الدراما الكويتية: الوقوع في فخ الوجه الجميل

التصميم: منشور

ليلى أحمد
نشر في 2022/06/28

«لا يهم التمثيل والدور والشخصية اللي بمثلها، يهمني أنزل السوق أشتري ملابس وجناط ماركات، ومع أي ماكييرة بحط مكياج؟ وأبي أتفق مع كوافيرة، ونبي بوفيه فاخر نصوره لسناب شات».

ترد عليها زميلتها الأقل شهرة: «مثل ما طلبتي (لا طلب المخرج) اتصلت بـ(...) وقالت توني نافخة براطمي وخدودي، حدي وارمة إذا تأجلون تصوير مشاهدي أوافق، خل الإنتاج يطرشون العقد للبيت». 

هكذا تدور الأمور في أغلب كواليس المسلسلات الكويتية، كيف يظهر شكلنا حلو عشان يصير ترند ويقلدونا البنات ونجلب إعلانات، ونكسب فلوس زيادة. 

جمال لا تمثيل

بثينة الرئيسي في مسلسل «الديرفة» - الصورة: بيوند دريمز للإنتاج

الغالبية في الوسط الفني خصوصًا من البنات إذا كانت لديها مسحة من القبول الشكلي تنتقل من الشارع إلى لوكيشنات تصوير المسلسلات مباشرة، دون أدنى مؤهل دراسي علمي أو فني. الساحة مفتوحة على الشارع بكل فوضاه وجهله و«خرابيطه»، ساحة شهرة ومال مفتوحة لكل من هب على الأرض ودب.

هذا ما فعله عدم وجود شروط وضوابط من النقابات الفنية في البلاد، فالكل يستطيع أن يمارس مهنة التمثيل في الكويت، وليس حالنا كما نقابات مصر وسوريا ولبنان المنضبطة في شروط قبول المنتسبين إليها. 

التمثيل منذ نشأته في اليونان هو الخروج من شخصيتك الإنسانية، وتقمص شخصية درامية أخرى مختلفة عنك تمامًا، وهذا يحتاج لدراسة وورش وتدريبات، وكلها غير متوفرة لدى مئات العاملين في الدراما التلفزيونية.

اعتُمدت اللاموهبة من أمثال «المهم أكون حلوة»، والولد الحلو الجذاب الذي «يعرف يتنحنح ويسبل عيونه»، خصوصًا في دور الحبيب بالمسلسلات كأدوار خالد أمين، وفي ما بعد حسين المهدي. 

هذا غير الكليشيهات الكويتية في العنف لفظيًا وجسديًا، فالولد يزجر ابنه ويضربه، والأم تضرب بناتها اليافعات، والخطيب أو الزوج يعفس زوجته و«يسدحها» أرضًا، ومعظم كل هذا يقع دون مبررات درامية، بل فعل طارئ غير حقيقي، بهارات مرّة لزيادة جرعة المتابعة والتشويق.

كل المفاهيم الفنية منذ نشأة تاريخ الفن تحصل لدينا بالمخالفة لشروطها وقوانينها التي تطبق في دول العالم.

أداء مسرح لا تلفزيون

المعهد العالي للفنون المسرحية ومسرح الشباب وبعض الفرق المسرحية الأهلية هي أحد مصادر ضخ الكوادر للدراما التلفزيونية، وتورد ممثلين من الجنسين ومخرجين وفنيي صوت وضوء وديكور. 

كلتا الجهتين اختصاصها المسرح وليس التلفزيون، لكن هناك اختلاف وبَون شاسع من حيث الأداء التمثيلي والجسدي بين الاثنين، ولم يتفوق في ذلك إلا قليلين كالمخرج محمد دحام الشمري وبعض الممثلين. 

على اختلاف تقنيات الأداء بين المسرح، الذي يحتاج إلى قوة جسدية ورشاقة حركة وصوت عال على منصة مفتوحة وأمام جمهور كبير حاضر، ويحتاج الممثل المسرحي لاستخدام كل طاقاته ليعبر عن الشخصية الدرامية، بينما تقنيات التلفزيون ناعمة بطبيعتها: (لوكيشن محدود وكاميرا تأخذ لقطاتها كلوز.. ميدوم شوت.. لونج شوت). 

الأداء المسرحي المبالغ فيه انتقل للدراما التلفزيونية ذات التقنيات المختلفة عن المسرح. لنأخذ نموذج الأداء التمثيلي لهدى حسين، فأداؤها في الغالب عنف وصراخ، وهذا أداء مسرحي ولا يناسب رقة كاميرات وتقنيات الصوت والضوء التلفزيونية، مع إنها تحسنت في مسلسل «كف ودفوف»، إذ كان للحالة النفسية وحركة العينين ولغة الجسد والصمت قيمة عالية في التعبير الدرامي، أما داوود حسين فلا يزال أداؤه مسرحيًا في التلفزيون. 

ومن الأخطاء الفنية المهمة الضعف الشديد في النص، والخلل في البناء، أقوال وتنظير ونصائح كما مسلسل «ناطحة سحاب» كتابة نوف المضف وبطولة سعاد عبد الله، ومسلسل «من شارع الهرم» تأليف هبة مشاري حمادة وبطولة هدى حسين، في آخر عملين لهما رمضان الفائت.

ما قُدم لم يكن دراما حياة وحدوتة/قصة وحبكة درامية وصعود للذروة وبناء ورسم شخصيات، وإنما تنظير محفوظ وكأنك تشاهد عملًا مدرسيًا. الحاصل الآن أنه رغم تفوق الصورة الإخراجية بفضل جدّة الكاميرات وأحدث تقنيات الصوت والضوء، فإن المحتوى «يفشل» وضعيف جدًا. 

الفن «التعبان»

مشهد من مسلسل «أمينة حاف» - الصورة: MBC

تشوهت المفاهيم لدى المشاهدين، وبالذات البنات، اللاتي يفهمن التمثيل على أنه شكل استعراضي وبراندات وقصات شعر وكيلوين «ملوخية» على العيون حتى وهي في بيتها أو المطبخ أو سرير نومها، وضروري رموش صناعية وحاجبين مرسومين بالتاتو بحدة وكأنهما ثعبانين سوداوين، أو شارع الدائري السادس. تشويه لمفاهيم التمثيل، وأيضًا للجمال الأنثوي. 

هل نعرف الفرق بين الممثل الحقيقي كما سعد الفرج (كممثل وليس في اختياره الفاشل لأعماله الأخيرة) وحمد أشكناني وفوز الشطي وعلي أشكناني وهيا عبد السلام وحصة النبهان وروان المهدي، والآخرين المؤدين بلا إحساس؟ واللاتي جئن لمهنة التمثيل من الشوارع الخلفية لمدن الصفيح عديمة القيمة وصرن يتصدرن البطولات؟

الممثل الحقيقي هو الذي يجسد الشخصية الدرامية من أعماق حواسه ومشاعره، شكلًا وروحًا وتلونًا صوتيًا وفي تعابير الوجه والتفافات الجسد، بما يوحي بموقفه في المشهد.

حين فُتحت سماوات الفضاء على المنصات الأكثر احترافية مثل نتفليكس، شاهدنا مسلسلًا كويتيًا ينضح البؤس من كل عناصره الفنية. لا تفهم كيف يوافق المخرج بأمر من نجمة العمل على تصوير «كلوز» لوجه ممثلة بشع بسبب عمليات التجميل.. شفايف تسقط في حضنك وأنت خلف الشاشة، غير النص والأداء التعبان، غير عرض الحقائب والبراندات في مقدمة كادر الممثلة، وفي وجه الكاميرا بشكل رخيص. 

اقلب المسلسل الكويتي التعبان وشاهد أعمالًا إسبانية أو فرنسية أو أرجنتينية أو كورية أو غيرها، وتمتع بقصة المسلسل أو الفيلم، عيشه بكل حواسك مع الشخصيات، وستجد نفسك في شوق لمعرفة مصائرهم التي لا تخطر لك على بال. إقناع واحترام لوعي المشاهد، وتمثيل حقيقي في عمل مقنع متكامل البناء الدرامي. 

إنه يشبه حيواتنا أو حيوات ناس نعرفهم، أو ربما هو جديد بفكرته فنتعرف من خلاله إلى الآخر، وهذا هو دور جسور التواصل بالفنون الناعمة في تلاقي الثقافات واحترامها.

مواضيع مشابهة