في عام 1939، حين عُرضت إحدى أقدم المسرحيات في تاريخ الكويت، شارك فيها كممثل من أصبح لاحقًا أميرًا للدولة. كان وقتها ابنًا للحاكم، لكن لِمَا كان للمسرح من احترام ومكانة، سمح الحاكم لابنه الشيخ جابر الأحمد الصباح بالمشاركة في المسرحية، وكذلك حضر العرض.
وبعدها بنحو 80 عامًا، في 2016، عرض الفنان الكويتي طارق العلي مسرحيته «الصيدة في لندن»، وخرج بعض الجمهور يقول: «لا يمكنني أخذ عائلتي لمثل هذه العروض»، فكيف سقط المسرح الكويتي من القمة إلى القاع؟
الطريق إلى الريادة: في البدء كان المسرح
لم تكن مسرحية «هذا سيفوه»، التي ألفها عبد الأمير التركي وعُرضت عام 1987، إلا سيفًا قطع شعرة الحريات الإبداعية في الكويت، إذ كانت محورية في قضية تراجع المسرح، فمُنعت بعد عرضها لشهرين فقط بسبب تناولها قضايا سياسية وتجارية، لكن الرواية الرسمية تقول إنها أُوقفت بسبب الإساءة إلى الدين، وحُكم على بطلها عبد الحسين عبد الرضا بالحبس ثلاثة شهور بسبب خروج عن النص عام 1988.
كانت المسرحية أول أزمة مع المسرح في الكويت بعد مرحلة مزدهرة في ثمانينيات القرن العشرين، فشطرت الحكومة والإسلام السياسي البلاد إلى فتات من الثقافة والفنون، وأُغلق الباب حتى اليوم.
اقرأ أيضًا: حكايات شخصية من حياة عبد الحسين عبد الرضا
بدأ المسرح الكويتي مع المسرح المدرسي عام 1924 حين عُرضت أول مسرحية كويتية، كتبها الأديب والمؤرخ الكويتي عبد العزيز الرشيد باللغة العربية الفصحى بعنوان «المحاورة الإصلاحية»، ليعرض رأيه في طبيعة الصراع بين العلماء المجددين والتقليدين، منحازًا للتجديد وداعيًا إلى الاستنارة العلمية التي ستقضي على الجهل، إذ كان المسرح قد نشأ في المدرسة معتمدًا على التوجيه الديني، تمامًا كما بدأ المسرح العالمي في جميع الحضارات معتمدًا على أهازيج شعبية مرتبطة بطقوس دينية.
تحول المسرح لاحقًا إلى شكله الحالي لكن بصورة بدائية، وعُثر على مخطوط مسرحي ديني مصري عن الإله أوزوريس وبعثه كُتب قبل عام 2000 قبل الميلاد. نشأت كذلك الدراما الإغريقية، وهي أم المسرح الغربي، في الاحتفالات الطقسية التي وُلدت تحت أقدام الإله ديونيسوس.
انشغلت الكويت عن المسرح لسنوات عدة، لكنه سرعان ما عاد في ظروف صعبة في عام 1939، في ظل حرب عالمية ثانية طاحنة أغلقت وأبطأت عمل ممرات اليابسة والبحار كلها تقريبًا، ومن ضمنها حركة السفن التجارية في الخليج العربي، فزادت من شُحِّ الموارد، لكن الجمهور كان على موعد مع عرض مسرحية دينية بعنوان «عمر بن الخطاب بين الجاهلية والإسلام» في مدرسة المباركية، وهي تلك التي أشرنا إليها في البداية، وشارك فيها الأمير الراحل جابر الأحمد الصباح في سن صغيرة.
أخرج المسرحية الفلسطيني محمد محمود نجم، الذي كان مُعلمًا في المدرسة المباركية آنذاك، أول مدرسة نظامية في الكويت، ويذكر في مذكراته أن «الحضور كان كثيفًا وأُعجب بمشاهدة المسرحية. جلست النساء على سطح مدرسة المباركية، وقد جهزنا خشبة المسرح بالستارة الحمراء. وحضر العرض الأمير أحمد الجابر الصباح والمعتمد البريطاني دكوري».
اتسعت رقعة العروض من النصوص الدينية باللغة العربية الفصحى إلى الكتابة الاجتماعية الاحترافية باللهجة المحلية بين العامين 1943 و1955، إذ قُدِّمت المسرحيتان «مدير فاشل» و«أم عنبر»، اللتين يعود الفضل في عرضهما إلى الفنانين حمد الرجيب ومحمد النشمي.
يقول النشمي في مذكراته: «كانت المحاولة الأولى في حياتي، وليس غريبًا أن أقول بصراحة إن التأليف في ذلك الوقت لم يكن معروفًا لدينا بمعناه ومفهومه الحالي، وإنما كان عبارة عن عدد من الجمل ننظِّمها للفنانين المشاركين في المسرحية، كي لا يخرج الممثل عن نطاق الموضوع وهو على خشبة المسرح».
استقدمت الكويت عام 1960 المسرحي المصري زكي طليمات، الذي أسس العمل المسرحي وسد نواقصه.
رأى النظام شعبية المسرح ووعى لأهميته، فاعتنى به عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، إذ كانت الكويت وقتها تشهد نهضة على كافة المجالات خصوصًا في المشهد الثقافي، فتأسست في ذات الحقبة مجلة «العربي» عام 1958، وبثَّ تلفزيون الكويت أول برامجه عام 1960.
في عام 1960، ظهر شاب كويتي ذكي يُدعى صقر الرشود، أخرج المسرح الكويتي من مرحلة الارتجال إلى مرحلة النص المسرحي المكتوب، فكانت مسرحية «تقاليد» علامة فارقة في تاريخ المسرح الكويتي، وأسست لشكل متطور يعتمد على التأليف والنص الواضح للطاقم.
تأثر الكويتيون، نتيجةً لازدياد نشاط حركة التعليم والبعثات الطلابية، بكل ما يحدث في مصر، وعاشوا انتشار الفكر القومي في ستينيات جمال عبد الناصر، ورأَوا النهضة الفنية والثقافية في مصر آنذاك، من مسرح ناهض إلى غناء أساطير الطرب إلى إصدار مطبوعات ذات حس قومي عالٍ، فتأثرت روافد الفنون والثقافة بكل ما يحدث في مصر.
استقدمت الكويت عبر وزارة الشؤون الاجتماعية أحد أهم المسرحيين العرب عام 1960، زكي طليمات، الذي أسس العمل المسرحي وسد نواقصه، من إعداد الممثل إلى مشاركة العنصر النسائي في التمثيل، فقدم الفنانتين مريم الصالح ومريم الغضبان كأول امرأتين تصعدان على خشبة المسرح، واعتنى بالتأليف المسرحي والإخراج وبناء الفرق المسرحية، فأنشأ فرقة المسرح العربي ذات التوجه القومي.
توالت بعد طليمات الفرق الأهلية، فخرجت فرق «المسرح العربي» و«الخليج العربي» و«الشعبي» و«المسرح الكويتي» بدعم مالي من وزارة الشؤؤن، ممَّا يعكس رغبة الدولة في دعم المسرح معنويًّا وماليًّا، ولعبت هذه الفرق دورًا في الحراك الفني المسرحي في الكويت
وفي عام 1962، عُرضت على مسرح ثانوية الشويخ مسرحية «صقر قريش»، واستمر عرضها 24 يومًا كأول مسرحية تستمر لهذه المدة. ومع استمرار تطور المسرح الكويتي، تأسس عام 1974 المعهد العالي للفنون المسرحية، في نقلة نوعية للعمل المسرحي من الهواية إلى الدراسة والعمل الأكاديمي.
هذا التاريخ التصاعدي الباهر كيف كانت إنتاجاته؟
«أنا بوَّال يا مولاي»
أما مسرحية «الكويت سنة 2000»، التي عُرضت عام 1966، فكانت أكثر تعبيرًا عن قلق شريحة من المثقفين الذين تساءلوا عن مصير البلاد بعد انحسار النفط، وهي من كتابة سعد الفرج. ويقول خالد النفيسي أحد أبطال المسرحية، في خطابه الذي يفتتحها به: «يا أبناء النفط، أيها النفطيون، يا من أعماكم النفط عن مصيركم الأسود، اسمعوني وعُوا».
السبعينيات كانت استكمالًا لعملية النهوض، فقُدمت مسرحية «حفلة على الخازوق» التي كتبها المصري محفوظ عبد الرحمن وأخرجها الشاب صقر الرشود، استغلالًا لسقف الحريات العالي في الكويت عام 1975. قدمت المسرحية كثيرًا من الإسقاطات السياسية التي تشير إلى فساد الحكومة، المحبوسة مع بطانتها في خزائن القصور والدواوين المغلقة، وأظهرت أحد أبطالها، يعمل نجارًا، وهو يتبول على الحكومة.
برز وقتها الثنائي الأهم في تاريخ الفن الخليجي، تلميذا زكي طليمات وعضوا المسرح العربي، الفنانين عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج. قدم الثنائي مجموعة من أهم المسرحيات التي تعتمد على الفكاهة بالدرجة الأولى وتحمل قضايا اجتماعية، مثل «مطلوب زوج حالًا» عام 1971، و«ضحية بيت العز» عام 1976، و«على هامان يا فرعون» عام 1978.
في السبعينيات كذلك ظهر مسرح الطفل، الرائد في منطقة الخليج، وقُدمت أول مسرحية للأطفال عام 1974 بعنوان «أبو زيد بطل الرويد»، تأليف الشاعر فايق عبد الجليل، تلتها بعد ذلك مسرحيات عملت عليها المنتجة عواطف البدر والمخرجة نجاة حسين، أسست لأعمال مسرح الطفل الذي كان فتيًّا في تلك الفترة، ومهدت لظهور مسرحيات مثل «السندباد البحري» عام 1978، و«ألف باء تاء» عام 1980، و«ليلى والذيب» عام 1988.
بدأت بعد ذلك شخصية المسرح الكويتي تتبلور، وظهر الإنتاج المسرحي الخاص، ممَّا فتح الباب أمام من يمتلك المال ليدخل للمسرح، فصار تقليدًا لدى الكويتيين وغيرهم من سكان الخليج، وبسببه يتوافدون إلى الكويت لحضوره، وأصبح مصدر ربح كبير، وتحولت الفرق المسرحية إلى مناصب حكومية يسعى الأفراد إلى الوصول إليها.
شهدت تلك الحقبة أوج ازدهار المسرح الكويتي، ووصل عديد من أعماله إلى دول عربية، وكثير منها لا يزال عالقًا بالذاكرة، مثل «باي باي لندن» عام 1981، التي لاقت انتشارًا خليجيًّا وعربيًّا واسعًا، وكذلك مسرحيات ناقشت قضايا محلية مهمة، مثل «فرسان المناخ» عام 1983، التي تحدثت عن أزمة سوق المناخ الاقتصادية وتراخي الدولة وعدم رقابتها لأزمة قاصمة في تاريخ الكويت الاقتصادي، بالإضافة إلى المسرح السياسي في أعمال مثل «دقت الساعة» عام 1984، و«حامي الديار» عام 1986.
كان المسرح الكويتي وفنانوه في الثمانينيات معلمًا من معالم البلد، إلى درجة دعت الدولة إلى عرض مسرحية خاصة بعنوان «فرحة الأمة» أمام قادة دول مجلس التعاون الخليجي عام 1985، ولم تخلُ المسرحية من إسقاطات على السياسة آنذاك.
إلا أن السنوات التي شهدت ذروة المسرح الكويتي كانت كذلك السنوات التي عاشت أول مظاهر تراجعه، إذ بدأت الإسلام السياسي يتحرك بهدوء ويتدخل في نواحي الدولة بتشجيع من الحكومة لضرب القوى الوطنية، حتى صار الحاكم الفعلي بعد سنوات، وقبض على أغلب مفاصل الدولة المرتعشة أمام تنامي قواه، ولعل أول نتائج ذلك كانت كتم الحريات في المسرح.
كانت مرحلة مهمة، انفصل على إثرها الثنائي الأشهر في الخليج عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج، ممَّا ساعد المسرح التجاري في النهوض، فظهر نوع جديد من الكوميديا المعتمدة على التنابذ، مثل «هالو بانكوك» من تأليف وبطولة عبد العزيز المسلم، و«الكرة مدورة» من تأليف محمد الرشود، اللتين أُنتجتا عام 1988.
كان محمد الرشود، وهو شقيق صقر الرشود، منتجًا ذكيًّا، لعب على احتياجات السوق ووَضْع المسرح وقتها، فبرزت مسرحياته ولاقت حضورًا جماهيريًّا كبيرًا.
بعد غزو العراق عام 1990، تناولت الأعمال المسرحية قضية الاحتلال بشكل تنفيسي،فعُرضت مسرحيات في عام 1992 كان أهمها ما قدمه عبد الحسين عبد الرضا برفقة الفنانة حياة الفهد ومريم الصالح وخالد العبيد وأحمد جوهر، والنجم الصاعد آنذاك طارق العلي، «سيف العرب»، وقدم طارق العلي وأحمد جوهر سلسلة مسرحيات «مخروش طاح بكروش» و«طاح مخروش».
قد يهمك أيضًا: بعد الغزو: وقائع التلاعب بذاكرة الكويت لكُره العراق
هذه المرحلة اتَّسمت أيضًا بانفصال المسرح الكويتي عن قوميته العربية إثر مشاعر الألم بعد الحرب، ممَّا أعاد المسرح إلى محليته الأولى.
«الفودفيل» يا قلب العنا
«أنا أقدِّم فن الفودفيل، وهو نوع من المسرح وكوميديا الموقف الساخرة والهزلية، بما يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، لا أخدش حياءً ولا أعيب على شكل أحد». هذا ما قاله الفنان طارق العلي مدافعًا عن نفسه في مواجهة اتهامه بالإسفاف على خشبة المسرح.
«الفودفيل» نوع مسرحي يعتمد على الترفيه والتسلية، لكن الناقدة والصحفية الكويتية ليلى أحمد تقول لـ«منشور» ساخطةً إن «الفودفيل لا يهين البشر على المسرح مثلما يفعل طارق». لكن ما الذي حصل كي نصل إلى هنا؟
النجوم العمالقة الذين كانوا يرفعون مستوى المسرح وعايشوا ريادته، انزلقوا مع المستوى الهابط فقدموا مسرحيات مثل «عالمكشوف»، و«جنون البشر».
منذ أواخر الثمانينيات، حين كانت الأوضاع السياسية تشتد في الكويت، بدأت الدولة، ممثلةً في الرقابة، تضيِّق على المسرح أكثر من قبل، وظهرت خلال تلك الفترة مجموعة مسرحيات تعتمد على التهريج في ما تقدمه، واستمر هذا النوع من العمل المسرحي الذي يقدم الهزل حتى اليوم.
الهزل ربما يكون نوعًا من الكوميديا، إلا أن ما تقدمه تلك المسرحيات تجاوز ذلك إلى الابتذال. وأمثلة ذلك تتضح في تقديم محمد الرشود مسرحية «لولاكي» عام 1989، التي تتحدث عن اعتماد ربات البيوت على الخادمات، في مشاهد طويلة وممتدة من الكوميديا الهزلية على طريقة «الستاند أب كوميدي». وتغيب الحكاية أكثر وتمتد مشاهد الهزل والإسفاف في الجزء الثاني من المسرحية عام 1992، «لولاكي 2»، ثم تختفي الحكاية تمامًا وتصبح مجرد هزل في الجزء الثالث عام 2012، «لولاكي 3».
قد تكون «لولاكي» سلسلة نموذجية لانحدار المسرح في كامل مفاهيمه، لكنها ليست الوحيدة، ففي كل موسم ترى نفس النهج واستمرار الهبوط في المستوى الفني، مثل مسرحية «صباح الخير يا كويت» عام 1995، التي ألفها وأنتجها محمد الرشود.
حتى عمالقة النجوم الذين كانوا يرفعون مستوى المسرح وعايشوا ريادته انزلقوا مع المستوى الهابط، فقدموا الهزل على حساب الفكرة، مثل مسرحية «عالمكشوف» عام 1996، بطولة سعد الفرج وعبد العزيز النمش، ومسرحية «جنون البشر» عام 1997، بطولة سعد الفرج وسعاد عبد الله وخالد النفيسي، التي عُرضت أمام حُكام دول مجلس التعاون، لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب لاستخدامها لنفس تكنيكات المسرح التجاري.
على النمط ذاته سارت مسرحيات مثل «مراهق في الخمسين» عام 1996، التي قدمها عبد الحسين عبد الرضا، وقدم كذلك مع حياة الفهد مسرحية «قناص خيطان» عام 2002، وكانت المسرحيتان مثالًا على انزلاق الكبار إلى الهزل على حساب الفكرة.
وحتى الآن، لا يخلو حديث عن انحدار المسرح في الكويت من ذكر الفنانين طارق العلي وعبد العزيز المسلم، اللذين يقدمان الكوميديا المعتمدة على إهانة الأعراق، والسخرية بشكل مبتذل من الناس وأشكالهم وجنسهم وجنسياتهم ولونهم وأصولهم.
قد يعجبك أيضًا: نزهة في مفهوم الموهبة
كيف تحول المسرح الكويتي إلى سلعة؟
دخول المسرح الخاص وانسحاب الدولة من الدعم أسهم في تراجع الحركة المسرحية واستمرار المهزلة.
كانت الثمانينيات أوج الإنتاج المسرحي، لكن دخل المال في الإنتاج فأفسده. يوضح الكاتب المسرحي بدر محارب لـ«منشور» أن المنتِج صار يتدخل في كل جزء من المسرحية ليضمن الضحك المتواصل كأهم أهدافه: «لا علاقة للتجارة بالمسرح، لكن كل من يملك مالًا صار ينتج عملًا مسرحيًّا للحصول على ربح، وهؤلاء ربُّوا جمهورًا منذ 30 سنة».
يذكر الكاتب المسرحي عبد الأمير التركي أن رأس المال لا تهمه قيمة العرض والمستوى الفني، فقد «جعل من الطفل سلعة تُباع وتشتَرى في مسرح الطفل. إننا نشهد الانهيار بسبب القطاع الخاص».
دخول المسرح الخاص وعدم دعم الدولة للمسرح أسهم بشكل كبير في تراجعه، فإذا كان القطاع الخاص يضيِّع المسرح وتاريخه، فما الذي يمنع الدولة من أن تدعمه سوى أنها ترغب في استمرار المهزلة؟
اقرأ أيضًا: كيف يُقمَع الإبداع في العالم العربي؟
هل أسهم «الفارس» في تدهور المسرح؟
«عبد الحسين عبد الرضا بدأ مسرح الفارس جنينًا، لكنه خرج مشوهًا بسبب من جاء بعده مقلدًا إياه»، هكذا تتحدث الناقدة ليلى أحمد لـ«منشور»، فما فن الفارس؟
فن الفارس مسرحيًّا هو استخدام الصورة الهزلية بشكل مبالَغ فيه وكاريكاتوري، بقصد التسلية بشكل كوميدي وهزلي.
«الرقابة سبب التدهور، فهي تجيز ما يجعل المسرح في انحدار وتمنع الآخرين».
تقول أحمد: «يقدم طارق العلي أقوالًا من نوع الجريدة السياسية، وهي أن يقرأ الأخبار في الصحف اليومية ويسردها على المسرح كإفيه خارج النص ليتذمر تعبيرًا عن الناس، فيحصد تصفيقًا وضحكًا، لكن هذا لا يُعَد طرحًا لقضاياهم، كما هو مطلوب من تفعيل درامي على المسرح».
الرقابة والكويت: لماذا تدهور المسرح؟
يقول الفنان الراحل خالد النفيسي، في حلقة من برنامج «السنعوسي»، إن الرقابة سبب التدهور، فهي «تجيز ما يجعل المسرح في انحدار، وتمنع الآخرين»، ويعقِّب الكاتب المسرحي عبد الأمير التركي قائلًا: «الرقابة دهورت المسرح وحجَّمته، وبنت مسرحًا للرقص والشكشكة»، بينما يؤكد الكاتب المسرحي عبد العزيز السريَّع أنه لا مسرح دون رقابة، وتؤيده الفنانة سعاد عبد الله وتطالب ببقائها، لعدم وجود رقابة ذاتية لدى بعض الفنانين لكنها ترى أنها يجب أن تكون «بمرونة رقابة الستينيات».
قد يعجبك أيضًا: السينما الكويتية تكافح ضد محاذير الرقابة
لكن فعليًّا، ما فائدة وجود رقابة على المسرح إذا كان القانون الجنائي يحظر بعض التصرفات ويعاقب صاحبها؟ أليس وجود القانون كافيًا؟ أم أن القصد هو السيطرة على الإنتاج المسرحي والإبداع قبل خروجه بحسب الأهواء السلطوية؟
تقول تعقِّب ليلى أحمد: «سقف الحريات الحالي لا يسمح بأن تكون الكويت منارة للثقافة والفن».
«الجمهور عايز كده»
«لدينا صالات عرض مسرحي بأعلى التقنيات، لكن، ألا يحتاج الحراك الفني إلى سقف أعلى من حريات التعبير؟»
قد يسهل تحديد مشكلة انحدار المسرح في الكويت، لكن ما الحلول التي يجب تقديمها؟
تشدد ليلى أحمد لـ«منشور» على ضرورة وجود حركة مسرحية نقدية أكاديمية تواكب الحركة المسرحية، فالإبداع «يواكب النقد، لا المجاملة»، بينما يتساءل بدر محارب: «الأعمال المسرحية التي تقدمها مهرجانات الشباب توحي بوجود شباب واعٍ لمعنى المسرح، فما الضير في أن تُعرض للجماهير مقابل مبلغ رمزي، ليربي هذا المسرح جمهورًا كما فعل مسرح الإضحاك؟».
تعود ليلى للتذكير بأن «لدينا الآن دار الأوبرا وملحقاتها من صالات عرض مسرحي بأعلى التقنيات تتبع مراكز ثقافية أنشأها الديوان الأميري، هذا جميل ظاهريًّا، وقد يجعل الحراك المسرحي متاحًا بعد تهالك دور العرض الحكومية، لكن أليس الحراك الفني في صالات عرض جديدة بأعلى التقنيات يحتاج إلى سقف عالٍ من حريات التعبير؟».
هل فعلًا «الجمهور عايز كده»؟ هل ترغب الجماهير في فن لا قيمة له؟ لا يعتقد طارق العلي أن المسرح تراجع، معللًا ذلك باستمرارية الإقبال على مسرحه، فهل يعني هذا أن الجمهور حدد خياراته ويجب احترامها؟
الإجابة تأتي من الخيارات المتاحة للجماهير نفسها، فماذا يمكن للمواطن أن يشاهد، إضافةً إلى مسرح الهزل؟ لا شيء. كيف إذًا قررنا أن الجمهور «عايز كده»؟ الجمهور يُقبل على العمل بسبب حبه للمسرح وقلة الخيارات، وكل ذلك يعود إلى الرقابة والإنتاج وعدم دعم الدولة.
تختم ليلى بأن كل المجالات تقع إذا فسدت الدولة، فكلما زاد الفساد في بلد زادت الرقابة حتى لا يكون المسرح صوتًا للشعب. الحل إصلاح الدولة، فتربص رجال الإسلام السياسي وتخاذل الحكومة وتشديد الرقابة جعل الحال مزريًا وخانقًا، ولا يزال سيف «هذا سيفوه» يقطع جسد الأمة.