الحوارات العميقة.
خلال حديثه لـ«منشور»، يقول عدلي إن الكتابة للتليفزيون أقرب إلى الكتابة المسرحية التي تحكي خلالها الشخصيات عن أنفسها. هذه الميزة لا تنتقل إلى السينما بنفس الجودة، لأن الفيلم لا يتجاوز الساعتين في أغلب الأحيان، لذلك يحتاج إلى السيناريو أكثر ممَّا يحتاج الحوار، وتلعب الكاميرا فيه دورًا أكبر.
تؤكد ذلك الأستاذة بالمعهد العالي للسينما، الدكتورة منى الصبان، لأن الحوار السينمائي يحتاج إلى سيطرة على الزمن أكثر من التليفزيون، وهو أمر لا يحبذه عكاشة، الذي أخبرها ذات مرة أنه لا يعيد صياغة ما يكتب، بل يترك كل انفعالاته تخرج على الورق دون مراجعتها، وهو أمر يجعل الحوار طويلًا، وبالطبع لا يتفق مع الكتابة للسينما.
حكايات تاريخية: لا يرتاح في سجن الأفلام الضيق
ربما نجح «ليالي الحلمية» بسبب اشتياق الناس لرؤية تاريخهم، فهو أول مسلسل يسرد تاريخ المجتمع المصري هكذا.
أبرز أعمال أسامة أنور عكاشة التليفزيونية هي تلك التي تسرد تاريخ مصر وتنتقل من عصر إلى آخر، عبر شخصيات تتغير ملامحها النفسية والفكرية، أو تتبدل وتظهر شخصيات أخرى: «روايات أجيال» بالتعبير الأدبي، كما في «ليالي الحلمية»، و«المصراوية».
هذا السرد التاريخي، في رأي نادر عدلي، يحتاج إلى مساحات واسعة لا يتيحها فيلم سينمائي يُعرض خلال ساعتين، ولذلك فالمسلسلات الاجتماعية التاريخية هي ما صنع نجومية عكاشة وجعله أهم كاتب دراما تليفزيونية عربية على الإطلاق، خصوصًا مع «ليالي الحلمية» الذي امتد لخمسة أجزاء، وهو المسلسل الذي لفت نجاحه أنظار السوريين فأنتجوا «باب الحارة»، الذي يقدم معالجة لفترات من تاريخ سوريا خلال أجزاء مطولة.
اشتياق المشاهدين لرؤية تاريخهم القديم كان من أسباب نجاح «ليالي الحلمية»، فهو أول مسلسل يقدم سردًا تاريخيًّا للمجتمع المصري بهذا الشكل، كما تشير الناقدة الفنية هويدا حمدي.
توضح حمدي أن أفضل مسلسلات عكاشة هي التي قدمها مع المخرج محمد فاضل، خصوصًا «عصفور النار» و«الراية البيضا»، التي عالجت قضايا مهمة ومثَّلت إضافة للكاتب الكبير على المستوى الفني، أما المسلسلات التاريخية التي تلت «ليالي الحلمية»، مثل «زيزينيا» و«المصراوية»، فكانت أقل مستوًى ولا تحتوي على فكرة جديدة، مجرد تكرار للفكرة ذاتها التي نجحت من قبل، لكنها كانت دقيقة في الرصد التاريخي وقدمت تحليلًا مستفيضًا له.
اقرأ أيضًا: يحيى الفخراني: لن يظهر في رمضان، لن يغيب طَوَال العام
تحليلات نفسية: يجيد تشريح الشخصيات
تتيح الدراما الطويلة لعكاشة أن يُسهب في التفاصيل، وتسمح له باستعراض عضلاته التحليلية مع مستقبل الشخصيات وتحولاتها وماضيها، فيأتي محبوكًا كأنه سرد لقصص حقيقية وفقًا لمنى الصبان.
تضرب الصبان مثلًا بشخصية «علي البدري» في «ليالي الحلمية»، فتحولاتها النفسية والاجتماعية المختلفة تؤكد عبقرية عكاشة، الذي شخَّص نموذجًا مهمًّا في المجتمع المصري من خلالها.
سيناريوهات سينمائية: يحتاج إلى المال كجميعنا
لم يكن أسامة أنور عكاشة مخلصًا للسينما كما فعل مع التليفزيون، ولهذا لم تنجح أغلب أفلامه.
ما دفع عكاشة إلى الكتابة للسينما ربما كان الرغبة في الحصول على المال.
تشير هويدا حمدي إلى أن أكثر أفلام عكاشة تميزًا، «كتيبة الإعدام» و«دماء على الأسفلت»، نجحا لأن روح المخرج عاطف الطيب طغت عليهما، أما بقيتها فكانت أفلامًا عادية المستوى.
لمع نجم عكاشة بعد مسلسلي «الشهد والدموع» و«ليالي الحلمية» في فترة ثمانينيات القرن العشرين، وربما دفعه ذلك النجاح إلى كتابة «الطُّعم والسنارة» للسينما عام 1988 وبعده مجموعة أفلام أخرى، ثم توقف عن كتابة سيناريوهات الأفلام تمامًا عام 1992، قبل أن يعود في 1999 بفيلمين قصيرين هما «السرير» الذي أخرجه ابنه هشام، و«البراءة».
يرى نادر عدلي أن ما دفع عكاشة إلى الكتابة للسينما ربما كان الرغبة في الحصول على المال، ففي هذا التوقيت كان التليفزيون الحكومي هو المهيمن على الإنتاج الدرامي في مصر، ولم يكن يدفع أجورًا جيدة، في حين كانت السينما، التي يسيطر عليها القطاع الخاص، تدفع أكثر.